إثبات الحكم الأوّل بأصل البراءة النافي للحكم الثاني من باب إثبات أحد المتلازمين بالأصل المثبت لوجود الآخر ، ولا شكّ أنّه من الأصل المثبت الممنوع.
وأمّا في الثاني اعني : ما إذا كان عدم التكليف موضوعا لثبوت حكم آخر ، كما في جواز الصلاة في جلد ووبر ما يحلّ أكل لحمه ، حيث إنّ حليّة الأكل موضوع لجواز الصلاة في الجلد والوبر ، فالتحقيق أنّ أصالة البراءة الشرعيّة على هذا المبنى كما أنّها تفيد لحليّة نفس العمل ، فلا مانع من إثباتها لما يرتّب على حليّة العمل أيضا.
خلافا لبعض الأساتيد قدسسره حيث ذهب إلى أنّه لا يترتّب على الحليّة [الثابتة] بأصل البراءة ما كان مترتّبا على الحليّة الواقعيّة وإن كان يترتّب عليها ما كان مترتّبا على الأعمّ من الحليّة الظاهريّة والواقعيّة ، والحقّ ما ذكرنا ، ووجهه أنّه لا فرق في ذلك بين هذا الأصل وبين استصحاب الخمريّة ، أو إثباتها بالبيّنة ، فإنّه كما يثبت بهما الحرمة والنجاسة ، كذلك الأثر المترتّب على النجاسة وهو المانعيّة في الصلاة ، مع أنّ دليل المانعيّة مختصّ بالنجاسة الواقعيّة ، فحال أصالة البراءة في ما نحن فيه بالنسبة إلى الأثر المفروض حال الاستصحاب والبيّنة في الخمر.
فإن كان دليل ترتّب الأثر على حليّة العمل أعمّ من الحليّة الواقعيّة والظاهريّة فنعم المطلوب ؛ فانّه يتحقّق نفس الموضوع حينئذ بالأصل ، وإن كان مختصّا بالحليّة الواقعيّة كما هو الواقع ، فأصالة البراءة تفيد توسعة دائرة الموضوع ، فلا وجه لعدم توسعة حكمه.
وتوضيح هذا الإجمال أنّ عدم نقض الحالة السابقة في الاستصحاب يكون بمعنى عدم نقض المكلّف حاله السابق في العمل الذي كان يعمله من العمل اللزومي الفعلي ، أو اللزومى التركي ، أو العمل الدائر مدار ميله وإرادته ، وهو الجامع بين الشبهة في الموضوع والشبهة في الحكم ، ففي الأوّل يكون للموضوع حكم وللحكم عمل ، وفي الثانى يكون العمل للحكم المعلّق على موضوع.