الداعي إلى الاحتجاج صحّ الاحتجاج ، ففي الأوامر الطرقية المخالفة للواقع وكذا كلّ مورد فرض فيه الأمر الجدّي والطلب الحقيقي بدون غرض في العمل رأسا نلتزم بأنّ الأمر في حدّ ذاته حجّة ، بمعنى أنّه يقال في مقام الاحتجاج : لم خالفت أمرى وعملت على خلاف ما أمرتك به؟ فما به يحتجّ المولى إنّما هو الأمر لا غير ، ولكن لو لم يفت من المولى بمخالفة أمره ولو بالعنوان الثانوي غرض أصلا كان العقاب لغوا وبلا داع إليه أصلا ، وعدم صحّة العقوبة لأجل عدم فوت غرض وكونه لغوا وراء عدم صحّته لأجل عدم الحجّة وعدم المصحّح.
والحاصل أنّ نفس الأمر مصحّح والغرض داع ، فلو كان أمر وعلم خلّوه عن الغرض رأسا فليس عدم حكم العقل بلزوم الامتثال لأجل عدم وجود المصحّح ، بل لأجل عدم وجود المقتضي ، ولهذا لو كان الأمر مقرونا باحتمال المطابقة مع الغرض لزم الامتثال كما في الأوامر الطرقية ، إذ العقل يحكم بوجوب تحصيل الاطمئنان بالأمن من العقاب المتوقّف على الامتثال.
فتحصّل من جميع ما ذكرنا أنّ ما هو المصحّح في حكم العقل للعقاب في محلّ وجود مقتضيه هو الأمر ، وما هو الموضوع في حكمه للزوم الامتثال هو الأمر المقرون باحتمال المطابقة للغرض.
إذا عرفت ما تلونا عليك فاعلم أنّ المولى إذا أراد تحصيل غرضه من العبد فلا بدّ له من نصب الأمر الذي هو موضوع الحجيّة على ذلك ، لما عرفت من أنّ نفس الغرض لا يكون محرّكا وحجّة ، فلا بدّ أن يتوسّل لتحصيله بما هو كذلك وهو الأمر ، وحينئذ إمّا أن تعلّق أمره وتوجّهه نحو نفس الغرض ، وإمّا أنّ تعلّقه نحو عنوان آخر يعتقد مطابقته مع الغرض ، مثال الأوّل ما إذا كان غرضه إسهال الصفراء فقال لعبده : اسهل الصفراء ، ومثال الثاني أن يقول في المثال : اشرب السكنجبين معتقدا أنّ شربه نافع للإسهال.
ففي القسم الأوّل اللازم على العبد تحصيل العلم بحصول الغرض بإتيان كلّ شيء يحتمل دخله فيه ، وأمّا في الثاني فلا يجب عليه سوى ما أوقعه الآمر مركبا