دون الأمارات لا يترتّب عليه عدم حجّية المثبت من الأُصول ، وإنّما يترتّب على هذا الفرق حكومة الأمارات على الأُصول ، فلا وجه لما أُفيد في التحريرات المطبوعة في صيدا بقوله : ومن حيث اشتراكها مع الأُصول غير التنزيلية في أخذ الشكّ في موضوعها لا تكون مثبتاتها حجّة الخ (١).
والجواب الحقيقي عن هذا التوهّم هو ما أشار إليه قدسسره من تقييد الحجّية المجعولة للأُصول الاحرازية بالبناء العملي ، وتوضيح ذلك يتوقّف على تمهيد مقدّمة ، وهي أنّ الحجّية بعد الفراغ عن كونها من الأحكام الوضعية القابلة للجعل بنفسها إمضاءً أو تأسيساً ، كالقضاوة والوكالة والولاية وغير ذلك من الأحكام الوضعية ، ولا تحتاج في جعلها إلى ترتّب الأثر الشرعي عليها ، بل إنّها لمّا كانت بنفسها أثراً شرعياً كانت بنفسها قابلة للجعل ، بلا حاجة إلى ترتّب أثر شرعي.
وبالجملة : أنّا لا نحتاج في جعل الأُمور الشرعية إلى ترتيب الأثر الشرعي كي يكون مرجع جعل الحجّية إلى الحكم بترتّب ذلك الأثر الشرعي ليعود محذور الاجتماع ، وإنّما أقصى ما نحتاجه في جعل الأُمور الشرعية هو أن يترتّب عليها أثر عملي لئلاّ يكون جعلها لغواً.
فنقول : إنّه يكفي في صحّة جعل الحجّية بعد فرض كونها بنفسها أثراً شرعياً ترتّب العمل عليها من الجري على طبقها ، وأنّها تكون بعد الجعل منجّزة للواقع لو أصابت ومصحّحة للعذر لو أخطأت ، وغير ذلك من الآثار العقلية.
ثمّ بعد ذلك نقول : إنّ الحجّية قابلة للتوسعة والتضييق بالنسبة إلى ما تكون حجّة فيه كما في الولاية الشرعية ، فإنّها قابلة للتوسعة والتضييق باعتبار ما يتولاّه الوالي المنصوب ، ألا ترى أنّ حجّية خبر الواحد ليست مطلقة في كلّ ما يقوم عليه
__________________
(١) أجود التقريرات ٣ : ١٣٤.