بحار الأنوار

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي

بحار الأنوار

المؤلف:

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي


الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: مؤسسة الوفاء
الطبعة: ٢
الصفحات: ٣٧١
  الجزء ١   الجزء ٢   الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠ الجزء ٢١ الجزء ٢٢ الجزء ٢٣ الجزء ٢٤ الجزء ٢٥ الجزء ٢٦ الجزء ٢٧ الجزء ٢٨ الجزء ٢٩ الجزء ٣٠ الجزء ٣١ الجزء ٣٥ الجزء ٣٦ الجزء ٣٧ الجزء ٣٨ الجزء ٣٩ الجزء ٤٠ الجزء ٤١ الجزء ٤٢ الجزء ٤٣ الجزء ٤٤ الجزء ٤٥ الجزء ٤٦ الجزء ٤٧ الجزء ٤٨ الجزء ٤٩ الجزء ٥٠ الجزء ٥١ الجزء ٥٢ الجزء ٥٣ الجزء ٥٤ الجزء ٥٥ الجزء ٥٦ الجزء ٥٧ الجزء ٥٨ الجزء ٥٩ الجزء ٦٠ الجزء ٦١   الجزء ٦٢ الجزء ٦٣ الجزء ٦٤ الجزء ٦٥ الجزء ٦٦ الجزء ٦٧ الجزء ٦٨ الجزء ٦٩ الجزء ٧٠ الجزء ٧١ الجزء ٧٢ الجزء ٧٣ الجزء ٧٤ الجزء ٧٥ الجزء ٧٦ الجزء ٧٧ الجزء ٧٨ الجزء ٧٩ الجزء ٨٠ الجزء ٨١ الجزء ٨٢ الجزء ٨٣ الجزء ٨٤ الجزء ٨٥ الجزء ٨٦ الجزء ٨٧ الجزء ٨٨ الجزء ٨٩ الجزء ٩٠ الجزء ٩١ الجزء ٩٢ الجزء ٩٣ الجزء ٩٤   الجزء ٩٥ الجزء ٩٦   الجزء ٩٧ الجزء ٩٨ الجزء ٩٩ الجزء ١٠٠ الجزء ١٠١ الجزء ١٠٢ الجزء ١٠٣ الجزء ١٠٤

فقال أمير المؤمنين عليه‌السلام : لا حاجة لكم إلى ذلك ، ولوى عنق بغلته نحو القبلة و أشار بهم إلى مكان يقرب من الدير فقال (١) : اكشفوا الارض في هذا المكان ، فعدل منهم جماعة إلى الموضع فكشفوه بالمساحي ، فظهرت لهم صخرة عظيمة تلمع ، فقالوا : يا أمير المؤمنين ههنا صخرة لاتعمل فيها المساحي ، فقال لهم : إن هذه الصخرة على الماء ، فإن زالت عن موضعها وجدتم الماء ، فاجتهدوا في قلعها فاجتمعوا القوم (٢) و راموا تحريكها فلم يجدوا إلى ذلك سبيلا ، واستصعبت عليهم ، فلما رآهم عليه‌السلام قد اجتمعوا وبذلوا الجهد في قلع الصخرة واستصعبت عليهم ، لوى رجله عن سرجه حتى صار على الارض ، ثم حسر عن ذراعيه ووضع أصابعه تحت جانب الصخرة فحركها ، ثم قلعها بيده ودحا بها (٣) أذرعا كثيرة ، فلما زالت من مكانها ظهر لهم بياض الماء ، فبادروا إليه فشربوا منه ، فكان أعذب ماء شربوا منه في سفرهم وأبرده وأصفاه ، فقال لهم : تزودوا وارتووا ، ففعلوا ذلك. ثم جاء إلى الصخرة فتناولها بيده ووضعها حيث كانت ، فأمر أن يعفى أثرها بالتراب والراهب ينظر من فوق ديره ، فلما استوفى علم ما حرى نادى : أيها الناس أنزلوني أنزلوني ، فاحتالوا في إنزاله ، فوقف بين يدي أمير المؤمنين عليه‌السلام فقال له : يا هذا أنت نبي مرسل؟ قال : لا ، قال : فملك مقرب؟ قال : لا ، قال : فمن أنت؟ قال : أنا وصي رسول الله محمد ابن عبدالله خاتم النبيين صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : ابسط يدك اسلم لله تبارك وتعالى على يديك ، فبسط أميرالمؤمنين عليه‌السلام يده وقال له : اشهد الشهادتين ، فقال : أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله وأشهد أنك وصي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وأحق الناس بالامر من بعده ، فأخذ أمير المؤمنين عليه‌السلام عليه شرائط الاسلام ، ثم قال له : ما الذي دعاك الآن إلى الاسلام بعد طول مقامك في هذا الدير (٤) على

____________________

(١) في الارشاد : فقال لهم.

(٢) في المصدرين : فاجتمع القوم.

(٣) دحا الحجر بيده : رمى به.

(٤) في ( ك ) : في هذا الدين.

٢٦١

الخلاف؟ قال : أخبرك يا أمير المؤمنين ، إن هذا الدير بني على طلب قالع هذه الصخرة ومخرج الماء من تحتها ، وقد مضى عالم قبلي فلم يدركوا ذلك ، وقد رزقنيه الله عزوجل ، إنا نجد في كتاب من كتبنا ونأثر عن علمائنا أن في هذا الصقع عينا عليها صخرة لا يعرف مكانها إلا نبي أو وصي نبي ، وإنه لابد من ولي لله يدعو إلى الحق آيته معرفة مكان هذه الصخرة وقدرته على قلعها ، وإني لما رأيتك قد فعلت ذلك تحققت ما كنا ننتظره وبلغت الامنية منه ، فأنا اليوم مسلم على يديك ومؤمن بحقك ومولاك.

فلما سمع (١) أمير المؤمنين عليه‌السلام بكى حتى اخضلت لحيته من الدموع ، و قال : الحمد لله الذي كنت في كتبه مذكورا (٢) ، ثم دعا الناس فقال (٣) : اسمعوا ما يقول أخوكم المسلم ، فسمعوا مقاله وكثر حمدهم لله وشكرهم على النعمة التي أنعم بها عليهم في معرفتهم بحق أمير المؤمنين عليه‌السلام ، ثم ساروا والراهب بين يديه في جملة أصحابه حتى لقي أهل الشام ، وكان الراهب في جملة من استشهد معه ، فتولى ـ عليه الصلاة والسلام ـ الصلاة عليه ودفنه ، وأكثر من الاستغفار له ، وكان إذا ذكره يقول : ذاك مولاي.

وفي هذا الخبر ضروب من المعجز : أحدهم علم الغيب ، والثاني القوة التي خرق العادة بها وتميزه (٤) بخصوصيتها من الانام ، مع ما فيه من ثبوت البشارة به في كتب الله الاولى ، وذلك مصداق قوله تعالى : « ذلك مثلهم في التوراة ومثلهم في الانجيل (٥) » وفي مثل ذلك يقول السيد إسماعيل بن محمد الحميري رحمه‌الله في قصيدته البائية المذهبة :

____________________

(١) في الارشاد : فلما سمع ذلك.

(٢) في الارشاد : الحمد لله الذى لم أكن عنده منسيا الحمد لله الذى كنت في كتبه مذكورا وفي اعلام الورى تقديم وتأخير بين الجملتين.

(٣) في الارشاد : فقال لهم.

(٤) في الارشاد : وتميز.

(٥) سورة الفتح : ٢٩.

٢٦٢

ولقد سرى فيما يسير بليلة

بعد العشاء بكربلا في موكب

حتى أتى متبتلا في قائم

ألقى قواعده بقاع مجدب

يأتيه ليس بحيث يلقى عامر

غير الوحوش وغير أصلع أشيب

فدنا فصاح به فأشرف ماثلا

كالنسر فوق شظية من مرقب

هل قرب قائمك الذي بوأته

ماء يصاب؟ فقال ما من مشرب

إلا بغاية فرسخين ومن لنا

بالماء بين نقا وقي سبسب

فثنى الاعنة نحو وعث فاجتلى

ملساء يلمع كاللجين المذهب (١)

فاعصوصبوا في قلعها فتمنعت

منهم تمنع صعبة لم تركب

حتى إذا أعيتهم أهوى لها

كفا متى ترد المغالب تغلب

فكأنها كرة بكف حزور

عبل الذراع دحا بها في ملعب

فسقاهم من تحتها متسلسلا

عذبا يزيد على الالد الاعذب

حتى إذا شربوا جميعا ردها

ومضا فخلت مكانها لم يقرب (٢)

وزاد فيها ابن ميمون قوله :

وآيات راهبها سريرة معجز

فيها وآمن بالوصي المنجب

ومضى شهيدا صادقا في نصره

أكرم به من راهب مترهب

أعني ابن فاطمة الوصي ومن يقل

في فضله وفعاله لا يكذب

كلا كلا طرفيه من سام وما (٣)

حام له بأب ولا بأب أب

____________________

(١) ثنى الشئ : عطفه وطواه والاعنة جمع العنان. وفي اعلام الورى وكذا في شرح البائية للسيد المرتضى « ملساء تبرق كاللجين المذهب » وهو المناسب لما ذكر في البيان حيث قال : ومعنى « تبرق » تلمع.

(٢) كذا في ( ك ) واعلام الورى وفي سائر النسخ وكذا الارشاد : ومضى اه. وومض البرق ومضا : لمع خفيفا.

(٣) كذا في النسخ. وفي الارشاد : رجلا كلا طرفيه اه وليس هذا البيت وتاليه في اعلام الورى.

٢٦٣

من لا يفر ولا يرى في معرك

إلا وصارمه الخضيب المضرب (١)

بيان : قال السيد المرتضى رضي‌الله‌عنه في شرح هذه القصيدة البائية : السرى : سير الليل كله. والمتبتل : الراهب. والقائم : صومعته. والقاع : الارض الحرة الطين التي لا حزونة فيها ولا انهباط. والقاعدة : أساس الجدار وكل ما يبنى. والجدب : ضد الخصب.

ثم قال : وهذه قصة مشهورة جاءت بها الرواية (٢) ، فإن أبا عبدالله البرقي روى عن شيوخه عمن خبرهم قال : خرجنا مع أمير المؤمنين عليه‌السلام نريد صفين ، فمررنا بكربلاء فقال عليه‌السلام : أتدرون أين ههنا؟ والله مصارع الحسين وأصحابه ، ثم سرنا يسيرا فانتهينا إلى راهب في صومعة وقد تقطع الناس من العطش ، فشكوا ذلك إلى أمير المؤمنين عليه‌السلام وذلك أنه أخذ طريق البر (٣) وترك الفرات عيانا فدنا من الراهب وهتف به ، فأشرف من صومعته ، فقال : يا راهب هل قرب قائمك ماء؟ فقال : لا ، فسار قليلا ، ثم نزل (٤) بموضع فيه رمل ، فأمر الناس فنزلوا ، وأمرهم أن يبحثوا ذلك الرمل ، فأصابوا تحته صخرة بيضاء ، فاقتلعها أمير المؤمنين عليه‌السلام بيده ودحاها (٥) ، وإذا تحتها ماء أرق من الزلال وأعذب من كل ماء فشربوا (٦) وارتووا وحملوا منه ، ورد الصخرة والرمل كما كان ، قال : فسر نا قليلا وقد علم كل واحد من الناس مكان العين ، فقال أمير المؤمنين عليه‌السلام : بحقي عليكم إلا رجعتم إلى موضع العين فنظرتم هل تقدرون عليها ، فرجع الناس يقفون الاثر إلى موضع الرمل ، فبحثوا ذلك الرمل فلم يصيبوا العين ، فقالوا : يا أمير المؤمنين

____________________

(١) اعلام الورى : ١٧٨ ـ ١٨٠. الارشاد : ١٥٧ ـ ١٦٠.

(٢) في المصدر : قد جاءت الرواية بها.

(٣) في الارشاد : أخذبنا على طريق البر.

(٤) في الارشاد : حتى نزل.

(٥) في الارشاد : ونحاها.

(٦) في الارشاد : فشرب الناس.

٢٦٤

لا والله ما أصبناها ولا ندري أين هي ، قال : فأقبل الراهب فقال : أشهد يا أمير المؤمنين أن أبي أخبرني عن جدي ـ وكان من حواري عيسى عليه‌السلام ـ أنه قال : إن تحت هذا الرمل عينا من ماء أبيض من الثلج وأعذب من كل ماء عذب ، لا يقع عليه إلا نبي أو وصي نبي ، وأنا أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله وأنك وصي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وخليفته والمؤدي عنه ، وقد رأيت أن أصحبك في سفرك هذا فيصيبني ما أصابك من خير وشر ، فقال له خيرا ودعاله بخير ، وقال عليه‌السلام : يا راهب الزمني وكن قريبا مني ، ففعل ، فلما كان ليلة الهرير والتقى الجمعان واضطرب الناس فيما بينهم قتل الراهب ، فلما أصبح أمير المؤمنين عليه‌السلام قال لاصحابه : انهضوا بنا فادفنوا قتلاكم ، وأقبل أمير المؤمنين عليه‌السلام يطلب الراهب حتى وجده فصلى عليه ودفنه بيده في لحده ، ثم قال : والله لكأني أنظر إليه وإلى منزله (١) وزوجته التي أكرمه الله بها.

ثم قال : ومعنى « يأتيه » أي يأتي هذا الموضع الذي فيه الراهب (٢) ومعنى « عامر » أنه لا مقيم فيه سوى الوحوش (٣) ، ويمكن أن يكون مأخودا من العمرة التي هي الزيادة. والاصلع الاشيب هو الراهب ، وذكر بعد هذا البيت قوله :

في مدمج زلق أشم كأنه

حلقوم أبيض ضيق مستصعب

والمدمج : الشئ المستور. والزلق : الذي لا يثبت عليه قدم (٤). والاشم : الطويل المشرف. والابيض : الطائر الكبير من طيور الماء. وإنما جر لفظة « ضيق مستصعب » لانه جعلهما من وصف المدمج. والماثل : المنتصب. وشبه الراهب بالنسر لطول عمره. والشظية : قطعة من الجبل مفردة. والمرقب : المكان العالي

____________________

(١) في المصدر : منزلته.

(٢) في المصدر : أى يأتى إلى هذا الراهب.

(٣) وانت خيبر بأن هذا ليس معنى « عامر » وكأن في العبارة سقطا ، وأصله : ومعنى ليس بحيث يلقى عامر.

(٤) في المصدر : على قدم.

٢٦٥

والنقا : قطعة من الرمل تنقاد محدودبة. والقي : الصحراء الواسعة. والسبسب : والقفر. والوعث : الرمل الذي (١) لا يسلك فيه. ومعنى « اجتلى ملساء » نظر إلى صخرة ملساء فتجلت (٢) لعينه. ومعنى « تبرق » تلمع. ووصف اللجين بالمذهب لانه أشد لبريقه ولمعانه. ومعنى « اعصوصبوا » اجتمعوا على قلعها وصاروا عصبة واحدة ومعنى « أهوى لها » مد إليها. والمغالب : الرجل المغالب. والحزور (٣) : الغلام المترعرع. والعبل : الغليظ الممتلئ ، والمتسلسل : الماء السلسل في الحلق ، يقال : إنه البارد أيضا. وابن فاطمة هو أمير المؤمنين عليه‌السلام. انتهى كلامه رفع الله في الجنان مقامه (٤).

٢٢ ـ قب : روي عن الصادق عن أبيه عليهما‌السلام قال : عرض لعلي بن أبي طالب خصومة ، فجلس في أصل جدار ، فقال رجل : يا أمير المؤمنين الجدار يقع ، فقال له علي عليه‌السلام : امض كفى الله حارسا ، فقضى بين الرجلين وقام وسقط الجدار.

ووجد عليه‌السلام مؤمنا لازمه منافق بالدين ، فقال : اللهم بحق محمد وآله الطاهرين لما قضيت عن عبدك هذا الدين ، ثم أمره بتناول حجر ومدر فانقلبت له ذهبا أحمر فقضى دينه وكان الذي بقي أكثر من مائة ألف درهم.

وروى جماعة عن خالد بن الوليد أنه قال : رأيت عليا يسرد حلقات درعه بيده ويصلحها ، فقلت : هذا كان لداود عليه‌السلام ، فقال : يا خالد بنا ألان الله الحديد لداود فيكف لنا؟

جابر بن عبد الله وحذيفة بن اليمان وعبدالله بن العباس وأبوهارون العبدي عن عبدالله بن عثمان وحمدان بن المعافا عن الرضا عليه‌السلام ومحمد بن صدقة عن موسى بن

____________________

(١) في المصدر : المكان اللين الذى اه.

(٢) في المصدر : وانجلت.

(٣) بفتح الحاء المهملة والزاى المعجمة والواو المفتوحة المشددة.

(٤) قابلناه بنسخة مخطوطة نفيسة لمكتبة « ملى طهران ».

٢٦٦

جعفر عليه‌السلام ، ولقد أنبأني أيضا شيرويه الديلمي (١) بإسناده إلى موسى بن جعفر عن آبائه عليهم‌السلام قال أمير المؤمنين عليه‌السلام : كنا (٢) مع النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله في طرقات المدينة إذا جعل خمسه (٣) في خمس أمير المؤمنين عليه‌السلام فوالله ما رأينا خمسين أحسن منهما ، إذ مررنا على نخل المدنية فصاحب نخلة أختها : هذا محمد المصطفى وهذا علي المرتضى ، فاحتزناهما ، فصاحت ثانية بثالثة : هذا نوح النبي وهذا إبراهيم الخليل ، فاجتزناهما فصاحت ثالثة برابعة : هذا موسى وأخوه هارون ، فاجتزناهما ، فصاحب رابعة بخامسة هذا محمد سيد النبيين وهذا علي سيد الوصين ، فتبسم النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ثم قال : يا علي سم نخل المدينة صيحانيا فقد صاحت بفضلي وبفضلك : وأروي (٤) كان البستان لعامر بن سعد بعقيق السفلى.

ورأى عليه‌السلام أنصاريا يأكل قشور الفاكهة وقد أخذها من المزبلة ، فأعرض عنه لئلا يخجل منه ، فأتى منزله وأتى إليه بقرصي شعير من فطوره ، وقال : أصب من هذا كلما جعت ، فإن الله يجعل فيه البركة ، فامتحن ذلك فوجد فيه لحما وشحما وحلوا (٥) ورطبا وبطيخا وفواكه الشتاء وفواكه الصيف ، فارتعدت فرائص الرجل وسقط لوجهه ، فأقامه علي عليه‌السلام وقال : ما شأنك؟ قال : كنت منافقا

____________________

(١) هو العلامة الحافظ شيرويه بن شهرداد ( شهر دار خ ل ) ابن شيرويه بن فنا خسرو الهمدانى أبوشجاع ، المشتهر بالحافظ الديلمى تارة وبابن شيرويه اخرى. من اكابر محدثى القوم ، وهو الذى أكثروا النقل عنه في كتبهم واعتمدوا على مروياته ، وله تآليف كثيرة اشهرها كتاب فردوس الاخبار أورد فيه عشرة آلاف حديث : وفيه عدة روايات صحيحة الاسناد صريحة الدلالة في فضائل مولانا أمير المؤمنين وعترته الميامين عليهم‌السلام ، توفى سنة ٥٠٩ كما في الريحانة ٢ : ٣٧ طبعة طهران.

(٢) الصحيح كما في المصدر : عن آبائه عن أمير المؤمنين عليهم‌السلام قالوا كنا اه و.

الضمير في « قالوا » يكون لجابر وحذيفة وابن عباس.

(٣) في المصدر : إذ جعل. والظاهر أن المراد من الخمس اليد لكونها مشتملة على الاصابع الخمس.

(٤) في المصدر : وروى انه كان.

(٥) كذا في النسخ والمصدر ، والظاهر : وحلواءا.

٢٦٧

شاكا فيما يقوله محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله وفيما تقوله أنت ، فكشف الله لي عن السماوات والحجب (١) فأبصرت كل ما تعدان به وتواعدان به ، فزل عني الشك.

وأخذ العدوي من بيت المال ألف دينار ، فجاء سلمان على لسان أميرالمؤمنين عليه‌السلام فقال : رد المال إلى بيت المال فقد قال الله تعالى : « ومن يغلل يأت بما غل يوم القيامة (٢) » فقال العدوي : ما أكثر سحرا أولاد عبدالمطلب! ما عرف هذا قط أحدا وأعجب من هذا أني رأيته يوما وفي يده قوس محمد فسخرت منه ، فرماها من يده وقال : خذ عدو الله ، فإذا هي ثعبان مبين يقصد إلي ، فحلفته حتى أخذها وصارت قوسا.

وأنفذ أميرالمؤمنين عليه‌السلام ميثم التمار في أمر ، فوقف على باب دكانه ، فأتى رجل يشتري التمر ، فأمره بوضع الدرهم ورفع التمر ، فلما انصرف ميثم وجد الدرهم بهرجا ، فقال في ذلك ، فقال : فإذا يكون التمر مرا ، فإذا هو بالمشتري رجع وقال : هذا التمر مر.

واستفاض بين الخاص والعام أن أهل الكوفة فزعوا إلى أمير المؤمنين عليه‌السلام من الغرق لما زادت الفرات ، فأسبغ الوضوء وصلى منفردا ثم دعا الله ، ثم تقدم إلى الفرات متوكئا على قضيب بيده حتى ضرب به صفحة الماء وقال : انقص بإذن الله ومشيئته ، فغاض الماء (٤) حتى بدت الحيتان ، فنطق كثير منها بالسلامة عليه بإمرة المؤمنين ، ولم ينطق منها أصناف من السمك ، وهي الجري والمار ماهي والزمار ، فتعجب الناس لذلك وسألوه عن علة ما نطق وصموت ما صمت ، فقال : أنطلق الله لي ما طهر من السموك وأصمت عني ما حرمه ونجسه وأبعده.

____________________

(١) في المصدر : عن السماوات والارض والحجب.

(٢) سورة آل عمران : ١٦١.

(٣) البهرج : الدرهم الزائف.

(٤) اى نقص.

٢٦٨

وفي رواية أبي محمد قيس بن أحمد البغدادي وأحمد بن الحسن القطيفي عن الحسن ابن ذكردان (١) الفارسي الكندي أنه ضرب بالقضيب فقال : اسكن يا أبا خالد فنقص ذراعا ، فقال : أحسبكم؟ قالوا : زدنا ، فبسط وطأه وصلى ركعتين وضرب الماء ضربة ثانية ، فنقص الماء ذراعا ، فقالوا : حسبنا يا أمير المؤمنين ، فقال : والله لو شئت لاظهرت لكم الحصى ، وذلك كحنين الجذع وكلام الذئب للنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله (٢).

٢٣ ـ يل ، فض : عن عمار بن ياسر قال : أتيت أمير المؤمنين عليه‌السلام فقلت : يا أمير المؤمنين لي ثلاثة أيام أصوم وأطوي وما أملك ما أقتات (٣) به ، ويومي هذا هو الرابع ، فقال عليه‌السلام : اتبعني يا عمار ، فطلع مولاي ألى الصحراء وأنا خلفه أذ وقف بموضع واحتفر ، فظهر حب مملوء دراهم ، فأخذ من تلك الدراهم درهمين ، فناولني منه (٤) درهما واحدا وأخذ هو الآخر ، فقال له عمار : يا أمير المؤمنين (٥) لو أخذت من ذلك ما تستغني وتتصدق (٦) منه ما كان ذلك من بأس (٧) فقال : يا عمار هذا يكفينا هذا اليوم ثم غطاه وردمه وانصرفا ، ثم انفصل عنه عمار وغاب مليا ، ثم عاد ألى أمير المؤمنين عليه‌السلام فقال : يا عمار كأني بك وقد مضيت ألى الكنز تطلبه؟! فقال : والله يا مولاي قصدت الموضع لاخذ من الكنز شيئا فلم أر له أثرا ، فقال له : يا عمار لما علم الله سبحانه وتعالى أن لا رغبة لنا في الدنيا أظهرها لنا ، ولما علم جل جلاله أن لكم أليها رغبة أبعدها عنكم (٨).

____________________

(١) في المصدر : ذكران. ولم نظفر بترجمته.

(٢) مناقب آل أبى طالب ١ : ٤٦٥ ـ ٤٦٩.

(٣) طوى الرجل : تعمد الجوع وقصده. وقوله « أقتات به » أى أتخذه قوتا لنفسى.

(٤) في المصدرين : فناولنى منها.

(٥) في الفضائل : قال فقلت يا أمير المؤمنين.

(٦) في الروضة : ما أستغنى وأتصدق به.

(٧) في الروضة : ما ذلك بمأثمة. وفي الفضائل : لما كان في ذلك بأس.

(٨) الفضائل : ١١٧. الروضة : ٨.

٢٦٩

٢٤ ـ فض : بالاسناد إلى علي بن أبي طالب عليه‌السلام أنه قدم على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله حبر من أحبار اليهود وقال : يارسول الله قد أرسلوني إليك قومي أن عهد إلينا نبينا موسى أنه يبعث بعدي نبي اسمه أحمد وهو عربي فامضوا إليه واسألوه أن يخرج لكم من جبل هناك سبع نوق حمر الوبر سود الحدق ، فإن أخرجها لكم فسلموا عليه وآمنوا به واتبعوا النور الذي انزل معه وصيا ، فهو سيد الانبياء و وصيه سيد الاوصياء ، وهو بمنزلة هارون من موسى ، فعند ذلك قال : الله أكبر قم بنا يا أخا اليهود ، قال : فخرج النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله والمسلمون حوله إلى ظاهر المدينة ، و جاء إلى جبل فبسط البردة وصلى ركعتين وتكلم بكلام خفي ، وإذا الجبل يصر صريرا عظيما ، وانشق وسمع الناس حنين النوق ، فقال اليهودي : فأنا أشهد أن لا إله إلا الله وأنك محمد رسول الله وأن جميع ما جئت به صدق وعدل ، يا رسول الله أمهلني حتى أمضي إلى قومي وأجئ بهم ليقضوا عدتهم منك ويؤمنوا بك ، فمضى الحبر إلى قومه فأخبرهم بذلك ، فتجهزوا بأجمعهم للمسير يطلبون المدينة ، فلما دخلوها وجدوها مظلمة لفقد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وقد اتقطع الوحي من السماء ، وجلس مكانه أبوبكر! فدخلوا عليه وقالوا : أنت خليفة رسول الله؟ قال : نعم ، قالوا : أعطنا عدتنا من رسول الله ، قال : وماعدتكم؟ قالوا : أنت أعلم بعدتنا إن كنت خليفته حقا وإن كنت لم تعلم شيئا ما أنت خليفته ، فكيف جلست مجلس نبيك بغير حق ولست له أهلا؟ قال : فقام وقعد وتحير في أمره ولم يعلم ماذا يصنع ، وإذا برجل من المسلمين فقال : اتبعوني حتى أدلكم على خليفة رسول الله ، قال : فخرجوا من بين يدي أبي بكر وتبعوا الرجل حتى أتوا منزل الزهراء عليها‌السلام وطرقوا الباب وإذا بالباب قد فتح ، فإذا بعلي عليه‌السلام قد خرج وهو شديد الحزن على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فلما رآهم قال : أيها اليهود تريدون عدتكم من رسول الله؟ قالوا : نعم ، فخرج معهم وساروا إلى ظاهر المدينة إلى الجبل الذي صلى عنده رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فلما رأى مكانه تنفس الصعداء وقال : بأبي وامي من كان بهذا الجبل هنيئة ، ثم صلى ركعتين وإذا بالجبل قد انشق وخرجت النوق منه ، وهي سبع نوق ، فلما رأوا ذلك قالوا بلسان واحد :

٢٧٠

نشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وأنك الخليفة من بعده ، وأن ماجاء به من عند ربنا هو الحق ، وأنك خليفته حقا ووصيه ووارث علمه ، فجزاك الله وجزاه عن الاسلام خيرا ، ثم رجعوا إلى بلادهم مسلمين موحدين (١).

٢٥ ـ كنز : محمد بن العباس ، عن أحمد بن هودة ، عن إبراهيم بن إسحاق ، عن عبدالله بن حماد ، عن الصباح المزني ، عن الاصبغ قال : خرجنا مع علي عليه‌السلام وهو يطوف في السوق فيأمرهم بوفاء الكيل والوزن ، حتى إذا انتهى إلى باب القصر ركز (٢) الارض برجله فتزلزلت ، فقال : هي هي الآن مالك اسكني ، أما والله إني أنا الانسان الذي تنبئه الارض أخبارها أو رجل مني.

وروي أيضا عن علي بن عبدالله بن أسد ، عن إبراهيم بن محمد الثقفي ، عن عبيد الله بن سليمان النخعي ، عن محمد بن الخراساني (٣) عن فضيل بن الزبير قال : إن أمير المؤمنين عليه‌السلام كان جالسا في الرحبة ، فتزلزلت الارض فضربها عليه‌السلام بيده ، ثم قال لها : قري إنه ماهو قيام ، ولو كان ذلك لاخبرتني وإني أنا الذي تحدثه الارض أخبارها ، ثم قرأ « إذا زلزلت الارض زلزالها » أما ترون أنها تحدث عن ربها (٤).

٢٦ ـ يف : ذكر شيخ المحدثين ببغداد بإسناده عن أسماء بنت واثلة قالت : سمعت أسماء بنت عميس تقول : سمعت سيدتي فاطمة عليها‌السلام تقول : ليلة دخل بي علي عليه‌السلام أفزعني في فراشي ، قلت : بما ذا أفزعك يا سيدة نساء العالمين؟ قالت : سمعت الارض تحدثه ويحدثها ، فأصبحت وأنا فزعة ، فأخبرت والدي صلى‌الله‌عليه‌وآله فسجد سجدة طويلة ثم رفع رأسه وقال : يا فاطمة ابشري بطيب النسل ، فإن الله فضل بعلك على سائر

____________________

(١) الروضة : ١٩. وتوجد الرواية في الفضائل أيضا : ١٣٧ و ١٣٨.

(٢) في البرهان : « ركض » وكلاهما بمعنى.

(٣) في البرهان : عن محمد الخراساني.

(٤) مخطوط. وأوردهما في البرهان ٤ : ٤٩٤.

٢٧١

خلقه ، وأمر به الارض أن تحدثه بأخبارها وما يجري على وجهها من شرقها إلى غربها (١).

أقول : أوردنا أخبارا كثيرة في ذلك في باب تزويج فاطمة عليها‌السلام.

٢٧ ـ كنز : الحسن بن محمد جمهور العمي ، عن الحسن بن عبدالرحيم التمار قال : انصرفت من مجلس بعض الفقهاء فمررت بسلمان الشاذكوني ، فقال لي : من أين جئت؟ فقلت : جئت من مجلس فلان ، فقال لي : ماذا جرى فيه؟ قلت : شئ من فضائل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه‌السلام ، فقال : والله احدثك بفضيلة حدثني بها قريشي عن قريشي إلى أبلغ ستة نفر منهم ، ثم قال : رجفت قبور البقيع على عهد عمر بن الخطاب فضج أهل المدينة من ذلك ، فخرج عمر وأصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يدعون لتسكر الرجفة ، فما زالت تزيد إلى تعدي ذلك إلى حيطان المدينة ، وعزم أهلها على الخروج عنها ، فعند ذلك قال عمر : علي بأبي الحسن علي بن أبي طالب ، فحضر فقال : يا أبا الحسن ألا ترى إلى قبور البقيع و رجفها حتى تعدى ذلك إلى حيطان المدينة وقد هم أهلها بالرحلة عنها ، فقال علي عليه‌السلام : علي بمائة رجل من أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله البدرين ، فاختار من المائة عشرة ، فجعلهم خلفه ، وجعل التسعين من ورائهم ، ولم يبق بالمدينة سوى هؤلاء إلا حضر ، حتى لم يبق بالمدينة ثيب وعاتق (٢) إلا خرجت ، ثم دعا بأبي ذر وسلمان ومقداد وعمار فقال لهم : كونوا بين يدي ، حتى توسط البقيع والناس محدقون به فضرب الارض برجله ثم قال : مالك؟ ـ ثلاثا ـ فسكنت ، فقال : صدق الله وصدق رسوله لقد أنبأني بهذا الخبر وهذا اليوم وهذه لاساعة وباجتماع الناس له ، إن الله عزوجل يقول في كتابه : « إذا زلزلت الارض زلزالها وأخرجت الارض أثقالها وقال الانسان مالها » أما لو كانت هي هي لقالت مالها وأخرجت لي أثقالها ، ثم انصرف وانصرف الناس معه وقد سكنت الرجفة (٣).

____________________

(١) لم نجده في الطرائف المطبوع.

(٢) العاتق : الجاربة اول ما ادركت.

(٣) مخطوط. وأورده في البرهان ٤ : ٤٩٤ و ٤٩٥.

٢٧٢

٢٨ ـ ختص : صفوان ، عن أبي الصباح الكناني زعم أن أبا سعيد (١) عقيصا حدثه أنه سار مع أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه‌السلام نحو كربلاء ، وأنه أصابنا عطش شديد ، وأن عليا صلوات الله عليه نزل في البرية ، فحسر عن يديه ثم أخذ يحثو التراب ويكشف عنه حتى برزله حجر أسود (٢) ، فحمله ووضعه جانبا ، وإذا تحته عين من ماء من أعذاب ما طعمته وأشده بياضا ، فشرب وشربنا ، ثم سقينا دوابنا ، ثم سواه ، ثم سار منه ساعة ، ثم وقف ثم قال : عزمت عليكم لما رجعتم فطلبتموه ، فطلبه الناس حتى ملوا فلم يقدروا عليه ، فرجعوا إليه فقالوا : ما قدرنا على شئ (٣).

٢٩ ـ البرسي في مشارق الانوار عن ابن عباس قال : إن رجلا قدم إلى أمير المؤمنين عليه‌السلام فاستضافه ، فاستدعا قرصة من شعير يابسة وقعبا فيه ماء ، ثم كسر قطعة وألقاها في الماء ، ثم قال للرجل : تناولها ، فأخرجها فإذا هي فخذ طائر مشوي ، ثم رمى له اخرى فقال : تناولها ، فأخرجها فإذا هي قطعة من الحلواء فقال الرجل : يا مولاي تضع لي كسرا يابسة فأجدها أنواع الطعام ، فقال أمير المؤمنين عليه‌السلام : نعم هذا الظاهر وذاك الباطن ، وإن أمرنا هكذا والله.

وروي لما جاءت فضة إلى بيت الزهراء عليها‌السلام لم تجد هناك إلا السيف و الدرع والرحى ، وكانت بنت ملك الهند ، وكانت عندها ذخيرة من الاكسير ، فأخذت قطعة من النحاس وألانتها وجعلتها على هيئة سبيكة ، وألقت عليها الدواء وصنعتها ذهبا ، فلما جاء إلى أمير المؤمنين عليه‌السلام وضعتها بين يديه فلما رآها قال : أحسنت يافضة ، لكن لو أذبت الجسد لكان الصبغ أعلى والقيمة أغلى ، فقالت : يا سيدي تعرف هذا العلم؟ قال : نعم وهذا الطفل يعرفه ـ وأشار إلى الحسين عليه‌السلام ـ فجاء

____________________

(١) في المصدر : أبا سعد.

(٢) و ( م ) : ابيض.

(٣) الاختصاص : ٢١٩.

(٤) في المصدر : إلى الحسن عليه‌السلام.

٢٧٣

وقال كما قال أمير المؤمنين عليه‌السلام ، فقال أمير المؤمنين عليه‌السلام : نحن نعرف أعظم من هذا ، ثم أومأ بيده فإذا عنق من ذهب وكنوز الارض سائرة ، ثم قال : ضعيها مع أخواتها ، فوضعتها فسارت (١).

أقول : قد أوردنا كثيرا من الاخبار في ذلك المرام في باب غزوة تبوك ، وأبواب قصص صفين ، وباب جوامع معجزاته صلوات الله عليه.

١١٣

( باب )

* ( قوته وشوكته صلوات الله عليه في صغره وكبره ، وتحمله ) *

* ( للمشاق ، وما يتعلق من الاعجاز ببدنه الشريف ) *

١ ـ قب : شعبة ، عن قتادة ، عن أنس ، عن العباس بن عبدالمطلب ، والحسن ابن محبوب ، عن عبدالله بن غالب ، عن الصادق عليه‌السلام في خبر : قالت فاطمة بنت أسد فشددته وقمطته بقماط فنتر القماط (٢) ، ثم جعلته قماطين فنترهما ، ثم جعلته ثلاثة وأربعة وخمسة وستة منها أديم وحرير فجعل ينترها ، ثم قال : يا إماه لا تشدي يدي فإني أحتاج أن ابصبص لربي بإصبعي.

أنس ، عن عمر الخطاب إن عليا عليه‌السلام رأى حية تقصده وهو في مهده ، وقد شدت (٣) يداه في حال صغره ، فحول نفسه فأخرج يده ، وأخذ بيمينه عنقها وغمزها غمزة (٤) حتى أدخل أصابعه فيها وأمسكها حت ماتت ، فلما رأت ذلك امه نادت

____________________

(١) مشارق الانوار : ٩٨ و ٩٩.

(٢) القماط ـ بالكسر ـ خرقة عريضة تلف على الصغير اذا شد في المهد ، ونترها أى شقها بالاصابع أو الاضراس.

(٣) في المصدر : وهو في المهد وشدت يداه.

(٤) غمزه : جسه وكبسه باليد. أى شدها وضغطها.

٢٧٤

واستغاثت ، فاجتمع الحشم ثم قالت : كأنك حيدرة. حيدرة : اللبوة إذا غضبت من قبل أذى أولادها.

جابر الجعفي قال : كان ظئرة علي عليه‌السلام التي أرضعته امرأة من بني هلال خلفته في خبائها مع أخ له من الرضاعة ، وكان أكبر منه سنا بسنة ، وكان عند الخباء قليب ، فمر الصبي نحو القليب ونكس رأسه فيه ، فتعلق بفرد قدميه وفرد يديه أما اليدففي فمه وأما الرجل ففي يديه ، فجاءت امه فأدركته ، فنادت في الحي : يا للحي من غلام ميمون أمسك علي ولدي ، فمسكوا الطفل من رأس القليب وهم يعجبون من قوته وفظنته ، فسمته امه مباركا ، وكان الغلام من بني هلال (١) يعرف بمعلق ميمون ، وولده إلى اليوم.

وكان أبوطالب يجمع ولده وولد إخوته ثم يأمرهم بالصراع ـ وذلك خلق في العرب ـ فكان علي عليه‌السلام يحسر عن ذراعيه وهو طفل ويصارع كبار إخوته وصغارهم وكبار بني عمه وصغارهم فيصرعهم ، فيقول أبوه : ظهر علي ، فسماه ظهيرا ، فلما ترعرع عليه‌السلام كان يصارع الرجل الشديد فيصرعه ، ويعلق بالجبار بيده ويحذبه فيقتله ، وربما قبض على مراق بطنه ورفعه إلى الهواء ، وربما يلحق الحصان الجاري فيصدمه فيرده على عقبيه (٢).

بيان : الجبار : العظيم القوي الطويل. والمراق بتشديد القاف : مارق من أسفل البطن ولان ، ولا واحد له ، وميمه زائدة ، والحصان ككتاب : الفرس الذكر.

٢ ـ قب : وكان عليه‌السلام يأخذ من رأس الجبل حجرا ويحمله بفرد يده ، ثم يضعه بين يدي الناس ، فلا يقدر الرجل والرجلان والثلاثة على تحريكه ، حتى قال أبوجهل فيه :

يا أهل مكة إن الذبح عندكم

هذا علي الذي قد جل في النظر

____________________

(١) كذا في ( ك ). وفي غيره من النسخ وكذا المصدر : وكان الغلام في بنى هلال اه.

(٢) مناقب آل ابى طالب ١ : ٤٣٩ و ٤٤٠.

٢٧٥

ما إن له مشبه في الناس قاطبة

كأنه النار ترمي الخلق بالشرر

كونوا على حذر منه فإن له

يوما سيظهره في البدو والحضر

وإنه عليه‌السلام لم يمسك بذراع رجل قط إلا مسك بنفسه فلم يستطع يتنفس.

ومنه ما ظهر بعد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، قطع الاميال وحملها إلى الطريق سبعة عشر ميلا (١) تحتاج إلى أقوياء ، حتى تحرك ميلا منها قطعها وحده ، ونقلها ونصبها وكتب عليها : هذا ميل علي ، ويقال له : إنه (٢) كان يتأبط باثنين ويدير واحدا برجله.

وكان منه في ضرب يده في الاسطوانة حتى دخل إبهامه في الحجر ، وهو باق في الكوفة ، وكذلك مشهد الكف في تكريت والموصل وقطيعة الدقيق وغير ذلك.

ومنه أثر سيفه في صخرة جبل ثور عند غار النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وأثر رمحه في جبل من جبال البادية وفي صخرة عند قلعة جعبر (٣).

بيان : قال الفيروز آبادي : جعبر : رجل من بني نمير تنسب إليه قلعة جعبر لاستيلائه عليها (٤).

٣ ـ قب : ومنه ختم الحصا قال ابن عباس : صاحب الحصاة ثلاثة : ام سليم وارثة الكتب طبع في حصاتها النبي والوصي عليهما‌السلام ، ثم ام الندى جبابة بنت جعفر الوالبية الاسدية ، ثم ام غانم الاعرابية اليمانية ، وختم في حصاتهما أمير المؤمنين عليه‌السلام. وذلك مثل مارويتم أن سليمان عليه‌السلام كان يختم على النحاس للشياطين وعلى الحديد للجن ، فكان كل من رأى برقه أطاعه.

أبوسعيد الخدري وجابر الانصاري وعبدالله بن عباس في خبر طويل أنه قال خالد بن الوليد : آتي الاصلع ـ يعني عليا عليه‌السلام ـ عند منصرفي من قتال أهل

____________________

(١) الميل : منار يبنى للمسافر في أنشاز الارض يهتدى به ويدرك المسافة.

(٢) في المصدر : ويقال انه كان اه.

(٣) مناقب آل ابى طالب ١ : ٤٤٠ و ٤٤١.

(٤) القاموس ١ : ٣٩١.

٢٧٦

الردة في عسكري وهو في أرض له ، وقد ازدحم الكلام في حلقه كهمهمة الاسد و قعقعة الرعد ، فقال لي : ويلك أكنت فاعلا؟ فقلت : أجل ، فاحمرت عيناه وقال : يا ابن اللخناء أمثلك يقدم على مثلي أو يجسر أن يدير اسمي في لهواته؟ ـ في كلام له ـ ثم قال : فنكسني والله عن فرسي (١) ولا يمكنني الامتناع منه ، فجعل يسوقني إلى رحى للحارث بن كلدة ، ثم عمد إلى قطب الرحى ـ الحديد الغليظ الذي عليه مدار الرحى ـ فمده بكلتي يديه ولواه في عنقي كما يتفتل الاديم ، وأصحابي كأنهم نظروا إلى ملك الموت ، فأقسمت عليه بحق الله ورسوله ، فاستحيا وخلى سبيلي. قالوا : فدعا أبوبكر جماعة الحدادين فقالوا : إن فتح هذا القطب لا يمكننا إلا أن نحميه بالنار ، فبقي في ذلك أياما والناس يضحكون منه ، فقيل : إن عليا عليه‌السلام جاء من سفره ، فأتى به أبوبكر إلى علي عليه‌السلام يشفع إليه في فكه ، فقال علي عليه‌السلام : إنه لما رأى تكاثف جنوده وكثرة جموعه أراد أن يضع مني في موضعي فوضعت منه عند من خطر بباله وهمت به نفسه ، ثم قال : وأما الحديد الذي في عنقه فلعله لا يمكنني في هذا الوقت فكه ، فنهضوا بأجمعهم فأقسموا عليه ، فقبض على رأس الحديد من القطب فجعل يفتل منه يمنة (٢) شبرا شبرا فيرمي به ، وهذا كقوله تعالى : « وألنا له الحديد أن اعمل سابغات وقدر في السرد (٣) ».

ابن عباس وسفيان بن عيينة والحسن بن صالح ووكيع بن الجراح وعبيدة ابن يعقوب الاسدي وفي حديث غيرهم : لا يفعل خالد ما أمرته (٤). وفي حديث أبي ذر : إن أمير المؤمنين عليه‌السلام أخذ بإصبعه السبابة والواسطى فعصره عصرة ، فصاح خالد صيحة منكرة وأحدث في ثيابه! وجعل يضرب برجليه. وفي رواية عمار : فجعل يقمص قماص البكر ، فإذا له رغاء ، وأساغ ببوله في المسجد! وروي في كتاب

____________________

(١) في ( ك ) : من فرسى.

(٢) في المصدر « يمينه ». وفي هامش ( خ ) و ( ت ) : بيمينه شيئا شيئا خ ل.

(٣) سورة سبا : ١١.

(٤) كذا في النسخ والمصدر.

٢٧٧

البلاذري أن أمير المؤمنين عليه‌السلام أخذه بإصبعه (١) السبابة والوسطي في حلقه وشاله بهما وهو كالبعير عظما ، فضرب به الارض ، فدق عصعصه وأحدث مكانه (٢)!.

بيان : قماص البكر بالضم والكسر : هو أن يرفع يديه ويطرحهما معا و يعجن برجليه.

٤ ـ قب : أهل السير عن حبيب بن الجهم وأبي سعيد التميمي ، والنطنزي في الخصائص ، والاعثم في الفتوح والطبري في كتاب الولاية بإسناد له عن محمد بن القاسم الهمداني ، وأبوعبدالله البرقي عن شيوخه عن جماعة من أصحاب علي عليه‌السلام أنه نزل أمير المؤمنين عليه‌السلام بالعسكر عند وقعة صفين عند قرية صندوديا (٣) ، فقال مالك الاشتر : ينزل الناس على غير ماء ، فقال : يا مالك إن الله سيسقينا في هذا المكان ، احتفر أنت وأصحابك ، فاحتفروا فإذاهم بصخرة سوداء عظيمة فيها حلقة لجين (٤) ، فعجزوا عن قلعها وهم مائة رجل ، فرفع أمير المؤمنين عليه‌السلام يده إلى السماء وهو يقول : « طاب طاب يا عالم يا طيبو ثابوثة شميا كويا جانوثا توديثا برجوثا آمين آمين يا رب العالمين يا رب موسى وهارون » ثم اجتذبها فرماها عن العين أربعين ذراعا ، فظهر ماء أعذب من الشهد وأبرد من الثلج وأصفى من الياقوت فشربنا وسقينا. ثم رد الصخرة وأمرنا أن نحثو عليها التراب ، فلما سرنا غير بعيد قال : من منكم يعرف موضع العين؟ قلنا : كلنا ، فرجعنا فخفي مكانها علينا فإذا راهب مستقبل من صومعته ، فلما بصربه أمير المؤمنين عليه‌السلام قال : شمعون؟ قال : نعم هذا اسم (٥) سمتي به امي ، ما اطلع عليه إلا الله ثم أنت ، قال : وما

____________________

(١) في المصدر : باصبعيه.

(٢) مناقب آل ابى طالب ١ : ٤٤١ و ٤٤٢. والعصعص ـ بضم العينين وفتحهما ـ : عظم الذنب.

(٣) قال في المراصد ( ٢ : ٨٥٣ ) : صند وداء قرية كانت في غربى الفرات فوق الانبار خربت ، وبها مشهد لعلى بن ابى طالب عليه‌السلام.

(٤) اللجين ـ مصغرا ولا مكبر له ـ : الفضة.

(٥) في المصدر : هذا اسمى.

٢٧٨

تشاء يا شمعون؟ قال : هذا العين واسمه ، قال : هذا عين زاحوما « وفي نسخة : راجوه » وهو من الجنة ، شرب (١) منها ثلاث مائة وثلاثة عشر وصيا وأنا آخر الوصيين شربت منه ، قال : هكذا وجدت في جميع كتب الانجيل ، وهذا الدير بني على [ طلب ] قالع هذه الصخرة ومخرج الماء من تحتها ، ولم يدركه عالم قبلي غيري وقد رزقنيه الله وأسلم. وفي رواية : أنه جب شعيب ، ثم رحل أمير المؤمنين عليه‌السلام والراهب يقدمه حتى نرل صفين ، فلما التقى الصفان كان أول من أصابته الشهادة فنزل أمير المؤمنين عليه‌السلام وعيناه تهملان وهو يقول : المرء مع من أحب ، الراهب معنا يوم القيامة.

وفي رواية عبدالله بن أحمد بن حنبل : حدثنا أبومحمد (٢) ، حدثنا أبوعوانة عن الاعمش ، عن أبي سعيد التيمي (٣) قال : فسرنا فعطشنا ، فقال بعض القوم : لو رجعنا فشربنا قال : فرجع اناس وكنت فيمن رجع ، قال : فالتمسنا فلم نقدر على شئ ، فأتينا الراهب قال : فقلنا إين العين التي ههنا؟ قال : أية عين؟ عين قلنا : التي شربنا منها واستقينا وسقينا فالتمسناها ، فلما قلنا (٤) قال الراهب : لا يستخرجها إلا نبي أو وصي.

ومنه قلع باب خيبر ، روى أحمد بن حنبل عن مشيخته عن جابر الانصاري أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله دفع الراية إلى علي عليه‌السلام في يوم خيبر بعد أن دعا له ، فجعل يسرع السير وأصحابه يقولون له : ارقع (٥) ، حتى انتهى إلى الحصن فاجتذب بابه فألقاه على الارض ، ثم اجتمع منا سبعون رجلا وكان جهدهم أن أعادوا الباب.

أبوعبدالله الحافظ بإسناده إلى أبي رافع : فلما دنا علي من القموص أقبلوا

____________________

(١) في ( ك ) : اشرب.

(٢) كذا في ( ك ) وفي غيره من النسخ « ابومحمد الشيبان » وفي المصدر : الشيبانى.

(٣) في المصدر : التميمى.

(٤) في المصدر : فلما قدرنا.

(٥) في المصدر : ارفق.

٢٧٩

يرمونه بالنبل والحجارة ، فحمل حتى دنا من الباب ، فاقتلعه ثم رمى به خلف ظهره أربعين ذراعا ، ولقد تكلف حمله أربعون رجلا فما أطاقوه.

أبوالقاسم محفوظ البستي في كتاب الدرجات أن حمل بعد قتل مرحب عليهم فانهزموا إلى الحصن ، فتقدم إلى باب الحصن وضبط حلقته وكان وزنها أربعين منا وهز الباب ، فارتعد الحصن بأجمعه حتى ظنوا زلزلة ، ثم هزه اخرى فقلعه ، و دحابه في الهواء أربعين ذراعا.

أبوسعيد الخدري : وهز حصن خيبر حتى قالت صفية : قد كنت جلست على طاق كما تجلس العروس ، فوقعت على وجهي ، فظننت الزلزلة ، فقيل : هذا علي هز الحصن يريد أن يقلع الباب.

وفي حديث أبان عن زرارة عن الباقر عليه‌السلام : فاجتذ به اجتذابا وتترس به ، ثم حمله على ظهره واقتحم الحصن اقتحاما واقتحمت المسلمون والباب على ظهره.

وفي الارشاد : قال جابر : إن عليا عليه‌السلام حمل الباب يوم خيبر حتى صعد المسلمون عليه ففتحوها ، وإنهم جربوه بعد ذلك فلم يحملوه أربعون رجلا ، رواه أبوالحسن الوراق المعروف بغلام المصري عن ابن جرير الطبري التاريخي. وفي رواية جماعة : خمسون رجلا. وفي رواية أحمد بن حنبل : سبعون رجلا.

ابن جرير الطبري صاحب المسترشد أنه حمله بشماله ـ وهو أربعة أذرع في خمسة أشبار في أربع أصابع عمقا حجرا أصلد ـ دون يمينه ، فأثرت فيه أصابعه ، و حمله بغير مقبض ، ثم تترس به ، فضارب الاقران حتى هجم عليهم ، ثم زجه من ورائه أربعين ذراعا.

وفي رامش أفزاي : (١) كان طول الباب ثمانية عشر ذراعا ، وعرض الخندق عشرون ، فوضع جانبا على طرف الخندق وضبط جانبا بيده حتى عبر عليه العسكر وكانوا ثمانية ألف وسبع مائة رجل وفيهم من كان يبرد (٢) ويخف عليه.

____________________

(١) اسم كتاب.

(٢) كذا في النسخ وفي المصدر : يتردد.

٢٨٠