هذا ، وإذا كان المدلول في الهيئة عبارة عن ثبوت النسبة ، فإنّه يتوجّه الإشكال الأول ، وهو : إنه لا بدّ حينئذٍ من حصول التصديق بتلك النسبة ولو ظنّاً ، والحال أنه ليس كذلك.
فأجاب شيخنا عن ذلك : بأنّ النسبة الذهنيّة التي ينقلها المتكلّم إلى ذهن السامع بواسطة الهيئة ، هي نسبة تصديقيّة ، ولكن بمعنى القابليّة للتّصديق لا فعليّة التصديق ـ في مقابل ما لا دلالة له إلاّ الدلالة التصوريّة ، وهو مداليل المفردات اللفظيّة ، أو هيئات النسب الناقصة ـ فإن الألفاظ ذوات النسب التامّة دوالّ جعليّة ، ووظيفتها نقل المعاني إلى الأذهان ، فقد يصدَّق بها وقد لا يصدَّق ، وأمّا فعليّة التصديق ، فليس من وظيفة اللّفظ ، بل ذلك يتبع تحقّق الواسطة في الإثبات وعدم تحقّقه.
فمنشأ الإشكال هو : الخلط بين الحكاية الذاتيّة ، وهي حكاية الصّورة عن ذي الصّورة ، وبين الحكاية الجعلية للألفاظ عن المعاني ، والخلط بين التصديق وبين القابليّة للتصديق ، فإن الإنسان لمّا يرى شيئاً بعينه ، ينطبع صورة من ذلك الشيء في ذهنه ، فيكون ما في ذهنه حاكياً عن الشيء الخارجي الذي رآه ، وهذه هي الحكاية الذاتيّة ، التي لا دور للّفظ فيها ، ثم إذا أراد نقل هذه الصورة التي في ذهنه إلى ذهن شخصٍ آخر ، احتاج إلى اللّفظ ، فيستعمِله لنقله ، وهذه هي الحكاية الجعليّة ، والمخاطب لمّا يسمع الخبر فقد يصدّق به وقد لا يصدّق ، غير أنّ اللّفظ له القابليّة لأنْ يصدَّق به ، وهذا هو مذهب المشهور على التحقيق.
وحاصل مذهبهم : إن الجملة الخبريّة موضوعة للنسب الذهنيّة الفانية في