بحار الأنوار

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي

بحار الأنوار

المؤلف:

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي


الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: مؤسسة الوفاء
الطبعة: ٢
الصفحات: ٣٧١
  الجزء ١   الجزء ٢   الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠ الجزء ٢١ الجزء ٢٢ الجزء ٢٣ الجزء ٢٤ الجزء ٢٥ الجزء ٢٦ الجزء ٢٧ الجزء ٢٨ الجزء ٢٩ الجزء ٣٠ الجزء ٣١ الجزء ٣٥ الجزء ٣٦ الجزء ٣٧ الجزء ٣٨ الجزء ٣٩ الجزء ٤٠ الجزء ٤١ الجزء ٤٢ الجزء ٤٣ الجزء ٤٤ الجزء ٤٥ الجزء ٤٦ الجزء ٤٧ الجزء ٤٨ الجزء ٤٩ الجزء ٥٠ الجزء ٥١ الجزء ٥٢ الجزء ٥٣ الجزء ٥٤ الجزء ٥٥ الجزء ٥٦ الجزء ٥٧ الجزء ٥٨ الجزء ٥٩ الجزء ٦٠ الجزء ٦١   الجزء ٦٢ الجزء ٦٣ الجزء ٦٤ الجزء ٦٥ الجزء ٦٦ الجزء ٦٧ الجزء ٦٨ الجزء ٦٩ الجزء ٧٠ الجزء ٧١ الجزء ٧٢ الجزء ٧٣ الجزء ٧٤ الجزء ٧٥ الجزء ٧٦ الجزء ٧٧ الجزء ٧٨ الجزء ٧٩ الجزء ٨٠ الجزء ٨١ الجزء ٨٢ الجزء ٨٣ الجزء ٨٤ الجزء ٨٥ الجزء ٨٦ الجزء ٨٧ الجزء ٨٨ الجزء ٨٩ الجزء ٩٠ الجزء ٩١ الجزء ٩٢ الجزء ٩٣ الجزء ٩٤   الجزء ٩٥ الجزء ٩٦   الجزء ٩٧ الجزء ٩٨ الجزء ٩٩ الجزء ١٠٠ الجزء ١٠١ الجزء ١٠٢ الجزء ١٠٣ الجزء ١٠٤

٩٩

( باب )

* ( يقينه صلوات الله عليه ، وصبره على المكاره وشدة ابتلائه ) *

١ ـ يد : أبي ، عن سعد ، عن ابن أبي الخطاب ، عن جعفر بن بشير ، عن العزرمي عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : كان لعلي عليه‌السلام غلام اسمه قنبر ، وكان يحب عليا حبا شديدا ، فاذا خرج علي خرج على أثره بالسيف ، فرآه ذات ليلة فقال (١) : يا قنبر مالك؟ قال : جئت لامشي خلفك ، فان الناس كما تراهم يا أميرالمؤمنين : فخفت عليك ، قال : ويحك أمن أهل السماء تحرسني أم من أهل الارض؟ قال : لابل من أهل الارض، قال: إن أهل الارض لا يستطيعون بي شيئا إلا بإذن الله عزوجل من السماء ، فارجع فرجع (٢).

٢ ـ يد : القطان ، عن ابن زكريا ، عن ابن حبيب ، عن علي بن زياد ، عن مروان بن معاوية ، عن الاعمش ، عن أبي حيان التيمي (٣) ، عن أبيه ـ وكان مع علي عليه‌السلام يوم صفين وفيما بعد ذلك ـ قال : بينما علي بن أبي طالب عليه‌السلام يعبئ (٤) الكتائب يوم صفين ومعاوية مستقبله على فرس له يتأكل (٥) تحته تأكلا وعلي عليه‌السلام على فرس رسول الله (ص) المرتجز وبيده حربة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وهو متقلد سيفه ذاالفقار ، فقال رجل من أصحابه : احترس يا أمير المؤمنين فإنا نخشى أن يغتالك (٦) هذا الملعون ، فقال علي عليه‌السلام : لئن قلت ذاك إنه غير

____________________

(١) في المصدر : فقال له.

(٢) التوحيد : ٣٥٠.

(٣) عن ابن حيان التميمى خ ل.

(٤) أى يهيئ.

(٥) أى يكاد يسقط.

(٦) في المصدر : أن يقاتلك.

١

مأمون على دينه ، وإنه لاشقى القاسطين وألعن الخارجين على الائمة المهتدين ولكن كفى بالاجل حارسا ، ليس أحد من الناس إلا ومعه ملائكة حفظة يحفظونه من أن يتردى في بئر ، أو يقع عليه حائط ، أو يصيبه سوء ، فإذا حان؟ أجله خلوا بينه وبين ما يصيبه ، فكذلك (١) أنا إذا حان أجلي انبعث أشقاها فخضب هذه من هذا وأشار إلى لحيته ورأسه ـ عهدا معهودا ووعدا غير مكذوب ; والحديث طويل أخذنا منه موضع الحاجة (٢).

٣ ـ يد : الوراق وابن المغيرة (٣) معا ، عن سعد ، عن النهدي ، عن ابن علوان ، عن عمرو بن ثابت ، عن ابن طريف ، عن ابن نباتة قال : إن أمير المؤمنين عليه‌السلام عدل من عند حائط مائل إلى حائط آخر ، فقيل له : يا أمير المؤمنين تفر من قضاء الله قال (٤) : أفر من قضاء الله إلى قدر الله عزوجل (٥).

بيان : لعل المعنى أن فراري أيضا مما قدره الله تعالى ، فلا ينافي الاحتراز عن المكاره ، الايمان بقضائه تعالى ، وقد مر توضيحه في كتاب العدل.

٤ ـ قب : كان أمير المؤمنين عليه‌السلام يطوف بين الصفين بصفين في غلالة (٦) ، فقال الحسن عليه‌السلام : ما هذا زي الحرب ، فقال : يا بني إن أباك لا يبالى وقع على الموت أو وقع الموت عليه.

وكان عليه‌السلام يقول : ما ينتظر أشقاها أن يخضبها من فوقها بدم ، ولما ضربه ابن ملجم قال : فزت ورب الكعبة ، فقد قال الله تعالى : « قل يا أيها الذين هادوا إن زعمتم أنكم أولياء (٧) » الآية ومن صبره ما قال الله تعالى فيه : « الصابرين و

____________________

(١) في المصدر : وكذلك.

(٢) التوحيد : ٣٧٦

(٣) في ( م ) وفى نسخة من المصدر : وابن مقبرة.

(٤) في المصدر : أتفر من قضاء الله؟ فقال.

(٥) التوحيد : ٣٧٧.

(٦) بكسر أوله : شعار يلبس تحت الثوب أو تحت الدرع.

(٧) سورة الجمعة : ٦.

٢

الصادقين والقانتين والمنفقين والمستغفرين بالاسحار (١) ». والدليل على أنها نزلت فيه أنه قام الاجماع على صبره مع النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله في شدائده من صغره إلى كبره وبعد وفاته ، وقد ذكر الله تعالى صفة الصابرين في قوله : « والصابرين في البأساء والضراء وحين البأس اولئك الذين صدقوا » (٢)! وهذا صفته بلاشك.

مجمع البيان وتفسير علي بن إبراهيم وأبان بن عثمان : أنه أصاب عليا عليه‌السلام يوم أحد ستون جراحة.

تفسير القشيري قال أنس بن مالك:أنه اتي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بعلي عليه‌السلام وعليه نيف وستون جراحة ، قال أبان : أمر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أم سليم وأم عطية أن تداوياه فقالتا : قد خفنا عليه ، فدخل النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله والمسلمون يعودونه وهو قرحة واحدة فجعل النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله يمسحه بيده ويقول : إن رجلا لقي هذا في الله لقد أبلى (٣) أعذر ، فكان يلتئم ، فقال علي عليه‌السلام : الحمدلله الذي جعلني لم أفر ولم اولي الدبر فشكر الله تعالى له ذلك في موضعين من القرآن ، وهو قوله تعالى « سيجزي الله الشاكرين (٤) » « وسنجزي الشاكرين (٥) ».

سعيد بن جبير عن ابن عباس في قوله تعالى. « أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئا وسيجزي الله الشاكرين (٦) » يعني بالشاكرين صاحبك علي بن أبي طالب عليه‌السلام ، والمرتدين على أعقابهم الذين ارتدوا عنه.

سفيان الثوري ، عن منصور ، عن إبراهيم ، عن علقمة ، عن ابن مسعود في قوله

____________________

(١) سورة آل عمران : ١٧.

(٢) سورة البقرة : ١٧٧.

(٣) أبلى فلانا عذره : قدمه له فقبله. أبلى في الحرب بلاء حسنا : أظهر فيها بأسه حتى بلاه الناس وامتحنوه.

(٤ و ٦) سورة آل عمران ١٤٤.

(٥) سورة آل عمران : ١٤٥.

٣

تعالى : « إني جزيتهم اليوم بما صبروا (١) » يعني صبر علي بن أبي طالب وفاطمة والحسن والحسين عليهم‌السلام في الدنيا على الطاعات وعلى الجوع وعلى الفقر ، وصبروا على البلاء لله في الدنيا«أنهم هم الفائزون(٢)» وقال علي بن عبدالله بن عباس: «وتواصوابالصبر(٣)» علي بن بن أبي طالب عليه‌السلام ولمانعى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله عليا بحال جعفر في غزوة مؤتة (٤) قال : « إنا لله وإنا إليه راجعون » فأنزل الله عزوجل : « الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون أولئك عليهم صلوات (٥) » الآية.

وقال رجل : إني والله لا حبك في الله تعالى ، فقال : إن كنت تحبني فأعد للفقر نجفافا أو جلبابا (٦). قال أبوعبيدة وتغلب (٧) : أي استعد جلبابا من العمل الصالح والتقوى ، يكون لك جنة من الفقر ، يوم القيامة ، وقال آخرون : أي فليرفض الدنيا وليزهد فيها وليصبر على الفقر ، يدل عليه قول أمير المؤمنين عليه‌السلام : ومالي لا أرى منهم سيماء الشيعة؟ قيل : وما سيماء الشيعة يا أمير المؤمنين؟ قال : خمص البطون من الطوى ، يبس الشفاه من الظماء ، عمش العيون من البكاء.

في مسند أبي يعلى واعتقاد الاشنهي ومجموع أبي العلاء الهمداني عن أنس وأبي برزة وأبي رافع ، وفي إبانة ابن بطة من ثلاثة طرق أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله خرج يتمشى إلى قبا ، فمر بحديقة فقال علي عليه‌السلام : ما أحسن هذه الحديقة! فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : حديقتك يا علي في الجنة أحسن منها. حتى مر بسبع حدائق على

____________________

(١ و ٢) سورة المؤمنون : ١١١.

(٣) سورة العصر : ٣

(٤) في المصدر « في أرض مؤتة » وهى اسم قرية بالشام على اثنى عشر ميلا من اذرخ ، بها قبر جعفر بن أبي طالب وزيد بن أبي حارثة وعبدالله بن رواحة ، على كل قبر منها بناء منفرد.

( مراصد الاطلاع ٣ : ١٣٣٠ )

(٥) سورة البقرة : ١٥٦.

(٦) التجفاف ـ بالفتح والكسر ـ : آلة للحرب يتقى بها كالدرع ، والجلباب : القميص او الثوب الواسع.

(٧) كذا في النسخ ، والصحيح « ثعلب ».

٤

ذلك ، ثم أهوى إليه فاعتنقه ، فبكى وبكى علي عليه‌السلام ثم قال علي عليه‌السلام : مالذي أبكاك يا رسول الله؟ قال : أبكي لضغائن في صدور قوم لن تبدو لك إلا من بعدي ، قال : يا رسول الله كيف أصنع؟ قال : تصبر فإن لم تصبر تلق جهدا وشدة ، قال : يا رسول الله أتخاف فيها هلاك ديني؟ قال : بل فيها حياة دينك.

وقال أمير المؤمنين عليه‌السلام : ما رأيت منذ بعث الله محمدا رخاء ـ فالحمد لله ـ ولقد خفت صغيرا وجاهدت كبيرا اقاتل المشركين واعادي المنافقين ، حتى قبض الله نبيه ، فكانت الطامة الكبرى ، فلم أزل محاذرا وجلا أحاف أن يكون مالا يسعني فيه المقام ، فلم أر بحمدالله إلا خير ، حتى مات عمر ، فكانت أشياء ففعل الله ما شاء ، ثم أصيب فلان ، فما زلت بعد فيما ترون دائبا أضرب بسيفي صبيا حتى كنت شيخا ، الخبر.

عمرو بن حريث في حديثه : قال أمير المؤمنين عليه‌السلام : كنت أحسب أن الامراء يظلمون الناس ، فإذا الناس يظلمون الامراء.

أبوالفتح الحفار باسناده أن عليا عليه‌السلام قال : ما زلت مظلوما منذ كنت قيل له : عرفنا ظلمك في كبرك فما ظلمك في صغرك؟ فد كرأن عقيلا كان به رمد ، فكان لا يذر هما حتى يبدؤوا بي (١).

٥ ـ قب : أبومعاوية الضرير ، عن الاعمش ، عن سمي ، عن أبي صالح ، عن أبي هريرة وابن عباس في قوله تعالى : « فما يكذبك بعد بالدين (٢) » يقول : يا محمد لا يكذبك علي بن أبي طالب عليه‌السلام بعد ما آمن بالحساب.

وقال أمير المؤمنين عليه‌السلام في مقامات كثيرة : أنا باب المقام ، وحجة الخصام ودابة الارض ، وصاحب العصا ، وفاصل القضاء ، وسفينة النجاة ، من ركبها نجاومن تخلف عنها غرق.

وقال أيضا : أنا شجرة الندى ، وحجاب الورى ، وصاحب الدنيا ، وحجة

____________________

(١) مناقب آل أبى طالب ١ : ٣٢٠ ـ ٣٢٣.

(٢) سورة التين : ٧.

٥

الانبياء ، واللسان المبين ، والحبل المتين ، والنبأ العظيم الذي عنه تعرضون وعنه تسألون وفيه تختلفون.

وقال عليه‌السلام : فوعزتك وجلالك وعلو مكانك في عظمتك وقدرتك ماهبت عدوا ولا تملقت وليا ، ولا شكرت على النعماء أحدا سواك.

وفي مناجاته : اللهم إني عبدك وليك ، اخترتني وارتضيتني ورفعتني ، وكرمتني بما أورثتني من مقام أصفيائك وخلافة أوليائك ، وأعنيتني وأفقرت الناس في دينهم ودنياهم إلي ، وأعززتني وأذللت العباد إلي ، وأسكنت قلبي نورك ، ولم تحوجني إلى غيرك ، وأنعمت علي وأنعمت بي ، ولم تجعل منة علي لاحد سواك ، وأقمتني لاحياء حقك والشهادة على خلقك ، وأن لا أرضى ولا أسخط إلا لرضاك وسخطك ، ولا أقول إلا حقا ، ولا أنطلق إلا صدقا ، فانظر إلى جسارته على الحق ، وخذلان جماعة كما تكلموا بما روي عنهم في حلية الاولياء وغريب الحديث وغيرهما (١).

٦ ـ كا : علي ، عن ابن أبي عمير ، عن زيد الشحام ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام أن أمير المؤمنين عليه‌السلام جلس إلى حائط مائل يقضي بين الناس ، فقال بعضهم : لا تقعد تحت هذا الحائط فإنه معور ، فقال أمير المؤمنين عليه‌السلام : حرس امرءا أجله (٢). فلما قام أمير المؤمنين عليه اسلام سقط الحائط ، قال : وكان أمير المؤمنين عليه‌السلام مما يفعل هذا وأشباهه ، وهذا اليقين (٣).

٧ ـ كا : محمد بن يحيى ، عن ابن عيسى ، عن الوشاء ، عن عبدالله بن سنان ، عن أبي حمزة ، عن سعيد بن قيس الهمداني قال : نظرت يوما في الحرب إلى رجل

____________________

(١) مناقب آل أبى طالب ١ : ٣٢٠

(٢) « امرءا » مفعول « حرس » و « أجله » فاعله وهذا مما استعمل فيه النكرة في سياق الاثبات للعموم ، أى حرس كل امرئ أجله ، ويشكل هذا لانه يدل على جواز إلقاء النفس إلى التهلكة وعدم وجوب الفرار عما يظن عنه الهلاك ، والمشهور عند الاصحاب خلافه ، ويمكن أن يجاب عنه بوجوه ، راجع مرآة : العقول ٢ : ٨٣.

(٣) اصول الكافى ( الجزء الثانى من الطبعة الحديثة ) : ٥٨.

٦

عليه ثوبان ، فحركت فرسي فإذا هو أمير المؤمنين عليه‌السلام فقلت : يا أمير المؤمنين في مثل هذا الموضع؟ فقال : نعم يا سعيد بن قيس ، إنه ليس من عبد إلا وله من الله عزوجل حافظ وواقية ، معه ملكان يحفظانه من أن يسقط من رأس جبل أو يقع في بئر ، فإذا نزل القضاء خليا بينه وبين كل شئ (١).

٨ ـ نهج : قال أمير المؤمنين عليه‌السلام : لما أنزل الله سبحانه قوله : « ألم أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون (٢) » علمت أن الفتنة لا تنزل بنا ورسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بين أظهرنا ، فقلت : يا رسول الله ما هذه الفتنة التي أخبرك الله تعالى بها؟ فقال : يا علي إن أمتي سيفتنون من بعدي ، فقلت : يا رسول الله أوليس قد قلت لي يوم أحد حيث استشهد من استشهد من المسلمين واخرت (٣) عني الشهادة فشق ذلك علي فقلت لي : ابشر فإن الشهادة من ورائك؟ فقال لي : إن ذلك لذلك ، فكيف صبرك إذا؟ فقلت : يا رسول الله ليس هذا من مواطن الصبر ولكن من مواطن البشرى والشكر (٤).

٩ ـ ن : المفسر باسناده إلى أبي محمد العسكري عن آبائه عليهم‌السلام قال : قيل لامير المؤمنين عليه‌السلام : ما الاستعداد للموت؟ قال : أداء الفرائض ، واجتناب المحارم والاشتمال على المكارم ، ثم لا يبالي إن وقع على الموت أووقع الموت عليه ، والله ما يبالي ابن أبي طالب إن وقع على الموت أووقع الموت عليه (٥).

____________________

(١) اصول الكافى ( الجزء الثانى من الطبعة الحديثة ) : ٥٨ و ٥٩.

(٢) سورة العنكبوت : ٢.

(٣) في المصدر « وحيزت » أى منعت.

(٤) نهج البلاغة ( عبده ط مصر ) ١ : ٣٠٣ و ٣٠٤.

(٥) عيون الاخبار : ١٦٥.

٧

١٠٠

( باب )

* ( تنمره في ذات الله وتركه المداهنة في دين الله ) *

١ ـ قب : في الصحيحين والتاريخين والمسندين وأكثر التفاسير أن سارة مولاة أبي عمرو بن صيفي بن هشام أتت النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله من مكة مسترفدة ، فأمر بني عبدالمطلب بإسدانها (١) فأعطاها حاطب ابن أبي بلتعة عشرة دنانير على أن تحمل كتابا بخبر وفود النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله إلى مكة ،وكان صلى‌الله‌عليه‌وآله إسرذلك ليدخل عليهم بغتة فأخذت الكتاب وأخفته في شعرها وذهبت ، فأتى جبرئيل عليه‌السلام وقص القصة على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فأنفذ عليا والزبير ومقدادا وعمارا وعمر وطلحة وأبا مرثد خلفها فأدركوها بروضة خاخ يطالبونها بالكتاب ، فأنكرت وما وجدوا معها كتابا فهموا بالرجوع ، فقال علي عليه‌السلام : والله ما كذبنا ولا كذبنا ، وسل سيفه وقال : أخرجي الكتاب وإلا والله لاضربن عنقك ، فأخرجته من عقيصتها ، فأخذ أمير المؤمنين عليه‌السلام الكتاب وجاء النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فدعا بحاطب بن أبي بلتعة وقال له : ما حملك على ما فعلت؟ قال : كنت رجلا عزيزا في أهل مكة ـ أي غريبا ساكنا بجوارهم ـ فأحببت أن أتخذ عندهم بكتابي إليهم مودة ، ليدفعوا عن أهلي بذلك ، فنزل قوله : « يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أو لياء تلقون إليهم بالمودة (٢) » قال السدي ومجاهد في تفسيرهما عن ابن عباس « لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء تلقون إليهم بالمودة » بالكتاب والنصيحة لهم « وقد كفروا بما جاءكم » أيها المسلمون « من الحق » يعني الرسول والكتاب « يخرجون الرسول » يعني محمدا « وإياكم » يعني وهم أخرجوا أمير المؤمنين « أن تؤمنوا بالله ربكم » وكان النبي وعلي صلى الله عليه عليهما وحاطب ممن اخرج من مكة ، فخلاه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لايمانه

____________________

(١) سدن : خدم.

(٢) سورة الممتحنة : ١.

٨

« إن كنتم خرجتم جهادا في سبيلي وابتغاء مرضاتي » أيها المؤمنون « تسرون إليهم بالمودة » تخفون إليهم بالكتاب بخبر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وتتخذون عندهم النصيحة و « أنا أعلم بما أخفيتم » من إخفاء الكتاب الذي كان معها « وما أعلنتم » وما قاله أمير المؤمنين عليه‌السلام للزبير : والله لا صدقت المرأة أن ليس معها كتاب بل الله أصدق ورسوله ، فأخذه منها ، ثم قال : « ومن يفعله منكم » عند أهل مكة بالكتاب « فقد ضل سواء السبيل ».

وقد اشتهر عنه عليه‌السلام قوله : أنا فقأت عين الفتنة ، ولم يكن ليفقأها غيري.

وأخذ عليه‌السلام رجلا من بني أسد في حد ، فاجتمعوا قومه ليكلموا فيه ، وطلبوا إلى الحسن عليه‌السلام أن يصحبهم ، فقال : ائتوه فهو أعلى بكم عينا ، فدخلوا عليه وسألوه ، فقال : لا تسألوني شيئا أملكه إلا أعطيتكم ، فخرجوا يرون أنهم قد أنجحوا فسألهم الحسن عليه‌السلام فقالوا : أتينا خير مأتي ، وحكوا له قوله ، فقال : ما كنتم فاعلين إذا جلد صاحبكم؟ فأصغوه ، فأخرجه علي عليه‌السلام فحده ، ثم قال : هذا والله لست أملكه (١).

بيان : قال الجزري : فيه « أعلابهم عينا » أي أبصربهم وأعلم بحالهم (٢) ، وأصغى الشئ : نقصه.

٢ ـ قب : وبلغ معاوية أن النجاشي هجاه ، فدس قوما شهدوا عليه عند علي عليه‌السلام أنه شرب الخمر ، فأخذه علي فحده ، فغضب جماعة على علي عليه‌السلام في ذلك. منهم طارق بن عبدالله النهدي ، فقال : يا أمير المؤمنين ما كنا نرى أن أهل المعصية والطاعة وأهل الفرقة والجماعة عند ولاة العقل ومعادن الفضل سيان في الجزاء حتى ما كان من صنيعك بأخي الحارث ـ يعني النجاشي ـ فأوغرت صدرونا (٣) وشتت امورنا ، وحملتنا على الجادة التي كنا نرى أن سبيل من ركبها النار ،

____________________

(١) مناقب آل أبى طالب ١ : ٣٣٨.

(٢) النهاية ٣ : ١٢٦.

(٣) أوغر صدره : أوقده من الغيظ.

٩

فقال علي عليه‌السلام « إنها لكبيرة إلا على الخاشعين » يا أخا بني نهدهل هو إلا رجل من المسلمين انتهك حرمة من حرمة الله فأقمنا عليه حدها زكاة له وتطهيرا؟ يا أخا بني نهد إنه من أتى حد افاليم (١) كان كفارته ، يا أخا بني نهد إن الله عزوجل يقول في كتابه العظيم : « ولا يجر منكم شنآن قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى (٢) » فخرج طارق والنجاشي معه إلى معاوية ، ويقال : إنه رجع (٣).

٣ ـ قب : الحسن الحسيني في كتاب النسب أنه رأى أمير المؤمنين علي عليه‌السلام يوم بدر عقيلا في قيد فصد عنه ، فصاح به : يا علي أما والله لقد رأيت مكاني ولكن عمدا تصدعني ، فأتى علي إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وقال : يا رسول الله هل لك في أبي يزيد مشدودة يداه إلى عنقه بنسعة (٤)؟ فقال : انطلق بنا إليه.

قوت القلوب : قيل لعلي بن أبي طالب عليه‌السلام : إنك خالفت فلانا في كذا ، فقال : خيرنا أتبعنا لهذا الدين (٥).

وقصد علي عليه‌السلام دار أم هانئ متقنعا بالحديد يوم الفتح ، وقد بلغه أنها آوت الحارث بن هشام وقيس بن السائب وناسا من بني مخزوم ، فنادى : أخرجوا من آويتم ، فيجعلون يذرقون (٦) كما يذرق الحبارى خوفا منه ، فخرجت إليه أم هانئ وهي لا تعرفه ، فقالت : يا عبدالله أنا أم هانئ بنت عم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله واخت أمير المؤمنين ، انصرف عن داري ، فقال عليه‌السلام : أخرجوهم ، فقالت : والله لاشكونك إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فنزع المغفر عن رأسه فعرفته ، فجاءت تشتد حتى التزمته ، فقالت : فديتك حلفت لاشكونك إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقال لها : اذهبي فبري

____________________

(١) أى حصل له ألم ووجع لاجل الحد وفي المصدر : فأقيم.

(٢) سورة المائدة : ٨.

(٣) مناقب آل ابى طالب ١ : ٣٤٠ و ٣٤١.

(٤) النسع : سير أو حبل عريض طويل تشد به الرحال. والقطعة منه « النسعة ».

(٥) مناقب آل ابى طالب ١ : ٣٤٠.

(٦) في المصدر : فجعلوا يذرقون. وذرق الطائر : رمى بسلحه.

١٠

قسمك فإنه بأعلى الوادي ، فأتت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فقال لها : إنما جئت يا أم هانئ تشكين عليا فإنه أخاف أعداء الله وأعداء رسوله ، شكر الله لعلي سعيه ، وأجرت من أجارت أم هانئ لمكانها من علي بن أبي طالب عليه‌السلام (١).

١٠١

( باب )

* ( عبادته وخوفه عليه‌السلام ) *

١ ـ لى : عبدالله بن النضر التميمي ، عن جعفر بن محمد المكي ، عن عبدالله ابن إسحاق المدائني ، عن محمد بن زياد ، عن مغيرة ، عن سفيان ، عن هشام بن عروة عن أبيه عروة بن الزبير قال : كنا جلوسا في مجلس في مسجد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فتذاكرنا أعمال أهل بدر وبيعة الرضوان ، فقال أبوالدرداء : يا قوم ألا اخبركم بأقل القوم مالا وأكثرهم ورعا وأشدهم اجتهادا في العبادة؟ قالوا : من؟ قال : أمير المؤمنين علي ابن أبي طالب عليه‌السلام ، قال : فوالله إن كان في جماعة أهل المجلس إلا معرض عنه بوجهه ثم انتدب له رجل من الانصار فقال له : يا عويمر لقد تكلمت بكلمة ما وافقك عليها أحد منذ أتيت بها ، فقال أبوالدرداء : يا قوم إني قائل ما رأيت وليقل كل قوم منكم مارأوا ، شهدت علي بن أبي طالب بشويحطات النجار ، وقد اعتزل عن مواليه واختفى ممن يليه واستتر بمغيلات النخل ، فافتقدته وبعد على مكانه ، فقلت : لحق بمنزله ، فاذا أنا بصوت حزين ونغمة شجي وهو يقول : « إلهي كم من موقبة حلمت عن مقابلتها بنقمتك (٢) ، وكم من جريرة تكرمت عن كشفها بكرمك ، إلهي إن طال في عصيانك عمري وعظم في الصحف ذنبي فما أنا مؤمل غير غفرانك ، ولا أنا براج غير رضوانك » فشغلني الصوت واقتفيت الاثر ، فإذا هو علي بن أبي طالب عليه‌السلام

____________________

(١) مناقب آل ابى طالب ١ : ٦٣٨.

(٢) في المصدر : كم من موقبة حملت عنى فقابلتها بنعمتك.

١١

بعينه ، فاستترت له وأخملت الحركة ، فركع ركعات في جوف الليل الغابر ، ثم فرغ إلى الدعاء والبكاء والبث والشكوى ، فكان مما به الله ناجاه أن قال : « إلهي أفكر في عفوك فتهون علي خطيئتي ، ثم أذكر العظيم من أخذك فتعظم علي بليتي » ثم قال : « آه إن أنا قرأت في الصحف سيئة أنا ناسيها وأنت محصيها ، فتقول : خذوه ، فياله من مأخوذ لا تنجيه عشريته ، ولا تنفعه قبيلته ، يرحمه الملا إذا أذن فيه بالنداء » ثم قال : « آه من نار تنضج الاكباد والكلى (١) ، آه من نار نزاعة للشوى ، آه من غمرة من ملهبات (٢) لظى ».

قال : ثم أنعم (٣) في البكاء فلم أسمع له حسا ولا حركة ، فقلت : غلب عليه النوم لطول السهر ، اوقظه لصلاة الفجر ، قال أبوالدرداء : فأتيته فإذا هو كالخشبة الملقاة ، فحركته فلم يتحرك ، وزويته فلم ينزو ، فقلت : « إنالله وإنا إليه راجعون » مات والله علي بن أبي طالب قال : فأتيت منزله مبادرا أنعاه إليهم ، فقالت فاطمة عليها‌السلام : يا أبا الدرداء ماكان من شأنه ومن قصته؟ فأخبرتها الخبر ، فقالت : هي والله يا أبا الدرداء الغشية التي تأخذه من خشية الله ، ثم أتوه بماء فنضحوه على وجهه فأفاق ، ونظر إلي وأنا أبكي ، فقال : مما بكاؤك يا أبا الدرداء؟ فقلت : مما أراه تنزله بنفسك ، فقال : يا أبا الدرداء فكيف ولو رأيتني ودعي بي إلى الحساب وأيقن أهل الجرائم بالعذاب. واحتوشتني ملائكة غلاظ وزبانية فظاظ ، فوقفت بين يدي الملك الجبار ، قد أسلمني الاحباء ورحمني أهل الدنيا ، لكنت أشد رحمة لي بين يدي من لا تخفى عليه خافية ، فقال أبوالدرداء : فوالله ما رأيت ذلك لاحد من أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله (٤).

بيان : انتدب له أي أجابه والشوحط : شجر يتخذ منه القسي ، والغيلة

____________________

(١) جمع الكلية.

(٢) في المصدر : من لهبات خ ل.

(٣) أنعم الرجل : أفضل وزاد. وفي المصدر : انغمر.

(٤) أمالى الصدوق : ٤٨ و ٤٩.

١٢

بالكسر : الشجر الكثير الملتف والمغيال : الشجرة الملتفة الافنان الوارقة الظلال وقد أغيل الشجر وتغيل واستغيل ، وفي بعض النسخ « ببعيلات النخل » جمع بعيل مصغر البعل ، وهو كل نخاع وشجر لا يسقى ، والذكر من النخل ، والغابر : الماضي والباقي. ضد.

٢ ـ ما : المفيد ، عن الجعابي ، عن ابن عقدة ، عن جعفر بن محمد بن مروان عن أبيه ، عن إبراهيم بن الحكم ، عن الحارث بن حصيرة ، عن عمران بن الحصين قال : كنت أنا وعمر بن الخطاب جالسين عند النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وعلي عليه‌السلام جالس إلى جنبه ، إذا قرأ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله « أمن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء ويجعلكم خلفاء الارضءإله مع الله قليلا ما تذكرون (١) » قال : فانتفض علي عليه‌السلام انتفاض العصفور ، فقال له النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : ما شأنك تجزع؟ فقال : ومالي لا أجزع والله يقول : إنه يجعلنا خلفاء الارض ، فقال له النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : لا تجزع والله لا يحبك إلا مؤمن ولا يبغضك إلا منافق (٢).

٣ ـ لى : سمع رجل من التابعين أنس بن مالك يقول : نزلت هذه الآية في علي بن أبي طالب عليه‌السلام « أمن هو قانت آناء الليل ساجدا وقائما يحذر الآخرة ويرجو رحمة ربه » (٣) قال الرجل : فأتيت عليا لانظر إلى عبادته ، فأشهد بالله لقد أتيته وقت المغرب فوجدته يصلي بأصحابه المغرب ، فلما فرغ منها جلس في التعقيب إلى أن قام إلى عشاء الآخرة ، ثم دخل منزله فدخلت معه ، فوجدته طول الليل يصلي ويقرأ القرآن إلى أن طلع الفجر ، ثم جدد وضوءة وخرج إلى المسجد وصلى بالناس صلاة الفجر ، ثم جلس في التعقيب إلى أن طلعت الشمس ، ثم قصده الناس فجعل يختصم إليه رجلان ، فإذا فرغا قاما واختصم آخرآن ، إلى أن قام إلى صلاة الظهر ، قال : فجدد لصلاة الظهر وضوء ثم صلى بأصحابه الظهر ، ثم قعد في

____________________

(١) سورة النمل : ٦٢.

(٢) أمالى الطوسى : ٤٧.

(٣) سورة الزمر : ٩.

١٣

التعقيب إلى أن صلى بهم العصر ، ثم أتاه الناس ، فجعل يقوم رجلان ويقعد آخران يقضي بينهم ويفتيهم إلى أن غابت الشمس ، فخرجت وأنا أقول : أشهد بالله أن هذه الآية نزلت فيه (١).

٤ ـ نهج : قال أمير المؤمنين عليه‌السلام : إن قوما عبدوا الله رغبة فتلك عبادة التجار ، وإن قوما عبدوا الله رهبة فتلك عبادة العبيد ، وإن قوما عبدوا الله شكرا فتلك عبادة الاحرار (٢).

أقول : قال ابن ميثم : أي لانه مستحق للعبادة.

وقال عليه‌السلام في موضع آخر : إلهي ما عبدتك خوفا من عقابك ولا طمعا في ثوابك ، ولكن وجدتك أهل للعبادة فعبدتك.

٥ ـ قب : ابن بطة في الابانة وأبوبكر بن عياش في الامالي ، عن أبي داود عن السبيعي ، عن عمران بن حصين قال : كنت عند النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وعلي إلى جنبه ، إذ قرأ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله هذه الآية « أمن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء ويجعلكم خلفاء الارض (٣) » قال : فارتعد علي عليه‌السلام فضرب النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله على كتفيه وقال : مالك يا علي قال : قرأت يا رسول الله هذه الآية فخشيت أن أبتلي بها ، فأصابني ما رأيت ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : لا يحبك إلا مؤمن ولا يبغضك إلا منافق إلى يوم القيامة (٤).

٦ ـ لى : ابن المتوكل ، عن محمد بن العطار ، عن ابن أبي الخطاب ، عن محمد بن سنان ، عن المفضل بن عمر ، عن يونس بن ظبيان ، عن سعد بن طريف ، عن الاصبغ بن نباتة قال : دخل ضرار بن ضمرة النهشلي على معاوية بن أبي سفيان فقال له : صف لي عليا ، قال : أو تعفيني ، فقال : لابل صفه لي ، قال ضرار : رحم الله عليا

____________________

(١) أمالى الصدوق : ١٦٩ و ١٧٠.

(٢) نهج البلاغة ( عبده ط مصر ) ٢ : ١٩٢.

(٣) سورة النمل : ٦٢.

(٤) مناقب آل ابى طالب ١ : ٣٠٩.

١٤

كان والله فينا كأحدنا ، يدنينا إذا أتيناه ، ويجيبنا إذا سألناه ، ويقربنا إذا زرناه لا يغلق له دوننا باب ، ولايحجبنا عنه حاجب ، ونحن والله مع تقريبه لنا وقربه منا لا نكلمه لهيبته. ولا نبتديه لعظمته ، فإذا تبسم فمن مثل اللؤلؤ المنظوم ، فقال معاوية : زدني في صفته ، فقال ضرار : رحم الله عليا كان والله طويل السهاد (١) قليل الرقاد ، يتلو كتاب الله آناء الليل وأطراف النهار ، ويجود لله بمهجته ، ويبوء إليه بعبرته ، لا تغلق له الستور ، ولايدخر عنا البدور ، ولا يستلين الاتكاء ولا يستخشن الجفاء ولو رأيته إذ مثل في محرابه وقد أرخى الليل سدوله وغارت نجومه وهو قابض على لحيته يتململ تململ السليم ويبكي بكاء الحزين وهو يقول : يا دنيا أبي تعرضت (٢) أم إلي تشوقت هيهات هيهات لا حاجة لي فيك أبنتك ثلاثا لارجعة لي عليك ، ثم يقول : واه واه لبعد السفر وقلة الزاد وخشونة الطريق ، قال : فبكى معاوية وقال : حسبك يا ضرار ، كذلك والله كان علي ، رحم الله أبا الحسن (٣).

بيان : البدور جمع البدرة. والسدول جمع السدل ، وهو الستر ، شبه ظلم الليل بالاستار المسدولة. وتململ : تقلب والسليم : من لدغته الحية.

أقول : سيأتي في مكارم أخلاق علي بن الحسين عن الباقر عليهم‌السلام أنه قال : كان علي بن الحسين عليهما‌السلام يصلي في اليوم والليلة ألف ركعة كما كان يفعل أمير المؤمنين عليه‌السلام ، كان له خمسمائة نخلة ، فكان يصلي عند كل نخلة ركعتين.

٧ ـ ب : الطيالسي ، عن ابن بكير ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : كان علي عليه‌السلام قد اتخذ بيتا في داره ليس بالكبير ولا بالصغير ، وكان إذا أراد أن يصلي من آخر الليل أخذ معه صبيا لا يحتشم منه ، ثم يذهب معه إلى ذلك البيت فيصلي (٤).

٨ ـ يد : أبي ، عن سعد ، عن ابن عيسى ، عن البزنطي ، عن أبي الحسن

____________________

(١) سهد : أرق ولم ينم.

(٢) في المصدر و ( م ) : ألى تعرضت.

(٣) أمالى الصدوق : ٣٧١.

(٤) قرب الاسناد : ٧٥.

١٥

الموصلي ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : جاء حبر إلى أمير المؤمنين عليه‌السلام فقال : يا أمير المؤمنين هل رأيت ربك حين عبدته؟ فقال : ويلك ما كنت أعبد ربا لم أره ، قال : وكيف رأيته؟ قال : ويلك لا تدركه العيون في مشاهدة الابصار ، ولكن رأته القلوب بحقائق الايمان (١).

٩ ـ ل : أبي ، عن سعد ، عن أيوب بن نوح ، عن الربيع بن محمد المسلمي ، عن عبد الاعلى ، عن نوف قال : بت ليلة عند أمير المؤمنين عليه‌السلام فكان يصلي الليل كله ويخرج ساعة بعد ساعة فينظر إلى السماء ويتلو القران ، قال : فمر بي بعد هدء من الليل (٢) فقال : يانوف أراقد أنت أم رامق؟ قلت : بل رامق أرمقك ببصري يا أمير المؤمنين ، قال : يانوف طوبى للزاهدين في الدنيا الراغبين في الآخرة ، أولئك الذين اتخذوا الارض بساطا ، وترابها فراشا ، وماءها طيبا ، والقرآن دثارا ، والدعاء شعارا ، وقرضوا من الدنيا تقريضا على منهاج عيسى بن مريم ، إن الله عزوجل أوحى إلى عيسى بن مريم : قل للملاء من بني إسرائيل : لا يدخلوا بيتا من بيوتي إلا بقلوب طاهرة ، وأبصار خاشعة ، وأكف نقية ، وقل لهم : اعلموا أني غير مستجيب لاحد منكم دعوة ولاحد من خلقي قبله مظلمة ، الخبر (٣).

نهج : عن نوف مثله إلى قوله : عيسى بن مريم (٤).

١٠ ـ قب : الباقر عليه‌السلام في قوله تعالى : « إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات » قال : ذاك أمير المؤمنين وشيعته « فلهم أجر غير ممنون (٥) ».

محمد بن عبدالله بن الحسن عن آبائه ، والسدي عن أبي مالك عن ابن عباس ومحمد الباقر عليه‌السلام في قوله تعالى : « ومنهم سابق بالخيرات بإذن الله (٦) » والله لهو

____________________

(١) التوحيد : ٩٦ و ٩٧.

(٢) الهدء ـ بضم الهاء وفتحها ـ : الهزيع من الليل ، يقال « أتانا بعد هدء من الليل » أى هزيع وبعد ماهدا الناس أى ناموا.

(٣) الخصال ١ : ١٦٤.

(٤) نهج البلاغة ( عبده ط مصر ) ٢ : ١٦٥.

(٥) سورة التين : ٦.

(٦) سورة فاطر : ٣٢.

١٦

علي بن أبي طالب عليه‌السلام.

السدي وأبوصالح وابن شهاب عن ابن عباس في قوله تعالى : « ويبشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات (١) » قال : يبشر محمد بالجنة عليا وجعفر أو عقيلا وحمزة وفاطمة والحسن والحسين « الذين يعملون الصالحات » قال : الطاعات. قوله : « أم نجعل الذين آمنوا وعملوا الصالحات (٢) » علي وحمزة وعبيدة بن الحارث « كالمفسدين في الارض » عتبة وشيبة والوليد.

وكان يصوم النهار ويصلي بالليل ألف ركعة ، وعمر طريق مكة ، وصام مع النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله سبع سنين ، وبعده ثلاثين سنة ، وحج مع النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله عشر حجج ، وجاهد في أيامه الكفار وبعد وفاته البغاة ، وبسط الفتاوى ، وأنشأ العلوم ، وأحيا السنن ، وأمات البدع.

أبويعلى في المسند أنه قال : ما تركت صلاة الليل منذ سمعت قول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله صلاة الليل نور ، فقال ابن الكواء : ولا ليلة الهرير؟ قال : ولا ليلة الهرير.

إبانة العكبري : سليمان بن المغيرة عن أمه قالت : سألت أم سعيد سرية علي عن صلاه علي في شهر رمضان ، فقالت : رمضان وشوال سواء ، يحيي الليل كله.

وفي تفسير القشيري أنه كان عليه‌السلام إذا حضر وقت الصلاة تلون وتزلزل ، فقيل له : مالك؟ فيقول : جاء وقت أمانة عرضها الله تعالى على السماوات والارض والجبال فأبين أن يحملنها وحملها الانسان في ضعفي (٣) ، فلا أدري احسن إذا ما حملت أم لا.

وأخذ زين العابدين بعض صحف عباداته فقرأ فيها يسيرا ثم تركها من يده تضجرا وقال : من يقوى على عبادة علي بن أبي طالب عليه‌السلام؟.

أنس بن مالك قال : لما نزلت الآيات الخمس في طس « أم من جعل الارض

____________________

(١) سورة الاسراء : ٩. سورة الكهف : ٢.

(٢) سورة ص : ٢٨.

(٣) في ضعفه ظ.

١٧

قرارا (١) » انتفض علي انتفاض العصفور فقال له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : مالك يا علي؟ قال : عجبت يا رسول الله من كفرهم وحلم الله تعالى عنهم فمسحه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بيده ثم قال : ابشر فانه لا يبغضك مؤمن ولا يحبك منافق ، ولولا أنت لم يعرف حزب الله (٢).

١١ ـ كتاب البيان لابن شهر آشوب : وكيع والسدي عن ابن عباس : اهدي إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ناقتان عظيمتان ، فجعل إحداهما لمن يصلي ركعتين لايهم فيهما بشئ من أمر الدنيا ، ولم يجبه أحد سوى علي عليه‌السلام فأعطاه كلتيهما ] (٣).

١٢ ـ م : لقد أصبح رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يوما وقد غص مجلسه بأهله ، فقال : أيكم اليوم أنفق (٤) من ماله ابتغاء وجه الله؟ فسكتوا ، فقال علي عليه‌السلام : أنا خرجت ومعي دينار اريد أشتري به دقيقا (٥) فرأيت المقداد بن أسود وتبينت (٦) في وجهه أثر الجوع ، فناولته الدينار ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : وجبت ، ثم قام آخر فقال : قد أنفقت اليوم أكثر مما أنفق علي ، جهزت رجلا وامرأة يريدان طريقا ولا نفقة لهما ، فأعطيتهما ألف درهم (٧) فسكت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فقالوا : يا رسول الله مالك قلت لعلي : « وجبت » ولم تقل لهذا وهو أكثر صدقة؟ فقال رسول الله : أما رأيتم ملكا يهدي خادمه إليه (٨) هدية خفيفة فيحسن موقعها ويرفع محل صاحبها ، ويحمل إليه من عند خادم آخر هدية عظيمة فيردها ويستخف بباعثها؟ قالوا : بلى ، قال : فكذلك صاحبكم علي دفع دينارا منقادا لله سادا خلة فقير مؤمن ، وصاحبكم الآخر أعطى ما أعطى معاندة

____________________

(١) سورة النمل : ٦٠ ـ ٦٤.

(٢) مناقب آل ابى طالب ١ : ٣٢٣ ـ ٣٢٥.

(٣) مخطوط.

(٤) في المصدر : انفق اليوم.

(٥) كذا في النسخ والمصدر ، ولعله مصحف « رغقيفا ».

(٦) في المصدر : وبينت.

(٧) في المصدر : ألفى درهم.

(٨) في المصدر : خادم له إليه.

١٨

لاخي رسول الله (١) ، يريد به العلو على علي بن أبي طالب عليه‌السلام فأحبط الله عمله وصيره وبالا عليه ، أما لو تصدق بهذه النية من الثرى إلى العرش ذهبا أو لؤلؤا (٢) لم يزدد بذلك من رحمة الله إلا بعدا ، ولسخط الله تعالى إلا قربا ، وفيه ولوجا واقتحاما.

ثم قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : فأيكم اليوم دفع عن أخيه المؤمن بقوته (٣) قال علي عليه‌السلام : أنا مررت في طريق كذا ، فرأيت فقيرا من فقراء المؤمنين قد تناوله أسد فوضعه تحته وقعد عليه ، والرجل يستغيث بي من تحته ، فناديت الاسد : خل عن المؤمن ، فلم يخل ، فتقدمت إليه فركلته (٤) برجلي ، فدخلت رجلي في جنبه الايمن وخرجت من جنبه الايسر ، فخر الاسد صريعا ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : وجبت ، هكذا يفعل الله بكل من آذى ذلك وليا ، يسلط الله عليه في الآخرة سكاكين النار وسيوفها ، يبعج (٥) بها بطنه ويحشى نارا ، ثم يعاد خلقا جديدا أبد الآبدين ودهر الداهرين.

ثم قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : وأيكم اليوم نفع بجاهه أخاه المؤمن؟ فقال علي عليه‌السلام : أنا ، قال : صنعت ماذا؟ قال : مررت بعمار بن ياسر وقد لازمه بعض اليهود في ثلاثين درهما كانت له عليه ، فقال عمار : يا أخا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يلازمني (٦) ولا يريد إلا إيذائي وإذلالي لمحبتي لكم أهل البيت. فخلصني منه بجاهك ، فأردت أن اكلم له اليهودي فقال : يا أخا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أنا أجللك (٧) في قلبي وعيني ،.

____________________

(١) في المصدر : أعطى ما أعطى نظيرا له ومعاندة على أخى رسول الله.

(٢) في المصدر : ذهبا وفضة ولؤلؤا.

(٣) في المصدر : فايكم دفع اليوم عن أخيه المؤمن بقوته ضررا.

(٤) ركله : ضربه برجل واحدة يقال « ركل الفرس » اى ضربه برجله ليعدو (٥) بعج البطن : شقه.

(٦) في المصدر : هذا يلازمنى.

(٧) في المصدر : انك أجل. وفي ( خ ) و ( م ) : أنا اجلك.

١٩

من أن أبذلك (١) لهذا الكافر ولكن اشفع لي إلى من لا يردك عن طلبه ، فلو أردت جميع جوانب العالم أن يصيرها (٢) كأطراف السفرة لفعل ، فاسأله أن يعينني على أداء دينه ويغنيني عن الاستدانة ، فقلت : اللهم افعل ذلك به ثم قلت له : اضرب إلى مابين يديك من شئ حجرا أو مدرا ، فإن الله يقلبه لك ذهبا إبريزا ، فضرب يده فتناول حجرا فيه أمنان ، فتحول في يده ذهبا ، ثم أقبل على اليهودي فقال : وكم دينك؟ قال : ثلاثون درهما ، قال : فكم قيمتها من الذهب؟ قال : ثلاثة دنانير ، فقال عمار : اللهم بجاه من بجاهه قلبت هذا الحجر ذهبا لين لي هذا الذهب لافضل قدر حقه ، فألانه الله عزوجل له ، ففصل له ثلاثة مثاقيل وأعطاه ، ثم جعل ينظر إليه وقال : اللهم إني سمعتك تقول : « إن الانسان ليطغى أن رآه استغنى (٣) » ولا اريد غنى يطغيني ، اللهم فأعد هذا الذهب حجرا بجاه من بجاهه جعلته ذهبا بعد أن كان حجرا ، فعاد حجرا فرماه من يده وقال : حسبي من الدنيا والآخرة موالاتي لك يا أخا رسول الله ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله تعجبت ملائكة السماوات من فعله ، وعجت إلى الله تعالى بالثناء عليه ، فصلوات الله من فوق عرضه يتوالى عليه ، فأبشريا أبا اليقظان فإنك أخو علي في ديانته ، ومن أفاضل أهل ولايته ، ومن المقتولين في محبته ، تقتلك الفئة الباغية ، وآخر زادك من الدنيا صاع من لبن ، ويلحق روحك بأرواح محمد وآله الفاضلين ، فأنت من خيار شيعتي.

ثم قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : فأيكم أدى زكاته اليوم؟ قال علي عليه‌السلام : أنا يا رسول الله ، فأسر المنافقون في اخريات المجلس بعضهم إلى بعض يقولون : وأي مال لعلي حتى يؤدي منه الزكاة؟! فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : أتدري ما يسر هؤلاء المنافقون في آخريات المجلس؟ قال علي عليه‌السلام : بلى ، قد أوصل الله تعالى إلى اذني مقالتهم يقولون : وأي مال لعلي حتى يؤدي زكاته؟ كل مال يغنم من يومنا هذا إلى

____________________

(١) في المصدر : من أن أذلك.

(٢) أى أن يصيرها الله.

(٣) سورة العلق : ٦ و ٧.

٢٠