بحار الأنوار

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي

بحار الأنوار

المؤلف:

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي


الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: مؤسسة الوفاء
الطبعة: ٢
الصفحات: ٣٩٩
  الجزء ١   الجزء ٢   الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠ الجزء ٢١ الجزء ٢٢ الجزء ٢٣ الجزء ٢٤ الجزء ٢٥ الجزء ٢٦ الجزء ٢٧ الجزء ٢٨ الجزء ٢٩ الجزء ٣٠ الجزء ٣١ الجزء ٣٥ الجزء ٣٦ الجزء ٣٧ الجزء ٣٨ الجزء ٣٩ الجزء ٤٠ الجزء ٤١ الجزء ٤٢ الجزء ٤٣ الجزء ٤٤ الجزء ٤٥ الجزء ٤٦ الجزء ٤٧ الجزء ٤٨ الجزء ٤٩ الجزء ٥٠ الجزء ٥١ الجزء ٥٢ الجزء ٥٣ الجزء ٥٤ الجزء ٥٥ الجزء ٥٦ الجزء ٥٧ الجزء ٥٨ الجزء ٥٩ الجزء ٦٠ الجزء ٦١   الجزء ٦٢ الجزء ٦٣ الجزء ٦٤ الجزء ٦٥ الجزء ٦٦ الجزء ٦٧ الجزء ٦٨ الجزء ٦٩ الجزء ٧٠ الجزء ٧١ الجزء ٧٢ الجزء ٧٣ الجزء ٧٤ الجزء ٧٥ الجزء ٧٦ الجزء ٧٧ الجزء ٧٨ الجزء ٧٩ الجزء ٨٠ الجزء ٨١ الجزء ٨٢ الجزء ٨٣ الجزء ٨٤ الجزء ٨٥ الجزء ٨٦ الجزء ٨٧ الجزء ٨٨ الجزء ٨٩ الجزء ٩٠ الجزء ٩١ الجزء ٩٢ الجزء ٩٣ الجزء ٩٤   الجزء ٩٥ الجزء ٩٦   الجزء ٩٧ الجزء ٩٨ الجزء ٩٩ الجزء ١٠٠ الجزء ١٠١ الجزء ١٠٢ الجزء ١٠٣ الجزء ١٠٤

لن يقول فيه قولا إلا أنزله سامعوه منه به حسدا ، ورفعوا به صعدا ، والحسن يا أمير المؤمنين معتدل شبابه ، أحضر ما هو كائن جوابه ، فأخاف أن يرد عليك كلامك بنوافذ تردع سهامك ، فيقرع بذلك ظنبوبك ، ويبدي به عيبك ، فاذا كلامك فيه صار له فضلا ، وعليك كلا ، إلا أن تكون تعرف له عيبا في أدب ، أووقيعة في حسب وإنه لهو المهذب ، قد أصبح من صريح العرب ، في غر لبابها ، وكريم محتدها وطيب عنصرها ، فلا تفعل يا أمير المؤمنين.

ثم قال الضحاك بن قيس الفهري : أمض يا أمير المؤمنين فيه رأيك ، ولا تنصرف عنه بلايك (١) فانك لو رميته بقوارض كلامك ، ومحكم جوابك ، لقد ذل لك كما يذل البعير الشارف من الابل ، فقال : أفعل.

وحضرت الجمعة فصعد معاوية المنبر فحمد الله واثنى عليه وصلى على نبيه (ص) وذكر علي بن أبي طالب فتنقصه ثم قال : أيها الناس إن شيبة من قريش ذوي سفه وطيش ، وتكدر من عيش ، أتعبتهم المقادير ، اتخذ الشيطان رؤوسهم مقاعد ، وألسنتهم مبادر ، فباض وفرخ في صدورهم ، ودرج في نحورهم ، فركب بهم الزلل ، وزين لهم الخطل ، وأعمى عليهم السبل ، وأرشدهم إلى البغي والعدوان ، والزور والبهتان فهم له شركاء ، وهو لهم قرين ، ومن يكن الشيطان له قرينا فساء قرينا ، وكفى بي لهم ولهم مؤدبا ، والمستعان الله.

فوثب الحسن بن علي عليهما‌السلام وأخذ بعضادة المنبر فحمدالله وصلى على نبيه ثم قال : أيها الناس من عرفني فقد عرفني ، ومن لم يعرفني فأنا الحسن بن علي ( بن أبي طالب ) أنا ابن نبي الله ، أنا ابن من جعلت له الارض مسجدا وطهورا ، أنا ابن السراج المنير أنا ابن البشير النذير ، أنا ابن خاتم النبيين ، وسيد المرسلين ، وإمام المتقين ، ورسول رب العالمين ، أنا ابن من بعث إلى الجن والانس ، أنا ابن من بعث رحمة للعالمين.

فلما سمع كلامه معاوية غاظ منطقه وأراد أن يقطع عليه فقال : يا حسن عليك

____________________

(١) بدأيك. خ ل ، واللاى : الابطاء والاحتباس. ولعله مصحف « بلاءك ».

١٢١

بصفة الرطب ، فقال الحسن عليه‌السلام : الريح تلقحه ، والحر ينضجه ، والليل يبرده ويطيبه على رغم أنفك يا معاوية ، ثم أقبل على كلامه فقال :

أن ابن المستجاب الدعوة ، أنا ابن الشفيع المطاع ، أنا ابن أول من ينفض رأسه من التراب ، ويقرع باب الجنة ، أنا ابن من قاتلت الملائكة معه ، ولم تقاتل مع نبي قبله ، أنا ابن من نصر على الاحزاب ، أنا ابن من ذل له قريش رغما فقال معاوية : أما إنك تحدث نفسك بالخلافة ولست هناك ، فقال الحسن عليه‌السلام : أما الخلافة فلمن عمل بكتاب الله وسنة نبية صلى‌الله‌عليه‌وآله ليست الخلافة لمن خالف كتاب الله ، وعطل السنة ، إنما مثل ذلك مثل رجل أصاب ملكا فتمتع به وكأنه انتقطع عنه وبقيت عنه وبقيت تبعاته عليه.

فقال معاوية : ما في قريش رجل إلا ولنا عنده نعم مجللة ، ويد جميلة قال : بلى من تعززت به بعد الذلة ، وتكثرت به بعد القلة ، فقال معاوية : من اولئك يا حسن؟ قال : من يلهيك عن معرفته.

قال الحسن عليه الصلاة والسلام : أنا ابن من ساد قريشا شابا وكهلا أنا ابن من ساد الورى كرما ونبلا ، أنا ابن من ساد أهل الدنيا بالجود الصادق والفرع الباسق ، والفضل السابق ، أنا ابن من رضاه رضى الله ، وسخطه سخط الله ، فهل لك أن تساميه يا معاوية؟ فقال : أقول : لا تصديقا لقولك ، فقال الحسن عليه‌السلام : الحق أبلج ، والبطال لجلج ، ولن يندم من ركب الحق ، وقد خاب من ركب الباطل ، والحق يعرف ذوو الالباب ، ثم نزل معاوية وأخذ بيد الحسن وقال : لا مرحبا بمن ساءك.

بيان : الظنبوب ، هو حرف العظم اليابس من الساق ، و « الصريح » الرجل الخالص النسب ، قوله « بلايك » يقال فعل كذا بعد لاي أي بعد شدة وإبطاء ولآى لايا أي أبطأ ، وفي بعض النسخ بدأيك ، قال الجوهرى ، : الدأي من البعير الموضع الذي تقع عليه ظلفة الرحل فتعقره ، أبوزيد : دأيت الشئ أدأى له دأيا إذا ختلته ، والشارف المسنة من النوق.

١٢٢

قوله « إن شيبة » أي ذوي شيبة ، وقال الجوهري : التجلج التردد في الكلام ، يقال : الحق أبلج والباطل لجلج : أي يردد من غير أن ينفذ.

١٤ ـ ختص : محمد بن الحسين ، عن محمد بن جعفر المؤدب ، عن محمد بن عبدالله ابن عمران ، عن عبدالله يزيد الغساني يرفعه قال : قدم وفد العراقيين على معاوية فقدم في وفد أهل الكوفة عدي بن حاتم الطائي ، وفي وفد أهل البصرة الاحنف ابن قيس وصعصعة بن صوحان ، فقال عمرو بن العاص لمعاوية : هؤلاء رجال الدنيا وهم شيعة علي عليه‌السلام الذين قاتلوا معه يوم الجمل ، ويوم صفين ، فكن منهم على حذر ، فأمر لكل رجل منهم بمجلس سري ، واستقبل القوم بالكرامة.

فلما دخلوا عليه قال لهم : أهلا وسهلا قدمتم أرض المقدسة والانبياء والرسل والحشر والنشر ، فتكلم صعصعة وكان من أحضر الناس جوابا فقال : يا معاوية أما قولك « أرض المقدسة » فإن الارض لا تقدس أهلها ، وإنما تقدسهم الاعمال الصالحة ، وأما قولك « أرض الانبياء والرسل » فمن بها من أهل النفاق والشرك والفراعنة والجبابرة أكثر من الانبياء والرسل ، وأما قولك « أرض الحشر والنشر » فان المؤمن لا يضره بعد المحشر والمنافق لا ينفعه قربه.

فقال معاوية : لو كان الناس كلهم أولدهم أبوسفيان لما كان فيهم إلا كيسا رشيدا ، فقال صعصعة : قد أولد الناس من كان خيرا من أبي سفيان فأولد الاحمق والمنافق ، والفاجر ، والفاسق ، والمعتوه ، والمجنون ، آدم أبوالبشر ، فخجل معاوية (١).

١٥ـ نوادر الراوندى : باسناده عن موسى بن جعفر ، عن أبيه عليهما‌السلام قال : كان الحسن والحسين عليهما‌السلام يصليان خلف مروان بن الحكم فقالوا لاحدهما : ما كان أبوك يصلي إذا رجع إلى البيت؟ فقال : لا والله ما كان يزيد على صلاة.

١٦ ـ ج : عن سليم بن قيس قال : قدم معاوية بن أبي سفيان حاجا في خلافته فاستقبله أهل المدينة فنظر فاذا الذين استقبلوه ما منهم ( إلا ) قرشي فلما نزل قال :

____________________

(١) الاختصاص : ص ٦٤ و ٦٥.

١٢٣

ما فعلت الانصار وما بالهم لم يستقبلوني؟ فقيل له : إنهم محتاجون ليس لهم دواب فقال معاوية : وأين نواضحهم؟ فقال قيس بن سعد بن عبادة وكان سيد الانصار وابن سيدها : أفنوها يوم بدر واحد وما بعدهما من مشاهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله حين ضربوك وأباك على الاسلام حتى ظهر أمرالله وأنتم كارهون ، فكست معاوية.

فقال قيس : أما إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله عهد إلينا أنا سلنقى بعده أثرة ، قال معاوية : فما أمركم به؟ فقال أمرنا أن نصبر حتى نلقاه ، قال : فاصبروا حتى تلقوه (١).

ثم إن معاوية مر بحلقة من قريش فلما رأوه قاموا غير عبدالله بن عباس فقال له : يا ابن عباس ما منعك من القيام كما قام أصحابك إلا لموجدة أني قاتلتكم بصفين ، فلا تجد من ذلك يا ابن عباس ، فان عثمان قتل مظلوما ، قال ابن عباس فعمر بن الخطاب قد قتل مظلوما ، قال : عمر قتله كافر ، قال ابن عباس : فمن قتل عثمان؟ قال : قتله المسلمون ، قال فذاك أدحض لحجتك.

قال : فانا قد كتبنا في الآفاق ننهى عن ذكر مناقب علي وأهل بيته عليهم‌السلام فكف لسانك ، فقال : يا معاوية أتنهانا عن قراءة القرآن؟ قال : لا ، قال : أفتنهانا عن تأويله قال : نعم ، قال : فنقرأه ولا نسأل عما عنى الله به؟

ثم قال : فأيهما أوجب علينا قراءته أو العمل به؟ قال : العمل به؟ قال : كيف نعمل به ولا نعلم ما عنى الله؟ قال : سل عن ذلك من يتأوله على غير ما تتأوله أنت وأهل بيتك ، قال : إنما انزل القرآن على أهل بيتي ، أنسأل عنه آل أبي سفيان؟ يا معاوية أتنهانا أن نعبدالله بالقرآن بما فيه من حلال وحرام فان لم تسأل الامة عن ذلك حتى تعلم تهلك وتختلف.

قال : اقرؤا القرآن وتأولوه ولا ترووا شيئا مما أنزل الله فيكم ، وارووا

____________________

(١) روى البخارى في باب مناقب الانصار ج ٢ ص ٣١١ قال : حدثنى محمد بن بشار حدثنا غندر ، حدثنا شعبة ، عن هشام قال : سمعت أنس بن مالك يقول : قال النبى صلى الله عليه وآله للانصار : انكم ستلقون بعدى أثرة فاصبروا حتى تلقونى وموعدكم الحوض.

١٢٤

ما سوى ذلك ، قال : فان الله يقول في القرآن « يريدون أن يطفؤا نور الله بأفواههم ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون » (١).

قال يا ابن عباس اربع على نفسك ، وكف لسانك ، وإن كنت لابد فاعلا فليكن ذلك سرا لا يسمعه احد علانية.

ثم رجع إلى بيته فبعث إلى بمائة ألف درهم.

ونادى منادي معاوية : أن برئت الذمة ممن روى حديثا في مناقب علي وفضل أهل بيته ، وكان أشد الناس بلية أهل الكوفة والبصرة ، لكثرت من بها من الشيعة فاستعمل زياد بن ابيه وضم اليه العراقين الكوفة والبصرة ، فجعل يتتبع الشيعة وهو بهم عارف ، يقتلهم تحت كل حجر ومدر ، وأخافهم وقطع الايدي والارجل وصلبهم في جذوع النخل ، وسمل أعينهم وطردهم وشردهم حتى نفوا عن العراق فلم يبق بها أحد معروف مشهور ، فهم بين مقتول أو مصلوب أو محبوس أو طريد أو شريد.

وكتب معاوية إلى جميع عماله في الامصار : أن لا تجيزوا لاحد من شيعة علي وأهل بيته شهادة ، وانظروا من قبلكم من شيعة عثمان ومحبيه ومحبى أهل بيته وأهل ولايته ، والذين يروون فضله ومناقبه ، فأدنوا مجالسهم ، وقربوهم وأكرموهم ، واكتبوا بمن يروي من مناقبه باسمه واسم أبيه وقبيلته ، ففعلوا حتى كثرت الرواية في عثمان ، وافتعلوها لما كان يبعث إليهم من الصلات والخلع والقطائع من العرب والموالي فكثر ذلك في كل مصر وتنافسوا في الاموال والدنيا فليس أحد يجيئ من مصر من الامصار فيروي في عثمان منقبة أو فضيلة إلا كتب اسمه وقرب واجيز فلبثوا بذلك ماشاء الله.

ثم كتب إلى عماله أن الحديث في عثمان قد كثر وفشا في كل مصر ، فادعوا الناس إلى الرواية في معاوية وفضله وسوابقه. فان ذلك أحب إلينا وأقر لاعيننا وأدحض لحجة أهل هذا البيت ، وأشد عليهم.

____________________

(١) براءة : ٣٢.

١٢٥

فقرأ كل أمير وقاض كتابه على الناس ، فأخذ الناس في الروايات في فضائل معاوية على المنبر ، في كل كورة وكل مسجد زورا ، وألقوا ذلك إلى معلمي الكتاتيب فعلموا ذلك صبيانهم ، كما يعلمونهم القرآن ، حتى علموه بناتهم ونساءهم وحشمهم ، فلبثوا بذلك ماشاءالله.

وكتب زياد بن أبيه إليه في حق الحضرميين أنهم على دين علي وعلى رأيه ، فكتب إليه معاوية : اقتل كل من كان على دين علي ورأيه ، فقتلهم ومثل بهم. وكتب معاوية إلى جميع البلدان : انظروا من قامت عليه البينة أنه يحب عليا وأهل بيته فامحوه عن الديوان.

وكتب كتابا آخر : انظروا من قبلكم من شيعة علي واتهمتهوه بحبه فاقتلوه وإن لم تقم عليه البينة ، فقتلوهم على التهمة والظنة والشبهة ، تحت كل حجر ، حتى لو كان الرجل تسقط منه كلمة ضربت عنقه ، وحتى كان الرجل يرمى بالزندقة والكفر كان يكرم ويعظم ، ولا يتعرض له بمكروه ، والرجل من الشيعة لا يأمن على نفسه في بلد من البلدان ، لا سيما الكوفة والبصرة ، حتى لو أن أحدا منهم أراد ان يلقي سرا إلى من يثق به لاتاه في بيته ، فيخاف خادمه ومملوكه فلا يحدثه ، إلا بعد أن يأخذ عليه الايمان المغلظة ليتكمن عليه.

ثم لا يزداد الامر إلا شدة حتى كثر وظهر أحاديثهم الكاذبة ، ونشأ عليه الصبيان يتعلمون ذلك ، ، وكان أشد الناس في ذلك القراء المراؤن المتصنعون الذين يظهرون الخشوع والورع ، فكذبوا وانتحلوا الاحاديث وولدوها فيحظون بذلك عند الولاة والقضاة ، ويدنون مجالسهم ، ويصيبون بذلك الاموال والقطائع والمنازل ، حتى صارت أحاديثهم ورواياتهم عندهم حقا وصدقا فرووها وقبلوها وتعلموها وعلموها ، وأحبوا عليها وأبغضوا من ردها أو شك فيها.

فاجتمعت على ذلك جماعتهم وصارت في يد المتنسكين والمتدينين منهم الذين لا يستحلون الافتعال لمثلها ، فقبلوها وهم يرون أنها حق ، ولو علموا بطلانها وتيقنوا أنها مفتعلة لاعرضوا عن روايتها ، ولم يدينوا بها ، ولم يبغضوا من خالفها

١٢٦

فصار الحق في ذلك الزمان عندهم باطلا والبطال حقا ، والكذب صدقا والصدق كذبا.

فلما ما مات الحسن بن على عليهما‌السلام ازداد البلاء والفتنة فلم يبق لله ولى إلا خائف على نفسه ، أو مقتول أوطريد أو شريد.

فلما كان قبل موت معاوية بسنتين حج الحسين بن على عليهما‌السلام وعبدالله بن جعفر ، وعبدالله بن عباس معه ، وقد جمع الحسين بن على عليهما‌السلام بني هاشم رجالهم ونساءهم ومواليهم وشيعتهم من حج منهم ومن لم يحج ، ومن بالامصار ممن يعفرفونه وأهل بيته ، ثم لم يدع أحدا من أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ومن أبنائهم والتابعين ومن الانصار المعروفين بالصلاح والنسك إلا جمعهم فاجتمع إليهم بمنى أكثر من ألف رجل ، والحسين بن على عليهما‌السلام في سرادقه عامتهم التابعون وأبناء الصحابة.

فقام الحسين عليه‌السلام فيهم خطيبا فحمدالله وأثنى عليه ، ثم قال : أما بعد فان هذا الطاغية ، قد صنع بنا وبشيعتنا ما قد علمتم ، ورأيتهم ، وشهدتم ، وبلغكم. وإني اريد أن أسألكم عن أشياء فان صدقت فصدقوني ، وإن كذبت فكذبونى اسمعوا مقالتي واكتموا قولي ، ثم ارجعوا إلى أمصاركم وقبائلكم ، من أمنتم ووثقتم به فادعوهم إلى ما تعلمون ، فاني أخاف أن يندرس هذا الحق ويذهب ، والله متم نوره ولو كره الكافرون.

فما ترك الحسين عليه‌السلام شيئا أنزل الله فيهم من القرآن إلا قاله وفسره ، ولا شيئا قاله الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله في أبيه وامه وأهل بيته إلا رواه ، وكل ذلك يقول الصحابة : اللهم نعم قد سمعناه شهدناه ، ويقول التابعون : اللهم قد حدثناه من نصدقه ونأتمنه ، حتى لم يترك شيئا إلا قاله.

ثم قال : أنشدكم بالله إلا رجعتم وحدثتم به من تثقون به ، ثم نزل وتفرق الناس عن ذلك (١).

____________________

(١) الاحتجاج ص : ١٥٠ ١٥١.

١٢٧

بيان : قال الجوهرى : ، قال ابن السكيت : ربع الرجل يربع إذا وقف وتحبس ، ومنه قولهم : اربع على نفسك ، واربع على ظلعك ، أي ارفق بنفسك وكف ، وقال : الكتاب والمكتب واحد ، والجمع الكتاتيب.

أقول : قد روينا الخبر من أصل كتاب سليم أبسط من ذلك في كتاب الفتن.

١٧ ـ جا ، ما : المفيد ، عن الكاتب ، عن الزعفراني ، عن الثقفي ، عن جعفر ابن محمد الوراق ، عن عبدالله بن الازرق ، عن أبي الجحاف ، عن معاوية بن ثعلبة قال : لما استوثق الامر لمعاوية بن أبي سفيان أنفذ بسر بن أرطاة إلى الحجاز في طلب شيعة أمير المؤمنين عليه‌السلام وكان على مكة عبيدالله بن العباس بن عبدالمطلب فطلبه فلم يقدر عليه فاخبر أن له ولدين صبيين فبحث عنهما فوجدهما فأخذهما وأخرجهما من الموضع الذي كانا فيه ، ولهما دؤابتان ، فأمر بذبحهما فذبحا (١). وبلغ امهما الخبر فكادت نفسها تخرج ، ثم أنشأت تقول :

ها من أحس با بني اللذين هما

كالدرتين تشظا عنهما الصدف

ما من أحس با بني اللذين هما

سمعي وعيني فقلبي اليوم مختطف

نبئت بسرا وما صدقت ما زعموا

من قولهم ومن الافك الذي اقترفوا

أضحت على ودجي طفلى مرهفة

مشحوذة وكذاك الظلم والسرف

من دل والهة عبراء مفجعة

على صبيين فاتا إذ مضى السلف

____________________

(١) انما كان ذلك الفعل الشنيع والامر الفظيع باليمن بعد أيام التحكيم حين كان عبيدالله بين عباس عاملا لعلى عليه‌السلام فيها فهرب من بسر ودخل بسر اليمن فأتى با بنى عبيدالله بن العباس وهم صغيران فذبحهما فنال امهما عائشة بنت عبد المدان من ذلك أمر عظيم فأنشأت الاشعار ، ثم وسوست فكانت تقف في الموسم تنشد هذا الشعر وتهيم على وجهها.

قال ابن عبدالبر : وقد قيل انه انما قتلهما بالمدينة ، والاكثر على ان ذلك كان منه باليمن ، رواه الدار قطنى وذكر المبرد نحوه ، كذا في الاستيعاب بذيل الاصابة ج ١ ص ١٦٣ وقد مر في ذيل ص ٦١ عن كتاب المقاتل لابى الفرج الاصفهانى ما يؤيد أن القصة قد وقعت في اليمن فراجع.

١٢٨

قال : ثم اجتمع عبيدالله بن العباس من بعد ، وبسر بن أرطاة عند معاوية فقال معاوية لعبيد الله : أتعرف هذا الشيخ قاتل الصبيين؟ قال بسر : نعم ، أنا قاتلهما ، فمه؟ فقال عبيد الله : لو أن لي سيفا؟ قال بسر : فهاك سيفي وأمأ إلى سيفه فزبره معاوية وانتهره ، وقال : اف لك من شيخ ما أحمقك تعمد إلى رجل قد قتلت ابنيه فتعطيه سيفك كأنك لا تعرف أكباد بني هاشم ، والله لو دفعته إليه لبدأ بك وثنى بي ، فقال عبيدالله : بل والله كنت أبدأ بك واثني به.

بيان : « ها » حرف تنبيه وقال الجوهري الشظية : الفلقة من العصا ونحوها والجمع الشظايا ، يقال تشظى الشئ إذا تطاير شظايا ، وقال : كالدرتين تشظى عنهما الصدف (١).

١٨ ـ ما : المفيد ، عن علي بن مالك النحوي ، عن الحسين بن عطار ، عن محمد ابن سعيد البصرى ، عن أبي عبدالرحمن الاصباغي ، عن عطاء بن مسلم ، عن الحسن ابن أبي الحسن البصري قال : كنت غازيا زمن معاوية بخراسان ، وكان علينا رجل من التابعين ، فصلى بنا بوما الظهر ثم صعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه وقال : أيها الناس! إنه قد حدث في الاسلام حدث عظيم ، لم يكن منذ قبض الله نبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله مثله ، بلغني أن معاوية قتل حجرا وأصحابه فان يك عند المسلمين غير فسبيل ذلك ، وإن لم يكن عندهم غير فأسأل الله أن يقبضني إليه وأن يعجل ذلك. قال الحسن بن أبي الحسن : فلا والله صلى بنا صلاة غيرها حتى سمعنا عليه الصياح.

بيان : الغير بكسر الغين وفتح الياء الاسم من قولك غيرت الشئ فتغير.

١٩ ـ ج : عن صالح بن كيسان قال : لما قتل معاوية حجر بن عدي وأصحابه حج ذلك العام فلقي الحسين بن علي عليهما‌السلام فقال : يا أبا عبدالله هل بلغك ما صنعنا بحجر وأصحابه وأشياعه وشيعة أبيك؟ فقال : وما صنعت بهم؟ قال : قتلناهم وكفناهم وصلينا عليهم ، فضحك الحسين عليه‌السلام ثم قال : خصمك القوم يا معاوية لكننا لو قتلنا

____________________

(١) وقال المحشى في الذيل ص ٢٣٩٢ ان صدره : يا من رأى لى بنيى اللذين هما.

١٢٩

شيعتك ما كفناهم ولا صلينا عليهم ولا أقبرناهم.

ولقد بغلني وقيعتك في علي عليه‌السلام وقيامك بنقصنا ، واعتراضك بني هاشم بالعيوب ، فاذا فعلت ذلك فارجع في نفسك ، ثم سلها الحق : عليها ولها ، فان لم تجدها أعظم عيبا فما أصغر عيبك فيك ، فقد ظلمناك يا معاوية ولا توترن غير قوسك ولا ترمين غير غرضك ، ولا ترمنا بالعداوة من مكان قريب ، فانك والله قد أطعت فينا رجلا ما قدم إسلامه ، ولا حدث نفاقه ، ولا نظر لك ، فانظر لنفسك أودع. يعنى عمرو بن العاص.

كشف : لما قتل معاوية حجر بن عدي وذكر نحوه (١).

٢٠ ـ كش : جبرئيل بن أحمد ، عن محمد بن عبدالله بن مهران ، عن ابن محبوب ، عن معاوية بن عمار رفعه قال : أرسل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله سرية فقال لهم : إنكم تضلون ساعة كذا من الليل ، فخذو ذات اليسار فانكم تمزون برجل في شاته ، فتسترشدونه فيأبى أن يرشدكم حتى تصيبوا من طعامه ، فيذبح لكم كبشا فيطعمكم ثم يقوم فيرشدكم فاقرؤه مني السلام وأعلموه أني قد ظهرت بالمدينة. فمضوا فضلوا الطريق فقال قائل منهم : ألم يقل لكم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله تياسروا فافعلوا ، فمروا بالرجل الذي قال لهم رسول الله (ص) فاسترشدوه فقال لهم الرجل لا أفعل حتى تصيبوا من طعامي ففعلوا فأرشدهم الطريق ونسوا أن يقرؤه السلام من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله.

فقال لهم الرجل وهو عمرو بن الحمق : أظهر النبي (ص) بالمدينة؟ فقالوا : نعم فلحق به ولبث معه ماشاء الله ثم قال له رسول الله (ص) ارجع إلى الموضع الذي منه هاجرت ، فاذا تولى أمير المؤمنين فأته ، فانصرف الرجل حتى إذا نزل أمير المؤمنين عليه‌السلام الكوفة أتاه فأقام معه بالكوفة.

ثم إن أمير المؤمنين عليه‌السلام قال هل : لك دار؟ قال : نعم ، قال : بعها واجعلها في الازد ، فاني غدا لو غبت لطبت فمنعك الازد حتى تخرج من الكوفة متوجها

____________________

(١) الاحتجاج ص ١٥٢ ، كشف الغمة ج ٢ ص ٢٠٥. وبينهما اختلاف في اللفظ.

١٣٠

إلى حصن الموصل ، فتمر برجل مقعد فتقعد عنده ، ثم تستسقيه فيسقيك ، ويسألك عن شأنك فأخبره وادعه إلى الاسلام فانه يسلم ، وامسح بيدك على وركيه فان الله يمسح ما به ، وينهض قائما ، فيتبعك.

وتمر برجل أعمى على ظهر الطريق فتستسقيه فيسقيك ويسألك عن شأنك فأخبره وادعه إلى الاسلام فانه يسلم ، وامسح بيدك على عينيه ، فان الله عزوجل يعيده بصيرا فيتعبك وهما يواريان بدنك في التراب.

ثم تتبعك الخيل فاذا صرت قريبا من الحصن في موضع كذا وكذا رهقتك الخيل فانزل عن فرسك ومر إلى الغارفانه يشترك في دمك فسقة من الجن والانس ففعل ما قال أمير المؤمنين عليه‌السلام.

قال : فلما انتهى إلى الحصن قال للرجلين : اصعدا فانظرا هل تريان شيئا قالا : نرى خيلا مقبلة ، فنزل عن فرسه ودخل الغار وعار فرسه ، فلما دخل الغار ضربه أسود سالخ فيه ، وجاءت الخيل فلما رأوا فرسه عائرا قالوا : هذا فرسه ، وهو قريب وطلبه الرجال فأصابوه في الغار فكلما ضربوا أيديهم إلى شئ من جسمه تبعهم اللحم فأخذوا رأسه ، فأتوا به معاوية ، فنصبه على رمح وهو أول رأس نصب في الاسلام (١).

____________________

(١) قالوا : أول رأس حمل في الاسلام : رأس عمرو بن الحمق الخزاعي ، قال ابن الاثير في اسد الغابة ج ٤ ص ١٠٠ : كان ممن سار إلى عثمان بن عفان وهو أحد الاربعة الذين دخلوا عليه الدار فيما ذكروا وصار بعد ذلك من شيعة على وشهد معه مشاهده كلها وأعان حجر بن عدى وكان من أصحابه.

فخاف زيادا فهرب من العراق إلى الموصلى ، واختفى في غار بالقرب منها ، فأرسل معاوية إلى العامل بالموصل ليحمل عمرا اليه ، فارسل العامل ليأخذه من الغار الذى كان فيه فوجده ميتا كان قد نهشته حية فمات ، وكان العامل عبدالرحمن بن الحكم وهو ابن اخت معاوية.

ثم روى عن عمار الدهنى انه قال : أول رأس حمل في الاسلام رأس عمرو بن الحمق إلى معاوية قال سفيان : أرسل معاوية ليؤتى به فلدغ وكأنهم خافوا أن يتهمهم فاتوا برأسه.

١٣١

ايضاح : عار الفرس أي انفلت وذهب ههنا وههنا من مرحه ، ذكره الجوهري وقال : السالخ : الاسود من الحيات ، يقال أسود سالخ غير مضاف لانه يسلخ جلده كل عام.

أقول : قد مر أخبار فضله وشهادته رضى الله عنه في كتاب الفتن في باب أحوال أصحاب أمير المؤمنين صلوات عليه.

٢١ ـ ما : الحسين بن علي التمار ، عن محمد بن القاسم الانباري ، عن أبيه عن علي بن الحسن الاعرابي ، عن علي بن عمروس ، عن هشام بن السائب ، عن أبيه قال : خطب الناس يوما معاوية بمسجد دمشق وفي الجامع يومئذ من الوفود علماء قريش ، وخطباء ربيعة ومدارهها ، صناديد اليمن وملوكها.

فقال معاوية : إن الله تعالى أكرم خلفاءه ، فأوجب لهم الجنة ، وأنقذهم من النار ، ثم جعلني منهم وجعل أنصاري أهل الشام : الذابين عن حرم الله ، المؤيدين بظفر الله ، والمنصورين على أعداء الله.

قال : وكان في الجامع من أهل العراق الاحنف بن قيس ، وصعصعة بن صوحان فقال الاحنف لصعصعة : أتكفيني أم أقوم إليه أنا؟ فقال صعصعة للاحنف بل أكفيكه أنا ثم قام صعصعة فقال : يا ابن أبى سفيان تكلمت فأبلغت ، ولم تقصر دون ما أردت ، وكيف يكون ما تقول ، وقد غلبتنا قسرا ، وملكتنا تجبرا ، ودنتنا بغير الحق ، واستوليت بأسباب الفضل علينا ، فأما إطراؤك لاهل الشام فما رأيت أطوع لمخلوق وأعصى لخالق منهم : قوم ابتعت منهم دينهم وابدانهم بالمال ، فان أعطيتهم حاموا عليك ونصروك ، وإن منعتهم قعدوا عنك ورفضوك.

قال معاوية : اسكت ابن صوحان فوالله لولا أني لم أتجرع غصة غيظ قط افضل من حلم وأحمد من كرم سيما في الكف عن مثلك ، والاحتمال لذويك ، لما عدت إلى مثل مقالتك ، فقعد صعصعة ، فأنشأ معاوية يقول :

قلبت جاهلهم حلما ومكرمة

والحلم عن قدرة فضل من الكرم

ايضاح : المدره كمنبر السيد الشريف ، والمقدم في اللسان ، واليد عند

١٣٢

الخصومة والقتال.

٢٢ ـ جا ، ما : المفيد ، عن محمد بن عمران المرزباني ، عن محمد بن أحمد الحكيمي ، عن إسماعيل بن إسحاق ، عن سعيد بن يحيى ، عن يحيى بن سعيد ، عن عبدالملك بن عمير اللخمي قال : قدم حارثة بن قدامة السعدي على معاوية ومع معاوية على السرير الاحنف بن قيس والحباب المجاشعي فقال له معاوية : من أنت قال : أنا حارثة بن قدامة قال : وكان نبيلا فقال له معاوية : ما عسيت أن تكون هل أنت إلا نحلة.

فقال : لا تفعل يا معاوية ، قد شبهتني بالنحلة (١) وهي والله حامية اللسعة حلوة البصاق ، ما معاوية إلا كلبة تعاوي الكلاب ، وما امية إلا تصغير أمة ، فقال معاوية : لا تفعل قال : إنك فعلت ففعلت.

قال له : فادن اجلس معي على السرير! فقال : لا أفعل ، قال : ولم؟ قال : لاني رأيت هذين قد أماطاك عن مجلسك فلم أكن لا شاركهما قال له معاوية : ادن اسارك ، فدنا منه فقال : يا حارثة إني اشتريت من هذين الرجلين دينهما ، قال : ومني فاشتر يا معاوية قال له : لا تجهر.

بيان : حامية اللسعة إما كناية عن عدم الشوك فيها ، وعدم التضرر بها أو أنها لطولها يمكن التحرز عن المؤذيات بالصعود عليها ، أو أن ثمرها ينفع في دفع السموم.

____________________

(١) النحلة : واحدة النحل بالفتح وهو ذباب العسل ، يقع على الذكر والانثى والحامية من قولهم حمى النار حموا : اذا اشتد حرها فالنحلة شديد حر لسعتها ، حلوة لعابها وهو العسل ، والمصنف قدس‌سره ـ لما قرأ الكلمة « النخلة » جرى في بيانها على ما ستعرف.

١٣٣

٢٢

* ( باب ) *

* « ( جمل تواريخه وأحواله وحليته ومبلغ عمره وشهادته ودفنه ) » *

* « ( وفضل البكاء عليه صلوات الله عليه ) » *

١ ـ كا : ولد عليه‌السلام في شهر رمضان في سنة بدر سنة اثنتين بعد الهجرة وروي أنه ولد في سنة ثلاث ومضى عليه‌السلام في شهر صفر ، في آخره من سنة تسع وأربعين ومضى وهو ابن سبع وأربعين سنة وأشتهر (١).

٢ ـ يب : ولد عليه‌السلام في شهر رضمان سنة اثنتين من الهجرة ، وقبض بالمدينة مسموما في صفر سنة تسع وأربعين من الهجرة ، وكان سنه يومئذ سبعا وأربعين سنة.

أقول : قال الشهيد رحمه‌الله في الدروس : ولد عليه‌السلام بالمدينة يوم الثلثاء منتصف شهر رمضان سنة اثنتين من الهجرة وقال المفيد : سنة ثلاث وقبض بها مسموما يوم الخميس سابع صفر سنة تسع وأربعين أو سنة خمسين من الهجرة ، عن سبع وأربعين أو ثمان.

وقال الكفعمي : ولد عليه‌السلام في يوم الثلثاء منتصف شهر رمضان سنة ثلاث من الهجرة ، وتوفي يوم الخميس سابع ( شهر ) صفر سنة خمسين من الهجرة ، ونقش خاتمه « العزة لله » وكان له خمسة عشر ولدا وكانت أزواجه أربعة وستين عدا الجواري وكان بابه سفينة.

٣ ـ قب : ولد الحسن عليه‌السلام بالمدينة ليلة النصف من شهر رمضان عام احد سنة ثلاث من الهجرة ، وقيل سنة اثنتين ، وجاءت به فاطمة عليها‌السلام إلى النبي (ص) يوم السابع من مولده في خرقة من حرير الجنة ، وكان جبرئيل نزل بها إلى النبي (ص) فسماه حسنا ، وعق عنه كبشا ، فعاش مع جده سبع سنين وأشهرا وقيل ثمان سنين

____________________

(١) الكافى ج ١ ص ٤٦١ ، وهو من كلام الكلينى قدس‌سره.

١٣٤

ومع أبيه ثلاثين سنة ، وبعد تسع سنين ، وقالوا : عشر سنين.

وكان عليه‌السلام ربع القامة ، وله محاسن كثة (١) وبويع بعد أبيه يوم الجمعة الحادي والعشرين من شهر رمضان في سنة أربعين ، وكان أمير جيشه عبيدالله بن العباس ثم قيس بن سعد بن عبادة ، وكان عمره لما بويع سبعا وثلاثين سنة فبقي في خلافته أربعة أشهر وثلاثة أيام ، ووقع الصلح بينه وبين معاوية في سنة إحدى وأربعين ، وخرج الحسن إلى المدينة فأقام بها عشر سنين.

وسماه الله الحسن وسماه في التوراة شبرا ، وكنيته أبومحمد ، وأبوالقاسم وألقابه : السيد ، والسبط ، والامين (٢) والحجة ، والبر ، والتقي ، والاثير والزكي ، والمجتبى ، والسبط الاول ، والزاهد ، وامه فاطمة بنت رسول الله (ص) وظل مظلوما. ومات مسموما ، وقبض بالمدينة بعد مضي عشر سنين من ملك معاوية فكان في سني إمامته أول ملك معاوية.

فمرض أربعين يوما ومضى لليلتين بقيتا من صفر سنة خمسين من الهجرة وقيل : سنة تسع وأربعين ، وعمره سعبة وأربعون سنة وأشهر ، وقيل : ثمان وأربعون وقيل : في سنة تمام خمسين من الهجرة.

وكان بذل معاوية لجعدة بنت محمد بن الاشعث الكندي وهي ابنة ام فروة اخت أبي بكر بن أبي قحافة عشرة آلاف دينار ، وإقطاع عشرة ضياع من سقي سورا (٣) وسواد الكوفة ، على أن تسم الحسن عليه‌السلام وتولى الحسين عليه‌السلام غسله وتكفينه ودفنه وقبره بالبقيع عند جدته فاطمة بنت أسد (٤).

____________________

(١) يقال : كث اللحية : اذا اجتمع شعرها وكثر نبته وجعد من غير طول.

(٢) في المصدر : الامير.

(٣) قال الفيروزآبادى : سورى كطوبى موضع بالعراق وهو من بلد السريانين.

(٤) راجع المناقب ج ٤ ص ٢٨ و ٢٩. أقول : قال ابن الاثير : كان سبب موته أن زوجته جعدة بنت الاشعث بن قيس سقته السم فكان توضع تحته طست وترفع اخرى نحو أربعين يوما فمات منه ، ولما اشتد مرضه قال لاخيه الحسين : يا أخى سقيت السم ثلاث

١٣٥

٤ ـ كشف : قال كمال الدين ابن طلحة : أصح ما قيل في ولادته عليه‌السلام أنه ولد بالمدينة في النصف من شهر رمضان سنة ثلاث من الهجرة ، وكان والده علي بن أبي طالب عليه‌السلام قد بنى بفاطمة عليها‌السلام في ذي الحجة من السنة الثانية من الهجرة فكان الحسن عليه‌السلام أول أولادها ، وقيل : ولدته لستة أشهر ، والصحيح خلافه ولما ولد عليه‌السلام واعلم به النبي (ص) أخذه وأذن في اذنه ومثل ذلك روى الجنابذي أبومحمد عبدالعزيز بن الاخضر ، وروى ابن الخشاب أنه ولد عليه‌السلام لستة أشهر ولم يولد لستة أشهر مولود فعاش إلا الحسن عليه‌السلام وعيسى بن مريم عليه‌السلام.

وروى الدولابي في كتابه المسمى كتاب الذرية الطاهرة ، قال : تزوج علي فاطمة عليهما‌السلام فولدت له حسنا بعد احد بسنتين وكان بين وقعة احد وبين مقدم النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله المدينة سنتان وستة أشهر ونصف ، فولدته لاربع سنين وستة أشهر ونصف من التاريخ ، وبين احد وبدر سنة ونصف ، وروي أنها عليها‌السلام ولدته في شهر رمضان سنة ثلاث وروي أنه ولد في النصف من شهر رمضان سنة ثلاث.

وكنيته : أبومحمد وروي أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله عق عنه بكبش وحلق رأسه وأمر أن يتصدق بزنته فضة ، وروي أن فاطمة عليها‌السلام أرادت أن تعق عنه بكبش فقال رسول الله (ص) : لا تعقي عنه ، ولكن احلقي رأسه ثم تصدقي بوزنه من الورق في سبيل الله عزوجل.

ومنه عن ابن عباس ان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله عق عن الحسن كبشا وعن الحسين كبشا.

وقال الكنجي الشافعي في كتاب كفاية الطالب : الحسن بن علي كنيته أبومحمد ، ولد بالمدينة ليلة النصف من رمضان سنة ثلاث من الهجرة ، كان أشبه الناس برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله (١).

____________________

مرات ، لم أسق مثل هذه انى لاضع كبدى ، قال الحسين : من سقاك يا أخى؟ قال : ما سؤالك عن هذا؟ تريد أن تقاتلهم؟ أكلهم إلى الله عزوجل.

(١) راجع كشف الغمة ج ٢ ص ٨٠ ٨٢.

١٣٦

وروى مرفوعا إلى أحمد بن محمد بن أيو ب المغيري قال : كان الحسن بن علي عليهما‌السلام أبيض مشربا حمرة ، أدعج العينين ، سهل الخدين ، دقيق المسربة كث اللحية ، ذا وفرة ، وكأن عنقه إبريق فضة ، عظيم الكراديس ، وبعيد ما بين المنمكبين ، ربعة ليس بالطويل ولا القصير ، مليحا من أحسن الناس وجها ، وكان يخضب بالسواد ، وكان جعد الشعر ، حسن البدن.

وعن علي عليه‌السلام قال : أشبه الحسن رسول الله (ص) ما بين الصدر إلى الرأس والحسين أشبه النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ما كان أسف من ذلك (١).

بيان : الدعج شدة سواد العين مع سعتها ، قوله : سهل الخدين : أي سائل الخدين غير مرتفع الوجنتين ، والمسربة بضم الراء ما دق من شعر الصدر سائلا إلى الجوف (٢) وكث الشئ أي كثف ، والوفرة الشعرة إلى شحمة الاذن ، وكل عظمين التقيا في مفصل فهو كردوس.

٥ ـ كشف : قال عبدالعزيز بن الاخضر الجنابذي (٣) توفي عليه‌السلام وهو ابن خمس وأربعين سنة ، وولي غسله الحسين ومحمد والعباس إخوته ، وصلى عليه سعيد بن العاص في سنة تسع وأربعين (٤).

____________________

(١) المصدر ج ٢ ص ٩٤ وما بعده ص ٩٠ نقلا عن كمال الدين ابن طلحة.

(٢) قال الجوهري : المسربة بضم الراء : الشعر المستدق الذى يأخذ من الصدر إلى السرة ، ولفظ غيره : « إلى البطن ». وقول المصنف قدس‌سره : « إلى الجوف » لا يعرف.

(٣) في المصدر ج ٢ ص ١٦١ هكذا : وروى أيضا أنه ولد في رمضان من سنة ثلاث وتوفى عليه‌السلام الخ. وفى نسبة القول إلى الجنابذى ترديد فراجع.

(٤) كان سعيد بن العاص حينذاك واليا على المدينة ، وكان سيرة المسلمين أن يقدموا الخليفة أو واليه على زعمهم بانه اولى بالمؤمنين لاجل البيعة ليصلى على جنائزهم فقدمه الحسين عليه‌السلام ليصلى على أخيه ، وقال : لولا أنها السنة لما قدمتك. كذا في كتب التراجم.

١٣٧

وقال الحافظ في الحلية وري عن عمر بن إسحاق قال : دخلت أنا ورجل على الحسن بن علي عليهما‌السلام نعوده فقال : يا فلان سلني قال : لا والله لا أسالك حتى يعافيك الله ثم نسألك ، قال : ثم دخل ( الخلاء ) ثم خرج إلينا فقال : سلني قبل أن لا تسألني ، قال : بل يعافيك الله ثم لنسألك ، قال : ألقيت طائفة من كبدي وإني قد سقيت السم مرار فلم اسق مثل هذه المرة.

ثم دخلت عليه من الغد ، وهو يجود بنفسه ، والحسين عند رأسه ، فقال : يا أخي من تتهم؟ قال : لم؟ لتقتله؟ قال : نعم ، قال : إن يكن الذي أظن فانه أشد بأسا وأشد تنكيلا ، وإلا يكن فما احب أن يقتل بي برئ ، ثم قضى عليه‌السلام.

وعن رقية بن مصقلة ، قال : لما حضر الحسن بن علي ( الموت ) قال : أخرجوني إلى الصحراء لعلي أنظر في ملكوت السماء ، يعني الآيات ، فلما اخرج به قال : اللهم إني أحتسب نفسي عندك ، فانها أعز الانفس علي ، وكان له مما صنع الله له أنه احتسب نفسه (١).

بيان : قوله عليه‌السلام : اللهم إني أحتسب نفسي عندك أي أرضى بذهاب نفسى وشهادتي ، ولا أطلب القود طالبا لرضاك أو أطلب منك أن تجعلها عندك في محال القدس.

٦ ـ نص : محمد بن وهبان ، عن داود بن الهيثم ، عن جده إسحاق بن بهلول ( عن أبيه بهلول ) بن حسان ، عن طلحة بن زيد الرقي ، عن الزبير بن عطاء ، عن عمير بن ماني العبسي ، عن جنادة بن أبي امية قال : دخلت على الحسن بن علي ابن أبي طالب عليه‌السلام في مرضه الذي توفي فيه وبين يديه طست يقذف عليه الدم ويخرج كبده قطعة قطعة من السم الذي أسقاه معاوية لعنه الله (٢) فقلت : يا مولاي

__________________

(١) المصدر ج ٢ ص ١٤٢ و ١٦٢.

(٢) فيه غرابة حيث ان الكبد اذا ذابت أثفلت إلى الامعاء وخرجت كالدم ، وليس تصعد إلى المعدة حتى تقذف بها من الفم. والصحيح ما قد سمعت في سائر الاحاديث أنه كان يوضع تحته طست وترفع اخرى نحو أربعين يوما وأنه عليه‌السلام قال : « انى لاضع

١٣٨

مالك لا تعالج نفسك؟ فقال : يا عبدالله بماذا اعالج الموت؟ قلت : إنا لله وإنا إليه راجعون.

ثم التفت إلي فقال : والله لقد عهد إلينا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أن هذا الامر يملكه اثنا عشر إماما من ولد علي وفاطمة ، مامنا إلا مسموم أو مقتول ، ثم رفعت الطست وبكى صلوات الله عليه وآله.

قال : فقلت له : عظني يا ابن رسول الله ، قال : نعم استعد لسفرك ، وحصل زادك قبل حلول أجلك ، واعلم أنك تطلب الدنيا والموت يطلبك ، ولا تحمل هم يومك الذي لم يأت على يومك الذي أنت فيه ، واعلم أنك لا تكسب من المال شيئا فوق قوتك إلا كنت فيه خازنا لغيرك.

واعلم أن في حلالها حساب ، وفي حرامها عقاب ، وفي الشبهات عتاب ، فأنزل الدنيا بمنزلة الميتة ، خذ منها ما يكفيك ، فان كان ذلك حلالا كنت قد زهدت فيها ، وإن كان حراما لم يكن فيه وزر ، فأخذت كما أخذت من الميتة ، وإن كان العتاب فان العتاب يسير.

واعمل لدنياك كأنك تعيش أبدا ، واعمل لآخرتك كأنك تموت غدا ، وإذا أردت عزا بلا عشيرة ، وهيبة بلا سلطان ، فاخرج من ذل معصية الله إلى عز طاعة الله عزوجل ، وإذا نازعتك إلى صحبة الرجال حاجة فاصحب من إذا صحبته زانك ، وإذا خدمته صانك ، وإذا أردت منه معونة أعانك ، وإن قلت صدق قولك وإن صلت شد صولك (١) وإن مددت يدك بفضل مدها ، وإن بدت عنك ثلمة سدها ، وإن رأى منك حسنة عدها ، وإن سألته أعطاك ، وإن سكت عنه ابتداك وإن نزلت إحدى الملمات به ساءك.

____________________

كبدى » وظاهره خروج الكبد ثافلا ، وأظن القصة أنها قد اختلطت على افهام الرواة فنقلوها كذلك مع ضعف سندها.

(١) الصول : السطوة والاستطالة يقال : صال على قرنه يصول : اذا سطا عليه وقهره حتى يذل له.

١٣٩

من لا تأتيك منه البوائق ، ولا يختلف عليك منه الطرائق ، ولا يخذلك عند الحقائق ، وإن تنازعتما منقسما آثرك.

قال : ثم انقطع نفسه واصفر لونه ، حتى خشيت عليه ، ودخل الحسين عليه‌السلام والاسود بن أبي الاسود فانكب عليه حتى قبل رأسه وبين عينيه ، ثم قعد عنده فتسارا جميعا ، فقال أبوالاسود : إنا لله إن الحسن قد نعيت إليه نفسه.

وقد أوصى إلى الحسين عليه‌السلام وتوفي يوم الخميس في آخر صفر سنة خمسين من الهجرة ، وله سبعة وأربعون سنة ودفن بالبقيع.

٧ ـ عيون المعجزات للمرتضى رحمه‌الله : كان مولده بعد مبعث رسول الله (ص) بخمسة عشر سنة وأشهر ، وولدت فاطمة أبا محمد عليه‌السلام ولها أحد عشر سنة كاملة ، وكانت ولادته مثل ولادة جده وأبيه صلى الله عليهم : وكان طاهرا مطهرا يسبح ويهلل في حال ولادته ، ويقرأ القرآن على ما رواه أصحاب الحديث عن رسول الله (ص) أن جبرئيل ناغاه في مهده ، وقبض رسول الله (ص) وكان له سبع سنين وشهور ، وكان سبب مفارقة أبي محمد الحسن عليه‌السلام دار الدنيا وانتقاله إلى دار الكرامة على ما وردت به الاخبار أن معاوية بذل لجعدة بنت محمد بن الاشعث زوجة أبي محمد عليه‌السلام عشرة آلاف دينار وإقطاعات (١) كثيرة من شعب سورا ، وسواد الكوفة ، وحمل إليها سما فجعلته في طعام فلما وضعته بين يديه قال : إنا لله وإنا إليه راجعون ، والحمد لله على لقاء محمد سيد المرسلين ، وأبي سيد الوصيين ، وامي سيدة نساء العالمين ، وعمي جعفر الطيار في الجنة ، وحمزة سيد الشهداء صلوات الله عليهم أجمعين.

ودخل عليه أخوه الحسين صلوات الله عليه فقال : كيف تجد نفسك؟ قال : أنا في آخر يوم من الدنيا وأول يوم من الآخرة على كره مني لفراقك وفراق إخوتي. ثم قال : أستغفر الله على محبة مني للقاء رسول الله (ص) وأمير المؤمنين وفاطمة وجعفر وحمزة عليهم‌السلام.

ثم أوصى إليه وسلم إليه الاسم الاعظم ، ومواريث الانبياء عليهم‌السلام التي كان

____________________

(١) جمع إقطاعة : طائفة من أرض الخراج يقطع لاحد وتجعل غلتها رزقا له.

١٤٠