التعارض وعدم إمكان الجمع ، وقد تقرّر في محلّه ثبوت الإطلاق للمادّة بالنسبة إلى مورد فقد أحد الشروط المعتبرة عقلا في الهيئة التي منها إمكان الجمع ، كما هو الحال في إنقاذ الغريقين الغير المقدور إلّا احدهما ، فيكون الحاكم بالتخيير هو العقل ، وهذا بعينه موجود في المقام ، وحيث إنّه لا معنى للتخيير في الحجيّة التي هي المسألة الاصوليّة إلّا جواز الأخذ بأيّهما شاء ، كان العقل أيضا حاكما بهذا المعنى.
قلت : فرق بين الجعل الظاهري في الاصول وبينه في الطرق ، فالأوّل يمكن شموله لجميع أطراف العلم الإجمالي ، ولا يضرّه العلم بالخلاف حسب الواقع ؛ لأنّ تمام الموضوع فيه هو الشكّ وهو موجود في كلّ طرف ، وهذا بخلاف الطريق ؛ فإنّ معناه أنّه لم يلحظ فيه سوى الإيصال إلى الواقع من دون رعاية مصلحة في سلوك نفسه أصلا ، وهذا المعنى مقطوع الخلاف في كلا الطرفين ، بمعنى أنّه يعلم أنّ كلا الطريقين المتعارضين ليس فيهما ملاك الحجيّة ، بل الملاك مختصّ بأحدهما ، فليس هاهنا مقام التزاحم.
نعم يبقى هنا ملاك واحد ، ونسبته إلى كلّ من الطريقين الذين أحدهما مقتضاه على فرض الحجيّة تنجيز الواقع والآخر إسقاطه على حدّ سواء ، فتطبيقه على كلّ ترجيح بلا مرجّح ، فيسقط كلاهما عن التأثير.
والدليل على الثانية أنّ موضوع الحجيّة في الطرق هو الكشف الحاصل منها ولو بألف واسطة غير شرعيّة ، وليس مفاد دليل الحجيّة لزوم الأخذ بالمفاد المطابقي حتى يلزم الاقتصار عليه ، وحينئذ فلو سقط المدلول المطابقي عن الحجيّة إمّا لخروجه عن وظيفة الشارع ، وإمّا لأجل مانع ـ كما في المقام ـ فالكشف الحاصل منه بالنسبة إلى المدلول الالتزامي بنفسه فرد من موضوع الحجيّة غير منوط حجيّته بحجيّة المدلول المطابقي ، فتخصيص دليل الحجيّة بالنسبة إليه يكون بلا وجه.
ومن هنا ظهر أنّ نفي الثالث لا يحتاج القول به إلى القول بحجيّة الأحد المبهم ، بل يستقيم مع عدم القول به أيضا ؛ لما عرفت من أنّه مقتضى حجيّة المعيّنين في المدلول الالتزامي يعني بالأعمّ ممّا بعد في الدلالة اللفظيّة وغيره ، هذا ما يقتضيه القاعدة بناء على القول بالطريقيّة.