هذا غاية ما أمكن ذكره في بيان الفرق بين المواد والهيئات ، من حيث قابليّة المواد للوضع الشخصي دون الهيئات.
وقد أورد عليه شيخنا في كلتا الدورتين بما حاصله : أنّ الهيئة إن كانت قابلة للّحاظ كانت قابلةً للوضع الشخصي وإلاّ فلا ... ثم أكّد على قابليّتها لذلك بأنّ حقيقة الهيئة هو الشكل ، فكما أنّ هيئة الدار مثلاً شكل طارئ على المواد الإنشائيّة والبنائية ، كذلك هيئة ضارب ومضروب مثلاً شكل طارئ على «ض ر ب» وإذا تحقّق كونها شكلاً ، فالشكل من الأعراض ، والأعراض إنما تحتاج إلى المادة في وجوداتها ، أمّا في اللّحاظ والتصوّر فلا.
ثم أوضح دام ظلّه ذلك : بأن ملاك القابليّة للّحاظ الاستقلالي وعدمها هو الصلاحيّة للوقوع طرفاً للنّسبة ، فما لا يصلح لأن يقع طرفاً للنسبة لا يصلح لأن يلحظ باللّحاظ الاستقلالي ـ كما هو الحال في واقع الرَّبط ، فلا يقع طرفاً لها ولا يمكن لحاظه إلاّ بطرفيه ـ والهيئات صالحة لوقوعها طرفاً للنسبة ، لصحّة قولنا : «هيئة مقتول عارضة على مادة القتل» و «هيئة ضارب عارضة على مادة الضرب» وهكذا. وأيضاً ، فإنّا نلحظ هيئة فاعل مثلاً في قبال سائر الهيئات ونقول : هذه غير تلك! وهذا هو ملاك شخصيّة الوضع ، ويؤيّد ذلك أيضاً قولهم : كلّما كان على زنة فاعل ... وكلّ ما كان على زنة مفعول ... فإنّه لا ريب في لحاظهم المادّة ثم الحكم بأنها إن وجدت في هيئة كذا دلَّت على كذا ...
وتلخّص ، إمكان اللّحاظ الاستقلالي في الهيئات ، وبهذا ظهر أن حكمها يختلف عن المعاني الحرفيّة.