بحار الأنوار

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي

بحار الأنوار

المؤلف:

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي


الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: مؤسسة الوفاء
الطبعة: ٢
الصفحات: ٣٩٩
  الجزء ١   الجزء ٢   الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠ الجزء ٢١ الجزء ٢٢ الجزء ٢٣ الجزء ٢٤ الجزء ٢٥ الجزء ٢٦ الجزء ٢٧ الجزء ٢٨ الجزء ٢٩ الجزء ٣٠ الجزء ٣١ الجزء ٣٥ الجزء ٣٦ الجزء ٣٧ الجزء ٣٨ الجزء ٣٩ الجزء ٤٠ الجزء ٤١ الجزء ٤٢ الجزء ٤٣ الجزء ٤٤ الجزء ٤٥ الجزء ٤٦ الجزء ٤٧ الجزء ٤٨ الجزء ٤٩ الجزء ٥٠ الجزء ٥١ الجزء ٥٢ الجزء ٥٣ الجزء ٥٤ الجزء ٥٥ الجزء ٥٦ الجزء ٥٧ الجزء ٥٨ الجزء ٥٩ الجزء ٦٠ الجزء ٦١   الجزء ٦٢ الجزء ٦٣ الجزء ٦٤ الجزء ٦٥ الجزء ٦٦ الجزء ٦٧ الجزء ٦٨ الجزء ٦٩ الجزء ٧٠ الجزء ٧١ الجزء ٧٢ الجزء ٧٣ الجزء ٧٤ الجزء ٧٥ الجزء ٧٦ الجزء ٧٧ الجزء ٧٨ الجزء ٧٩ الجزء ٨٠ الجزء ٨١ الجزء ٨٢ الجزء ٨٣ الجزء ٨٤ الجزء ٨٥ الجزء ٨٦ الجزء ٨٧ الجزء ٨٨ الجزء ٨٩ الجزء ٩٠ الجزء ٩١ الجزء ٩٢ الجزء ٩٣ الجزء ٩٤   الجزء ٩٥ الجزء ٩٦   الجزء ٩٧ الجزء ٩٨ الجزء ٩٩ الجزء ١٠٠ الجزء ١٠١ الجزء ١٠٢ الجزء ١٠٣ الجزء ١٠٤

أن عمر أرسل إلى أبي : أني اريد أن أكتب القرآن في مصحف فابعث إلي بما كتبت من القرآن ، فأتاه فقال : تضرب والله عنقي قبل أن يصل إليك ، قال : ولم؟ قال : لان الله تعالى قال : « والراسخون في العلم » (١) قال : إياي عنى ولم يعنك ، ولا أصحابك فغضب عمر.

ثم قال : إن ابن أبي طالب يحسب أن أحدا ليس عنده علم غيره ، من كان يقرأ من القرآن شيئا فليأتني ، فإذا جاء رجل فقرأ شيئا معه فيه آخر (٢) كتبه وإلا لم يكتبه ، ثم قالوا : قد ضاع منه قرآن كثير ، بل كذبوا والله ، بل هو مجموع محفوظ عند أهله.

ثم أمر عمر قضاته وولاته : أجهدوا آراءكم واقضوا بما ترون أنه الحق فلا يزال هو بعض ولاته قد وقعوا في عظيمة فيخرجهم منها أبي ليحتج عليهم بها فتجتمع القضاة عند خليفتهم وقد حكموا في شئ واحد بقضايا مختلفة فأجازها لهم لان الله لم يؤته الحكمة وفصل الخطاب ، وزعم كل صنف من مخالفينا من أهل هذه القبلة أن معدن الخلافة والعلم دوننا ، فنستعين بالله على من ظلمنا ، وجحدنا حقنا وركب رقابنا ، وسن للناس علينا ما يحتج به مثلك ، وحسبنا الله ونعم الوكيل.

إنما الناس ثلاثة : مؤمن يعرف حقنا ، ويسلم لنا ، ويأتم بنا ، فذلك ناج محب لله ولي ، وناصب لنا العداوة يتبرأ منا ويلعننا ويستحل دماءنا ويجحد حقنا ويدين الله بالبراءة منا ، فهذا كافر مشرك فاسق ، وإنما فرو أشرك من حيث لا يعلم كما سبوا الله ( عدوا ) بغير علم (٣) كذلك يشرك بالله بغير علم ، ورجل آخذ بما ( لا ) يخلتف فيه ورد علم ما أشكل عليه إلى مع ولايتنا ، ولا يأتم بنا

____________________

(١) آل عمران : ٧.

(٢) يعنى فقرأ شيئا معه يوافقه فيه آخر.

(٣) مأخوذ من قوله تعالى : « ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبو الله عدوا بغير علم » الانعام : ١٠٨ ، يعنى فكما سب المشركون الله عدوا بغير علم ، يشرك هؤلاء بالله من غير علم.

١٠١

ولا يعادينا ولا يعرف حقنا ، فنحن نرجو أن يغفر الله له ويدخله الجنة ، فهذا مسلم ضعيف.

فلما سمع ذلك معاوية ، أمر لكل واحد منهم بمائة ألف درهم غير الحسن والحسين وابن جعفر فأنه أمر لكل واحد منهم بألف ألف درهم (١).

أقول : وجدته في كتاب سليم برواية ابن أبي عياش عنه بتغيير ما وقد أوردته في كتاب الفتن ، وقد مر بعض الخبر بأسانيد في باب نص النبي (ص) على الاثني عشر صلوات الله عليهم (٢).

وقال ابن أبي الحديد : روى المدائني قال : لقي عمرو بن العاص الحسن عليه‌السلام في الطواف فقال له : يا حسن زعمت أن الدين لا يقوم إلا بك وبأبيك ، فقد رأيت الله أقام معاوية فجعله راسيا بعد ميله ، وبينا بعد خفائه ، أفيرضى الله بقتل عثمان؟ أو من الحق أن تطوف بالبيت كما يدور الجمل بالطحين عليك ثياب كغرقئ البيض (٣) وأنت قاتل عثمان؟ والله إنه لالم للشعث ، وأسهل للوعث ، أن يوردك معاوية حياض أبيك.

فقال الحسن عليه‌السلام : إن لاهل النار علامات يعرفون بها : إلحاد لاولياء الله وموالاة لاعداء الله ، والله إنك لتعلم أن عليا لم يرتب في الدين ، ولم يشك في الله ساعة ولا طرفة عين ، قط ، ووالله لتنتهين يا ابن ام عمرو ، أولا نفذن حضنيك (٤) بنوافذ أشد من الاقضبة فاياك والهجم علي فاني من قد عرفت ، ليس بضعيف الغمزة

____________________

(١) الاحتجاج ص ١٤٧ ١٤٨.

(٢) أخرجه في ج ٣٦ ص ٢٣١ ( الطبعة الحديثة ) عن كمال الدين ، والخصال وعيون الاخبار للصدوق وهكذا عن غيبة الشيخ النعمانى.

(٣) الغرقئ : القشرة الملتزقة ببياض البيض ، شبه رداءه عليه‌السلام بالغرقئ للطافتة وبياضه.

(٤) الحضن ما دون الابط إلى الكشح ، وكانه جعل الاقضبة جمع القضيب وهو السيف الدقيق الذى ليس بصحيفة فهو أنفذ.

١٠٢

ولا هش المشاشة ، ولا مرئ المأكلة ، وإني من قريش كواسطة القلادة يعرف حسبي والا ادعى لغير أبي ، وأنت من تعلم ويعلم الناس ، تحاكمت فيك رجال قريش فغلب عليك جزارها : ألامهم حسبا ، وأعظمهم لوما (١) فاياك عني فانك رجس ونحن أهل بيت الطهارة أذهب الله عنا الرجس وطهرنا تطهيرا فأفحم عمرو ، وانصرف كئيبا.

١٠ ـ قب : تفاخرت قريش والحسن بن علي عليهما‌السلام حاضر لا ينطق فقال معاوية : يا أبا محمد ما لك لا تنطق؟ فو الله ما أنت بمشوب الحسب ، ولا بكليل اللسان قال الحسن عليه‌السلام : ما ذكروا فضيلة إلا ولي محضها ولبابها ثم قال :

فيهم الكلام؟ وقد سبقت مبرزا

سبق الجواد من المدى المتنفس (٢)

بيان : « المتنفس » البعيد من قولهم أنت في نفس من أمرك أي سعة.

١١ ـ قب : أخبار أبي حاتم إن معاوية فخر يوما فقال : أنا ابن بطحا ( و ) مكة أنا ابن أغزرها جودا ، وأكرمها جدودا ، أنا ابن من ساد قريشا فضلا ناشئا وكهلا فقال الحسن بن علي عليهما‌السلام : أعلي تفتخر يا معاوية؟ أنا ابن عروق الثرى ، أنا ابن مأوى التقى ، أنا ابن من جاء بالهدى ، أنا ابن من ساد أهل الدنيا ، بالفضل السابق ، والحسب الفائق ، أنا ابن من طاعته طاعة الله ، ومعصيته معصية الله ، فهل لك أب كأبي تباهيني ، به ، وقديم كقديمي تساميني به ، قل نعم أو لا ، قال معاوية : بل اقول : لا ، وهي لك تصديق ، فقال الحسن :

____________________

(١) ذكر الكلبى في المثالب على ما نقله في التذكرة ص ١١٧ قال : كانت النابغة ام عمرو ابن العاص من البغايا أصحاب الرايات بمكة فوقع عليها : العاص بن وائل في عدة من قريش منهم أبولهب وامية بن خلف وهشام بن المغيرة وأبوسفيان بن حرب في طهر واحد ، فلما حملت النابغة بعمرو تكلموا فيه فلما وضعته اختصم فيه الخمسة الذين ذكرناهم كل واحد يزعم انه ولده وألب عليه العاص بن وائل وأبوسفيان بن حرب فحكما النابغة فاختارت العاص. ونقله الزمخشرى في ربيع الابرار وزاد : قالوا : كان أشبه بأبى سفيان.

(٢) راجع مناقب آل أبى طالب ج ٤ ص ٢١.

١٠٣

الحق أبلج ما يحيل سبيله

والحق يعرفه ذوو الالباب

كشف : عن الشعبي مثله (١).

بيان : رأيت في بعض الكتب أن عروق الثرى إبراهيم عليه‌السلام لكثرة ولده في البادية ، ولعله عليه‌السلام عرض بكون معاوية ولد زنا ليس من ولد إبراهيم قوله : « ما يحيل سبيله » أي ما يتغير قال الفيروز آبادى : حال يحيل حيولا تغير وفي كشف الغمة تخيل بالخاء المعجمة على صيغة الخطاب ونصب السبيل أي لا يمكنك أن توقع في الخيال غيره.

١٢ ـ قب : وقال معاوية للحسن بن علي عليهما‌السلام : أنا أخير منك يا حسن ، قال : وكيف ذاك يا ابن هند؟ قال : لان الناس قد أجمعوا علي ولم يجمعوا عليك قال هيهات هيهات لشر ما علوت ، يابن آكلة الاكباد ، المجتمعون عليك رجلان : بين مطيع ومكره ، فالطائع لك عاص لله ، والمكره معذور بكتاب الله ، وحاش لله أن أقول : أنا خير منك فلا خير فيك ، ولكن الله برأني من الرذائل كما برأك من الفضائل.

كتاب الشيراي : روى سفيان الثوري ، عن واصل ، عن الحسن ، عن ابن عباس في قوله : « وشاركهم في الاموال والاولاد » (٢) أنه جلس الحسن بن علي ويزيد بن معاوية بن أبي سفيان يأكلان الرطب فقال يزيد : يا حسن إني مذ كنت ابغضك ، قال الحسن : اعلم يا يزيد أن إبليس شارك أباك في جماعه فاختلط الماءان فأورثك ذلك عداوتي ، لان الله تعالى يقول : « وشاركهم في الاموال والاولاد » وشارك الشيطان حربا عند جماعه فولد له صخر ، فلذلك كان يبغض جدي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله.

وهرب سعيد بن سرح من زياد إلى الحسن بن علي عليهما‌السلام فكتب الحسن إليه يشفع فيه ، فكتب زياد : من زياد بن أبي سفيان إلى الحسن بن فاطمة أما بعد فقد أتاني

____________________

(١) كشف الغمة ج ٢ ص ١٥٢ ، المناقب ج ٤ ص ٢٢.

(٢) أسرى : ٦٤.

١٠٤

كتابك تبدأ فيه بنفسك قبلي وأنت طالب حاجة ، وأنا سلطان وأنت سوقة ، وذكر نحوا من ذلك ، فلما قرأ الحسن الكتاب تبسم وأنفذ بالكتاب إلى معاوية ، فكتب معاوية إلى زيدا يؤنبه ويأمره أن يخلي عن أخي سعيد وولده وامرأته ورد ماله وبناء ما قد هدمه من داره ، ثم قال وأما كتابك إلى الحسن باسمه واسم امه ، لا تنسبه إلى أبيه ، وامه بنت رسول الله وذلك أفخر له إن كنت تعقل.

وذكروا أن الحسن بن علي عليهما‌السلام دخل على معاوية يوما فجلس عند رجله وهو مضطجع فقال له : يا أبا محمد ألا اعجبك من عائشة تزعم أني لست للخلافة أهلا؟ فقال الحسن عليه‌السلام : وأعجب من هذا جلوسي عند رجلك ، وأنت نائم ، فاستحيا معاوية واستوى قاعدا واستعذره.

كشف : مثله ثم قال : قلت : والحسن عليه‌السلام لم يعجب من قول عائشة إن معاوية لا يصلح للخلافة ، فان ذلك عنده ضروري ، لكنه قال : وأعجب من توليك الخلافة قعودي (١).

بيان : يحتمل أن يكون التعجب من صدور هذا القول منها ، وإن كان حقا لكونها مقرة بخلافة أبيها مع اشتراكهما في عدم الاستحقاق ، وداعية لمعاوية إلى مقاتلة أمير المؤمنين عليه‌السلام.

١٣ ـ قب : وفي العقد أن مروان بن الحكم قال للحسن بن علي عليهما‌السلام بين يدي معاوية : أسرع الشيب إلى شاربك يا حسن! ويقال إن ذلك من الخرق فقال عليه‌السلام : ليس كما بلغك ، ولكنا معشر بني هاشم طيبة أفواهنا ، عذبة شفاهنا فنساؤنا يقبلن علينا بأنفاسهن ، وأنتم معشر بني امية فيكم بخر شديد ، فنساؤكم يصرفن أفواههن وأنفاسهن إلى اصداغكم ، فانما يشيب منكم موضع العذار من أجل ذلك.

قال مروان : أما إن فيكم يا بني هاشم خصلة ( سوء ) (٢) قال : وما هي؟

____________________

(١) راجع كشف الغمة ج ٢ ص ١٥٠ ، مناقب آل أبى طالب ج ٤ ص ٢٢ و ٢٣.

(٢) الزيادة من المصدر ج ٤ ص ٢٣.

١٠٥

قال : الغلمة ، قال : أجل نزعت من نسائنا ووضعت في رجالنا ، ونزعت الغلمة من رجالكم ووضعت في نسائكم ، فما قام لاموية إلا هاشمي ثم خرج يقول :

وما رست هذا الدهر خمسين حجة

وخسما ارجى قابلا بعد قابل

فما أنا في الدنيا بلغت جسيمها

ولا في الذي أهوى كدحت بطائل

فقد أشرعتني في المنايا أكفها (١)

وأيقنت أني رهن موت معاجل

١٤ ـ كشف ، قب : وقال الحسن بن علي عليهما‌السلام لحبيب بن مسلمة الفهري : رب مسير لك في غير طاعة قال : أما مسيري إلى أبيك فلا ، قال : بلى ولكنك أطعت معاوية على دنيا قليلة ، فلئن كان قام بك في دنياك لقد قعد بك في آخرتك ، فلو كنت إذا فعلت شرا قلت خيرا كنت كما قال الله عزوجل « خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا » (٢) ولكنك كما قال بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون (٣).

١٥ ـ د ، كشف : لما خرج حوثر الاسدي على معاوية ، وجه معاوية إلى الحسن عليه‌السلام يسأله أن يكون هو المتولي لقتاله ، فقال : والله لقد كففت عنك لحقن دماء المسلمين ، وما أحسب ذلك يسعني أن اقاتل عنك قوما أنت والله أولى بقتالي منهم.

وقيل له عليه‌السلام : فيك عظمة ، قال : لا ، بل في عزة قال الله تعالى « ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين » (٤).

وقال معاوية : إذا لم يكن الهاشمي جوادا لم يشبه قومه ، وإذا لم يكن الزبيري شجاعا لم يشبه قومه ، وإذا لم يكن الاموي حليما لم يشبه قومه ، وإذا لم يكن المخزومي تياها لم يشبه قومه ، فبلغ ذلك الحسن عليه‌السلام فقال : ما أحسن

_________________

(١) فقد أشرعت في المنايا أكفها. ظ. وما في الصلب مطابق للاصل والمصدر.

(٢) براءة : ١٠٢.

(٣) المطففين : ١٤ ، وترى الحديث في الكشف ج ٢ ص ١٥١ ، والمناقب : ج ٤ ص ٢٤.

(٤) المنافقون : ٨ راجع كشف الغمة ج ٢ ص ١٥٠ و ١٥١.

١٠٦

ما نظر لقومه : أراد أن يجود بنو هاشم بأموالهم فيفتقروا ، ويزهى بنو مخزوم فتبغض وتشنأوتحارب بنو الزبير فيتفانوا ، وتحلم بنوا امية فتحب.

١٦ ـ ما : المفيد ، عن علي بن مالك النحوي ، عن محمد بن القاسم الانباري عن أبيه ، عن عبدالصمد بن محمد الهاشمي ، عن الفضل بن سليمان النهدي ، عن ابن الكلبي ، عن شرقي القطامى ، عن أبيه ، قال : خاصم عمرو بن عثمان بن عفان اسامة بن زيد إلى معاوية بن أبي سفيان مقدمه المدينة في حائط من حيطان المدينة فارتفع الكلام بينهما حتى تلاحيا ، فقال عمرو : تلا حيني وأنت مولاي؟ فقال اسامة : والله ما أنا بمولاك ، ولا يسرني أني في نسبك ، مولاي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فقال : ألا تسمعون ما يستقبلني به هذا العبد؟.

ثم التفت إليه عمرو فقال له : يا ابن السوداء ما أطغاك؟ فقال : أنت أطغى مني ولم تعيرني بامي ، وامي والله خير من امك ، وهي ام أيمن مولاة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بشرها رسول الله في غير موطن بالجنة. وأبى خير من أبيك زيد بن حارثة صاحب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وحبه ومولاه ، وقتل شهيدا بموته على طاعة الله وطاعة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وأنا أمير على أبيك ، وعلى من هو خير من أبيك على أبي بكر وعمرو على أبى عبيدة وسروات المهاجرين والانصار ، فأنى تفاخرني يا ابن عثمان؟

فقال عمرو : يا قوم أما تسمعون ما يجيبني به هذا العبد؟ فقام مروان بن الحكم فجلس إلى جنب عمرو بن عثمان ، فقام الحسن بن علي عليهما‌السلام فجلس إلى جنب اسمامة ، فقام سعيد بن العاص فجلس إلى جنب عمرو ، فقام عبدالله بن جعفر فجلس إلى جنب اسامة ، فلما رآهم معاوية قد صاروا فريقين من بني هاشم وبني امية خشي أن يعظمن البلاء ، فقال : إن عندي من هذا الحائط لعلما ، قالوا : فقل بعلمك ، فقد رضينا ، فقال معاوية : أشهد أن رسول الله (ص) جعله لاسامة بن زيد

١٠٧

قم يا اسامة فاقبض حائطك هنيأ مريئا ، فقام اسامة والهاشميون فجزوا معاوية خيرا.

فأقبل عمرو بن عثمان على معاوية فقال : لا جزاك الله عن الرحم خيرا مازدت علي أن كذبت قولنا ، وفسخت حجتنا ، وأشمت بنا عدونا ، فقال معاوية : ويحك يا عمرو! إني لما رأيت هؤلاء الفتية من بني هاشم قد اعتزلوا ، ذكرت أعينهم تدور إلي من تحت المغافر بصفين ، وكاد يختلط علي عقلي ، وما يؤمني يا ابن عثمان منهم وقد احلوا بأبيك ما أحلوا ، ونازعوني مهجة نفسي حتى نجوت منهم بعد نباء عظيم ، وخطب جسيم ، فانصرف فنحن مخلفون لك خيرا من حائطك إنشاء الله.

بيان : التلاحي : التخاصم والتنازع ، احب بالكسر المحبوب ، والسروات جمع سراة وهي جمع سري ، والسري ، الشريف ، وجمع السرى على سراة عزيز.

أقول : قال ابن أبي الحديد : روى أبوجعفر محمد بن حبيب في أماليه عن ابن عباس قال : دخل الحسن بن علي عليهما‌السلام على معاوية بعد عام الجماعة ، وهو جالس في مجلس ضيق ، فجلس عند رجليه ، فتحدث معاوية بما شاء أن يتحدث ، ثم قال : عجبا لعائشة : تزعم أني في غير ما انا أهله ، وأن الذي أصبحت فيه ليس في الحق ما لها ولهذا؟ يغفر الله لها ، إنما كان ينازعني في هذا الامر أبوهذا الجالس ، وقد استأثر الله به.

فقال الحسن عليه‌السلام : أو عجب ذلك يا معاوية؟ قال : إي والله ، قال : أفلا اخبرك بما هو أعجب من هذا؟ قال : ما هو؟ قال : جلوسك في صدر المجلس وأنا عند رجليك ، فضحك معاوية وقال : يا ابن أخي بلغني أن عليك دينا ، قال : إن علي دينا ، قال : كم هو؟ قال : مائة ألف ، فقال : قد أمرنا لك بثلاث مائة ألف : مائة منها لدينك ، ومائة تقسمها في أهل بيتك ، ومائة لخاصة نفسك ، فقم مكرما فاقبض صلتك.

فلما خرج الحسن عليه‌السلام قال يزيد بن معاوية لابيه : تالله ما رأيت؟

١٠٨

استقبلك بما استقبلك به ثم أمرت له بثلاث مائة ألف؟ قال : يا بني إن الحق حقهم ، فمن أتاك منهم فاحث له (١).

____________________

(١) ومما يناسب اللباب ما ذكره سبط ابن الجوزى في التذكرة نقلا عن هشام بن محمد الكلبي ، عن محمد بن اسحاق قال : بعث مروان بن الحكم وكان اليا على المدنية رسولا إلى السحن عليه‌السلام فقال قل له : يقول لك مروان : أبوك الذى فرق الجماعة وقتل أمير المؤمنين عثمان ، وأباد العلماء والزهاد يعنى الخوارج وأنت تفخر بغيرك : فاذا قيل لك من أبوك؟ تقول : خالى الفرس وفى رواية ابن سعد في الطبقات : ما اجد لك مثلا الا البغلة يقال لها من أبوك فتقول : أخى الفرس.

فجاء الرسول إلى الحسن عليه‌السلام فقال له : يا أبا محمد! انى أتيتك برسالة ممن يخاف سطوته ، ويحذر سيفه ، فان كرهت لم أبلغك اياها ووقيتك بنفسى ، فقال الحسن : لا بل تؤديها ، ونستعين عليه بالله. فأداها فقال له : تقول لمروان : ان كنت صادقا فالله يجزيك بصدقك ، وان كنت كاذبا فالله أشد نقمة.

فخرج الرسول من عنده ، فلقيه الحسين فقال : من أين أقبلت؟ فقال : من عند أخيك الحسن ، فقال : وما كنت تصنع؟ قال : أتيت برسالة من عند مروان ، فقال : وما هى؟ فامتنع الرسول من أدائها ، فقال : لتخبرنى أو لاقتلنك! فسمع الحسن عليه‌السلام فخرج وقال لاخيه : خل عن الرجل ، فقال : لا والله حتى أسمعها ، فأعادها الرسول فقال له : قل يقول لك الحسين بن على ابن فاطمة : يا ابن الزرقاء الداعية إلى نفسها بسوق ذى المجاز ، صاحبة الراية بسوق عكاظ ، يا ابن طريد رسول الله ولعينه ، اعرف من أنت؟ ومن امك؟ ومن أبوك؟ فجاء الرسول إلى مروان فأعاد عليه ما قالا ، فقال له : ارجع إلى الحسن وقل له : أشهد أنك ابن رسول الله ، وقل للحسين : أشهد أنك على بن أبى طالب.

قال : قال الاصمعى : أما قول الحسين « يا ابن الداعية إلى نفسها » فذكر بان اسحاق ان ام مروان اسمها أمية وكانت من البغايا في الجاهلية ، وكان لها رأية مثل رأية البيطار تعرف بها ، وكانت تسمى أم حبتل الزرقاء ، وكان مروان لا يعرف له أب ، وانما تنسب له إلى الحكم بن أبى العاص.

أقول : قال الفيروز آبادي ذو المجاز : سوق كانت لهم على فرسخ من عرفة ، بناحية كبكب وعكاظ سوق بصحراء بين نخلة والطائف كانت تقوم هلال ذى القعدة وتستمر عشرين يوما تجتمع قبائل العرب فبتعاكظون أي يتفاخرون ويتناشدون.

١٠٩

٢١

* ( باب ) *

* « ( أحوال أهل زمانه وعشائره وأصحابه ، وما جرى بينه وبينهم ) » *

* « ( وما جرى بينهم وبين معاوية وأصحابه لعنهم الله ) » *

١ ـ مع : محمد بن إبراهيم ، عن أحمد بن يونس المعاذي ، عن أحمد الهمداني عن محمد بن الاشعث ، عن موسى بن إسماعيل ، عن أبيه ، عن جده ، عن جعفر ابن محمد عليهما‌السلام قال : كان للحسن بن علي بن أبي طالب صلوات الله عليهما صديق وكان ماجنا فتباطأ عليه أياما فجاءه يوما ، فقال له الحسن عليه‌السلام : كيف أصبحت؟ فقال يا ابن رسول الله أصبحت بخلاف ما احب ويحب الله ويحب الشيطان فضحك الحسن عليه‌السلام ثم قال : وكيف ذاك؟ قال : لان الله عزوجل يحب أن اطيعه ولا أعصيه ولست كذلك ، والشيطان يحب أن أعصي الله ولا اطيعه ولست كذلك ، وأنا احب أن لا أموت ، ولست كذلك.

فقام إليه رجل فقال يا ابن رسول الله ما بالنا نكره الموت ولا نحبه ، قال : فقال الحسن عليه‌السلام : إنكم أخربتم آخرتكم وعمرتكم دنياكم فأتتم تكرهون النقلة من العمران إلى الخراب (١).

٢ ـ قب : من أصحاب الحسن بن علي عليهما‌السلام عبدالله بن جعفر الطيار ، ومسلم ابن عقيل ، وعبدالله بن العباس ، وحبابة بنت جعفر الوالبية ، وحذيفة بن أسيد والجارود بن أبي بشر ، والجارود بن المنذر ، وقيس بن أشعث بن سوار ، وسفيان ابن أبي ليلى الهمداني ، وعمرو بن قيس المشرفي ، وأبوصالح كيسان بن كليب وأبومخنف لوط بن يحيى الازدي ، ومسلم البطين ، وأبورزين مسعود بن أبي وائل ، وهلال بن يساف ، وأبوإسحاق بن كليب السبيعي ، وأصحابه من خواص

____________________

(١) رواه الصدوق في المعاني باب النوادر تحت الرقم ٢٩ ص ٣٨٩.

١١٠

أبيه مثل : حجر ، ورشيد ، ورفاعة ، وكميل ، والمسيب ، وقيس ، وابن واثلة وابن الحمق ، وابن أرقم ، وابن صرد ، وابن عقلة ، والدولي ، وحبة وعباية ، وجعيد ، وسليم ، وحبيب ، الاحنف ، والاصبغ ، والاعور مما لا تحصى كثرة (١).

٣ ـ كا : علي بن محمد بن بندار ، عن إبراهيم بن إسحاق الاحمري ، عن عبدالله بن حماد ، عن أبي مريم الانصاري ، عن أبي برزة الاسملي قال : ولد للحسن بن علي عليهما‌السلام مولود فأتته قريش فقالوا : ينهئك الفارس ، فقال : وما هذا من الكلام؟ قولوا : شكرت الواهب ، وبورك لك في الموهوب ، وبلغ الله به أشده ، ورزقك بره (٢).

٤ ـ كا : العدة ، عن البرقي ، عن بكر بن صالح ، عمن ذكره ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : هنا رجل رجلا أصاب ابنا ، فاقل : يهنئك الفارس ، فقال الحسن عليه‌السلام له : ما علمك يكون فارسا أو راجلا؟ قال : جعلت فداك فما أقول؟ قال : تقول : شكرت الواهب ، وبورك لك في الموهوب ، وبلغ أشده ، ورزقك بره (٣). ٥ كا : محمد بن الحسن وعلى بن محمد بن بندار ، عن إبراهيم بن إسحاق عن عبدالرحمن بن حماد ، عن أبي مريم الانصاري رفعه قال : إن الحسن بن علي عليهما‌السلام خرج من الحمام فلقيه إنسان فقال « طاب استحمامك » فقال يالكع وما تصنع بالاست ههنا؟ فقال « طاب حميمك » ، فقال : أما تعلم أن الحميم العرق قال « طاب حمامك » فقال : وإذا طاب حمامي فأي شئ لي؟ قل : « طهر ما طاب منك ، وطاب ما طهر منك » (٤).

بيان : قال الفيروز آبادي : استحم اغتسل بالماء الحار ، والماء البارد ضد وقال : ولا يقال « طاب حمامك » وإنما يقال : طابت حمتك بالكسر أي حميمك

____________________

(!) المصدر ج ٤ ص ٤٠.

(٢ و ٣) راجع ج ٦ ص ١٧ باب التهنئة من كتاب العقيقة الرقم ٢ و ٣.

(٤) رواه في باب الحمام من كتاب الزى والتجمل تحت الرقم ٢١ ، راجع ج ٦ ص ٥٠٠.

١١١

أي طاب عرقك ، انتهى (١).

ولعله عليه‌السلام قال : ما تصنع بالاست ، على وجه المطايبة لكون الاست موضوعا لامر قبيح ، وإن لم يكن مقصودا ههنا تنبيها له على أنه لابد أنه يرجع في تلك الامور إلى المعصوم ، ولا يخترعوا بآرائهم ، ويحتمل أن يكون المراد أن الالف والسين والتاء الموضوعة للطلب غير مناسب في المقام فيكون إشارة إلى أن الاستحمام بعمنى الاغتسال لغة غير فصيحة (٢).

٦ ـ قب : أصحابه أصحاب أبيه ، وبابه قيس بن ورقا المعروف بسفية ، ورشيد الهجري ويقال : وميثم التمار.

٧ ـ ختص : أصحاب الحسن بن علي عليهما‌السلام سفيان بن ( أبي ) ليلى الهمداني حذيفة بن اسيد الغفاري ، أبورزين الاسدي (٣).

٨ ـ ختص : ابن الوليد ، عن الصفار ، عن على بن سليمان بن داود ، وعن العطار ، عن سعد ، عن على بن سليمان ، عن على بن أسباط ، عن أبيه ، عن أبي الحسن موسى عليه‌السلام قال : إذا كان يوم القيامة نادى مناد : أين حواري الحسن بن علي بن فاطمة بنت محمد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله؟ فيقوم سفيان بن أبي ليلى الهمداني وحذيفة بن أسيد الغفاري ، ثم ينادي ، أين حواري الحسين بن علي؟ فيقوم كل من استشهد معه ولم يتخلف عنه. الخبر (٤).

٩ ـ فض ، يل : عن عبدالملك بن عمير ، عن أبيه ، عن ربعي ، عن خراش قال : سأل معاوية ابن عباس قال : فما تقول في علي بن أبي طالب عليه‌السلام قال : علي

____________________

(١) نقله في الاقرب وزاد : ومعناه : أصح الله جسمك.

(٢) بل المراد أن سين الاستفعال انما وضع للطلب وأصل الاستحمام : طلب الماء الحميم اللاغتسال فانه أذهب للارجاس ، فاذا دخل الرجل الحمام ، أو أسخن ماء واشتغل بافراغه على رأسه ، فقد استحم ، واما اذا خرج من الحمام ، ولبس سراويله ، فلا معنى للاستحمام بعد ذلك وايراد سين الاستفعال

(٣) و (٤) الاختصاص ص ٧ و ٦١.

١١٢

أبوالحسن عليه‌السلام علي ، كان والله علم الهدى ، وكهف التقى ، ومحل الحجى ، ومحتد الندا ، وطود النهى ، وعلم الورى ، ونورا في ظلمة الدجى ، وداعيا إلى المحجة العظمى ، ومستمسكا بالعروة الوثقى ، وساميا إلى المجد والعلا ، وقائد الدين والتقى وسيد من تقمص وارتدى ، بعل بنت المصطفى ، وأفضل من صام وصلى ، وأفخر من ضحك وبكى ، صاحب القبلتين ، فهل يساويه مخلوق كان أو يكون.

كان والله كالاسد مقاتلا ولهم في الحروب حاملا على مبغضيه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين إلى يوم التناد.

ايضاح : المحتد بالكسر الاصل ، والندا : العطاء ، والطود الجبل العظيم.

١٠ ـ ل : ابن موسى ، عن ابن زكريا ، عن ابن حبيب ، عن العباس بن الفرج عن أبي سلمة الغفاري ، عن عبدالله بن إبراهيم بن أبي فروة ، عن عبدالملك بن مروان قال : كنا عند معاوية ذات يوم وقد اجتمع عنده جماعة من قريش وفيهم عدة من بني هاشم فقال معاوية : يا بني هاشم بم تفخرون علينا؟ أليس الاب والام واحدا والدار والمولد واحدا؟ فقال ابن عباس : نفخر عليكم بما أصبحت تفخر به على سائر قريش ، وتفخر به قريش على الانصار ، وتفخر به الانصار على سائر العرب وتخفر به العرب على العجم : برسول الله (ص) وبما لا تستطيع له إنكارا ولا منه فرارا.

فقال معاوية : يا ابن عباس لقد اعطيت لسانا ذلقا تكاد تغلب بباطلك ، حق سواك ، فقال ابن عباس : مه فان الباطل لا يغلب الحق ودع عنك الحسد ، فلبئس الشعار الحسد.

فقال معاوية : صدقت أما والله إني لا حبك لخصال أربع مع مغفرتي لك خصالا أربعا فأما ما احبك فلقربتك برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وأما الثانية فانك رجل من اسرتي وأهل بيتي ومن مصاص عبد مناف ، وأما الثالثة فان أبي كان خلا لابيك وأما الرابعة فانك لسان قريش وزعيمها وفقيهها.

وأما الاربع التي غفرت لك : فعدوك علي بصفين ، فيمن عدا ، وإساءتك في خذلان عثمان فيمن أساء ، وسعيك على عائشة أم المؤمنين فيمن سعى ، ونفيك

١١٣

عني زيادا فيمن نفى ، فضربت أنف هذا الامر وعينه حتى استخرجت عذرك من كتاب الله عزوجل وقول الشعراء.

أما ما وافق كتاب الله عزوجل فقوله « خلطوا عملا صالحا آخر سيئا » (١) وأما ما قالت الشعراء فقول اخي بني دينار :

ولست بمستبق أخا لا تلمه

على شعث اي الرجال المهذب

فاعلم أني قد قبلت فيك الاربع الاولى ، وغفرت لك الاربع الاخرى وكنت في ذلك كما قال الاول :

سأقبل ممن قد أحب جميله

وأغفرما قد كان من غير ذلكا

ثم أنصت ، فتكلم ابن عباس فقال بعد حمد الله والثناء عليه : أما ما ذكرت أنك تحبني لقرابتي من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فذلك الواجب عليك وعلى كل مسلم آمن بالله ورسوله ، لانه الاجر الذي سألكم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله على ما آتاكم به من الضياء والبرهان المبين ، فقال عزوجل « قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى » (٢) فمن لم يجب رسول الله (ص) إلى ما سأله خاب وخزي وكبا في جهنم.

وأما ما ذكرت أني رجل من اسرتك وأهل بيتك ، فذلك كذلك وإنما أردت به صلة الرحم ولعمري إنك اليوم وصول معما (٣) قد كان منك مما لا تثريب عليك فيه اليوم.

وأما قولك : إن أبي كان خلا لابيك ، فقد كان ذلك ، وقد سبق فيه قول الاول :

سأحفظ من آخى أبي في حياته

وأحفظه من بعده في الاقارب

ولست لمن لا يحفظ العهد وامقا

ولا هو عند النائبات بصاحبي

وأما ما ذكرت أني لسان قريش وزعيمها وفقيهها ، فإني لم اعط من ذلك

____________________

(١) براءة : ١٠٢.

(٢) الشورى : ٢٣.

(٣) في الاصل ونسخة كمبانى : « مما » وما جعلناه في الصلب أظهر.

١١٤

شيئا إلا وقد اوتيته ، غير أنك قد أبيت بشرفك وكرمك إلا أن تفضلني ، وقد سبق في ذلك قول الاول :

وكل كريم للكرام مفضل

يراه له أهلا وإن كان فاضلا

وأما ما ذكرت من عدوي عليك بصفين ، فوالله لو لم أفعل ذلك لكنت من ألام العالمين ، أكانت نفسك تحدثك يا معاوية أني أخذل ابن عمي أمير المؤمنين وسيد المسلمين ، وقد حشد له المهاجرون والانصار ، والمصطفون الاخيار ، لم يا معاوية؟ أشك في ديني أم حيرة في سجيتي أم ضن بنفسي.

وأما ما ذكرت من خذلان عثمان ، فقد خذله من كان أمس رحما به مني ولي في الاقربين والابعدين اسوة ، وإني لم اعد عليه فيمن عدا ، بل كففت عنه كما كف أهل المروعات والحجى.

وأما ما ذكرت من سعيي على عائشة ، فان الله تبارك وتعالى أمرها أن تقر في بيتها وتحتجب بسترها ، فلما كشفت جلباب الحياء ، وخالفت نبيها (ص) وسعنا ما كان منا إليها.

وأما ما ذكرت من نفي زياد ، فاني لم أنفه بل نفاه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إذ قال : « الولد للفراش وللعاهر الحجر » وإني من بعد هذا لاحب ما سرك في جميع امورك.

فتكلم عمرو بن العاص فقال : يا أمير المؤمنين والله ما أحبك ساعة قط غير أنه قد اعطي لسانا ذربا يقلبه كيف شاء وإن مثلك ومثله كما قال الاول ، وذكر بيت شعر ، فقال ابن عباس : إن عمرا داخل بين العظم واللحم ، والعصا واللحا (١) وقد تكلم فليستمع ، فقد وافق قرنا.

____________________

(١) مثل يضرب لمن يدخل بين المتخالين المتصافيين ، ويسعى بينهما ، فانه لا يأتى بشئ البتة ، فاللحم ملتصق بالعظم لا يدخل بينهما شئ كما أن اللحا وهو قشر العصا ملتصق به لا يدخل بينهما شئ ، راجع الصحاح ص ٢٤٨٠ ، مجمع الامثال ج ٢ ص ٢٣١ : الرقم ٣٥٩٤.

١١٥

أما والله يا عمرو إني لا بغضك في الله ، وما أعتذر منه ، إنك قمت خطيبا فقلت : أنا شانئ محمد ، فانزل الله عزوجل : « إن شانئك هو الابتر » فأنت أبتر الدين والدنيا وأنت شانئ محمد في الجاهلية والاسلام ، وقد قال الله تبارك وتعالى : « لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله » (١) وقد حاددت الله ورسوله قديما وحديثا ولقد جهدت على رسول الله جهد وأجلبت عليه بخيلك ورجلك حتى إذا غلبك الله على أمرك ، ورد كيدك في نحرك ، وأوهن قوتك ، وأكذب احدوثتك ، نزعت أنت حسير.

ثم كدت بجهدك لعداوة أهل بيت نبيه من بعده ، ليس بك في ذلك حب معاوية ولا آل معاوية إلا العداوة لله عزوجل ولرسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله مع بغضك وحسدك القديم لابناء عبد مناف ، ومثلك في ذلك كما قال الاول :

تعرض لي عمرو وعمرو وخزاية

تعرض ضبع القفر للاسد الورد

فما هو لي ند فأشتم عرضه

ولا هو لي عبد فأبطش بالعبد

فتكلم عمرو بن العاص فقطع عليه معاوية وقال : أما والله يا عمرو ما أنت من رجاله ، فان شئت فقل وإن شئت فدع ، فاغتنمها عمرو وسكت.

فقال ابن عباس : دعه يا معاوية فوالله لاسمنه بميسم يبقى عليه عاره وشناره إلى يوم القيامة ، تتحدث به الاماء والعبيد ، ويتغنى به في المجالس ، ويحدث به في المحافل ، ثم قال ابن عباس : يا عمرو! ـ وبتدأ في الكلام ـ فمد معاوية يده فوضعها على في ابن عباس ، وقال له : أقسمت عليك يا ابن عباس إلا أمسكت وكره أن يسمع أهل الشام ما يقول ابن عباس وكان آخر كلامه : اخسأ أيها العبد وأنت مذموم وافترقوا.

ايضاح : ذلاقة اللسان حدته ، يقال : لسان ذلق بالفتح وذلق بضمتين وذلق بضم الاول وفتح الثانى ، والمصاص بالضم خالص كل شئ يقال : فلان مصاص قومه إذا كان أخلصهم نسبا ، وزعيم القوم سيدهم.

____________________

(١) المجادلة : ٢٢.

١١٦

قوله : « فضربت أنف هذا الامر » هذا مثل تقوله العرب إذا أرادت بيان الاستقصاء في البحث والفكر ، وإنما خص الانف والعين لانهما صورة الوجه والذي يتأمل من الانسان إنما هو وجهه ، أي عرضت وجوه هذا الامر على العقل واحدا واحدا وتأملت فيها ، وقال الخيلى في كتاب العين : الضرب يقع على جميع الاعمال.

أقول : ويحتمل أن يكون الضرب بمعناه كناية عن زجره بأي وجه يمكن حتى اتجه الغدر فيه.

ولم الله شعثه بالتحريك ، أي أصلح وجمع ما تفرق من اموره ، أي لا يبقى لك أخ إن ترع عند النكباب حاله ، فان المهذب الاخلاق من الرجال قليل. والوامق المحب ، وقال الجوهري ، الورد الذي يشم ، الواحدة وردة ، وبلونه قيل للاسد ورد ، وللفرس ورد.

١١ ـ جا : محمد بن عمران المرزباني ، عن محمد بن الحسين الجوهرى ، عن علي بن سليمان ، عن الزبير بن بكار ، عن على بن صالح ، عن عبدالله بن مصعب عن أبيه قال : حضر عبدالله بن عباس مجلس معاوية بن أبي سفيان فأقبل عليه معاوية فقال : يا ابن عباس إنكم تريدون أن تحرزوا الامامة كما اختصصتم بالنبوة ، والله لا يجتمعان أبدا ، إن حجتكم في الخلافة مشتبهة على الناس ، إنكم تقولون نحن أهل بيت النبى صلى‌الله‌عليه‌وآله فما بال خلافة النبوة في غيرنا.

وهذه شبهة لانها يشبه الحق وبها مسحة من العدل ، وليس الامر كما تظنون ، إن الخلافة ينقلب في أحياء قريش برضى العامة وشورى الخاصة ولسنا ند الناس يقولون ليت بني هاشم ولونا ، ولوو ولونا كان خيرا لنا في دنيانا واخرانا ، ولو كنتم زهدتم فيها أمس كما تقولون ، ما قاتلتم عليها اليوم ، والله لو ملكتموها يا بني هاشم لما كانت ريح عاد ولا صاعقة ثمود بأهلك للناس منكم.

فقال ابن عباس رحمه‌الله : أما قولك يا معاوية إنا نحتج بالنبوة في استحقاق الخلافة ، فهو والله كذلك فان لم يتسحق الخلافة بالنبوة ، فبم يستحق؟

وأما قولك إن الخلافة والنبوة لا يجتمعان لاحد ، فأين قول الله عزوجل : « أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله ، فقد آتينا آل إبراهيم الكتاب

١١٧

والحكمة وآتيناهم ملكا عظيما » (١) فالكتاب هو النبوة ، والحكمة هي السنة والملك هو الخلافة ، فنحن آل إبراهيم ، والحكم بذلك جار فينا إلى يوم القيامة.

وأما دعواك على حجتنا أنها مشتبهة ، فليس كذلك وحجتنا أضوء من الشمس وأنور من القمر ، كتاب الله معنا ، وسنة نبيه (ص) فينا ، وإنك لتعلم ذلك ، ولكن ثنى عطفك وصعرك قتلنا أخاك وجدك خالك وعمك ، فلاتبك على أعظم حائلة وأرواح في النار هالكة ، ولا تغضبوا لدماء أراقها الشرك ، وأحلها الكفر ، ووضعها الدين.

وأما ترك تقديم الناس لنا فيما خلا ، وعدولهم عن الاجماع علينا ، فما حرموا منا أعظم مما حرمنا منهم ، وكل أمر إذا حصل حاصله ثبت حقه ، وزال باطله.

وأما افتخارك بالملك الزائل ، الذي توصلت إليه بالمحال الباطل ، فقد ملك فرعون من قبلك فأهلكه الله ، وما تملكون يوما بنا بني امية إلا ونملك بعدكم يومين ، ولا شهرا إلا ملكنا شهرين ، ولا حولا إلا ملكنا حولين.

وأما قولك : إنا لو ملكنا كان ملكنا أهلك للناس من ريح عاد وصاعقة ثمود فقول الله يكذبك في ذلك قال الله عزوجل : « وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين » (٢) فنحن أهل بيته الادنون ، وظاهر العذاب بتملكك رقاب المسلمين ظاهر للعيان وسيكون من بعدك تملك ولدك وولد أبيك أهلك للخلق من الريح العقيم ، ثم ينتقم الله بأوليائه ، ويكون العاقبة للمتقين.

بيان : قال الجوهري يقال : ثنى فلان عني عطفه ، إذا اعرض عنك ، وقال صعر خده ، وصاعر : أي أماله من الكبر.

١٢ ـ ما : المفيد ، عن علي بن مالك النحوي ، عن أحمد بن علي المعدل عن عثمان بن سعيد ، عن محمد بن سليمان الاصفهاني ، عن عمر بن قيس المكي ، عن عكرمة صاحب ابن عباس قال : لما حج معاوية نزل المدينة فاستؤذن لسعد بن أبي وقاص عليه فقال لجلسائه : إذا أذنت لسعد وجلس فخذوا عن علي بن أبي طالب

____________________

(١) النساء : ٥٤.

(٢) الانبياء : ١٠٧.

١١٨

فأذن له وجلس معه على السرير.

قال : وشتم القوم أمير المؤمنين صلوات الله عليه وآله ، فانسكبت عينا سعد بالبكاء ، فقال له معاوية : ما يبكيك يا سعد أتبكى أن يشتم قاتل أخيك عثمان بن عفان؟ قال : والله ما أملك البكاء ، خرجنا من مكة مهاجرين حتى نزلنا هذا المسجد يعني مسجد الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله فكان فيه مبيتنا ومقيلنا ، اذا اخرجنا منه وترك علي بن أبي طالب فيه فاشتد ذلك علينا وهبنا نبي الله أن نذكر ذلك له ، فأتتنا عائشة فقلنا : يا ام المؤمنين إن لنا صحبة مثل صحبة علي ، وهجرة مثل هجرته وإنا قد اخرجنا من المسجد وترك فيه ، فلا ندري من سخط من الله أو من غضب من رسوله؟ فاذكري ذلك له فانا نهابه.

فذكرت ذلك لرسول الله (ص) ، فقال لها : يا عائشة لا والله ما أنا أخرجتهم ولا أنا أسكنته بل الله أخرجهم وأسكنه.

وغزونا خبير فانهزم عنها من انهزم ، فقال نبي الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : لا عطين الراية اليوم رجلا يحب الله ورسوله ، ويحبه الله ورسوله ، فدعاه وهو أرمد ، فتفل في عينه وأعطاه الراية ، ففتح الله له.

وغزونا تبوك مع رسول الله (ص) فودع علي النبي (ص) على ثنية الوداع وبكى فقال له النبي (ص) : ما يبكيك؟ فقال : كيف لا أبكي ولم أتخلف عنك في غزاة منذ بعثك الله تعالى فما بالك تخلفني في هذه الغزاة؟ فقال له النبي (ص) : أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي؟ فقال علي عليه‌السلام : بلى رضيت.

١٣ ـ من بعض كتب المناقب القديمة : روي أن معاوية كتب إلى مروان وهو عامله على المدينة أن يخطب على يزيد بنت عبدالله بن جعفر على حكم أبيها في الصداق وقضاء دينه بالغا ما بلغ ، وعلى صلح الحيين : بني هاشم وبني امية.

فبعث مروان إلى عبدالله بن جعفر يخطب إليه فقال عبدالله : إن أمر نسائنا إلى الحسن بن علي عليهما‌السلام فاخطب إليه ، فأتى مروان الحسن خاطبا فقال الحسن :

١١٩

اجمع من أردت! فأرسل مروان فجمع الحيين من بني هاشم وبني امية فتلكم مروان فحمدالله واثنى عليه ثم قال :

أما بعد فان أمير المؤمنين معاوية أمرني أن أخطب زينب بنت عبدالله بن جعفر على يزيد بن معاوية على حكم أبيها في الصداق وقضاء دينه بالغا ما بلغ ، وعلى صلح الحيين : بني هاشم وامية ، ويزيد بن معاوية كفو من لا كفوله ، ولعمري لمن يغبطكم بيزيد أكثر ممن يغبط يزيد بكم ، ويزيد ممن يستسقي الغمام بوجهه ثم سكت.

فتكلم الحسن عليه‌السلام فحمد الله وأثنى عليه ثم قال : أما ما ذكرت من حكم أبيها في الصداق ، فانا لم نكن لنرغب عن سنة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في أهله وبناته ، وأما قضاء دين أبيها فمتنى قضت نساؤنا ديون آبائهن؟ وأما صلح الحيين فانا عاديناكم الله وفي الله فلا نصالحكم للدنيا.

وأما قولك من يغبطنا بيزيد أكثر ممن يغبطه بنا ، فان كانت الخلافة فاقت النبوة فنحن المغبوطون به ، وإن كانت النبوة فاقت الخلافة ، فهو المغبوط بنا. وأما قولك إن الغمام يستسقي بوجه يزيد ، فان ذلك لم يكن إلا لآل رسول الله (ص) وقد رأينا أن نزوجها من ابن عمها القاسم بن محمد بن جعفر وقد زوجتها منه ، وجعلت مهرها ضيعتي التي لي بالمدينة ، وكان معاوية أعطاني بها عشرة آلاف دينار ، ولها فيها غنى وكفاية.

فقال : مروان : أغدرا يا بني هاشم؟ فقال الحسن : واحدة بواحدة.

وكتب مروان بذلك إلى معاوية ، فقال معاوية : خطبنا إليهم فلم يفعلوا ولو خطبوا إلينا لما رددناهم.

وروي أن معاوية نظر إلى الحسن بن علي عليهما‌السلام وهو بالمدينة ، وقد احتف به خلق من قريش يعظمونه ، فتداخله حسد فدعا أبا الاسود الدئلي والضحاك بن قيس الفهري فشاورهما في أمر الحسن والذي بهم به من الكلام.

فقال له أبوالاسود : رأي أمير المؤمنين أفضل وأرى أن لا تفعل ، فان أميرالمؤمنين

١٢٠