فلا يبقى على العبد إلّا التخلّص من تبعة الأمر ، وقد عرفت أنّه في الأقلّ معلوم وفي الزائد مشكوك.
وانت خبير بما في كلا الجوابين.
أمّا الأوّل : فلوضوح أنّ الإشكال غير مبتن على القول بالمصلحة الذي هو مختصّ بالعدليّة ، بل يعمّ على جميع الأقوال ، وذلك لأنّ الأمر لا محالة يكون ناشئا عن علّة وغرض ، ضرورة أنّ العاقل لا يأمر بدون ملاحظة غرض أصلا ، غاية الأمر وقع النزاع في تعيين ذاك الغرض في الباري تعالى ، فالعدليّة يقولون بأنّه مطابق للصلاح والحكمة ، والأشعرى يقول : بل هو غرض على وفق ميله تعالى ومشيّته ، ولا يقول بأنّ أوامره خالية عن الغرض رأسا ، فإنّه قائل بحكم العقل ، غاية الأمر ينكر التحسين والتقبيح.
والحاصل : معلّلية أوامر الله بل كلّ عاقل بأغراض في الجملة ممّا لا كلام فيه ولا خلاف ، فيجرى الكلام المتقدّم حرفا بحرف في الغرض من وجوب تحصيله ، لأنّه علّة للأمر ، والعلم بإسقاط الأمر واجب ، فيجب ما هو مقدّمته من العلم بتحصيل الغرض.
وأمّا الثاني فلأنّ عدم التّمكن من الجزم في النيّة بالدرجة العليا لا يوجب التنزّل من الدرجة الدنيا مع إمكانها وهو الإتيان بتمام ما احتمل دخله في المطلوب ، فإنّه يحصل معه الجزم بمرتبة نازلة لا يحصل ذلك مع الاقتصار على الاقلّ.
والتحقيق في الجواب عن أصل الإشكال يبتني على تقديم مقدّمة وهي أنّ هنا شيئين يصلحان لموضوعيّة حكم العقل ، أحدهما الأمر والآخر الغرض ، فهنا بحسب مقام الثبوت احتمالات ثلاثة :
الأوّل : أن يكون الأمر موضوعا ، ولو انفكّ عن الغرض دون العكس فالعقل يلزم أبدا نحو إطاعة الأمر ولا ينظر إلى مطابقته مع الغرض وعدمها ، ولا حكم له أيضا مع الغرض المجرّد عن الأمر.
الثاني : أن يكون الأمر بالعكس ، فيكون الغرض موضوعا ولو انفكّ عن