بحار الأنوار

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي

بحار الأنوار

المؤلف:

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي


الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: مؤسسة الوفاء
الطبعة: ٢
الصفحات: ٣٩٩
  الجزء ١   الجزء ٢   الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠ الجزء ٢١ الجزء ٢٢ الجزء ٢٣ الجزء ٢٤ الجزء ٢٥ الجزء ٢٦ الجزء ٢٧ الجزء ٢٨ الجزء ٢٩ الجزء ٣٠ الجزء ٣١ الجزء ٣٥ الجزء ٣٦ الجزء ٣٧ الجزء ٣٨ الجزء ٣٩ الجزء ٤٠ الجزء ٤١ الجزء ٤٢ الجزء ٤٣ الجزء ٤٤ الجزء ٤٥ الجزء ٤٦ الجزء ٤٧ الجزء ٤٨ الجزء ٤٩ الجزء ٥٠ الجزء ٥١ الجزء ٥٢ الجزء ٥٣ الجزء ٥٤ الجزء ٥٥ الجزء ٥٦ الجزء ٥٧ الجزء ٥٨ الجزء ٥٩ الجزء ٦٠ الجزء ٦١   الجزء ٦٢ الجزء ٦٣ الجزء ٦٤ الجزء ٦٥ الجزء ٦٦ الجزء ٦٧ الجزء ٦٨ الجزء ٦٩ الجزء ٧٠ الجزء ٧١ الجزء ٧٢ الجزء ٧٣ الجزء ٧٤ الجزء ٧٥ الجزء ٧٦ الجزء ٧٧ الجزء ٧٨ الجزء ٧٩ الجزء ٨٠ الجزء ٨١ الجزء ٨٢ الجزء ٨٣ الجزء ٨٤ الجزء ٨٥ الجزء ٨٦ الجزء ٨٧ الجزء ٨٨ الجزء ٨٩ الجزء ٩٠ الجزء ٩١ الجزء ٩٢ الجزء ٩٣ الجزء ٩٤   الجزء ٩٥ الجزء ٩٦   الجزء ٩٧ الجزء ٩٨ الجزء ٩٩ الجزء ١٠٠ الجزء ١٠١ الجزء ١٠٢ الجزء ١٠٣ الجزء ١٠٤

ذهاب هذا الكذا وكذا (١) فان هذا وأباه لم يأتيا قط بخير ، وقام يأمر الناس ، ووثب أهل عسكر الحسن عليه‌السلام بالحسن في شهر ربيع الاول ، فانتهبوا فسطاطه ، وأخذوا متاعه ، وطعنه ابن بشر الاسدي في خاصرته ، فردوه جريحا إلى المدائن حتى تحصن فيها عند عم المختار بن أبى عبيد.

٩ ـ كش : جبرئيل بن أحمد وأبوإسحاق حمدويه ، وإبراهيم بن نصير عن محمد بن عبدالحميد العطار الكوفي ، عن يونس بن يعقوب ، عن فضيل غلام محمد ابن راشد قال : سمعت أبا عبدالله عليه‌السلام يقول : إن معاوية كتب إلى الحسن بن علي صلوات الله عليهما أن : اقدم أنت والحسين وأصحاب علي فخرج معهم قيس بن سعد ابن عبادة الانصاري فقدموا الشام ، فأذن لهم معاوية ، وأعد لهم الخطباء فقال : يا حسن قم قبايع فقام وبايع ، ثم قال للحسين عليه‌السلام : قم فبايع ، فقام فبايع ، ثم قال : يا قيس قم فبايع فالتفت إلى الحسين عليه‌السلام ينظر ما يأمره ، فقال : يا قيس إنه إمامي يعني الحسن عليه‌السلام.

١٠ ـ كش : جعفر بن معروف ، عن ابن أبي الخطاب ، عن جعفر بن بشير ، عن ذريح قال : سمعت أبا عبدالله عليه‌السلام يقول : دخل قيس بن سعد بن عبادة الانصاري

____________________

(١) يعنى هذا الذي فعل كذا وكذا ، ادخل لام التعريف على كذا ، وهو من شيمة المولدين ولفظ ابي الفرج في المقاتل ص ٤٤ هكذا : ايها الناس لا يهولنكم ، ولا يعظمن عليكم ما صنع هذا الرجل الوله الورع اى الجبان ان هذا وأباه وأخاه لم يأتوا بيوم خير قط ، ان أباه عم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله خرج يقاتله ببدر فأسر أبواليسر كعب بن عمرو الانصارى فأتى به رسول الله فأخذ فذاءه فقسمه بين المسلمين وان أخاه ولاه على على البصرة فسرق مال الله ومال المسلمين فاشترى به الجوارى ، وزعم ان ذلك له حلال وان هذا ولاه أيضا على اليمن فهرب من بسر بن أرطاة وترك ولده حتى قتلوا وصنع الان هذا الذى صنع.

قال فتنادى الناس : الحمد لله الذى أخرجه من بيننا امض بنا إلى عدونا فنهض بهم الحديث.

٦١

صاحب شرطة الخميس على معاوية ، فقال له معاوية : بايع ، فنظر قيس إلى الحسن عليه‌السلام فقال : يا با محمد بايعت؟ فقال له معاوية أما تنتهي؟ أما والله إني ، فقال له قيس : ما شئت أما والله لئن شئت لتناقضن به فقال : وكان مثل البعير جسما وكان خفيف اللحية قال : فقام إليه الحسن عليه‌السلام وقال له : بايع يا قيس ، فبايع.

بيان : قوله « أما والله إني » اكتفى ببعض الكلام تعويلا على قرينة المقام أي إني أقتلك أو نحوه ، قوله « ما شئت » أي اصنع ما شئت ، قوله « لئن شئت » على صيغة المتكلم أي إن شئت نقضت بيعتك فقوله : لتناقضن على بناء المجهول.

١١ ـ كشف : عن الشعبي قال : شهدت الحسن بن علي عليهما‌السلام حين صالح معاوية بالنخيلة ، فقال له معاوية : قم فأخبر الناس أنك تركت هذا الامر ، وسلمته [ إلي ] فقام الحسن فحمد الله وأثنى عليه ، وقال : أما بعد فان أكيس الكيس التقى وأحمق الحمق الفجور ، وإن هذا الامر الذي اختلف فيه أنا ومعاوية إما أن يكون حق امرء فهو أحق به مني ، وإما أن يكون حقا هولي فقد تركته إرادة لصلاح الامة ، وحقن دمائها (١) وإن أدرى لعله فتنه لكم ومتاع إلى حين.

١٢ ـ ما : جماعة ، عن أبي المفضل ، عن عبدالرحمن بن محمد بن عبيد الله العرزمي عن أبيه ، عن عمار أبي اليقظان ، عن أبي عمر زاذان قال : لما وادع الحسن بن علي عليهما‌السلام معاوية ، صعد معاوية المنبر ، وجمع الناس فخطبهم وقال : إن الحسن ابن علي رآني للخلافة أهلا ، ولم ير نفسه لها أهلا ، وكان الحسن عليه‌السلام أسفل منه بمرقاة.

فلما فرغ من كلامه قام الحسن عليه‌السلام فحمد الله تعالى بما هو أهله ، ثم ذكر المباهلة ، فقال : فجاء رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله من الانفس بأبي ، ومن الابناء بي وبأخي ومن النساء بامي وكنا أهله ونحن آله ، وهو منا ونحن منه.

ولما نزلت آية التطهير جمعنا رسول الله (ص) في كساء لام سلمة رضي‌الله‌عنها

____________________

(١) في اسد الغابة ج ٢ ص ١٤ : ثم التفت إلى معاوية وقال : ان أدرى الخ والحديث في الكشف ج ٢ ص ١٤١ نقلا عن كتاب الحلية لابى نعيم الحافظ.

٦٢

خيبري ثم قال : « اللهم هؤلاء أهل بيتي وعترتي ، فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا » فلم يكن أحد في الكساء غيري وأخي وأبي وامي ، ولم يكن أحد تصيبه جنابة في المسجد ويولد فيه إلا النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وأبي تكرمة من الله لنا وتفضيلا منه لنا ، وقد رأيتم مكان منزلنا من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله.

وأمر بسد الابواب فسدها وترك بابنا ، فقيل له في ذلك فقال : أما إني لم أسدها وأفتح بابه ، ولكن الله عزوجل أمرني أن أسدها وأفتح بابه.

وإن معاوية زعم لكم أني رأيته للخلافة أهلا ، ولم أر نفسي لها أهلا فكذب معاوية ، نحن أولى بالناس في كتاب الله عزوجل وعلى لسان نبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله ولم نزل أهل البيت مظلومين ، منذ قبض الله نبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله فالله بيننا وبين من ظلمنا حقنا ، وتوثب على رقابنا ، وحمل الناس علينا ، ومنعنا سهمنا من الفيئ ومنع امنا ما جعل لها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله.

واقسم بالله لو أن الناس بايعوا أبي حين فارقهم رسول الله (ص) لاعطتهم السماء قطرها ، والارض بركتها ، وما طمعت فيها يا معاوية ، فلما خرجت من معدنها تنازعتها قريش بينها ، فطمعت فيها الطلقاء ، وأبناء الطلقاء : أنت وأصحابك ، وقد قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : ما ولت امة أمرها رجلا وفيهم من هو أعلم منه إلا لم يزل أمرهم يذهب سفالا حتى يرجعوا إلى ما تركوا ، فقد تركت بنو إسرائيل هارون وهم يعلمون أنه خليفة موسى فيهم واتبعوا السامري ، وقد تركت هذه الامة أبي وبايعوا غيره ، وقد سمعوا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول : « أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا النبوة » ، وقد رأوا رسول الله (ص) نصب أبي يوم غدير خم وأمرهم أن يبلغ الشاهد منهم الغائب.

وقد هرب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله من قومه ، وهو يدعوهم إلى الله تعالى حتى دخل الغار ، ولو وجد أعوانا ما هرب ، وقد كف أبي يده حين ناشدهم ، واستغاث فلم يغث ، فجعل الله هارون في سعة حين استضعفوه وكادوا يقتلونه ، وجعل الله النبي (ص) في سعة حين دخل الغار ولم يجد أعوانا ، وكذلك أبي وأنا في سعة من الله حين

٦٣

خذلتنا هذه الامة ، وبايعوك يا معاوية ، وإنما هي السنن والامثال ، يتبع بعضها بعضا.

أيها الناس إنكم لو التمستم فيما بين المشرق والمغرب أن تجدوا رجلا ولده نبي غيري وأخي لم تجدوا ، وإني قد بايعت هذا ، وإن أدري لعله فتنة لكم ومتاع إلى حين.

أقول : قد مضى في كتاب الاحتجاج بوجه أبسط مرويا عن الصادق عليه‌السلام وهذا مختصر منه (١).

١٣ ـ كشف : ومن كلامه عليه‌السلام كتاب كتبه إلى معاوية بعد وفاة أمير المؤمنين عليه‌السلام وقد بايعه الناس.

بسم الله الرحمن الرحيم من عبدالله الحسن بن أمير المؤمنين إلى معاوية بن صخر أما بعد فان الله بعث محمدا صلى‌الله‌عليه‌وآله رحمة للعالمين ، فأظهر به الحق ، ودفع به الباطل ، وأذل به أهل الشرك ، وأعز به العرب عامة ، وشرف به من شاء منهم خاصة ، فقال تعالى : « وإنه لذكر لك ولقومك » (١).

فلما قبضه الله تعالى تنازعت العرب الامر بعده ، فقالت الانصار : منا أمير ومنكم أمير ، وقالت قريش : نحن أولياؤه وعشيرته ، فلا تنازعوا سلطانه ، فعرفت العرب ذلك لقريش ، ونحن الآن أولياؤه وذوو القربى منه ولا غرو إن منازعتك إيانا ، بغير حق في الدين معروف ، ولا أثر في الاسلام محمود ، والموعد الله تعالى بيننا وبينك ، ونحن نسأله تبارك وتعالى أن لا يؤتينا في هذه الدنيا شيئا ينقصنا به في الآخرة.

وبعد فان أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه‌السلام لما نزل به الموت ولاني هذا الامر من بعده ، فاتق الله يا معاوية ، وانظر لامة محمد (ص) ماتحقن به دماءهم وتصلح امورهم والسلام.

____________________

(١) راجع ج ١٠ ص ١٣٨ ١٤٥ من الطبعة الحديثة.

(١) الزخرف : ٤٤.

٦٤

ومن كلامه عليه‌السلام ما كتبه في كتاب الصلح الذي استقر بينه وبين معاوية حيث رأى حقن الدماء وإطفاء الفتنة ، وهو :

بسم الله الرحمن الرحيم ، هذا ما صالح عليه الحسن بن علي بن أبي طالب معاوية بن أبي سفيان : صالحه على أن يسلم إليه ولاية أمر المسلمين ، على أن يعمل فيهم بكتاب الله وسنة رسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله وسيرة الخلفاء الصالحين (١) وليس لمعاوية بن أبي سفيان أن يعهد إلى أحد من بعده عهدا بل يكون الامر من بعده شورى بين المسلمين وعلى أن الناس آمنون حيث كانوا من أرض الله في شامهم ، وعراقهم وحجازهم ويمنهم ، وعلى أن أصحاب علي وشيعته آمنون على أنفسهم وأموالهم ونسائهم وأولادهم.

وعلى معاوية بن أبي سفيان بذلك عهد الله وميثاقه وما أخذ الله على أحد من خلقه بالوفاء ، وبما أعطى الله من نفسه ، وعلى أن لا يبغي للحسن بن علي ولاخيه الحسين ولا لاحد من أهل بيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله غائلة سرا ولا جهرا ، ولا يخيف أحدا منهم في افق من الآفاق.

هد عليه بذلك وكفى بالله شهيدا فلان وفلان والسلام.

ولما تم الصلح وانبرم الامر ، التمس معاوية من الحسن عليه‌السلام أن يتكلم بمجمع من الناس ويعلمهم أنه قد بايع معاوية وسلم الامر إليه فأجابه إلى ذلك فخطب وقد حشد الناس خطبة حمد الله تعالى وصلى على نبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله فيها ، وهي من كلامه المنقول عنه عليه‌السلام وقال :

أيها الناس إن أكيس الكيس التقى ، وأحمق الحمق الفجور (٢) وإنكم لو طلبتم بين جابلق وجابرس رجلا جده رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ما وجدتموه غيري وغير أخي الحسين ، وقد علمتم أن الله هداكم بجدي محمد ، فأنقذكم به من الضلالة

____________________

(١) في المصدر ج ٢ ص ١٤٥ ، « الخلفاء الراشدين » [ الصالحين ].

(٢) هذا هو الصحيح ، وفى بعض نسخ الرواية : « وان اعجز العجز الفجور » كما في اسد الغابة ج ٢ ص ١٤ ، وهو تصحيف.

٦٥

ورفعكم به من الجهالة ، وأعزكم بعد الذلة ، وكثركم بعد القلة ، وإن معاوية نازعني حقا هو لي دونه ، فنظرت لصلاح الامة ، وقطع الفتنة ، وقد كنتم بايعتموني على أن تسالموا من سالمت ، وتحاربوا من حاربت ، فرأيت أن اسالم معاوية وأضع الحرب بيني وبينه ، وقد بايعته ، ورأيت أن حقن الدماء خير من سفكها ولم ارد بذلك إلا صلاحكم وبقاءكم ، وإن أدري لعله فتنة لكم ومتاع إلى حين.

بيان : يقال « لا غرو » أي ليس بعجب قوله « ولا أثر » الجملة حالية أي والحال أنه ليس لك أثر محمود ، وفعل ممدوح في الاسلام.

أقول : سيأتي في كتاب الغيبة في الخبر الطويل الذي رواه المفضل بن عمر عن الصادق عليه‌السلام في الرجعة (١) أنه عليه‌السلام قال : يا مفضل ويقوم الحسن عليه‌السلام إلى جده (ص) فيقول : يا جداه كنت مع أمير المؤمنين عليه‌السلام في دار هجرته بالكوفة حتى استشهد بضربة عبدالرحمن بن ملجم لعنه الله فوصاني بما وصيته يا جداه وبلغ اللعين معوية قتل أبي فأنفذ الدعي اللعين زيادا إلى الكوفة في مائة ألف وخمسين ألف مقاتل ، فأمر بالقبض علي وعلى أخي الحسين ، وسائر إخواني وأهل بيتي وشيعتنا وموالينا ، وأن يأخذ علينا البيعة لمعاوية لعنه الله ، فمن أبى منا ضرب عنقه ، وسير إلى معاوية رأسه (٢).

فلما علمت ذلك من فعل معاوية ، خرجت من داري فدخلت جامع الكوفة للصلاة ورقأت المنبر واجتمع الناس فحمدت الله وأثنيت عليه وقلت : معشر الناس

____________________

(١) راجع ج ٥٣ ص ٢١ ٢٣. ولنا في ذيل الحديث كلام في سنده ومتنه ينبغى للباحث أن يراجع ذلك.

(٢) لكنه مخالف للتاريخ المسلم الصريح من أن زيادا هذا كان حين قتل على عليه‌السلام عاملا له على بلاد فارس وكرمان يبغض معاوية ويشنأه وكان في معقله بفارس قاطنا حتى أطمعه معاوية وكاتبه وراسله بعد أن صالح مع الحسن السبط عليه‌السلام ، فخرج زياد بعد ما استوثق من معاوية لنفسه ، فجاءه بدمشق وسلم عليه بامرة المؤمنين ثم استلحقه سنة أربع واربعين واستعمله على البصرة ، راجع اسد الغابة ج ٢ ص ٢١٦.

٦٦

عفت الديار ، ومحبت الآثار ، وقل الاصطبار ، فلا قرار على همزات الشياطين وحكم الخائنين ، الساعة والله صحت البراهين ، وفصلت الآيات ، وبانت المشكلات ، ولقد كنا نتوقع تمام هذه الآية تأويلها قال الله عزوجل : « وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئا وسيجزي الله الشاكرين » (١).

فلق مات والله جدي رسول الله (ص) وقتل أبي عليه‌السلام وصاح الوسواس الخناس في قلوب الناس ، ونعق ناعق الفتنة ، وخالفتم السنة ، فيالها من فتنة صماء عمياء ، لا يسمع لداعيها ، ولا يجاب مناديها ، ولا يخالف واليها ، ظهرت كلمة النفاق ، وسيرت رايات أهل الشقاق ، وتكالبت جيوش أهل المراق ، من الشام والعراق ، هلموا رحمكم الله إلى الافتتاح ، والنور الوضاح ، والعلم الجحجاح ، والنور الذي لا يطفى والحق الذي لا يخفى.

أيها الناس تيقظوا من رقدة الغفلة ، ومن تكاثف الظلمة ، فو الذي فلق الحبة وبرأ النسمة ، وتردى بالعظمة ، لئن قام إلي منكم عصبة بقلوب صافية ، ونيات مخلصة ، لا يكون فيها شوب نفاق ، ولا نية افتراق لاجاهدن بالسيف قدما قدما ولاضيقن من السيوف جوانبها ، ومن الرماح أطرافها ، ومن الخيل سنابكها فتكلموا رحمكم الله.

فكأنما الجموا بلجام الصمت عن إجابة الدعوة إلا عشرون رجلا فانهم قاموا إلي فقالوا : يا ابن رسول الله ما نملك إلا أنفسنا وسيوفنا ، فها نحن بين يديك لامرك طائعون ، وعن رأيك صادرون ، فمرنا بما شئت ، فنظرت يمنة ويسرة ، فلم أر أحدا غيرهم.

فقلت : لي اسوة بجدي رسول الله (ص) حين عبدالله سرا ، وهو يومئذ في تسعة وثلاثين رجلا ، فلما أكمل الله له الاربعين صار في عدة وأظهر أمر الله فلو كان معي عدتهم جاهدت في الله حق جهاده.

____________________

(١) آل عمران : ١٤٤.

٦٧

ثم رفعت رأسي نحو السماء فقلت : اللهم إني قد دعوت وأنذرت ، وأمرت ونهيت ، وكانوا عن إجابة الداعي غافلين ، وعن نصرته قاعدين ، وفي طاعته مقصرين ولاعدائه ناصرين ، اللهم فأنزل عليهم رجزك وبأسك ، وعذابك الذي لا يرد عن القوم الظالمين ، ونزلت.

ثم خرجت من الكوفة داخلا إلى المدينة ، فجاؤني يقولون : إن معاوية أسرى سراياه إلى الانبار والكوفة ، وشن غاراته على المسلمين ، وقتل من لم يقاتله وقتل النساء والاطفال ، فأعلمتهم أنه لا وفاء لهم ، فأنفذت معهم رجالا وجيوشا وعرفتهم أنهم يستجيبون لمعاوية ، وينقضون عهدي وبيعتي ، فلم يكن إلا ما قلت لهم وأخبرتهم.

أقول : أوردت الخبر بتمامه وشرحه في كتاب الغيبة.

وقال عبدالحميد بن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة : روي أن أبا جعفر محمد ابن علي الباقر عليهما‌السلام قال لبعض أصحابه : يا فلان ما لقينا من ظلم قريش إيانا وتظاهرهم علينا ، وما لقي شيعتنا ومحبونا من الناس ، إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قبض و قد أخبر أنا أولى الناس بالناس فتمالات علينا قريش حتى أخرجت الامر عن معدنه واحتجت على الانصار بحقنا وحجتنا ، تداولتها قريش واحد بعد واحد حتى رجعت إلينا فنكثت بيعتنا ، ونصبت الحرب لنا ، ولم يزل صاحب الامر في صعود كؤد حتى قتل.

فبويع الحسن ابنه وعوهد ، ثم غدر به ، واسلم ، ووثب عليه أهل العراق حتى طعن بخنجر في جنبه وانتهب عسكره ، وعولجت خلاخيل امهات أولاده فوادع معاوية وحقن دمه ودماء أهل بيته ، وهم قليل حق قليل.

ثم بايع الحسين عليه‌السلام من أهل العراق عشرون ألفا ثم غدروا به ، وخرجوا عليه ، وبيعته في أعناقهم فقتلوه.

ثم لم نزل أهل البيت نستذل ونستضام ، ونقصى ونمتهن ، ونحرم ونقتل ونخاف ولا نأمن على دمائنا ودماء أولياءنا ، ووجد الكاذبون الجاحدون لكذبهم

٦٨

وجحودهم موضعا يتقربون به إلى أوليائهم ، وقضاة السوء وعمال السوء في كل بلدة ، فحدثوهم بالاحاديث الموضعة المكذوبة ورووا عنا ما لم نقله ولم نفعله ليبغضونا إلى الناس ، وكان عظم ذلك وكبره زمن معاوية ، بعد موت الحسين عليه‌السلام فقتلت شيعتنا بكل بلدة ، وقطعت الايدي والارجل على الظنة ، وكان من ذكر بحبنا والانقطاع إلينا سجن أو نهب ماله ، أو هدمت داره.

ثم لم يزل البلاء يشتد ويزداد إلى زمان عبيد الله بن زياد قاتل الحسين عليه‌السلام ثم جاء الحجاج فقتلهم كل قتلة ، وأخذهم بكل ظنة وتهمة ، حتى أن الرجل ليقال له زنديق أو كافر أحب إليه من أن يقال شيعة علي ، وحتى صار الرجل الذي يذكر بالخير ولعله يكون ورعا صدوقا يحدث بأحاديث عظيمة عجيبة ، من تفضيل من قد سلف من الولاة ، ولم يخلق الله تعالى شيئا منها ولا كانت ولا وقعت وهو يحسب أنها حق لكثرة من قد رواها ممن لم يعرف بكذب ولا بقلة ورع.

٦٩

٢٠

* ( باب ) *

* « ( سائر ما جرى بينه صلوات الله عليه وبين معاوية ) » *

* « ( لعنه الله وأصحابه ) » *

١ ـ ج : روي عن الشعبي وأبي مخنف ، ويزيد بن أبي حبيب المصري أنهم قالوا : لم يكن في الاسلام يوم في مشاجرة قوم اجتمعوا في محفل أكثر ضجيجا ولا أعلا كلاما ولا أشد مبالغة في قول ، من يوم اجتمع فيه عند معاوية بن أبي سفيان عمرو بن عثمان بن عفان ، وعمرو بن العاص ، وعتبة بن أبي سفيان ، والوليد بن عتبة بن أبي معيط ، والمغيرة بن شعبة ، وقد تواطؤوا على أمر واحد.

فقال عمرو بن العاص لمعاوية : ألا تبعث إلى الحسن بن علي فتحضره فقد أحيا سيرة أبيه وخفقت النعال خلفه : إن أمر فاطيع ، وإن قال فصدق ، وهذان يرفعان به إلى ما هو أعظم منهما ، فلو بعثت إليه فقصرنا به (١) وبأبيه ، وسببناه وسببنا أباه ، وصعرنا بقدره وقدر أبيه ، وقعدنا لذلك حتى صدق لك فيه.

فقال لهم معاوية : إني أخاف أن يقلدكم قلائد يبقى عليكم عارها حتى تدخلكم قبوركم ، والله ما رأيته قط إلا كرهت جنابه ، وهبت عتابه ، وإني إن بعثت إليه لانصفته منكم ، قال عمرو بن العاص : أتخاف أن يتسامى باطله على حقنا ومرضه على صحتنا؟ قال : لا ، قال : فابعث إذا إليه.

فقال عتبة : هذا رأي لا أعرفه ، والله ماتستطيعون أن تلقوه بأكثر ولا أعظم مما في أنفسكم عليه ، ولا يلقاكم إلا بأعظم مما في نفسه عليكم ، وإنه لمن أهل بيت خصم جدل (٢).

____________________

(١) لعل المعنى : أن نتشاغل بنقصه ، من قولهم تقصرنا به أى تعللنا وتشاغلنا به. (٢) الخصم ككتف وصعب المخاصم المجادل ، ومثله جدل.

٧٠

فبعثوا إلى الحسن عليه‌السلام فلما أتاه الرسول قال له : يدعوك معاوية ، قال : ومن عنده؟ قال الرسول : عنده فلان وفلان وسمى كلا منهم باسمه فقال الحسن عليه‌السلام : مالهم خر عليهم السقف من فوقهم وأتاهم العذاب من حيث لا يشعرون ثم قال : يا جارية أبلغيني ثيابي ، ثم قال : اللهم إني أدرأ بك في نحورهم ، وأعوذ بك من شرورهم ، وأستعين بك عليهم ، فاكفينهم بما شئت وأنى شئت ، من حولك وقوتك يا أرحم الراحمين ، وقال للرسول : هذا كلام الفرج.

فلما أتى معاوية رحب به وحياه وصافحه ، فقال الحسن عليه‌السلام : إن الذي حييث به سلامة ، والمصافحة أمنة ، فقال معاوية : أجل إن هؤلاء بعثوا إليك و عصوني ليقرروك أن عثمان قتل مظلوما وأن أباك قتله ، فاسمع منهم ثم أجبهم بمثل ما يكلمونك ، ولا يمنعك مكاني من جوابهم.

فقال الحسن عليه‌السلام : سبحان الله البيت بيتك ، والاذن فيه إليك ، والله لئن أجبتهم إلى ما أرادوا ، إني لاستحيي لك من الفحش ، ولئن كانوا غلبوك إني لاستحيي لك من الضعف ، فبأيهما تقر؟ ومن أيهما تعتذر؟ أما إني لو علمت بمكانهم واجتماعهم ، لجئت بعدتهم من بني هاشم ، ومع وحدتي هم أوحش مني مع جمعهم ، فإن الله عز وجل لوليي اليوم وفيما بعد اليوم ، فليقولوا فأسمع ، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

فتكلم عمرو بن عثمان بن عفان فقال : ما سمعت كاليوم ، أن بقي من بني عبدالمطلب على وجه الارض من أحد بعد قتل الخليفة عثمان بن عفان ، وكان [ من ] ابن اختهم ، والفاضل في الاسلام منزلة ، والخاص برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أثرة فبئس كرامة الله حتى سفكوا دمه اعتداء وطلبا للفتنة ، وحسدا ونفاسة ، وطلب ما ليسوا بآهلين لذلك ، مع سوابقه ومنزلته من الله ومن رسوله ومن الاسلام فيا ذلاه أن يكون حسن وسائر بني عبدالمطلب قتلة عثمان أحياء يمشون على مناكب الارض وعثمان مضرج بدمه ، مع أن لنا فيكم تسعة عشر دما بقتلى بني امية ببدر.

٧١

ثم تكلم عمرو بن العاص ، فحمد الله وأثنى عليه ثم قال : إي يا ابن أبي تراب! بعثنا إليك لنقررك أن أباك سم أبا بكر الصديق ، واشترك في قتل عمر الفاروق ، وقتل عثمان ذا النورين مظلوما ، فادعى ما ليس له بحق ، ووقع فيه وذكر الفتنة وعيره بشأنها ثم قال :

إنكم يا بني عبدالمطلب! لم يكن الله ليعطيكم الملك فترتكبون فيه مالا يحل لكم ، ثم أنت يا حسن تحدث نفسك بأنك كائن أمير المؤمنين ، وليس عندك عقل ذلك ، ولا رأيه ، فكيف وقد سلبته ، وتركت أحمق في قريش وذلك لسوء عمل أبيك ، وإنما دعوناك لنسبك وأباك ، ثم أنت لا تستطيع أن تعتب علينا ، ولا أن تكذبنا في شئ به ، فان كنت ترى أنا كذبناك في شئ وتقولنا عليك بالباطل ، وادعينا خلاف الحق فتكلم ، وإلا فاعلم أنك وأباك من شر خلق الله.

أما أبوك فقد كفانا الله قتله وتفرد به ، وأما أنت فانك في أيدينا نتخير فيك ، والله أن لو قتلناك ، ما كان في قتلك إثم عند الله ، ولا عيب عند الناس.

ثم تكلم عتبة بن أبي سفيان ، فكان أول ما ابتدأ به أن قال : يا حسن إن أباك كان شر قريش لقريش : أقطعه لارحامها ، وأسفكه لدمائها ، وإنك لمن قتلة عثمان ، وإن في الحق أن نقتلك به ، وإن عليك القود في كتاب الله عزوجل وإنا قاتلوك به ، فأما أبوك فقد تفرد الله بقتله فكفاناه ، وأما رجاؤك للخلافة فلست منها لا في قدحة زندك ، ولا في رجحة ميزانك.

ثم تكلم الوليد بن عقبة بن أبي معيط بنحو من كلام أصحابه ، وقال : يا معاشر بني هاشم كنتم أول من دب بعيب عثمان ، وجمع الناس عليه ، حتى قتلتموه حرصا على الملك ، وقطيعة للرحم ، واستهلاك الامة (١) وسفك دمائها ، حرصا على الملك ، وطلبا للدنيا الخسيسة وحبالها ، وكان عثمان خالكم فنعم الخال كان

____________________

(١) كذا في النسخ والمصدر ص ١٣٨ ، وقد صححه في الاصل المطبوع هكذا : « واستملاك الامة ». وليس بشيئ.

٧٢

لكم ، وكان صهركم فكان نعم الصهر لكم ، قد كنتم أول من حسده وطعن عليه ثم وليتم قتله ، فكيف رأيتم صنع الله بكم.

ثم تكلم المغيرة بن شعبة وكان كلامه وقوله كله وقوعا في علي عليه‌السلام ثم قال : يا حسن إن عثمان قتل مظلوما فلم يكن لابيك في ذلك عذر برئ ، ولا اعتذار مذنب ، غير أنا يا حسن قد ظننا لابيك في ضمه قتلته ، وإيوائه لهم وذبه عنهم أنه بقتله راض ، وكان والله طويل السيف واللسان : يقتل الحي ويعيب الميت وبنو امية خير لبني هاشم من بني هاشم لبني امية ، ومعاوية خير لك يا حسن منك لمعاوية.

وقد كان أبوك ناصب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في حياته ، وأجلب عليه قبل موته وأراد قتله ، فعلم ذلك من أمره رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ثم كره أن يبايع أبابكر حتى اتي به قودا ، ثم دس إليه فسقاه سما فقتله ، ثم نازع عمر حتى هم أن يضرب رقبته ، فعمل في قتله ، ثم طعن على عثمان حتى قتله ، كل هؤلاء قد شرك في دمهم فأي منزلة له من الله يا حسن ، وقد جعل الله السلطان لولي المقتول في كتابه المنزل ، فمعاوية ولي المقتول بغير حق ، فكان من الحق لو قتلناك وأخاك ، والله ما دم علي بخطر من دم عثمان ، وما كان الله ليجمع فيكم يا بني عبدالمطلب الملك والنبوة ثم سكت.

فتكلم أبومحمد الحسن بن علي صلوات الله عليهما فقال : الحمد لله الذي هدى أولكم بأولنا ، وآخركم بآخرنا ، وصلى الله عليه سيدنا محمد النبي وآله وسلم ثم قال : اسمعوا مني مقالتي ، وأعيروني فهمكم ، وبك أبدأ يا معاوية.

ثم قال لمعاوية : إنه لعمر الله يا أزرق ما شتمني غيرك ، وما هؤلاء شتموني ولا سبني غيرك وما هؤلاء سبوني ، ولكن شتمتني وسببتني ، فحشا منك ، وسوء رأي ، وبغيا وعدوانا وحسدا علينا ، وعداوة لمحمد صلى‌الله‌عليه‌وآله قديما وحديثا.

وإنه والله لو كنت أنا وهؤلاء يا أزرق! مثاورين في مسجد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وحولنا المهاجرون والانصار ، ما قدروا أن يتكلموا بمثل ما تكلموا به ، ولا

٧٣

استقبلوني بما استقبلوني به ، فاسمعوا مني أيها الملا المخيمون (١) المعاونون علي ولا تكتموا حقا علمتموه ، ولا تصدقوا بباطل نطقت به ، وسأبدأ بك يا معاوية فلا أقول فيك إلا دون مافيك.

أنشدكم بالله! هل تعلمون أن الرجل الذي شتمتموه صلى القبلتين كلتيهما وأنت تراهما جميعا ضلالة ، تعبد اللات والعزى؟ وبايع البيعتين كلتيهما بيعة الرضوان وبيعة الفتح ، وأنت يا معاوية بالاولى كافر ، وبالاخرى ناكث.

ثم قال : أنشدكم بالله! هل تعلمون أنما أقول حقا إنه لقيكم مع رسول الله (ص) يوم بدر ومعه راية النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ومعك يا معاوية راية المشركين ، تعبد اللات والعزى ، وترى حرب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله والمؤمنين فرضا واجبا ، ولقيكم يوم احد ومعه راية النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ومعك يا معاوية راية المشركين ، ولقيكم يوم الاحزاب ومعه راية النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ومعك يا معاوية راية المشركين ، كل ذلك يفلج الله حجته ، ويحق دعوته ، ويصدق احدوثته ، وينصر رايته ، وكل ذلك رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يرى عنه راضيا في المواطن كلها.

ثم أنشدكم بالله! هل تعلمون أن رسول الله (ص) حاصر بني قريظة وبني النضير ثم بعث عمر بن الخطاب ومعه راية المهاجرين ، وسعد بن معاذ ومعه راية الانصار فأما سعد بن معاذ فجرح وحمل جريحا ، وأما عمر فرجع وهو يجبن أصحابه ويجبنه أصحابه ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : لاعطين الراية غدا رجلا يحب الله ورسوله ، ويحبه الله ورسوله كرار غير فرار ، ثم لا يرجع حتى يفتح الله عليه فتعرض لها أبوبكر وعمر وغيرهما من المهاجرين والانصار ، وعلي يومئذ أرمد شديد الرمد ، فدعاه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فتفل في عينيه فبرأ من الرمد فأعطاه الراية فمضى ولم يثن حتى فتح الله [ عليه ] بمنه وطوله (٢) ، وأنت يومئذ بمكة عدو لله

____________________

(١) المجتمعون ، خ ل وجعلها في المصدر ص ١٣٩ في الصلب.

(٢) هذه القصة انما جرت بخيبر لا في حصار بنى قريظة ، وسيجئ في بيان المصنف توجيه ذلك.

٧٤

ورسوله فهل يسوى بين رجل نصح لله ولرسوله ، ورجل عادى الله ورسوله (ص).

ثم اقسم بالله ما أسلم قلبك بعد ، ولكن اللسان خائف ، فهو يتكلم بما ليس في القلب.

[ ثم ] أنشدكم بالله! أتعلمون أن رسول الله (ص) استخلفه على المدينة في غزوة تبوك ولا سخطه ذلك ولا كرهه ، وتكلم فيه المنافقون ، فقال : لا تخلفني يا رسول الله فاني لم أتخلف عنك في عزوة قط. فقال رسول الله (ص) : أنت وصيي وخليفتي في أهلي بمنزلة هارون من موسى ، ثم أخذ بيد علي عليه‌السلام ثم قال : أيها الناس « من تولاني فقد تولى الله ، ومن تولى عليا فقد تولاني ، ومن أطاعنى فقد أطاع الله ، ومن أطاع عليا فقد أطاعني ، ومن أحبني فقد أحب الله ، ومن أحب عليا فقد أحبني ».

[ ثم قال : ] أنشدكم بالله! أتعلمون أن رسول الله قال في حجة الوداع : أيها الناس إني قد تركت فيكم ما لم تضلوا بعده كتاب الله فأحلوا حلاله ، و حرموا حرامه واعملوا بمحكمه ، وآمنوا بمتشابهه ، وقولوا آمنا بما أنزل الله من الكتاب وأحبوا أهل بيتي وعترتي ، ووالوا من والاهم ، وانصروهم على من عاداهم وإنهما لم يزالا فيكم حتى يردا علي الحوض يوم القيامة.

ثم دعا وهو على المنبر عليا فاجتذبه بيده فقال : اللهم وال من والاه وعاد من عاداه ، اللهم من عادى عليا فلا تجعل له في الارض مقعدا ولا في السماء مصعدا واجلعه في أسفل درك من النار.

أنشدكم بالله! أتعلمون أن رسول الله صلى الله عليه قال له : أنت الذائد عن حوضي يوم القيامة : تذود عنه كما يذود أحدكم الغريبة من وسط إبله.

أنشدكم بالله! أتعلمون أنه دخل على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في مرضه الذي توفي فيه ، فبكا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فقال علي : ما يبكيك يا رسول الله؟ فقال : يبكيني أني أعلم أن لك في قلوب رجال من امتي ضغائن لا يبدونها حتى أتولى عنك.

أنشدكم بالله! أتعلمون أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله حين حضرته الوفاة ، واجتمع

٧٥

أهل بيته قال : اللهم هؤلاء أهلي وعترتي ، اللهم وال من والاهم ، وانصرهم على من عاداهم ، وقال : إنما مثل أهل بيتي فيكم كسفينة نوح ، من دخل فيها نجا ومن تخلف عنها غرق.

أنشدكم بالله! أتعلمون أن أصحاب رسول الله قد سلموا عليه بالولاية في عهد رسول الله وحياته صلى‌الله‌عليه‌وآله.

أنشدكم بالله! أتعلمون أن عليا أول من حرم الشهوات كلها على نفسه من أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فأنزل الله عزوجل « يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين * وكلوا مما رزقكم الله حلالا طيبا واتقو الله الذي أنتم به مؤمنون » (١).

وكان عنده علم المنايا ، وعلم القضايا ، وفصل الخطاب ، ورسوخ العلم ، ومنزل القرآن ، وكان في رهط لا نعلمهم يتمون عشرة نبأهم الله أنهم به مؤمنون ، وأنتم في رهط قريب من عدة أولئك لعنوا على لسان رسول الله (ص) فأشهد لكم وأشهد عليكم أنكم لعناء الله على لسان نبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله كلكم أهل البيت.

وأنشدكم بالله! هل تعلمون أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بعث إليك لتكتب لبني خزيمة حين أصابهم خالد بن الوليد فانصرف إليه الرسول فقال : هو يأكل فأعاد الرسول إليك ثلاث مرات ، كل ذلك ينصرف الرسول ويقول : هو يأكل ، فقال رسول الله (ص) : اللهم لا تشبع بطنه ، فهي والله في نهمتك وأكلك إلى يوم القيامة (٢)

____________________

(١) المائدة : ٨٧.

(٢) قال ابن عبدالبر في الاستيعاب : وروى أبوداود الطيالسى قال حدثنا هشيم وابو عوانة عن ابن حمزة عن ابن عباس أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بعث إلى معاوية يكتب له فقيل : انه يأكل ، ثم بعث اليه فقيل : انه يأكل فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : « لا أشبع الله بطنه ».

وقال ابن الاثير في اسد الغابة : أخبرنا يحيى بن محمود وغيره باسنادهما عن مسلم قال أخبرنا محمد بن مثنى ومحمد بن بشار ، واللفظ لابن مثنى ، حدثنا أمية بن خالد حدثنا

٧٦

ثم قال : أنشدكم بالله! هل تعلمون أنما أقول حقا إنك يا معاوية كنت تسوق بأبيك على جمل أحمر ، ويقوده أخوك هذا القاعد ، وهذا يوم الاحزاب ، فلعن رسول الله (ص) الراكب والقائد والسائق ، فكان أبوك الراكب ، وأنت يا أزرق السائق وأخوك هذا القاعد القائد؟

ثم أنشدكم بالله هل تعلمون أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لعن أبا سفيان في سبعة مواطن : أو لهن حين خرج من مكة إلى المدينة وأبوسفيان جاء من الشام ، فوقع فيه أبوسفيان فسبه وأوعده وهم أن يبطش به ، ثم صرفه الله عزوجل عنه.

والثاني يوم العير ، حيث طردها أبوسفيان ليحرزها من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله. والثالث يوم احد يوم قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله الله مولانا ولا مولى لكم ، وقال أبوسفيان : لنا العزى ولا لكم العزى ، فلعنه الله وملائكته ورسوله والمؤمنون أجمعون.

والرابع يوم حنين يوم جاء أبوسفيفان بجمع قريش وهوازن وجاء عيينة بغطفان واليهود فردهم الله عزوجل يغيظهم لم ينالوا خيرا (١) هذا قول الله عزوجل

____________________

شعبة عن ابى حمزة القصاب عن ابن عباس قال : كنت ألعب مع الصبيان فجاء رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فتواريث خلف باب قال فجاء فحطانى حطاة وقال اذهب فادع لى معاوية قال : فجئت فقلت : هو يأكل ، ثم قال اذهب فادع معاوية قال : فجئت فقلت : هو يأكل.

فقال : « لا أشبع الله بطنه » أخرج مسلم هذا الحديث بعينه لمعاوية ، ثم ذكر له عذرا.

(١) اشارة إلى قولة تعالى في الاحزاب : ٢٦ : « ورد الله الذين كفروا بغيظهم لم ينالوا خيرا ، وكفى الله المؤمنين القتال » وهذا في غزوة الاحزاب وأما الثانية من السورتين فكانه أراد قوله تعالى : الفتح ٢٤ : « وهو الذى كف أيديهم عنكم وأيديكم عنهم ببطن مكة إلى قوله تعالى هم الذين كفروا وصدوكم عن المسجد الحرام » الاية وهذا في الحديبية.

فكيف كان في الحديث اضطراب واضح ، حيث ان ابا سفيان وعيينة بن حصن كانا في حنين مسلمين وقد اعطا رسول الله كل واحد منها مائة بعير من الفيئ تأليفا لقلوبهم وقد كان لعيينة بن حصن في أخذ عجوز من عجائز هوازن سهما من الغنيمة شان من الشأن راجع سيرة ابن هشام ج ٢ ص ٤٩٠ ٤٩٣.

٧٧

له في سورتين في كلتيهما يسمي أبا سفيان وأصحابه كفارا ، وأنت يا معاوية يومئذ مشرك على رأى أبيك بمكة ، وعلي يومئذ مع رسول الله (ص) وعلى رأيه ودينه.

والخامس قول الله عزوجل « والهدي معكوفا أن يبلغ محله » (١) وصددت أنت وأبوك ومشركوا قريش رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فلعنه الله لعنة شملته وذريته إلى يوم القيامة.

والسادس يوم الاحزاب يوم جاء أبوسفيان بجمع قريش وجاء عيينة بن حصن ابن بدر بغطفان فلعن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله القادة والاتباع والساقة إلى يوم القيامة فقيل يا رسول الله أما في الاتباع مؤمن؟ فقال : لا تصيب اللعنة مؤمنا من الاتباع وأما القادة فليس فيهم مؤمن ولا مجيب ولا ناج.

والسابع يوم الثنية يوم شد على رسول الله اثنا عشر رجلا سبعة منهم من بني امية وخمسة من سائر قريش فلعن الله تبارك وتعالى ورسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله من حل الثنية غير النبي وسائقه وقائده.

ثم أنشدكم بالله هل تعلمون أن أبا سفيان دخل على عثمان حين بويع في مسجد رسول الله (ص) فقال : يا ابن أخي هل علينا من عين؟ فقال : لا ، فقال أبوسفيان تداولوا الخلافة فتيان بني امية فو الذي نفس أبي سفيان بيده ما من جنة ولا نار (٢).

وأنشدكم بالله أتعلمون أن أبا سفيان أخذ بيد الحسين حين بويع عثمان وقال : يا ابن أخي اخرج معي إلى بقيع الغرقد فخرج حتى إذا توسط القبور اجتره فصاح بأعلى صوته : يا أهل القبور! الذي كنتم تقاتلونا عليه ، صار بأيدينا وأنتم رميم ، فقال الحسين بن علي : قبح الله شيبتك ، وقبح وجهك ، ثم نتر يده وتركه فلولا النعمان ابن بشير أخذ بيده ورده إلى المدينة لهلك (٣).

____________________

(١) الفتح : ٢٥.

(٢) ذكره ابن عبدالبر في الاستيعاب بذيل الاصابة ج ٤ ص ٨٧.

(٣) فيه غرابة حيث انه كان للحسين عليه‌السلام حين ولى عثمان الخلافة أكثر من عشرين سنة ، فكيف اجتره ابوسفيان وكيف نتريده وكيف كان يهلك لولا النعمان بن بشير؟

٧٨

فهذا لك يا معاوية ، فهل تستطيع أن ترد علينا شيئا.

ومن لعنتك يا معاوية أن أباك أبا سفيان كان يهم أن يسلم فبعثت إليه بشعر معروف مروي في قريش عندهم تنهاه عن الاسلام ، وتصده.

ومنها أن عمر بن الخطاب ولاك الشام فخنت به ، وولاك عثمان فتربصت به ريب المنون ، ثم أعظم من ذلك أنك قاتلت عليا صلوات الله عليه وآله ، وقد عرفت سوابقه فضله وعلمه ، على أمر هو أولى به منك ، ومن غيرك عند الله وعند الناس ولا دنية بل أوطات الناس عشوة ، وأرقت دماء خلق من خلق الله بخدعك وكيدك وتمويهك ، فعل من لا يؤمن بالمعاد ، ولا يخشى العقاب ، فلما بلغ الكتاب أجله صرت إلى شر مثوى ، وعلي إلى خير منقلب والله لك بالمرصاد.

فهذا لك يا معاوية خاصة ، وما أمسكت عنه من مساويك وعيوبك ، فقد كرهت به التطويل.

وأما أنت يا عمرو بن عثمان فلم تكن حقيقا لحمقك أن تتبع هذه الامور فانما مثلك مثل البعوضة إذ قالت للنخلة : استمسكي فاني اريد أن أنزل عنك فقالت لها النخلة : ما شعرت بوقوعك ، فكيف يشق علي نزولك؟ وإني والله ما شعرت أنك تحسن أن تعادي لي فيشق علي ذلك وإني لمجيبك في الذي قلت.

إن سبك عليا أبنقص في حسبه؟ أو تباعده من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله؟ أو بسوء بلاء في الاسلام؟ أو بجور في حكم ، أو رغبة في الدنيا؟ فان قلت واحدة منها فقد كذبت ، وأما قولك إن لكم فينا تسعة عشر دما بقتلى مشركي بني امية ببدر ، فان الله ورسوله قتلهم ولعمري ليقتلن من بني هاشم تسعة عشر وثلاثة بعد تسعة عشر ثم يقتل من بني امية تسعة عشر وتسعة عشر في موطن واحد سوى ما قتل من بني امية لا يحصى عددهم إلا الله.

إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : إذا بلغ ولد الوزغ ثلاثين رجلا أخذوا مال الله بينهم دولا ، وعباده خولا ، وكتابه دغلا فاذا بلغوا ثلاثمائة وعشرا حقت

٧٩

عليهم اللعنة ولهم ، فاذا بلغوا أربعمائة وخمسة وسبعين كان هلاكهم أسرع من لوك تمرة ، فأقبل الحكم بن أبي العاص وهم في ذلك الذكر والكلام ، فقال رسول الله (ص) اخفضوا أصواتكم (١) فان الوزغ يسمع ، وذلك حين رآهم رسول الله (ص) ومن يملك بعده منهم أمر هذه الامة يعني في المنام فساءه ذلك وشق عليه فأنزل الله عزوجل في كتابه « ليلة القدر خير من ألف شهر » فأشهد لكم وأشهد عليكم ما سلطانكم بعد قتل علي إلا ألف شهر التي أجلها الله عزوجل في كتابه.

وأما أنت يا عمرو بن العاص الشانئ اللعين الابتر ، فانما أنت كلب ، أول أمرك امك لبغية ، وإنك ولدت على فراش مشترك ، فتحاكمت فيك رجال قريش منهم أبوسفيان بن حرب ، والوليد بن المغيرة ، وعثمان بن الحارث ، والنضر بن الحارث ابن كلدة ، والعاص بن وائل كلهم يزعم أنك ابنه ، فغلبهم عليك من بين قريش ألامهم حسبا ، وأخبثهم منصبا ، وأعظمهم بغية.

ثم قمت خطيبا وقلت : أنا شانئ محمد ، وقال العاص بن وائل : إن محمدا رجل أبتر لا ولد له ، فلو قد مات انقطع ذكره ، فأنزل الله تبارك وتعالى « إن شانئك هو الابتر » فكانت امك تمشي إلى عبد قيس لطلب البغية ، تأتيهم في دورهم ورحالهم وبطون أوديتهم ، ثم كنت في كل مشهد يشهد رسول الله عدوه أشدهم له عداوة وأشدهم له تكذيبا.

ثم كنت في أصحاب السفينة الذين أتوا النجاشي ، والمهرج الخارج إلى الحبشة في الاشاطة بدم جعفر بن أبي طالب وسائر المهاجرين إلى النجاشي ، فحاق المكر السيئ بك ، وجعل جدك الاسفل وأبطل امنيتك ، وخيب سعيك ، وأكذب احدوثتك وجعل كلمة الذين كفروا السفلى ، وكلمة الله هي العليا.

وأما قولك في عثمان ، فأنت يا قليل الحياء والدين ألهبت عليه نارا ثم هربت إلى فلسطين تتربص به الدوائر ، فلما أتتك [ خبر ] قتله حبست نفسك على معاوية فبعته دينك يا خبيث بدنيا غيرك ، ولسنا نلومك على بغضنا ، ولا نعاقبك على حبنا وأنت عدو لبنى

____________________

(١) احفظوا أقوالكم ، خ ل. وقد مر صدر الخبر ص ٦ فراجع.

٨٠