وكيف كان فمقتضى عدم نقض العمل السابق عدم التفكيك بين الأعمال السابقة ، فلو كان للمكلّف في السابق عملان ، أحدهما أكل اللحم والآخر الصلاة في الجلد والوبر فمقتضى عدم نقض العمل السابق بقاء كلا العملين في اللاحق.
فنقول مثل ذلك الحال في قوله : «كلّ شيء حلال حتى تعلم أنّه حرام» ، بيانه أنّ جعل الحليّة في الشيء بالعنوان الثانوي تارة يكون في عرض الواقع كما في الحليّة لأجل الضرورة ، والحليّة بالاصول والأمارات بناء على ما ذهب إليه شيخ الطائفة من الموضوعيّة والسببيّة ، والحليّة في هذه الصورة لا ربط لها بالحليّة الواقعيّة ، ولا يترتّب عليها الأثر المترتّب على الحليّة الواقعيّة كما هو واضح.
واخرى يكون جعل الحليّة بلحاظ الواقع وعلى وجه جعل القانون فيه ، كما هو الحال على المذهب المختار في الاصول والأمارات من الطريقيّة والحليّة في هذه الصورة وإن كانت مغايرة للحليّة الواقعيّة باعتبار أنّ الحليّة الواقعيّة مجعولة بالعنوان الأوّلى ، وهذه بالعنوان الثانوي الذي هو الشكّ ، إلّا أنّ جعل الحليّة بهذا النحو راجع إلى تنزيل الحليّة منزلة الحليّة الواقعيّة.
فأصالة البراءة الشرعيّة على هذا يفيد أنّ الحليّة في موردها بدل عن الحليّة الواقعيّة وتكون عند المكلّف بمنزلة الحليّة الواقعيّة ، فيجب عليه أن يعامل مع هذه الحليّة كلّ معاملة يعاملها مع الحليّة الواقعيّة ، ومن جملة المعاملات مع الحليّة الواقعيّة جواز الصلاة في الجلد والوبر من مأكول اللحم ، فلا بدّ أن يعامل ذلك مع الحليّة التي يفيدها هذا الأصل.
فإن قلت : القدر المتيقّن من هذا التنزيل هو الأثر الأوّل أعنى : جواز نفس العمل ، وأمّا الأثر المترتّب على الحليّة الواقعيّة فلا.
قلت : فلم تقولون بترتيب جميع آثار الطاهر على الشيء الذي ثبت طهارته بالأصل، فيحكم بجواز الصلاة معه وعدم نجاسة ملاقيه ولا يقتصر على الحكم التكليفي ، والحال أنّ دليل التنزيل فيه وهو قوله : «كلّ شيء طاهر» يكون مثل دليل التنزيل في المقام وهو قوله: «كلّ شيء حلال».