بحار الأنوار

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي

بحار الأنوار

المؤلف:

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي


الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: مؤسسة الوفاء
الطبعة: ٢
الصفحات: ٣٧١
  الجزء ١   الجزء ٢   الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠ الجزء ٢١ الجزء ٢٢ الجزء ٢٣ الجزء ٢٤ الجزء ٢٥ الجزء ٢٦ الجزء ٢٧ الجزء ٢٨ الجزء ٢٩ الجزء ٣٠ الجزء ٣١ الجزء ٣٥ الجزء ٣٦ الجزء ٣٧ الجزء ٣٨ الجزء ٣٩ الجزء ٤٠ الجزء ٤١ الجزء ٤٢ الجزء ٤٣ الجزء ٤٤ الجزء ٤٥ الجزء ٤٦ الجزء ٤٧ الجزء ٤٨ الجزء ٤٩ الجزء ٥٠ الجزء ٥١ الجزء ٥٢ الجزء ٥٣ الجزء ٥٤ الجزء ٥٥ الجزء ٥٦ الجزء ٥٧ الجزء ٥٨ الجزء ٥٩ الجزء ٦٠ الجزء ٦١   الجزء ٦٢ الجزء ٦٣ الجزء ٦٤ الجزء ٦٥ الجزء ٦٦ الجزء ٦٧ الجزء ٦٨ الجزء ٦٩ الجزء ٧٠ الجزء ٧١ الجزء ٧٢ الجزء ٧٣ الجزء ٧٤ الجزء ٧٥ الجزء ٧٦ الجزء ٧٧ الجزء ٧٨ الجزء ٧٩ الجزء ٨٠ الجزء ٨١ الجزء ٨٢ الجزء ٨٣ الجزء ٨٤ الجزء ٨٥ الجزء ٨٦ الجزء ٨٧ الجزء ٨٨ الجزء ٨٩ الجزء ٩٠ الجزء ٩١ الجزء ٩٢ الجزء ٩٣ الجزء ٩٤   الجزء ٩٥ الجزء ٩٦   الجزء ٩٧ الجزء ٩٨ الجزء ٩٩ الجزء ١٠٠ الجزء ١٠١ الجزء ١٠٢ الجزء ١٠٣ الجزء ١٠٤

سرى الملك ، وإن ولد علي ومواليهم وأموالهم إلى الحسن بن علي ، وإن كانت دار الحسن بن علي غير دار الصدقة فبداله أن يبيعها فليبع إن شاء لا حرج عليه فيه ، وإن باع فإنه يقسم ثمنها ثلاثة أثلاث ، فيجعل ثلثها (١) في سبيل الله ، ويجعل ثلثا في بني هاشم وبني المطلب ، ويجعل الثلث في آل أبي طالب ، وإنه يضعه فيهم حيث يراه الله ، وإن حدث بحسن حدث وحسين حي فإنه إلى الحسين بن علي وإن حسينا يفعل فيه مثل الذي أمرت به حسنا ، له مثل الذي كتبت للحسن ، وعليه مثل الذي على حسن (٢) وإن لبني ابني فاطمة من صدقة علي مثل الذي لبني علي ، وإني إنما جعلت الذي جعلت لابني فاطمة ابتغاء وجه الله عزوجل وتكريم حرمة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وتعظيمها وتشريفها ورضاها (٣) ، وإن حدث بحسن وحسين حدث فإن الآخر منهما ينظر في بني علي ، فإن وجد فيهم من يرضى بهديه (٤) وإسلامه وأمانته فإنه يجعله إليه إن شاء ، وإن لم ير فيهم بعض الذي يريده فإنه يجعله إلى رجل من آل أبي طالب (٥) ، فإن وجد آل أبي طالب قد ذهب كبراؤهم وذو آرائهم فإنه يجعله إلى رجل يرضاه من بني هاشم ، وإنه يشترط على الذي يجعله إليه أن يترك المال على اصوله ، وينفق ثمره حيث أمرته به في سبيل الله (٦) ووجهه وذوي الرحم من بني هاشم وبني المطلب والقريب والبعيد ، لايباع منه شئ ولا يوهب ولا يورث ، وإن مال محمد بن علي على ناحية (٧) ، وهو إلى ابني فاطمة وإن رقيقي الذين في صحيفة صغيرة الني كتبت لي عتقاء.

____________________

(١) في المصدر : فيجعل ثلثا.

(٢) في المصدر : على الحسن.

(٣) في المصدر : وتعظيمهما وتشريفهما ورضاهما.

(٤) الهدى : الطريقة والسيرة.

(٥) في المصدر : من آل ابى طالب يرضى به.

(٦) في المصدر : من سبيل الله.

(٧) في المصدر : على ناحيته.

٤١

هذا ما وصى (١) به علي بن أبي طالب في أمواله هذه الغد من يوم قدم مسكن ابتغاء وجه الله والدار الآخرة ، والله المستعان على كل حال ، ولا يحل لامرئ مسلم يؤمن بالله واليوم الآخر أن يقول في شئ قضيته من مالي ولا يخالف فيه أمري من قريب أو بعيد.

أما بعد فان ولائدي اللائي أطوف عليهن السبعة عشر منهن امهات أولاد معهن أولادهن ، ومنهن حبالى ، ومنهن لا ولدلها (٢) ، فقضائي فيهن إن حدث بي حدث أن (٣) من كان منهن ليس لها ولد وليست بحبلى فهي عتيق لوجه الله عزوجل ، ليس لاحد عليهن سبيل ، ومن كانت منهن لها ولد أو حبلى فتمسك على ولدها وهي من حظه ، فإن مات ولدها وهي حية فهي عتيق ليس لاحد عليها سبيل ، هذا ما قضى به علي في ماله الغد من يوم قدم مسكن ، شهد أبوسمر بن أبرهة وصعصعة بن صوحان ، ويزيد بن قيس ، وهياج بن أبي هياج ، وكتب علي بن أبي طالب بيده لعشر خلون من جمادى الاولى سنة سبع وثلاثين (٤).

بيان : قوله عليه‌السلام : ( سرى الملك ) السرى : النفيس ، أي يتخذه لنفسه ، وظاهره جواز اشتراط بيع والوقف وتملكه عند الحاجة ، وهو خلاف المشهور بين الاصحاب ، وحمله على الاجارة مجازا بعيد ، وسيأتي القول في ذلك في كتاب الوقف قوله عليه‌السلام : ( الغد من يوم قدم مسكن ) تاريخ لكتابة الكتاب ، والمسكن كمسجد موضع بالكوفة ، أي كانت الكتابة في اليوم الذي بعد يوم قدومه المسكن بعد رجوعه من بعض أسفاره.

٢٠ ـ سن : أبي ، عن ابن أبي عمير ، عن ابن أبي عميرة (٥) وسلمة صاحب

____________________

(١) في المصدر : ماقصى.

(٢) في المصدر : ومنهن من لاولد له.

(٣) في المصدر : أنه.

(٤) فروع الكافى ( الجزء السابع من الطبعة الحديثة ) : ٤٩ ـ ٥١.

(٥) في المصدر : عن ابن عميرة.

٤٢

السابري ، عن زيد الشحام ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : إن عليا عليه‌السلام أعتق ألف مملوك من كديده (١).

٢١ ـ جع : جاء عليا عليه‌السلام أعرابي فقال : يا أمير المؤمنين إني مأخوذ بثلاث علل : علة النفس وعلة الفقر وعلة الجهل ، فأجاب أمير المؤمنين عليه‌السلام وقال : يا أخا العرب علة النفس تعرض على الطبيب ، وعلة الجهل تعرض على العالم ، وعلة الفقر تعرض على الكريم ، فقال الاعرابي : يا أمير المؤمنين أنت الكريم وأنت العالم وأنت الطيب ، فأمر أمير المؤمنين عليه‌السلام بأن يعطى له من بيت المال ثلاثة آلاف درهم ، وقال : تنفق ألفا بعلة النفس وألفا بعلة الجهل وألفا بعلة الفقر (٢).

أقول : روى السيد بن طاوس في كشف المحجة من بعض كتب المناقب أن عليا عليه‌السلام قال : تزوجت فاطمة عليها‌السلام وما كان لي فراش ، وصدقتي اليوم لو قسمت على بني هاشم لو سعتهم.

وقال فيه : أنه عليه‌السلام وقف أمواله وكانت غلته أربعين ألف دينار ، وباع سيفه وقال : من يشتري سيفي؟ ولو كان عندي عشاء مابعته.

وقال فيه : إنه عليه‌السلام قال مرة : من يشتري سيفي الفلاني؟ ولو كان عندي ثمن إزار ما بعته. قال : وكان يفعل هذا وغلته أربعون ألف دينار من صدقته (٣).

____________________

(١) لم نجده في المصدر المطبوع.

(٢) جامع الاخبار : ١٥٨ و ١٥٩.

(٣) كشف المحجة : ١٢٤ ، ولا يخفى أنه من مختصات ( ك ) فقط.

٤٣

١٠٣

( باب )

* ( خبر الناقة ) *

١ ـ لى : الهمداني ، عن عمر بن سهل بن إسماعيل الدينوري ، عن زيد بن إسماعيل الصائغ ، عن معاوية بن هشام ، عن سفيان ، عن عبدالملك بن عمير ، عن خالد بن ربعي قال : إن أمير المؤمنين عليه‌السلام دخل مكة في بعض حوائجه ، فوجد أعرابيا متعلقا بأستار الكعبة وهو يقول : يا صاحب البيت! البيت بيتك والضيف ضيفك ، ولكل ضيف من ضيفه قرى (١) فاجعل قراي منك الليلة المغفرة ، فقال أمير المؤمنين عليه‌السلام لاصحابه : أما تسمعون كلام الاعرابي؟ قالوا : نعم ، فقال : الله أكرم من أن يرد ضيفه ، فلما (٢) كانت الليلة الثانية وجده متعلقا بذلك الركن وهو يقول : يا عزيزا في عزك فلا أعز منك في عزك أعزني بعز عزك في عز لا يعلم أحد كيف هو ، أتوجه وأتوسل إليك ، بحق محمد وآل محمد عليك أعطني ما لا يعطيني أحد غيرك ، واصرف عني مالا يصرفه أحد غيرك ، قال : فقال أمير المؤمنين عليه‌السلام لاصحابه : هذا والله الاسم الاكبر بالسريانية ، أخبرني به حبيبي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله سأله الجنة فأعطاه ، وسأله صرف النار وقد صرفها عنه.

قال : فلما كانت الليلة الثالثة وجده وهو متعلق بذلك الركن وهو يقول : يا من لا يحويه مكان ولا يخلو منه مكان بلا كيفية كان ، ارزق الاعرابي أربعة آلاف درهم ، قال : فتقدم إليه أمير المؤمنين عليه‌السلام فقال : يا أعرابي سألت ربك القرى فقراك ، وسألته الجنة فأعطاك ، وسألته أن يصرف عنك النار وقد صرفها عنك ، وفي هذه الليلة تسأله أربعة آلاف درهم؟ قال الاعرابي : من أنت؟ قال : أنا علي

____________________

(١) القرى : ما يقدم للضيف.

(٢) في المصدر : قال فلما.

٤٤

ابن أبي طالب ، قال الاعرابي أنت والله بغيتي وبك أنزلت حاجتي ، قال : سل يا أعرابي ، قال : اريد ألف درهم للصداق ، وألف درهم أقضي به ديني ، وألف درهم أشتري به دارا ، وألف درهم أتعيش منه ، قال : أنصفت يا أعرابي ، فإذا خرجت من مكة فاسأل عن داري بمدينة الرسول.

فأقام الاعرابي بمكة اسبوعا وخرج في طلب أمير المؤمنين عليه‌السلام إلى مدينة الرسول ، ونادى : من يدلني على دار أمير المؤمنين علي؟ فقال الحسين بن علي من بين الصبيان : أنا أدلك على دار أمير المؤمنين وأنا ابنه الحسين بن علي ، فقال الاعرابي : من أبوك؟ قال : أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ، قال : من أمك؟ قال : فاطمة الزهراء سيدة نساء العالمين ، قال من جدك؟ قال : رسول الله محمد بن عبدالله ابن عبدالمطلب قال : من جدتك؟ قال : خديجة بنت خويلد ، قال : من أخوك قال : أبومحمد الحسن بن علي ، قال : لقد أخذت الدنيا بطر فيها ، امش إلى أمير المؤمنين وقل له : إن الاعرابي صاحب الضمان بمكة على الباب ، قال : فدخل الحسين بن علي عليه‌السلام فقال : يا أبة أعرابي بالباب يزعم أنه صاحب الضمان بمكة ، قال : فقال : يا فاطمة عندك شئ يأكله الاعرابي؟ قالت : اللهم لا ، قال : فتلبس أمير المؤمنين عليه‌السلام وخرج وقال : ادعوالي أبا عبدالله سلمان الفارسي ، قال : فدخل إليه سلمان الفارسي فقال : يابا عبدالله أعرض الحديقة التي غرسها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لي على التجار ، قال : فدخل سلمان إلى السوق وعرض الحديقة ، فباعها باثني عشر ألف درهم ، وأحضر المال وأحضر الاعرابي ، فأعطاه أربعة آلاف درهم وأربعين درهما نفقه ، ووقع الخبر إلى سؤال المدينة فاجتمعوا ، ومضى رجل من الانصار إلى فاطمة عليها‌السلام فأخبرها بذلك ، فقالت : آجرك الله في ممشاك ، فجلس علي عليه‌السلام والدارهم مصبوبة بين يديه حتى اجتمع إليه أصحابه ، فقبض قبضة قبضة وجعل يعطي رجلا رجلا حتى لم يبق معه درهم واحد.

فلما أتى المنزل قالت له فاطمة عليها‌السلام : يا ابن عم بعت الحائط الذي غرسه لك والدي؟ قال : نعم بخير منه عاجلا وآجلا ، قالت : فأين الثمن؟ قال : دفعته

٤٥

إلى أعين استحييت أن اذلها بذل المسألة قبل أن تسألني ، قالت فاطمة : أنا جائعة وابناي جائعان ولا أشك إلا وأنك مثلنا في الجوع ، لم يكن لنا منه درهم؟ وأخذت بطرف ثوب علي عليه‌السلام ، فقال علي عليه‌السلام : يا فاطمة خليني ، فقالت : لا والله أويحكم بيني وبينك أبي ،فهبط جبرئيل عليه‌السلام على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فقال :يا محمد السلام (١) يقرؤك السلام ويقول : اقرأ عليا مني السلام وقل لفاطمة : ليس لك أن تضربي على يديه،فلما أتى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله منزل علي وجد فاطمة ملازمة لعلي عليه‌السلام فقال لها : يا بنية مالك ملازمة لعلي؟ قالت : يا أبة باع الحائط الذي غرسته له باثني عشر ألف درهم ، لم يحبس لنا منه درهما نشتري به طعاما ، فقال : يا بنية إن جبرئيل يقرؤني من ربي السلام ويقول : اقرأ عليا من ربه السلام ، وأمرني أن أقول لك : ليس لك أن تضربي على يديه ، قالت فاطمة عليها‌السلام : فإني أستغفر الله ولا أعودا أبدا.

قالت فاطمة عليها‌السلام : فخرج أبي صلى‌الله‌عليه‌وآله في ناحية وزوجي في ناحية ، فما لبث أن أتى أبي ومعه سبعة دراهم سود هجرية ، فقال : يا فاطمة أين ابن عمي؟ فقلت له : خرج ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : هاك هذه الدراهم ، فإذا جاء ابن عمي فقولي له يبتاع لكم بها طعاما ، فما لبثت إلا يسيرا حتى جاء علي عليه‌السلام فقال : رجع ابن عمي فإني أحد رائحة طيبة؟ قالت : نعم وقد دفع إلي شيئا تبتاع به لنا طعاما ، قال علي عليه‌السلام : هاتيه ، فدفعت إليه سبعة دراهم سودا هجرية ، فقال : بسم الله والحمد لله كثيرا طيبا ، وهذا من رزق الله عزوجل ، ثم قال : يا حسن قم معي ، فأتيا السوق فإذا هما برجل واقف وهو يقول : من يقرض الملي الوفي؟ قال : يا بني نعطية؟ قال : إي والله يا أبة ، فأعطاه علي عليه‌السلام الدارهم ، فقال الحسن : يا أبتاه أعطيته الدارهم كلها؟ قال : نعم يا بني ، إن الذي يعطي القليل قادر على أن يعطي الكثير.

قال : فمضى علي بباب رجل يستقرض منه شيئا ، فلقيه أعرابي ومعه ناقة فقال : يا علي اشتر مني هذه الناقة ، قال : ليس معي ثمنها ، قال : فإني أنظرك

____________________

(١) ربك خ ل.

٤٦

به إلى القبض ، قال : بكم يا أعرابي؟ قال : بمائة درهم ، قال علي : خذها يا حسن فأخذها ، فمضى علي عليه‌السلام فلقيه أعرابي آخر المثال واحد والثياب مختلفة ، فقال : يا علي تبيع الناقة؟ قال علي : وما تصنع بها؟ قال : أغزو عليها أول غزوة يغزوها ابن عمك قال : إن قبلتها فهي لك بلاثمن ، قال : معي ثمنها وبالثمن أشتريها ، فبكم اشتريتها؟ قال : بمائة درهم ، قال الاعرابي : فلك سبعون ومائة درهم ، قال علي عليه‌السلام : خذا السبعين والمائة وسلم الناقة ، والمائة للاعرابي (١) الذي باعنا الناقة والسبعين لنا نبتاع بها شيئا ، فأخذ الحسن عليه‌السلام الدراهم وسلم الناقة ، قال علي عليه‌السلام : فمضيت أطلب الاعرابي الذي ابتعت منه الناقة لاعطيه ثمنها ، فرأيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله جالسا في مكان لم أره فيه قبل ذلك ولا بعده ، على قارعة الطريق ، فلما نظر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله إلي تبسم ضاحكا حتى بدت نواجده ، قال علي عليه‌السلام : أضحك الله سنك وبشرك بيومك ، فقال : يا أبا الحسن : إنك تطلب الاعرابي الذي باعك الناقة لتوفيه الثمن؟ فقلت : إي والله فداك أبي وأمي ، فقال : يا أبا الحسن الذي باعك الناقة جبرئيل والذي اشتراها منك ميكائيل ، والناقة من نوق الجنة ، والدراهم من عند رب العالمين عزوجل ، فأنفقها في خير ولا تخف إقتارا (٢).

بيان : لعل منازعتها صلوات الله عليها إنما كانت ظاهرا (٣) لظهور فضله صلوات الله عليه على الناس ، أو لظهور الحكمة فيما صدر عنه عليه‌السلام أو لوجه من الوجوه لا نعرفه ، والنواجد من الاسنان : الضواحك ، وهي التي تبدو عند الضحك قوله : ( وبشرك بيومك ) أي يوم الشفاعة التي وعدها الله تعالى [ له ].

____________________

(١) في المصدر : المائة للاعرابى. بدون الواو.

(٢) أمالى الصدوق : ٢٨٠ ـ ٢٨٢.

(٣) في ( خ ) و ( م ) : انما كانت طابه.

٤٧

١٠٤

( باب )

* ( حسن خلقه وبشره وحلمه وعفوه واشفاقة وعطفه صلوات الله عليه ) *

١ ـ قب : مختار التمار عن أبي مطر البصري أن أمير المؤمنين عليه‌السلام مر بأصحاب التمر فإذا هو بجارية تبكي فقال : يا جارية ما يبكيك؟ فقالت : بعثني مولاي بدرهم فابتعت من هذا تمر افأتيتهم به فلم يرضوه ، فلما أتيته به أبى أن يقبله ، قال : يا عبدالله إنها خادم وليس لها أمر ، فاردد إليها درهما وخذ التمر ، فقام إليه الرجل فلكزه ، فقال الناس : هذا أمير المؤمنين ، فربا الرجل (١) واصفر وأخذ التمر ورد إليها درهمها ثم قال : يا أمير المؤمنين ارض عني ، فقال : ما أرضاني عنك إن أصلحت أمرك. وفي فضائل أحمد وإذا وفيت الناس حقوقهم.

ودعا عليه‌السلام غلاما مرارا فلم يجبه ، فخرج فوجده على باب البيت ، فقال : ماحملك على ترك إجابتي؟ قال : كسلت عن إجابتك وأمنت عقوبتك ، فقال : الحمد لله الذي جعلني ممن يأمنه خلقه ، امض فأنت حر لوجه الله.

وكان علي عليه‌السلام في صلاة الصبح فقال ابن الكواء من خلفه : « ولقد وحي إليك وإلى الذين من قبلك لئن أشركت ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين (٢) » فأنصت علي عليه‌السلام تعظيما للقرآن حتى فرغ من الآية ، ثم عاد في قراءته ، ثم أعاد ابن الكواء الآية ، فأنصت علي عليه‌السلام أيضا ، ثم قرأ فأعاد ابن الكواء ، فأنصت علي عليه‌السلام ثم قال : « فاصبر إن وعد الله حق ولا يستخفنك الذين لا يوقنون (٣) » ثم أتم السورة وركع.

وبعث أمير المؤمنين عليه‌السلام إلى لبيد بن عطارد التميمي في كلام بلغه ، فمر

____________________

(١) أى أخذه الربو؟ ، وهو علة تحدث في الرئة فتصير النفس صعبا.

(٢) سورة الزمر : ٦٥.

(٣) سورة الروم : ٦٠.

٤٨

به أمير المؤمنين عليه‌السلام في بني أسد ، فقام إليه نعيم بن دجاجة الاسدي فأفلته ، فبعث إليه أمير المؤمنين عليه‌السلام فأتوه به ، وأمربه أن يضرب فقال له : نعم والله إن المقام معك لذل ، وإن فراقك لكفر ، فلما سمع ذلك منه قال : قد عفونا عنك إن الله عزوجل يقول : « ادفع بالتي هي أحسن السيئة (١) » أما قولك : إن المقام معك لذل فسيئة اكتسبتها ، وأما قولك إن فراقك لكفر اكتسبتها ، فهذه بهذه.

مرت امرأة جميلة فرمقها القوم بأبصارهم ، فقال أمير المؤمنين عليه‌السلام : إن أبصار هذه الفحول طوامع ، وإن ذلك سبب هناتها ، فإذا نظر أحدكم إلى امرأة تعجبه فليلمس أهله ، فإنما هي امرأة كامرأة ، فقال رجل من الخوارج : قاتله الله كافرا ما أفقهه! فوثب القوم ليقتلوه فقال (٢) عليه‌السلام : رويدا إنما هو سب أو عفو عن ذنب.

وجاءه أبوهريرة ـ وكان تكلم فيه وأسمعه في اليوم الماضي ـ وسأله حوائجه فقضاها ، فعاتبه أصحابه على ذلك فقال : إني لاستحيي أن يغلب جهله علمي وذنبه عفوي ومسألته جودي.

ومن كلامه عليه‌السلام : إلى كم أغضي الجفون على القذي وأسحب ذيلي على الاذى وأقول لعل وعسى (٣).

بيان : اللكز : الدفع والضرب بجمع الكف. ويقال : طمع بصري إليه أي امتد وعلا ، ويقال في فلان هنات أي خصال شر.

٢ ـ قب : العقد ونزهة الابصار : قال قنبر : دخلت مع أمير المؤمنين عليه‌السلام على عثمان فاحب الخلوة فأومأ إلي بالتنحي فتنحيت غير بعيد ، فجعل عثمان يعاتبه وهو مطرق رأسه وأقبل إليه عثمان فقال : مالك لا تقول؟ فقال عليه‌السلام : ليس جوابك إلا ما تكره ، وليس لك عندي إلا ما تحب ثم خرج قائلا :

____________________

(١) سورة المؤمنون : ٩٦.

(٢) في المصدر : فقال على عليه‌السلام.

(٣) مناقب آل أبي طالب ١ : ٣١٦ و ٣١٧.

٤٩

ولو أنني جاوبته لامضه

نوافذ قولي واختصار جوابي

ولكنني أغضي على مضض الحشا

ولو شئت اقداما لانشب نابي

وأسر مالك الاشتر يوم الجمل مروان بن الحكم ، فعاتبه عليه‌السلام وأطلقه. وقالت عائشة يوم الجمل : ملكت فاسجح ، فجهزها أحسن الجهاز وبعث معها بتسعين امرأة أو سبعين ، واستأمنت لعبدالله بن الزبير على لسان محمد بن أبي بكر فآمنه وآمن معه سائر الناس.

وجئ بموسى بن طلحة بن عبيد الله فقال له : قل : « أستغفر الله وأتوب إليه ». ثلاث مرات ، وخلى سبيله ، وقال : اذهب حيث شئت ، وما وجدت لك في عسكرنا من سلاح أو كراع فخذه ، واتق الله فيما تستقبله من أمرك واجلس في بيتك (١).

بيان : قال الجزري في النهاية : قالت عائشة لعلي عليه‌السلام يوم الجمل حين ظهر : « ملكت فاسجح » أي قدرت فسهل فأحسن العفو ، وهو مثل سائر (٢). والكراع كغراب اسم لجمع الخيل.

٣ ـ قب : ابن بطة العكبري وأبوداود السجستاني عن محمد بن إسحاق عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : كان علي عليه‌السلام إذا أخد أسيرا في حروب الشام أخذ سلاحه ودابته واستحلفه أن لا يعين عليه.

ابن بطة بإسناده عن عرفجة عن أبيه قال : لما قتل علي أصحاب النهر جاء بما كان في عسكرهم ، فمن كان يعرف شيئا أخذه ، حتى بقيت قدر ، ثم رأيتها بعد قد أخذت.

الطبري : لما ضرب علي طلحة العبدري تركه ، فكبر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وقال لعلي عليه‌السلام ما منعك أن تجهز عليه؟ قال : إن ابن عمي ناشدني الله والرحم حين انكشفت عورته فاستحييته.

ولما أدرك عمرو بن عبدود لم يضربه ، فوقعوا في علي عليه‌السلام فرد عنه حذيفة

____________________

(١) مناقب آل أبي طالب ١ : ٣١٧.

(٢) النهاية ٢ : ١٤٧. وفيه : وأحسن العفو.

٥٠

فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : مه ياحذيفة فإن عليا سيذكر سبب وقفته ، ثم إنه ضربه ، فلما جاء سأله النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله عن ذلك فقال : قد كان شتم أمي وتفل في وجهي ، فخشيت أن أضربه لحظ نفسي ، فتركته حتى سكن مابي ثم قتلته في الله.

وإنه لما امتنع من البيعة جرت من الاسباب ما هو معروف ، فاحتمل وصبر ، وروي أنه لما طالبوه بالبيعة قال له الاول : بايع ، قال : فإن لم أفعل فمه؟ قال : والله الذي لا إله إلا هو نضرب عنقك ، قال : فالتفت علي عليه‌السلام إلى القبر فقال : « يا ابن أم إن القوم استضعفوني وكادوا يقتلونني ».

الجاحظ في البيان والتبيين إن أول خطبة خطبها أمير المؤمنين عليه‌السلام قوله : قد مضت أمور لم تكونوا فيها بمحمودي الرأي ، أما لو أشاء أن أقول لقلت ، ولكن عفا الله عما سلف ، سبق الرجلان وقام الثالث كالغراب ، همته بطنه ، ياويله لوقص جناحه وقطع رأسه لكان خيرا له.

وقد روى الكافة عنه : اللهم إني أستعديك على قريش ، فإنهم ظلموني في الحجر والمدر.

إبراهيم الثقفي عن عثمان بن أبي شيبة والفضل بن دكين بإسنادهما قال علي عليه‌السلام : ما زلت مظلوما منذ قبض الله نبيه إلى يومي هذا.

وروى إبراهيم بإسناده عن المسيب بن نجية قال : بينما علي يخطب وأعرابي يقول : وامظلمتاه ، فقال علي عليه‌السلام : ادن ، فدنا فقال : لقد ظلمت عدد المدر والوبر (١) ، وفي رواية كثير بن اليمان ، ومالا يحصى.

أبونعيم الفضل بن دكين بإسناده عن حريث قال : إن عليا عليه‌السلام لم يقم مرة على المنبر إلا قال في آخر كلامه قبل أن ينزل : ما زلت مظلوما منذ قبض الله نبيه ، وكان عليه‌السلام بشره دائم ، وثغره باسم ، غيث لمن رغب ، وغياث لمن ذهب ، مآل الآمل ، وثمال الارامل ، يتعطف على رعيته ، ويتصرف على مشيته ، ويكفه

____________________

(١) في المصدر : عدد المدر والمطر والوبر.

٥١

بحجته (١) ويكفيه بمهجته.

ونظر علي عليه‌السلام إلى امرأة على كتفها قربة ماء ، فأخذ منها القربة فحملها إلى موضعها ، وسألها عن حالها فقالت : بعث علي بن أبي طالب صاحبي إلى بعض الثغور فقتل ، وترك علي صبيانا يتامى ، وليس عندي شئ ، فقد ألجأتني الضرورة إلى خدمة الناس ، فانصرف وبات ليلته قلقا ، فلما أصبح حمل زنبيلا فيه طعام ، فقال بعضهم : أعطنني أحمله عنك ، فقال : من يحمل وزري عني يوم القيامة؟ فأتى وقرع الباب ، فقالت : من هذا؟ قال : أنا ذلك العبد الذي حمل معك القربة ، فافتحي فإن معي شيئا للصبيان ، فقالت : رضي الله عنك وحكم بيني وبين علي بن أبي طالب ، فدخل وقال : إني أحببت اكتساب الثواب ، فاختاري بين أن تعجنين وتخبزين وبين أن تعللين الصبيان لاخبز أنا ، فقالت : أنا بالخبز أبصر وعليه أقدر ، ولكن شأنك والصبيان ، فعللهم حتى أفرغ من الخبز ، قال (٢) : فعمدت إلى الدقيق فعجنته ، وعمد علي عليه‌السلام إلى اللحم فطبخه ، وجعل يلقم الصبيان من اللحم والتمر وغيره ، فكلما ناول الصبيان من ذلك شيئا قال له : يا بني اجعل علي بن أبي طالب في حل مما أمر في أمرك (٣) ، فلما اختمر العجين قالت : يا عبدالله اسجر التنور فبادر لسجره فلما أشعله ولفح في وجهه جعل يقول : ذق يا علي هذا جزاء من ضيع الارامل واليتامى ، فرأته امرأة تعرفه فقالت : ويحك هذا أمير المؤمنين ، قال : فبادرت المرأة وهي تقول : واحيائي منك يا أمير المؤمنين ، فقال : بل واحيائي منك يا أمة الله فيما قصرت في أمرك (٤).

٤ ـ قب : سئل عليه‌السلام عن رجل فقال : توفي البارحة فلما رأى جزع السائل

____________________

(١) في المصدر : ويكلؤه بحجته.

(٢) كذا في النسخ وهو سهو ، والصحيح « قالت ».

(٣) في المصدر : مما مر في أمرك.

(٤) مناقب آل ابى طالب ١ : ٣١٧ ـ ٣١٩.

٥٢

قرأ : « الله يتوفى الانفس حين موتها والتي لم تمت في منامها » (١).

٥ ـ ب : عن ابن صدقة عن جعفر عن أبيه عليه‌السلام أن عليا عليه‌السلام صاحب رجلا ذميا ، فقال له الذمي : أين تريد يا عبد الله؟ قال : أريد الكوفة ، فلما عدل الطريق بالذمي عدل معه علي ، فقال له الذمي : أليس زعمت تريد الكوفة؟ قال : بلى ، فقال له الذمي : فقد تركت الطريق ، فقال : قد علمت ، فقال له : فلم عدلت معي وقد علمت ذلك؟ فقال له علي عليه‌السلام : هذا من تمام حسن الصحبة أن يشيع الرجل صاحبه هنيئة إذا فارقه وكذلك أمرنا نبينا ، فقال له : هكذا؟ قال : نعم (٢) ، فقال له الذمي : لا جرم إنما تبعه من تبعه لافعاله الكريمة ، وأنا أشهدك أني على دينك ، فرجع الذمي مع علي عليه‌السلام ، فلما عرفه أسلم (٣).

كا : علي بن إبراهيم ، عن هارون بن مسلم ، عن ابن صدقة مثله (٤).

٦ ـ كا : العدة ، عن سهل ، عن جعفر بن محمد الاشعري ، عن ابن القداح عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : دخل رجلان على أمير المؤمنين عليه‌السلام فألقى لكل واحدة (٥) منهما وسادة ، فقعد عليها أحدهما وأبى الآخر ، فقال أمير المؤمنين عليه‌السلام : اقعد عليها فإنه لا يأبى الكرامة إلا الحمار ، ثم قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : إذا أتاكم كريم قوم فأكرموه (٦).

____________________

(١) مناقب آل ابى طالب ١ : ٦٣٨. والاية في سورة الزمر : ٤٣.

(٢) في المصدر : فقال له هكذا قال؟ قال : نعم.

(٣) قرب الاسناد : ٧.

(٤) اصول الكافى ( الجزء الثانى من الطبعة الحديثة ) : ٦٧٠.

(٥) في المصدر : لكل واحد.

(٦) اصول الكافى ( الجزء الثانى من الطبعة الحديثة ) : ٦٥٩.

٥٣

١٠٥

( باب )

* ( تواضعه صلوات الله عليه ) *

١ ـ قب : الاصبغ عن علي عليه‌السلام في قوله : « وعباد الرحمن (١) » قال : فينا نزلت هذه الآية.

الصادق عليه‌السلام : كان أمير المؤمنين عليه‌السلام يحطب ويستسقي ويكنس ، وكانت فاطمة عليها‌السلام تطحن وتعجن وتخبز.

الابانة عن ابن بطة والفضائل عن أحمد أنه اشترى تمرا بالكوفة ، فحمله في طرف ردائه ، فتبادر الناس إلى حمله وقالوا : يا أمير المؤمنين نحن نحمله ، فقال عليه‌السلام : رب العيال أحق بحمله.

قوت القلوب عن أبي طالب المكي : كان علي عليه‌السلام يحمل التمر والمالح (٢) بيده ويقول :

لا ينقص الكامل من كماله

ماجر من نفع إلى عياله

زيد بن علي : إنه كان يمشى في خمسة حافيا ويعلق نعليه بيده اليسرى : يوم الفطر والنحر والجمعة (٣) وعند العيادة وتشييع الجنازة ، ويقول : إنها مواضع الله ، وأحب أن أكون فيها حافيا.

زاذان إنه كان يمشي في الاسواق وحده وهو ذاك يرشد الضال ويعين الضعيف ويمر بالبياع والبقال فيفتح عليه القرآن ويقرأ : « تلك الدار الآخرة نجعلها » الآية (٤).

____________________

(١) سورة الفرقان : ٦٣.

(٢) أى السمك المالح : قال الفيومى في المصباح ( ٢ : ١٢٣ ) : سمك ملح ومملوح ومليح وهو المقدد : ولا يقال « مالح » الا في لغة رديئة.

(٣) في المصدر : ويوم الجمعة.

(٤) مناقب آل أبى طالب ١ : ٣٠٩ و ٣١٠ والاية في سورة القصص : ٨٣.

٥٤

٢ ـ سن : أبي ، عن ابن أبي عمير ، عن هشام بن سالم ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : خرج أمير المؤمنين عليه‌السلام على أصحابه وهو راكب ، فمشوا خلفه فالتفت إليهم فقال : لكم حاجة؟ فقالوا : لا يا أمير المؤمنين ، ولكنا نحب أن نمشي معك ، فقال لهم : انصرفوا فإن مشي الماشي مع الراكب مفسدة للراكب ومذلة للماشي ، قال : وركب مرة اخرى فمشوا خلفه ، فقال : انصرفوا فإن خفق النعال خلف أعقاب الرجال مفسدة لقلوب النوكى (١).

كا : علي ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير مثله إلى قوله : معرة للراكب ومذلة للماشي (٢).

٣ ـ قب : عن الصادق عليه‌السلام مثله. وترجل دهاقين الانبار له وأسندوا بين يديه ، فقال عليه‌السلام : ما هذا الذي صنعتموه؟ قالوا : خلق منا نعظم به أمراءنا ، فقال : والله ما ينتفع بهذا أمراؤكم ، وإنكم لتشقون به على أنفسكم ، وتشقون به في آخرتكم ، وما أخسر المشقة وراءها العقاب ، وما أربح الراحة معها الامان من النار (٣).

٤ ـ قب : أبوعبدالله عليه‌السلام قال : افتخر رجلان عند أمير المؤمنين عليه‌السلام فقال عليه‌السلام : أتفتخران بأجساد بالية وأرواح في النار؟ إن يكن له عقل فإن لك خلفا ، وإن لم يكن له تقوى فإن لك كرما ، وإلا فالحمار خير منكما ، ولست بخير من أحد (٤).

٥ ـ ج : بالاسناد إلى أبي محمد العسكري أنه قال : أعرف الناس بحقوق إخوانه وأشدهم قضاء لها أعظمهم عندالله شأنا ، ومن تواضع في الدنيا لاخوانه فهو عند الله من الصديقين ومن شيعة علي بن أبي طالب عليه‌السلام حقا ، ولقد ورد على

____________________

(١) لم نجده في المصدر المطبوع. والنوكى جمع الانواك : الاحمق.

(٢) فروع الكافى ( الجزء السادس من الطبعة الحديثة ) : ٥٤٠. وفيه : مفسدة للراكب.

(٣) مناقب آل أبي طالب ١ : ٣١٠.

(٤) ١ : ٣١٠. ولم نتحقق معنى الرواية.

٥٥

أمير المؤمنين عليه‌السلام أخوان له مؤمنان أب وابن ، فقام إليهما وأكرمهما وأجلسهما في صدر مجلسه ، وجلس بين أيديهما ، ثم أمر بطعام فأحضر ، فأكلامنه ، ثم جاء قنبر بطست وإبريق خشب ومنديل ليلبس (١). وجاء ليصب على يد الرجل (٢) فوثب أمير المؤمنين عليه‌السلام وأخذ الابريق ليصب على يد الرجل ، فتمرغ الرجل في التراب وقال : يا أمير المؤمنين الله يراني وأنت تصب على يدي؟! قال : اقعد واغسل (٣) فإن الله عزوجل يراك ، وأخوك الذي لا يتميز منك ولا ينفصل عنك (٤) يخدمك ، يريد بذلك في خدمته في الجنة مثل عشرة أضعاف عدد أهل الدنيا ، وعلى حسب ذلك في مماليكه فيها ، فقعد الرجل فقال له علي عليه‌السلام : أقسمت (٥) بعظيم حقي الذي عرفته ونحلته وتواضعك لله حتى جازاك عنه بأن تدنيني لما شرفك به من خدمتي لك لما غسلت مطمئنا كما كنت تغسل لو كان الصاب عليك قنبرا ففعل الرجل ذلك ، فلما فرغ ناول الابريق محمد بن الحنفية وقال : يا بني لو كان هذا الابن حضرني دون أبيه لصبيت على يده ، ولكن الله عزوجل يأبى أن يسوي. بين ابن وأبيه إذا جمعهما مكان لكن قد صب الاب على الاب فليصب الابن على الابن فصب محمد بن الحنفية على الابن ، ثم قال الحسن بن علي العسكري عليه‌السلام : فمن اتبع عليا على ذلك فهو الشيعي حقا (٦).

٦ ـ قب : حلية الاولياء ونزهة الابصار أنه مضى عليه‌السلام (٧) في حكومة إلى شريح مع يهودي ، فقال (٨) : يا يهودي الدرع درعي ولم أبع ولم أهب ، فقال

____________________

(١) في المصدر : ليبس.

(٢) في المصدر : على يد الرجل ماء.

(٣) في المصدر : اقعد واغسل يدك.

(٤) في المصدر : ولا يتفضل عنك.

(٥) في المصدر : أقسمت عليك.

(٦) الاحتجاج : ٢٥٦ و ٢٥٧. ورواه في المناقب ١ : ٣١٠.

(٧) في المصدر : أنه مضى على عليه‌السلام.

(٨) في المصدر : فقال له.

٥٦

اليهودي : الدرع لي وفي يدي ، فسأله شريح البينة ، فقال : هذا قنبر والحسين يشهدان لي بذلك ، فقال شريح : شهادة الابن لا تجوز لابيه ، وشهادة العبد لا نجوز لسيده وإنهما يجران إليك! فقال أمير المؤمنين عليه‌السلام : ويلك يا شريح أخطات من وجوه ، أما واحدة فأنا إمامك تدين الله بطاعتي وتعلم أني لا أقول باطلا ، فرددت قولي وأبطلت دعواي ، ثم سألتني البينة فشهد عبد (١) وأحد سيدي شباب أهل الجنة فرددت شهادتهما ، ثم ادعيت عليهما أنهما يجر أنهما يجران إلى أنفسهما ، أما إني لا أرى عقوبتك إلا أن تقضي بين اليهود ثلاثة أيام! أخرجوه ، فأخرجه إلى قبا فقضى بين اليهود ثلاثا ، ثم انصرف ، فلما سمع اليهودي ذلك قال : هذا أمير المؤمنين جاء إلى الحاكم والحاكم حكم عليه! فأسلم ثم قال : الدرع درعك سقطت يوم صفين من جمل أورق فأخذتها (٢).

٧ ـ قب : الباقر عليه‌السلام في خبر أنه رجع علي عليه‌السلام إلى داره في وقت القيظ فإذا امرأة قائمة تقول : إن زوجي ظلمني وأخافني وتعدى علي وحلف ليضربني فقال : يا أمة الله اصبري حتى يبرد النهار ثم أذهب معك إن شاء الله ، فقالت : يشتد غضبه وحرده علي ، فطأطأ رأسه ثم رفعه وهو يقول : لا والله أو يؤخذ للمظلوم حقه غير متعتع ، أين منزلك؟ فمضى إلى بابه فوقف فقال : السلام عليكم ، فخرج شاب ، فقال علي عليه‌السلام : يا عبدالله اتق الله فإنك قد أخفتها وأخرجتها ، فقال الفتى : وما أنت وذاك؟ والله لاحرقنها لكلامك ، فقال أمير المؤمنين عليه‌السلام : آمرك بالمعروف وأنهاك عن المنكر تستقبلني بالمنكر وتنكر المعروف؟ قال : فأقبل الناس من الطرق ويقولون : سلام عليكم يا أمير المؤمنين ، فسقط الرجل في يديه فقال : يا أمير المؤمنين أقلني [ في ] عثرتي ، فوالله لاكونن لها أرضا تطأني ، فأغمد علي سيفه فقال : يا أمة الله ادخلي منزلك ولا تلجئي زوجك إلى مثل هذا وشبهه. وروى

____________________

(١) في المصدر : عبدي.

(٢) مناقب آل أبي طالب ١ : ٣١٠ و ٣١١ قال في القاموس ( ٣ : ٢٨٩ ) : الاورق من الابل ما في لونه بياض إلى سواد ، وهو من أطيب الابل لحما لا سيرا وعملا.

٥٧

الفنجكردي في سلوة الشيعة له :

ودع التجبر والتكبر يا أخي

إن التكبر للعبيد وبيل

واجعل فؤادك للتواضع منزلا

إن التواضع بالشريف جميل (١)

٨ ـ كا : العدة ، عن البرقي ، عن شريف بن سابق ، عن الفضل بن أبي قرة عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : كان أمير المؤمنين عليه‌السلام يضرب بالمر (٢) ويستخرج الارضين وكان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يمص النوى بفيه ويغرسه فيطلع من ساعته ، وإن أمير المؤمنين عليه‌السلام أعتق ألف مملوك من ماله وكد يده (٣).

٩ ـ كا : محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن ابن فضال ، عن ابن بكير عن زرارة ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : لقي رجل أمير المؤمنين عليه‌السلام وتحته وسق من نوى ، فقال له : ما هذا يا أبا الحسن تحتك؟ فقال : مائة ألف عذق إن شاء الله ، قال : فغرسه فلم يغادر منه نواة واحدة (٤).

١٠ ـ كا : العدة ، عن سهل عن ابن محبوب ، عن عبدالله بن سنان ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : إن أمير المؤمنين عليه‌السلام كان يخرج ومعه أحمال النوى ، فيقال له : يا أبا الحسن ما هذا معك؟ فيقول : نخل إن شاء الله ، فيغرسه فما يغادر منه واحدة (٥).

١١ ـ كا : العدة ، عن سهل ، عن داود بن مهران ، عن الميثمي ، عن رجل عن جويرية بن مسهر قال : اشتددت خلف أمير المؤمنين عليه‌السلام فقال لي : يا جويرية إنه لم يهلك هؤلاء الحمقى إلا بخفق النعال خلفهم ، ماجاء بك؟ قلت : جئت أسألك عن ثلاث : عن الشرف وعن المروة وعن العقل. قال : أما الشرف فمن شرفه السلطان شرف ، وأما المروة فإصلاح المعيشة ، وأما العقل فمن اتقى الله عقل (٦).

____________________

(١) مناقب آل أبي طالب ١ : ٣١١.

(٢) المر : المسحاة.

(٣) فروع الكافى ( الجزء الخامس من الطبعة الحديثة ) : ٧٤.

(٤) فروع الكافى ( الجزء الخامس من الطبعة الحديثة ) : ٧٤ و ٧٥.

(٥) فروع الكافى ( الجزء الخامس من الطبعة الحديثة ) : ٧٥. وفيه : فلم يغادر.

(٦) لم نظفر به في المصدر.

٥٨

١٢ ـ نهج : مدحه عليه‌السلام قوم في وجهه فقال : اللهم إنك [ أنت ] أعلم بي من نفسي وأنا أعلم بنفسي منهم ، اللهم اجعلنا خيرا مما يظنون ، واغفرلنا مالا يعلمون ، وقال عليه‌السلام وقدرئي عليه إزار خلق مرقوع فقيل له في ذلك فقال : يخشع له القلب ، وتذل به النفس ويقتدي به المؤمنون (١).

١٠٦

( باب )

* ( مهابته وشجاعته ، والاستدلال بسابقته في الجهاد ) *

على امامته وفيه بعض نوادر غزواته

١ ـ قب : اجتمعت الامة ووافق الكتاب والسنة أن لله خيرة من خلقه ، وأن خيرته من خلقه المتقون ، قوله : « إن أكرمكم عند الله أتقاكم (٢) » وأن خيرته من المتقين المجاهدون ، قوله : « فضل الله المجاهدين بأموالهم وأنفسهم على القاعدين درجة (٣) » وأن خيرته من المجاهدين السابقون إلى الجهاد ، قوله : « لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل (٤) » الآية ، وأن خيرته من المجاهدين [ السابقين ] أكثرهم عملا في الجهاد ، واجتمعت الامة على أن السابقين إلى الجهاد هم البدريون ، وأن خيرة البدريين علي ، فلم يزل القرآن يصدق بعضه بعضا باجماعهم ، حتى دلوا بأن عليا خيرة هذه الامة بعد نبيها.

العلوي البصري :

ولويستوي بالنهوض الجلوس

لما بين الله فضل الجهاد

____________________

(١) نهج البلاغة ( عبده ط مصر ) ٢ : ١٦٤ و ١٦٥.

(٢) سورة الحجرات : ١٣.

(٣) النساء : ٩٥.

(٤) الحديد : ١٠.

٥٩

قوله تعالى : « يا أيها النبي جاهد الكفار والمنافقين (١) » فجاهد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله الكفار في حياته ، وأمر عليا بجهاد المنافقين ، قوله : « تقاتل الناكثين والقاسطين والمارقين » وحديث خاصف النعل ، وحديث كلاب الحوأب ، وحديث « تقتلك الفئة الباغية » وحديث ذي الثدية وغير ذلك ، وهذا من صفات الخلفاء ، ولا يعارض ذلك بقتال أهل الردة ، لان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله كان أمر عليا بقتال هؤلاء بإجماع أهل الاثر وحكم المسمين أهل الردة لا يخفى على منصف.

المعروفون بالجهاد علي وحمزة وجعفر وعبيدة بن الحارث والزبير وطلحة وأبودجانة وسعد بن أبي وقاص والبراء بن عازب وسعد بن معاذ ومحمد بن مسلمة وقد اجتمعت الامة على أن هؤلاء لا يقاس بعلي في شوكته وكثرة جهاده ، فأما أبوبكر وعمر فقد تصفحنا كتب المغازي فما وجدنا لهما فيه أثرا البتة ، وقد اجتمعت الامة أن عليا كان المجاهد في سبيل الله ، والكاشف الكرب عن وجه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله،المقدم في سائرالغزوات إذا لم يحضر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله،وإذا حضر فهو تاليه والصاحب للراية (٢) واللواء معا ، وما كان قط تحت لواء أحد ، ولا فر من زحف وإنهما فرا في غير موضع ، وكانا تحت لواء جماعة.

واستدل أصحابنا بقوله : « ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر وجاهد في سبيل الله (٣) » أن المعني بها أمير المؤمنين عليه‌السلام لانه كان جامعا لهذه الخصال بالاتفاق ، ولا قطع على كون

____________________

(١) سورة التوبة : ٧٣. التحريم : ٩.

(٢) في المصدر : وصاحب الراية.

(٣) كذا في النسخ والصمدر وهو سهو ، والاية كذلك : « ليس البران تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكن البر من آمن بالله واليوم الاخر والملائكة والكتاب والنبيين وآتى المال على حبه ذوى القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل والسائلين وفي الرقاب وأقام الصلوة وآتى الزكوة والموفون بعهدهم اذا عاهدوا والصابرين في البأساء والضراء وحين البأس اولئك الذين صدقوا واولئك هم المتقون » سورة البقرة : ١٧٧.

٦٠