٢ ـ الكلام في وقوع الوضع بالاستعمال
وبعد الفراغ من مقام الثبوت وبيان الإمكان ، فهل هو واقع أو لا؟
قد تقدم سابقاً أن البحث يدور حول وضع اللّفظ على المعاني الشرعيّة من قبل الشارع ، سواء كانت معاني الألفاظ موجودةً من قبل أو لا ، وعليه ، فوجودها قبل شرعنا لا ينفي الحقيقة الشرعيّة ، وفي القرآن الكريم آيات تدلّ على وجودها كذلك ، وأنها كانت بنفس هذه الألفاظ ، كقوله عزّ وجلّ (وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ) (١) (وكُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ) (٢) و (أَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيّاً) (٣) ، فهذه الآيات تدل على وجود هذه المعاني من قبل ، وبنفس هذه الألفاظ ، ويشهد بذلك أنهم لم يسألوا النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم أنه ما ذا كان الصّيام؟ وما ذا كان الصّلاة ...؟
وعليه ، فلا معنى للوضع ، إلاّ إذا كان المعنى حادثاً ، كالأشياء المخترعة الآن ، أو كانت المعاني لا بهذه الألفاظ ... ونتيجة ذلك أن لا وضع من الشارع في مقام الإثبات ، بل إنه قد استعمل الألفاظ في نفس تلك المعاني ، غاية الأمر أنه اعتبر فيها بعض الخصوصيّات ... نعم ، مقتضى قوله تعالى : «وَمَا كَانَ
__________________
(١) سورة الحج : ٢٧.
(٢) سورة البقرة : ١٨٣.
(٣) سورة مريم : ٣١.