أرى بدر السماء يلوح حينا |
|
فيبدو ثم يلتحف السّحابا (١) |
وذاك لأنه لمّا تبدّى |
|
وأبصر وجهك استحيا فغابا |
مقال لو نمى عنّي إليه |
|
لراجعني بتصديقي جوابا |
وكان صاعد اللغوي (٢) صاحب كتاب «القصوص» ـ وقد تكرّر ذكره في هذا الكتاب ـ كثيرا ما يمدح بلاد العراق بمجلس المنصور بن أبي عامر ، ويصفها ، ويقرظها ، فكتب الوزير أبو مروان عبد الملك بن شهيد والد الوزير أبي عامر أحمد بن شهيد صاحب الغرائب ، وقد تقدّم بعض كلامه قريبا ، إلى المنصور في يوم برد ـ وكان أخصّ وزرائه به ـ بهذه الأبيات : [المنسرح]
أما ترى برد يومنا هذا |
|
صيّرنا للكمون أفذاذا |
قد فطرت صحّة الكبود به |
|
حتى لكادت تعود أفلاذا |
فادع بنا للشّمول مصطليا |
|
نغذّ سيرا إليك إغذاذا (٣) |
وادع المسمّى بها وصاحبه |
|
تدع نبيلا وتدع أستاذا |
ولا تبالي أبا العلاء زها |
|
بخمر قطربّل وكلواذا |
ما دام من أرملاط مشربنا |
|
دع دير عمّي وطيز ناباذا |
وكان المنصور قد عزم ذلك اليوم على الانفراد بالحرم ، فأمر بإحضار من جرى رسمه من الوزراء والندماء ، وأحضر ابن شهيد في محفّة لنقرس (٤) كان يعتاده ، وأخذوا في شأنهم ، فمرّ لهم يوم لم يشهدوا مثله ، ووقت لم يعهدوا نظيره ، وطما الطرب وسما بهم ، حتى تهايج القوم ورقصوا ، وجعلوا يرقصون بالنوبة ، حتى انتهى الدور إلى ابن شهيد ، فأقامه الوزير أبو عبد الله بن عباس ، فجعل يرقص وهو متوكئ عليه ، ويرتجل ويومئ إلى المنصور ، وقد غلب عليه السكر (٥) : [الرمل]
هاك شيخا قاده عذر لكا |
|
قام في رقصته مستهلكا |
لم يطق يرقصها مستثبتا |
|
فانثنى يرقصها مستمسكا |
__________________
(١) يلتحف السحاب : يتخذها لحافا ؛ غطاء.
(٢) انظر الذخيرة ٤ / ١ : ١٦.
(٣) نغذّ السير : نسرع.
(٤) النقرس : مرض مؤلم يصيب مفاصل قدم الرجل وخصوصا إبهامها.
(٥) في ه : «وقد غلبه السكر».