وإنْ اريد من ذلك أن هنا جعلين ومجعولين ، أحدهما جعل اللاّزم والآخر جعل الملزوم ، وهو الذي صرّح به في (الاصول على النهج الحديث) (١) بأنْ يكون لازم الوضع ، هو استعمال اللّفظ في المعنى بنحوٍ يكون اللّفظ حاكياً عن المعنى بنفسه ـ لا بالقرينة ـ وبجعل هذا اللاّزم يتم جعل الملزوم وهو الوضع ، فكان اللّحاظ الآلي في مرحلة جعل اللاّزم ، واللّحاظ الاستقلالي في مرحلة جعل الملزوم ، فلم يجتمع اللّحاظان.
ففيه : إن هذا خروج عن البحث ، لأن المفروض فيه اتحاد الوضع والاستعمال ، وهذا غير متحققٍ فيما ذكر. هذا أوّلاً. وثانياً : إن نسبة الملزوم إلى اللازم نسبة العلّة إلى المعلول ، فكيف يتصوّر استتباع جعل اللاّزم ـ مع الاحتفاظ على كونه لازماً ـ جعل الملزوم؟ إنّ فرض كونه لازماً هو فرض التأخّر له ، وفرض استتباعه جعل الملزوم هو فرض التقدّم له ، فيلزم اجتماع التقدّم والتأخّر في الشيء الواحد.
وأجاب المحقق العراقي باختلاف متعلَّق اللّحاظين ، فقال ما حاصله ـ كما في آخر بحث الوضع من (المقالات) تحت عنوان «تتميم» (٢) ـ بأنّه في مرحلة الاستعمال يكون الفاني في المعنى هو شخص اللّفظ ، فالملحوظ باللّحاظ الآلي هو شخص اللّفظ ، لكن الملحوظ في مرتبة الوضع هو طبيعة اللّفظ ، لأن الواضع يضع طبيعيّ اللّفظ لطبيعيّ المعنى لا لشخصه ، فما أشكل به المحقق النائيني خلط بين المرتبتين.
__________________
(١) الاصول على النهج الحديث : ٣٢.
(٢) مقالات الاصول ١ / ٦٧.