ويشهد لما ذكرنا أيضا ما اشتهر من أنّ الخطابات الشرعيّة ألطاف في الواجبات العقليّة ، فإنّه لو كان الغرض وحده موضوعا لحكم العقل لكان لقائل أن يقول : لا حاجة بعد العلم بوجود المصلحة وإدراكها بطريق العقل إلى الأمر الشرعي ، بل يكفي في إلزام العقل بإتيانها كون المولى حكيما ومحبّا لكلّ مصلحة ويكون كلّ صلاح غرضا له ومحبوبا ، والمفروض أنّ الغرض موضوع تام للحجيّة وصحّة المؤاخذة والعقوبة ، فكان ذلك باعثا لارتداع النفوس ، فلم يتمّ الدليل المذكور الذي أقاموه على وجود الأمر الشرعي عند المصلحة العقليّة بوجوب اللطف على الله تعالى ؛ إذ لا لطف على هذا في الأمر ، بل وجوده وعدمه سيّان ، لحصول الارتداع بدونه.
لا يقال : إنّه لا يلزم ممّا ذكرت من عدم كون الغرض بما هو موضوعا كون الأمر بما هو كذلك ، بل نقول : إنّ الأمر أيضا بمجرّده غير موضوع ، فنقول : لو أمر مولى وعلم أنّ غرضه منحصر في اصدار الأمر وأنّه شيء محبوب له في حدّ ذاته من دون غرض له في ذات العمل أصلا لا بعنوانه الأوّلى ولا بعنوانه الثانوي الذي هو إطاعة الأمر فإنّه يمكن أن يحدث الغرض في العمل بنفس الأمر ، كما لو أمر بحضور جماعة ، فإنّ التهاون في الامتثال يكون هتكا له ، فيصير الترك مبغوضا له من جهة هذا العنوان الثانوي ، فنحن نفرض خلوّ العمل عن كلّ صلاح وتركه عن كلّ فساد حتّى مع ملاحظة الطواري والعناوين الثانوية له ، فهل ترى من وجدانك حينئذ الحكم بلزوم الموافقة والإتيان بالعمل بمجرّد الأمر الخالي عن الغرض ، ولهذا يقال في الأوامر الطرقية عند مخالفتها مع الواقع أنّها ليست موجبة للعقاب على مخالفتها ، فعلم أنّ الأمر بما هو ليس موضوعا كالغرض.
لأنّا نقول : هنا مطلبان لا بدّ من ملاحظتهما وعدم الخلط بينهما :
الأوّل : مصححيّته شيء للعقاب في حكم العقل ونظره.
والثاني : داعويّته للعقاب.
فالذي نحن ندّعيه في الأمر وننفيه عن الغرض هو الأوّل ، ولا يلزم منه استتباعه العقاب مطلقا ، بل هو حجّة ويصحّ الاحتجاج به ، ومعنى ذلك أنّه لو اتّفق