بحار الأنوار

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي

بحار الأنوار

المؤلف:

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي


الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: مؤسسة الوفاء
الطبعة: ٢
الصفحات: ٣٧١
  الجزء ١   الجزء ٢   الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠ الجزء ٢١ الجزء ٢٢ الجزء ٢٣ الجزء ٢٤ الجزء ٢٥ الجزء ٢٦ الجزء ٢٧ الجزء ٢٨ الجزء ٢٩ الجزء ٣٠ الجزء ٣١ الجزء ٣٥ الجزء ٣٦ الجزء ٣٧ الجزء ٣٨ الجزء ٣٩ الجزء ٤٠ الجزء ٤١ الجزء ٤٢ الجزء ٤٣ الجزء ٤٤ الجزء ٤٥ الجزء ٤٦ الجزء ٤٧ الجزء ٤٨ الجزء ٤٩ الجزء ٥٠ الجزء ٥١ الجزء ٥٢ الجزء ٥٣ الجزء ٥٤ الجزء ٥٥ الجزء ٥٦ الجزء ٥٧ الجزء ٥٨ الجزء ٥٩ الجزء ٦٠ الجزء ٦١   الجزء ٦٢ الجزء ٦٣ الجزء ٦٤ الجزء ٦٥ الجزء ٦٦ الجزء ٦٧ الجزء ٦٨ الجزء ٦٩ الجزء ٧٠ الجزء ٧١ الجزء ٧٢ الجزء ٧٣ الجزء ٧٤ الجزء ٧٥ الجزء ٧٦ الجزء ٧٧ الجزء ٧٨ الجزء ٧٩ الجزء ٨٠ الجزء ٨١ الجزء ٨٢ الجزء ٨٣ الجزء ٨٤ الجزء ٨٥ الجزء ٨٦ الجزء ٨٧ الجزء ٨٨ الجزء ٨٩ الجزء ٩٠ الجزء ٩١ الجزء ٩٢ الجزء ٩٣ الجزء ٩٤   الجزء ٩٥ الجزء ٩٦   الجزء ٩٧ الجزء ٩٨ الجزء ٩٩ الجزء ١٠٠ الجزء ١٠١ الجزء ١٠٢ الجزء ١٠٣ الجزء ١٠٤

الاشعريين بأمر عظيم تشيب منه النواصي ، حتى استقلت الشمس وقام قائم الظهيرة وعلي عليه‌السلام يقول لاصحابه : حتى متى نخلي بين هذين الحيين؟ قد فنينا (١) و أنتم وقوف تنظرون ، أما تخافون مقت الله؟ ثم انفتل (٢) إلى القبلة ورفع يديه إلى الله عزوجل ثم نادى « يا الله يا رحمن يا واحد يا صمد (٣) يا الله يا إله محمد ، إليك اللهم (٤) نقلت الاقدام ، وأفضت القلوب ، ورفعت الايدي ، ومدت الاعناق ، و شخصت الابصار ، وطلبت الحوائج ، اللهم إنا نشكو إليك غيبة نبينا ، وكثرة عدونا ، وتشتت أهوائنا ، ربنا افتح بيننا وبين قومنا بالحق وأنت خير الفاتحين سيروا على بركة الله » ثم نادى : لا إله إلا الله والله أكبر كلمة التقوى ، قال : فلا والذي بعث محمدا نبيا (٥) ما سمعنا برئيس قوم منذ خلق السماوات والارض أصاب بيده في يوم واحد ما أصاب ، إنه قتل فيما ذكر العادون زيادة على خمس مائة من أعلام العرب ، يخرج بسيفه منحنيا فيقول : معذرة إلى الله وإليكم من هذا ، لقد هممت أن أفلقه ولكن يحجزني عنه أني سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول : « لا سيف إلا ذو الفقار ولا فتى إلا علي » وأنا أقاتل به دونه ، قال : فكنا نأخذه و نقومه ، ثم يتناوله من أيدينا فيتقحم به عرض الصف ، فلا والله ماليث بأشد نكاية منه في عدوه (٦).

وقال في موضع آخر : روى أبوعبيدة أن عليا عليه‌السلام استنطق الخوارج بقتل عبدالله بن خباب فأقروا به ، فقال : انفردوا كتائب لاسمع قولكم كتيبة كتيبة ، فتكتبوا كتائب وأقرت كل كتيبة بمثل ما أقرت به الاخرى من قتل ابن خباب

____________________

(١) في المصدر و ( خ ) : قد فنيا.

(٢): ثم استقبل.

(٣) : يا رحمن يا رحيم يا واحد يا أحد.

(٤) : اللهم اليك.

(٥) : بالحق نبيا.

(٦) شرح النهج ١ : ٢٢٠.

١٠١

وقالوا : ولنقتلنك كما قتلناه ، فقال عليه‌السلام : والله لو أقر أهل الدنيا كلهم بقتله هكذا وأنا أقدر على قتلهم به لقتلتهم ، ثم التفت إلى أصحابه فقال (١) : شدوا عليهم فأنا أول من يشد عليهم ، وحمل بذي الفقار حملة منكرة ثلاث مرات ، كل حملة يضرب به حتى يعوج متنه ، ثم يخرج فيسويه بر كبتيه ، ثم يحمل به حتى أفناهم (٢).

١٠٧

( باب )

* ( جوامع مكارم أخلاقه وآدابه وسننه وعدله وحسن ) *

* ( سياسته صلوات الله عليه ) *.

١ ـ لى : أبي ، عن علي ، عن أبيه ، عن ابن أبي نجران ، عن ابن حميد ، عن ابن قيس ، عن أبي جعفر عليه‌السلام أنه قال : والله أن كان علي (٣) ليأكل أكل العبد ويجلس جلسة العبد ، وأن كان ليشتري القميصين السنبلانيين فيخير غلامه خيرهما ، ثم يلبس الآخر فإذا جاز أصابعه قطعه ، وإذا جاز كعبه حذفه ولقد ولى خمس سنين ما وضع آجرة ، على آجرة ، ولالبنة على لبنة ، ولا أقطع قطيعا ولا أورث بيضاء ولا حمراء ، وأن كان ليطعم الناس خبز البر واللحم وينصرف إلى منزله ويأكل خبز الشعير والزيت والخل وما ورد عليه أمران كلاهما لله رضى إلا أخذ بأشدهما على بدنه ، ولقد أعتق ألف مملوك من كد يده تربت فيه يداه (٤) وعرق

____________________

(١) في المصدر : فقال لهم.

(٢) شرح النهج ١ : ٢٥٢.

(٣) في المصدر : والله كان على يأكل اه.

(٤) أى صار التراب في يد ، وكأنه اشارة إلى عمله عليه‌السلام في البساتين.

١٠٢

فيه وجهه ، وما أطاق عمله أحد من الناس وأن (١) كان ليصلي في اليوم والليلة ألف ركعة ، وأن كان أقرب الناس شبها به علي بن الحسين عليهما‌السلام ، وما أطاق عمله أحد من الناس بعده (٢).

بيان : قال الفيروزآبادي : قميص سنبلاني : سابغ الطول ، أو منسوب إلى بلد بالروم (٣).

٢ ـ لى : أبي ، عن سعد ، عن ابن هاشم ، عن ابن مرار ، عن يونس ، عن عبدلله بن سنان ، عن الثمالي ، عن ابن نباتة أنه قال : كان أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه‌السلام إذا أتي بالمال أدخله بيت مال المسلمين ، ثم جمع المستحقين ، ثم ضرب يده في المال فنثره يمنة ويسرة وهو يقول : يا صفراء يا بيضاء لا تغريني ، غري غيري.

هذا جناي وخياره فيه

إذ كل جان يده إلى فيه

ثم لا يخرج حتى يفرق ما في بيت مال المسلمين ويؤتي كل ذي حق حقه ثم يأمر أن يكنس ويرش ، ثم يصلي فيه ركعتين ، ثم يطلق الدنيا ثلاثا يقول بعد التسليم : يا دنيا لا تتعرضين لي ولا تتشوقين [ إلي ] ولا تغريني ، فقد طلقتك ثلاثا لا رجعة لي عليك (٤).

٣ ـ لى : الطالقاني ، عن محمد بن جرير الطبري ، عن الحسن بن محمد ، عن محمد بن عبدالرحمن المخزومي ، عن محمد بن أبي يعفور ، عن موسى بن أبي أيوب التميمي عن موسى بن المغيرة ، عن الضحاك بن مزاحم قال : ذكر علي عليه‌السلام عند ابن عباس بعد وفاته فقال : وا أسفاه على أبي الحسن ، مضى والله ما غير ولا بدل ولا قصر و لا جمع ولا منع ولا آثر إلا الله ، والله لقد كانت الدنيا أهون عليه من شسع نعله ، ليث

____________________

(١) في المصدر : وانه.

(٢) أمالى الصدوق : ١٦٩.

(٣) القاموس ٣ : ٣٩٨.

(٤) أمالى الصدوق : ١٧٠.

١٠٣

في الوغى ، بحر في المجالس ، حكيم في الحكماء ، هيهات قد مضى إلى الدرجات العلى (١).

٤ ـ ب : أبوالبختري ، عن جعفر ، عن أبيه عليهما‌السلام قال : كسى علي عليه‌السلام الناس بالكوفة ، وكان في الكسوة برنس خز ، فسأله إياه الحسن ، فأبى أن يعطيه إياه ، وأسهم عليه بين المسلمين فصار لفتى من همدان ، فانقلب به الهمداني ، فقيل له : إن حسنا كان سأله أباه فمنعه إياه ، فأرسل به الهمداني إلى الحسن عليه‌السلام فقبله (٢).

٥ ـ لى : أبي ، عن سعد ، عن ابن هاشم ، عن ابن أبي نجران عن ابن [ أبي ] حميد ، عن ابن قيس ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : كان أمير المؤمنين علي عليه‌السلام كل بكرة يطوف في أسواق الكوفة سوقا سوقا ومعه الدرة على عاتقه ، وكان لها طرفان وكانت تسمى السيبة (٣) ، فيقف على سوق سوق فينادي : يا معشر التجار قدموا الاستخارة ، وتبركوا بالسهولة ، واقتربوا من المبتاعين ، وتزينوا بالحلم ، و تناهوا عن الكذب واليمين ، وتجافوا عن الظلم ، وأنصفوا المظلومين ، ولا تقربوا الرباء « وأوفوا الكيل والميزان ولا تبخسوا الناس أشياءهم ولا تعثوا في الارض مفسدين » يطوف في جميع أسواق الكوفة فيقول هذا ، ثم يقول :

تفنى اللذاذة ممن نال صفوتها

من الحرام ويبقى الاثم والعار

تبقى عواقب سوء في مغبتها

لا خير في لذة من بعدها النار (٤)

جا : أحمد بن الوليد ، عن أبيه ، عن الصفار ، عن ابن معروف ، عن ابن مهزيار عن ابن محبوب ، عن ابن أبي المقدام ، عن أبي جعفر عليه‌السلام مثله ، إلى قوله : « مفسدين » قال : فيطوف في جميع الاسواق ـ أسواق الكوفة ـ ثم يرجع فيقعد للناس ، قال :

____________________

(١) أمالى الصدوق : ٢٤٥.

(٢) قرب الاسناد : ٩٦.

(٣) السبية خ ل.

(٤) أمالى الصدوق : ٢٩٨.

١٠٤

فكانوا إذا نظروا إليه قد أقبل إليهم قال « يا معشر الناس » أمسكوا أيديهم وأصغوا إليه بآذانهم ورمقوه بأعينهم حتى يفرغ من كلامه ، فإذا فرغ قالوا : السمع و الطاعة يا أمير المؤمنين (١).

كا : العدة ، عن سهل ، وأحمد بن محمد ، وعلي ، عن أبيه ، جميعا عن ابن محبوب عن ابن أبي المقدام ، عن جابر ، عنه عليه‌السلام مثله (٢).

٦ ـ ل : ماجيلويه ، عن محمد العطار ، عن سهل ، عن ابن يزيد ، عن محمد بن إبراهيم النوفلي رفعه إلى جعفر بن محمد عليهما‌السلام أنه ذكر عن آبائه عليهم‌السلام أن أمير المؤمنين عليه‌السلام كتب إلى عماله : أدقوا أقلامكم ، وقاربوا بين سطوركم ، واحذفوا عني فضولكم ، (٣) واقصدوا قصد المعاني ، وإياكم والاكثار ، فإن أموال المسلمين لا تحتمل الاضرار (٤).

٧ ـ ل : محمد بن أحمد بن الحسين البغدادي ، عن أحمد بن الفضل الاهوازي عن بكر بن أحمد القصري ، عن زيد بن موسى بن جعفر ، عن آبائه ، عن علي عليهم‌السلام قال : خرج أبوبكر وعمر وعثمان وطلحة والزبير وسعد (٥) وعبدالرحمن بن عوف وغير واحد من الصحابة يطلبون النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله في بيت أم سلمة ، فوجدوني على الباب جالسا ، فسألوني عنه ، فقلت : يخرج الساعة ، فلم يلبث أن خرج وضرب بيده على ظهري فقال : كس (٦) يا ابن أبي طالب ، فإنك تخاصم الناس بعدي بست خصال فتخصمهم ، ليست في قريش منها شئ : إنك أولهم إيمانا بالله ، و أقومهم بأمر الله عزوجل ، وأوفاهم بعهد الله وأرأفهم بالرعية ، وأعلمهم بالقضية

____________________

(١) أمالى المفيد : ١١٥ و ١١٦.

(٢) فروع الكافى ( الجزء الخامس من الطبعة الحديثة ) : ١٥١.

(٣) في المصدر : واحذفوا من فضولكم.

(٤) الخصال ١ : ١٤٩.

(٥) في المصدر : وسعد وسعيد اه.

(٦) كن خ ل.

١٠٥

وأقسمهم بالسوية ، وأقضاهم عند الله عزوجل (١).

ل : بهذا الاسناد عن بكر بن أحمد قال : حدثنا أبوأحمد جعفر بن محمد بن عبدالله بن موسى ، عن أبيه ، عن جده موسى ، عن أبيه ، عن آبائه عليهم‌السلام مثله (٢).

٨ ـ ل : القطان ، عن ابن زكريا القطان ، عن ابن حبيب ، عن ابن بهلول ، عن عبدالرحمن بن الاسود ، عن محمد بن عبدالله بن عبدالرحمن بن معمر ، عن عمار بن ياسر وعن جابر بن عبدالله قالا : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لعلي عليه‌السلام : أحاجك يوم القيامة فأحاجك بالنبوة ، وتحاج قومك فتحاجهم بسبع خصال : إقام الصلاة ، وإيتاء الزكاة ، والامر بالمعروف ، والنهي عن المنكر ، والعدل في الرعية ، والقسم بالسوية ، والاخذ بأمر الله عزوجل ، أما عملت يا علي أن إبراهيم عليه‌السلام موافينا يوم القيامة فيدعى فيقام عن يمين العرش فيكسى من كسوة الجنة ويحلى من حليها ، ويسيل له ميزاب من ذهب من الجنة فيهب من الجنة ماهو أحلى من الشهد وأبيض من اللبن وأبرد من الثلج وأدعى أنا فأقام عن شمال العرش ، فيفعل بي مثل ذلك ، ثم تدعى أنت يا علي فيفعل بك مثل ذلك ، أما ترضي يا علي أن تدعى أذا دعيت [ أنا ] وتكسى إذا كسيت أنا ، وتحلى إذا حليت أنا؟ إن الله عز وجل أمرني أن أدنيك فلا أقصيك ، وأعلمك ولا أجفوك ، وحقا عليك أن تعي وحقا علي أن أطيع ربي تبارك وتعالى (٣).

٩ ـ ل : ابن موسى ، عن العلوي ، عن الفزاري ، عن محمد بن حميد ، عن عبدالله بن عبدالقدوس ، عن الاعمش ، عن موسى بن طريف ، عن عباية بن ربعي قال : قال علي بن أبي طالب عليه‌السلام : أحاج الناس يوم القيامة بسبع : إقام الصلاة وإيتاء الزكاة ، والامر بالمعروف ، والنهي عن المنكر ، والقسم بالسوية ، والعدل في الرعية ، وإقام الحدود (٤).

____________________

(١) الخصال ١ : ١٦٣ و ١٦٤. وفيه : وأفضلهم عندالله عزوجل.

(٢) ١ : ١٦٤.

(٣ و ٤) الخصال ٢ : ١٣.

١٠٦

١٠ ـ ل : الحسن بن محمد السكوني ، عن محمد بن عبدالله الحضرمي ، عن خلف بن خالد ، عن بشر بن إبراهيم ، عن ثور بن يزيد ، عن خالد بن معدان ، عن معاذ بن جبل قال : قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله لعلي عليه‌السلام : أخاصمك بالنبوة ولا نبي بعدي ، وتخاصم الناس بسبع ولا يحاجك فيهن أحد من قريش. لانك أنت أولهم إيمانا ، وأوفاهم بعهدالله ، وأقومهم بأمر الله ، وأقسمهم بالسوية ، وأعدلهم في الرعية ، وأبصرهم في القضية ، وأعظمهم عندالله مزية (١).

١١ ـ ع ، ن : أبي ، عن أحمد بن إدريس ، عن الاشعري ، عن محمد بن معروف عن أخيه عمر ، عن جعفر بن عقبة ، عن أبي الحسن عليه‌السلام قال : إن عليا عليه‌السلام لم يبت بمكة بعد إذ هاجر منها حتى قبضه الله عزوجل إليه ، قال : قلت له : ولم ذاك؟ قال : كان يكره أن يبيت بأرض قد هاجر منها رسول الله ، وكان يصلي العصر ويخرج منها ويبيت بغيرها (٢).

١٢ ـ ما : حمويه ، عن أبي الحسين ، عن أبي خليفة ، عن مسلم ، عن هلال بن مسلم الجحدري قال : سمعت جدي حرة ـ أو حوة ـ قال : شهدت علي بن أبي طالب عليه‌السلام اتي بمال عند المساء ، فقال : اقسموا هذا المال ، فقالوا : قد أمسينا يا أمير المؤمنين فأخره إلى غد ، فقال لهم : تقبلون أن أعيش إلى غد؟ فقالوا : ماذا بأيدينا ، قال : فلا تؤخروه حتى تقسموه (٣) ، فأتي بشمع فقسموا ذلك المال من تحت ليلتهم (٤).

١٣ ـ ما : ابن مخلد ، عن ابن سماك ، عن أبي غلابة الرقاشي ، عن عازم بن الفضل ، عن أبي يحيى صاحب السفط ـ قال : وقد ذكرته فحماد بن زيد فعرفه ـ عن معمر بن زياد أن أبا مطر حدثه قال : كنت بالكوفة فمر علي رجل ، فقالوا : هذا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب صلوات الله عليه ، قال : فتبعته فوقف على خياط فاشترى منه قميصا بثلاثة دراهم فلبسه ، فقال : الحمد لله الذي ستر عورتي وكساني

____________________

(١) الخصاب ٢ : ١٣.

(٢) علل الشرائع : ١٥٥. عيون الاخبار : ٣٧.

(٣) في المصدر : حتى تقتسموه.

(٤) أمالى الشيخ : ٢٥٧ و ٢٥٨.

١٠٧

الرياش ، ثم قال : هكذا كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول إذا لبس قميصا (١).

١٤ ـ ما : بإسناد أخي دعبل ، عن الرضا ، عن آبائه ، عن الحسين بن علي عليهم‌السلام قال : أتى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه‌السلام أصحاب القمص ، فساوم شيخا منهم ، فقال : يا شيخ! بعني قميصا بثلاثة دراهم. فقال الشيخ : حبا وكرامة ، فاشترى منه قميصا بثلاثة دراهم فلبسه ما بين الرسغين (٢) إلى الكعبين ، وأتى المسجد فصلى فيه ركعتين ، ثم قال : الحمدلله الذي رزقني من الرياش ما أتجمل به في الناس ، وأؤدي فيه فريضتي ، وأستر به عورتي ، فقال له رجل : يا أمير المؤمنين أعنك نروي هذا أوشئ سمعته من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله؟ قال : بل شئ سمعته من رسول الله سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول ذلك عند الكسوة (٣).

١٥ ـ جا ، ما : المفيد ، عن علي بن بلال ، عن علي بن عبدالله الاصبهاني ، عن إبراهيم بن محمد الثقفي ، عن محمد بن عبدالله بن عثمان ، عن علي بن أبي سيف ، عن علي بن حباب ، عن ربيعة وعمارة (٤) أن طائفة من أصحاب أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه‌السلام مشوا إليه عند تفرق الناس عنه وفرار كثير منهم إلى معاوية طلبا لما في يديه من الدنيا ، فقالوا : يا أمير المؤمنين أعط هذه الاموال وفضل هؤلاء الاشراف من العرب وقريش على الموالي والعجم ومن نخاف عيه من الناس (٥) فراره إلى معاوية ، فقال لهم أمير المؤمنين عليه‌السلام : أتأمروني أن أطلب النصر بالجور؟ لا والله ما أفعل (٦) ما طلعت شمس ولاح في السماء نجم ، والله لو كان

____________________

(١) أمالى الشيخ : ٢٤٧.

(٢) الرسغ ـ بالضم ـ المفصل ما بين الساعد والكف أو الساق والقدم.

(٣) أمالى الشيخ : ٢٣٢ و ٢٣٣.

(٤) في المصدرين بعد ذلك : وغيرهما.

(٥) في أمالى الطوسى « ومن يخاف عليه » وفي أمالى المفيد : ومن يخاف خلافه عليك من الناس.

(٦) في أمالى الطوسى : لا افعلن.

١٠٨

مالهم لي (١) لواسيت بينهم ، وكيف وإنما هو أموالهم ، قال : ثم أتم (٢) أميرالمؤمنين عليه‌السلام طويلا ساكتا ، ثم قال : من كان له مال ومأواه فساد (٣) فإن إعطاء المال في غير حقه تبذير وإسراف ، وهو وإن كان ذكرا لصاحبه في الدنيا فهو تضييعه (٤) عند الله عزوجل ولم يضع رجل ماله في غير حقه وعند غير أهله إلا حرمه الله شكرهم وكان لغيره ودهم ، (٥) فإن بقي معه من يوده ويظهر له الشكر فإنما هو ملق يكذب (٦) يريد التقرب [ به ] إليه ، لينال منه مثل الذي كان يأتي إليه من قبل ، فان رلت بصاحبه النعل فاحتاج إليه معونته أو مكافاته فشر خليل وألام خدين ، ومن صنع المعروف فيما آتاه فليصل به القرابة وليحسن فيه الضيافة ، وليفك به العاني ، وليعن به الغارم وابن السبيل والفقراء والمجاهدين في سبيل الله ، وليصبر نفسه على النوائب والحقوق ، فإن الفوز بهذه الخصال شرف مكارم الدنيا ودرك فضائل الآخرة (٧).

١٦ ـ ثو : ابن الوليد ، عن الصفار ، عن ابن يزيد ، عن ابن أبي عمير ، عن هشام بن سالم رفعه قال : قال علي صلوات الله عليه : لولا أن المكر والخديعة في النار لكنت أمكر العرب (٨).

١٧ ـ ثو : العطار ، عن سعد ، عن أحمد بن محمد ، عن محمد بن سنان ، عن أبي

____________________

(١) في أمالى الطوسى : والله لو كان مالى. وفي أمالى المفيد : والله لوكانت اموالهم لى.

(٢) أتم : أبطأ. وفي أمالى الطوسى : « أزم » وفي أمالى المفيد « أرم » أى سكت. وفي الكافى ايضا كذلك ، وسيأتي تحت الرقم ٢٨.

(٣) كذا في النسخ ، وفي المصدرين : فاياه والفساد.

(٤) في امالى المفيد : فهو يضعه.

(٥) في امالى المفيد : وكان لغيرهم وده.

(٦) ملقه وملق له : تودد إليه وتذلل له وأبدى له بلسانه من الاكرام والود ماليس في قلبه. وفي المصدرين : فانما هو ملق وكذب.

(٧) أمالى المفيد : ١٠٤ و ١٠٥. أمالى الطوسى : ١٢١ و ١٢٢.

(٨) ثواب الاعمال : ٢٦١.

١٠٩

الجارود ، عن حبيب بن سنان ، عن زاذان قال : سمعت عليا عليه‌السلام يقول : لولا أني سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول : إن المكر والخديعة والخيانة في النار لكنت أمكر العرب (١).

١٨ ـ جا : أحمد بن الوليد ، عن أبيه ، عن الصفار ، عن ابن معروف ، عن ابن مهزيار ، عن ابن أبي عمير ، عن هشام رقعة إلى أبي عبدالله عليه‌السلام قال : كان أمير المؤمنين عليه‌السلام يقول للناس بالكوفة : يا أهل الكوفة أتروني لا أعلم ما يصلحكم؟ بلى ولكني أكره أن أصلحكم بفساد نفسي (٢).

١٩ ـ شا : أبومحمد الحسن بن محمد بن يحيى ، عن جده ، عن أبي محمد الانصاري عن محمد بن ميمون البزاز ، عن الحسين بن علوان ، عن أبي علي زياد بن رستم ، عن سعيد بن كلثوم قال : كنت عند الصادق جعفر بن محمد عليهما‌السلام فذكر أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه‌السلام فأطراه ومدحه بما هو أهله ، ثم قال : والله ما أكل علي ابن أبي طالب عليه‌السلام من الدنيا حراما قط حتى مضى لسبيله ، وما عرض له أمران قط هما لله رضى إلا أخذ بأشد هما عليه في دينه ، وما نزلت برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله نازلة قط إلا دعاه ثقة به ، وما أطاق عمل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله من هذه الامة غيره ، وأن كان ليعمل عمل رجل كان وجهه بين الجنة والنار : يرجو ثواب هذه ويخاف عقاب هذه ولقد أعتق من ماله ألف مملوك في طلب وجه الله والنجاة من النار مما كد بيديه و رشح منه جبينه ، وأن كان ليقوت أهله بالزيت والخل والعجوة ، وما كان لباسه إلا الكرابيس ، إذا فضل شئ عن يده من كمه دعا بالجلم فقصه (٣).

٢٠ ـ سر : أبان بن تغلب ، عن إسماعيل بن مهران ، عن عبيدالله بن أبي الحارث الهمداني قال : جاء جماعة من قريش إلى أمير المؤمنين عليه‌السلام فقالوا له : يا أمير المؤمنين لو فضلت الاشراف كان أجدر أن ينا صحوك ، قال : فغضب أمير المؤمنين

____________________

(١) ثواب الاعمال : ٢٦١.

(٢) أمالى المفيد : ١٢٠ و ١٢١.

(٣) لم نجده في الارشاد المطبوع.

١١٠

عليه‌السلام فقال : (١) أيها الناس أتأمروني أن أطلب العدل بالجور فيمن وليت عليه؟ والله لا يكون (٢) ما سمر السمير وما رأيت في السماء نجما ، والله لو كان مالي دونهم لسويت بينهم كيف وإنما هو مالهم ، ثم قال : أيها الناس ليس لواضع المعروف في غير أهله إلا محمدة اللئام وثناء الجهال ، فإن زلت بصاحبه النعل فشر خدين و شر خليل (٣).

١ ـ قب : حمزة بن عطاء ، عن أبي جعفر عليه‌السلام في قوله : « هل يستوي هو ومن يأمر بالعدل (٤) » قال : هو علي بن أبي طالب عليه‌السلام يأمر بالعدل « وهو على صراط مستقيم » وروى نحوا منه أبوالمضا عن الرضا عليه‌السلام.

فضائل أحمد قال علي عليه‌السلام : أحاج الناس يوم القيامة بتسع : بإقام الصلاة وإيتاء الزكاة ، والامر بالمعروف ، والنهي عن المنكر ، والعدل في الرعية ، و القسم بالسوية ، والجهاد في سبيل الله ، وإقامة الحدود وأشباهه.

الفائق إنه بعث العباس بن عبدالمطلب وربيعة بن الحارث ابنيهما الفضل ابن العباس وعبدالمطلب بن ربيعة يسألانه أن يستعملهما على الصدقات ، فقال علي : والله لا نستعمل منكم أحدا على الصدقة ، فقال ربيعة : هذا أمرك ، نلت صهر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فلم نحسدك عليه ، فألقى علي رداءه ثم اضطجع عليه فقال : أنا أبوالحسن القرم ، والله لا أريم حتى يرجع إليكما ابناكما بحور ما بعثتمابه ، قال صلى‌الله‌عليه‌وآله : إن هذه الصدقة أوساخ الناس ، وإنها لا تحل لمحمد ولا لآل محمد ، قال الزمخشري الحور : الخيبة (٥).

بيان : قال في النهاية : في حديث علي عليه‌السلام : « أنا أبوالحسن القرم » أي المقدم

____________________

(١) في المصدر : ثم قال.

(٢) في المصدر : لا يكون ذلك اه.

(٣) مستطرفات السرائر ما رواه أبان بن تغلب.

(٤) سورة النحل : ٧٦.

(٥) مناقب آل أبي طالب ١ : ٣١٢.

١١١

في الرأي ، والقرم : فحل الابل ، أي أنا فيهم بمنزلة الفحل في الابل. قال الخطابي : وأكثر الروايات « القوم » بالواو ، ولا معنى له ، وإنما وهو بالراء أي المقدم في المعرفة وتجارب الامور (١). قوله عليه‌السلام : ( لا أريم ) أي لا أبرح ولا أزول عن مكاني. وقال أيضا في النهاية : في حديث علي عليه‌السلام « حتى يرجع إليكما ابناكما بحور ما بعثتمابه » أي بجواب ذلك ، يقال : كلمته فمارد إلي حورا أي جوابا ، وقيل : أراد به الخيبة (٢).

٢٢ ـ قب : نزل بالحسن بن علي عليهما‌السلام ضيف ، فاستقرض من قنبر رطلا من العسل الذي جاء [ به ] من اليمن ، فلما قعد علي عليه‌السلام ليقسمها قال : يا قنبر قد حدث في هذا الزق حدث ، قال : صدق فوك ، وأخبره الخبر ، فهم بضرب الحسن عليه‌السلام فقال : ما حملك على أن أخذت منه قبل القسمة؟ قال : إن لنافيه حقا ، فإذا أعطيتناه رددناه ، قال : فداك أبوك وإن كان لك فيه حق فليس لك أن تنتفع بحقك قبل أن ينتفع المسلمون بحقوقهم ، لولا أني رأيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقبل ثنيتك لاوجعتك (٣) ضربا ، ثم دفع إلى قنبر درهما وقال : اشتربه أجود عسل يقدر عليه (٤) قال الراوي : فكأني أنظر إلى يدي علي عليه‌السلام على فم الزق وقنبر يقلب العسل فيه ثم شده ويقول : اللهم اغفرها للحسن فإنه لا يعرف (٥).

بيان : هذا الخبر إنما رواه من طرق المخالفين ونحن لا نصححه ، وعلى تقدير صحته يحتمل أن يكون أخذه عليه‌السلام قبل القسمة مع كون حقه فيها مكروها.

٢٣ ـ قب : فضائل أحمد : أم كلثوم : ياباصالح لو رأيت أمير المؤمنين عليه‌السلام

____________________

(١) النهاية ٣ : ٢٤٦.

(٢) النهاية ١ : ٢٦٩.

(٣) في المصدر : لاوجعنك.

(٤) في المصدر : تقدر عليه.

(٥) مناقب آل ابى طالب ١ : ٣١٢.

١١٢

وأتي بأترج ، فذهب الحسن أو الحسين يتناول أترجة ، فنزعها من يده ثم أمر به فقسم بين الناس.

إن رجلا من خثعم رأي الحسن والحسين عليهما‌السلام يأكلان خبزا وبقلا وخلا فقلت لهما (١) : أتأكلان من هذا وفي الرحبة ما فيها؟ فقالا : ما أغفلك عن أمير المؤمنين عليه‌السلام!

عن زاذان إن قنبرا قدم إلى أميرالمؤمنين عليه‌السلام جامات من ذهب وفضة في الرحبة وقال : إنك لا تترك شيئا إلا قسمته ، فخبأت لك هذا ، فسل سيفه وقال : ويحك لقد أحببت أن تدخل بيتي نارا ، ثم استعرضها بسيفه فضربها حتى انتثرت من بين إناء مقطوع بضعة وثلاثين ، وقال : علي بالعرفاء ، فجاؤوا ، فقال : هذا بالحصص وهو يقول :

هذا جناي وخياره فيه

وكل جان يده إلى فيه

جمل أنساب الاشراف أنه أعطته الخادمة في بعض الليالي قطيفة ، فأنكر دفأها (٢) فقال : ماهذه؟ قالت الخادمة : هذه من قطف الصدقة ، قال : أصرد تمونا (٣) بقية ليلتنا.

وقدم عليه عقيل فقال للحسن : اكس عمك ، فكساه قميصا من قمصه ورداء من أرديته ، فلما حضر العشاء فإذا هو خبز وملح ، فقال عقيل : ليس إلا ما أرى؟ فقال : أوليس هذا من نعمة الله وله الحمد كثيرا ، فقال : أعطني ما أقضي به ديني وعجل سراحي حتى أرحل عنك ، قال : فكم دينك يا أبا يزيد؟ قال : مائة ألف درهم ، قال : لا والله ما هي عندي ولا أملكها ، ولكن اصبر حتى يخرج عطائي فاواسيكه ولولا أنه لابد للعيال من شئ لاعطيتك كله ، فقال عقيل : بيت المال في يدك وأنت تسوفني إلى عطائك؟ وكم عطاؤك؟ وما عساه يكون ولو أعطيتنيه كله؟

____________________

(١) كذا في النسخ وفي المصدر : فقال لهما.

(٢) الدفء : نقيض حدة البرد.

(٣) صرد الرجل : كان قويا على احتمال البرد.

١١٣

فقال : ما أنا وأنت فيه إلابمنزلة رجل من المسلمين ، وكانا يتكلمان فوق قصر الامارة مشرفين على صناديق أهل السوق فقال له علي : إن أبيت يا با يزيد ما أقول فانزل إلى بعض هذه الصناديق فاكسر أقفاله وخذ ما فيه ، فقال : وما في هذه الصناديق؟ قال : فيها أموال التجار ، قال : أتأمرني أن أكسر صناديق قدم قد توكلوا على الله وجعلوا فيها أموالهم؟ فقال أمير المؤمنين عليه‌السلام : أتأمرني أن أفتح بيت مال المسلمين فاعطيك أموالهم وقد توكلوا على الله وأقفلوا عليها؟ وإن شئت أخذت سيفك وأخذت سيفي وخرجنا جميعا إلى الحيرة ، فإن بها تجارا مياسير ، فدخلنا على بعضهم فأخذنا ماله ، فقال : أوسارقا جئت؟ قال : تسرق من واحد خير من أن تسرق عن المسلمين جميعا ، قال له : أفتأذن لي أن أخرج إلى معاوية؟ فقال له : قد أذنت لك ، قال : فأعني على سفري هذا ، فقال : يا حسن أعط عمك أربعمائة درهم ، فخرج عقيل وهو يقول :

يغنيني الذي أغناك عني

ويقضي ديننا رب قريب

وذكر عمرو بن علاء (١) أن عقيلا لما سأل عطاءه من بيت المال قال له أميرالمؤمنين عيه السلام : تقيم إلى يوم الجمعة ، فأقام فلما صلى أمير المؤمنين الجمعة قال لعقيل : ما تقول فيمن خان هؤلاء أجمعين؟ قال : بئس الرجل ذاك ، قال : فأنت تأمرني أن أخوان هؤلاء وأعطيك.

ومن خطبة له عليه‌السلام : ولقد رأيت عقيلا وقد أملق (٢) حتى استماحني من بركم صاعا. وعاودني في عشر وسق من شعيركم يقضمه (٣) جياعه ، وكاد يطوي ثالث أيامه خامصا ما استطاعه ، ولقد رأيت أطفاله شعث الالوان من ضرهم كأنما اشمأزت وجوههم من قرهم (٤). فلما عاودني في قوله وكر ره أصغيت إليه سمعي.

____________________

(١) في المصدر : عمرو بن عاد.

(٢) أملق : انفق ماله حتى افتقر. أملق الدهر ماله : أذهبه وأخرجه من يده.

(٣) قضمه : كسرء بأطراف أسنانه فأكله.

(٤) القر ـ بضم القاف ـ البرد.

١١٤

فغره وظنني اوتغ ديني (١) وأتبع ما أسره أحميت له حديدة لينزجر إذلا يستطيع مسها ولا يصبر ، ثم أدنيتها من جسمه ، فضج من ألمه ضجيج دنف يئن من سقمه وكاد يسبني سفها من كظمه ولحرقه في لظى ادني له من عدمه ، فقلت له : ثكلتك الثواكل يا عقيل أتئن من أذى ولا أئن من لظى (٢)؟

وعن أم عثمان أم ولد علي قالت : جئت عليا وبين يديه قرنفل مكتوب (٣) في الرحبة ، فقلت : يا أمير المؤمنين هب لابنتي من هذا القرنفل قلادة ، فقال : هاك ذا. ونفذ بيده إلي درهما ـ فإنما هذا للمسلمين أولا ، فاصبري حتى يأتينا حظنا منه ، فنهب لابنتك قلادة.

وسأله عبدالله بن زمعة مالا فقال : إن هذا المال ليس لي ولا لك ، وإنما هو فئ للمسلمين وجلب أسيافهم ، فإن شركتهم في حربهم كان لك مثل حظهم ، و إلا فجناة أيديهم لا تكون لغير أفواههم.

وجاء إليه عاصم بن ميثم وهو يقسم مالا ، فقال : يا أمير المؤمنين إني شيخ كبير مثقل ، قال : والله ما هو بكد يدي ولا بتراثي عن والدي ، ولكنها أمانة أو عيتها ثم قال : رحم الله من أعان شيخا كبيرا مثقلا.

تاريخ الطبري وفضائل أمير المؤمنين عليه‌السلام عن ابن مردويه أنه لما أقبل من اليمن يعجل (٤) إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله واستخلف على جنده الذين معه رجلا من أصحابه فعمد ذلك الرجل فكسا كل رجل من القوم حلة من البز الذي كان مع علي عليه‌السلام فلما دنا جيشه خرج علي عليه‌السلام ليتلقاهم فإذا هم عليهم الحلل! فقال : ويلك ما

____________________

(١) أوتغ دينه : أفسده.

(٢) الخطبة في نهج البلاغة مع اختلافات ، راجع ج ١ : ٤٧٩ و ٤٨٠.

(٣) القرنفل : ثمر شجرة كاليا سمين. نبات بستانى طيب الرائحة. واكتتب القربة ونحوها : خرزها بسيرين. والظاهر أن نساء العرب كانت تتزين به. وفي ( ك ) « مكتوب » ويأتي معناه في البيان.

(٤) في المصدر : تعجل.

١١٥

هذا؟ قال : كسوتهم ليتجملوا به إذا قدموا في الناس ، قال : ويلك من قبل أن تنتهي إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله؟ قال : فانتزع الحلل من الناس وردها في البز (١) وأظهر الجيش شكاية لما صنع بهم. ثم روي عن الخدري أنه قال : شكا الناس عليا ، فقام رسول الله خطيبا فقال : [ يا ] أيها الناس لا تشكوا عليا فوالله إنه لخشن في ذات الله.

وسمعت مذاكرة أنه دخل عليه عمرو بن العاص ليلة وهو في بيت المال فطفئ السراج وجلس في ضوء القمر ، ولم يستحل أن يجلس في الضوء بغير استحقاق (٢).

ومن كلام له فيما رده على المسلمين من قطائع عثمان : والله لو وجدته قد تزوج به النساء وملك به الاماء لرددته ، فإن في العدل سعة ، ومن ضاق عليه العدل فالجور عليه أضيق.

ومن كلام له لما أراده الناس على البيعة بعد قتل عثمان : دعوني والتمسوا غيري ، فإنا مستقبلون أمرا له وجوه وألوان ، لا يقوم لها القلوب ولا يثبت عليه العقول ، وإن الآفات قد أغامت (٣) والمحجة قد تنكرت ، واعلموا أني إن أجبتكم ركبت بكم ما أعلم ، ولم أصغ إلى قول القائل وعتب العاتب.

وفي رواية عن أبي الهيثم بن التيهان وعبدالله بن أبي رافع أن طلحة والزبير جاء إلى أمير المؤمنين عليه‌السلام وقالا : ليس كذلك كان يعطينا عمر ، قال : فما كان يعطيكما رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله؟ فسكتا ، قال : أليس كان رسول الله يقسم بالسوية بين المسلمين؟ قالا : نعم ، قال:فسنة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أولى بالاتباع عندكم أم سنة عمر؟ قالا : سنة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يا أمير المؤمنين لنا سابقة وعناء وقرابة ، قال : سابقتكما أسبق أم سابقتي؟ قالا : سابقتك ، قال : فقرابتكما أم قرابتي قالا : قرابتك ، قال : فعناؤكما أعظم من عنائي؟ قالا : عناؤك ، قال : فوالله ما أنا وأجيري هذا إلا بمنزلة

____________________

(١) البز : الثياب من الكتان او القطن.

(٢) في المصدر : من غير استحقاق.

(٣) أى أحاطت من كل جهة كالغيم.

١١٦

واحدة ـ وأومأ بيده إلى الاجير ـ.

كتاب ابن الحاشر بإسناده إلى مالك بن أوس بن الحدثان في خبر طويل أنه قام سهل بن حنيف فأخذ بيد عبده فقال : يا أمير المؤمنين قد أعتقت هذا الغلام فأعطاه ثلاثة دنانير مثل ما أعطى سهل بن حنيف.

وسأله بعض مواليه مالا فقال : يخرج عطائي فأقاسمكه ، فقال : لا أكتفي وخرج إلى معاوية فوصله ، فكتب إلى أمير المؤمنين يخبره بما أصاب من المال ، فكتب إليه أمير المؤمنين عليه‌السلام : أما بعد فإن ما في يدك من المال قد كان له أهل قبلك ، و هو سائر إلى أهل من بعدك ، فإنما لك ما مهدت لنفسك ، فآثر نفسك على أحوج ولدك ، فإنما أنت جامع لاحد رجلين : إما رجل عمل فيه بطاعة الله فسعد بما شقيت وإما رجل عمل فيه بمعصية الله فشقي بما جمعت له ، وليس من هذين أحد بأهل أن تؤثره على نفسك ، ولا تبرد له على ظهرك ، فارج لمن مضى رحمة الله ، وثق لمن بقي برزق الله (١).

بيان : [ قال الفيروز آبادي : أحين القوم : حان لهم ما حاولوه (٢). وقال : الكثب : الجمع والصب (٣). وقال : أغامت السماء : ظهر فيها الغيم (٤) ] وقال : برد حقي : وجب ولزم.

٢٤ ـ قب : حكيم بن أوس كان علي عليه‌السلام يبعث إلينا بزقاق العسل فيقسم فينا ، ثم يأمر أن يلعقوه ، وأتي إليه بأحمال فاكهة ، فأمر ببيعها وأن يطرح ثمنها في بيت المال.

سعيد بن المسيب : رأيت عليا بنى للضوال مربدا ، فكان يعلفها علفا لا يسمنها

____________________

(١) مناقب آل أبى طالب ١ : ٣١٢ ـ ٣١٥.

(٢) القاموس ٤ : ٢١٨.

(٣) القاموس ١ : ١٢١.

(٤) القاموس ٤ : ١٥٨.

١١٧

ولا يهزلها من بيت المال ، فمن أقام عليها بينة أخذه وإلا أقرها على حالها (١).

بيان : المربد كمنبر : الموضع الذي يحبس فيه الابل والغنم.

٢٥ ـ قب : عاصم بن ميثم أنه أهدي إلى علي عليه‌السلام سلال خبيص له خاصة فدعا بسفرة فنثره عليه ، ثم جلسوا حلقتين يأكلون.

أبوحريز إن المجوس أهدوا إليه يوم النيروز جامات من فضة فيها سكر فقسم السكر بين أصحابه وحسبها من جزيتهم ، وبعث إليه دهقان بثوب منسوخ بالذهب ، فابتاعه منه عمرو بن حريث بأربعة آلاف درهم إلى العطاء.

الحلية وفضائل أحمد : عاصم بن كليب عن أبيه أنه قال : أتي علي بمال من إصفهان ، وكان أهل الكوفة أسباعا ، فقسمه سبعة أسباع ، فوجد فيه رغيفا فكسره بسبعة كسر ، ثم جعل على كل جزء كسرة ، ثم دعا امراء الاسباع فأقرع بينهم.

فضائل أحمد إنه رأى حبلا في بيت المال فقال : أعطوه الناس ، فأخذه بعضهم.

مجالس ابن مهدي إنه تخاير غلامان في خطيهما إلى الحسن ، فقال : انظر [ ماذا ] تقول فإنه حكم ، وكان عليه‌السلام قوالا للحق ، قواما بالقسط ، إذا رضي لم يقل غير الصدق ، وإن سخط لم يتجاوز جانب الحق (٢).

١٦ ـ شى : عن ابن نباتة قال : بينما علي عليه‌السلام يخطب يوم جمعة على المنبر فجاء الاشعث بن قيس يتخطى رقاب الناس ، فقال : يا أمير المؤمنين [ حالت ] الخملاء بيني وبين وجهك ، قال : فقال علي عليه‌السلام : مالي وما للضياطرة؟ أطرد قوما غدوا أول النهار يطلبون رزق الله ، وآخر النهار ذكروا الله ، أفأطردهم فأكون كالظالمين (٣).

بيان : قال الجزري : في حديث علي عليه‌السلام : « من يعذرني من هؤلاء الضياطرة » هم الضخام الذين لاغناء عندهم الواحد : ضيطار ، والياء زائدة (٤).

____________________

(١) مناقب آل أبى طالب ١ : ٣١٥.

(٢) مناقب آل ابى طالب ١ : ٣١٥ و ٣١٦.

(٣) تفسير العياشي ١ : ٣٦٠ وفي ( خ ) و ( م ) : فأكون من الظالمين.

(٤) النهاية ٣ : ١٩.

١١٨

٢٧ ـ كشف : عن الحافظ عبدالعزيز ، عن موسى بن جعفر ، عن آبائه عليهم‌السلام قال : قال الحسين عليه‌السلام : جاء رجل إلى أمير المؤمنين علي عليه‌السلام يسعى بقوم ، فأمرني أن دعوت له قنبرا ، فقال له علي عليه‌السلام اخرج إلى هذا الساعي فقل له : قد أسمعتنا ماكره الله تعالى فانصرف في غير حفظ الله تعالى.

ومن كتاب ابن طلحة روي أن سودة بنت عمارة الهمدانية دخلت على معاوية بعد موت علي ، فجعل يؤنبها (١) على تحريضها عليه أيام صفين ، وآل أمره إلى أن قال : ما حاجتك؟ قالت : إن الله مسائلك عن أمرنا وما افترض عليك من حقنا ولا يزال يتقدم (٢) علينا من قبلك من يسمو بمكانك ويبطش بقو : سلطانك ، فيحصدنا حصيد السنبل ويدوسنا دوس الحرمل ، يسومنا الخسف (٣) ويذيقنا الحتف ، هذا بشر بن أرطاة قدم علينا فقتل رجالنا ، وأخذ أموالنا ، ولولا الطاعة لكان فينا عز و منعة ، فإن عزلته عنا شكرناك وإلا كفرناك ، فقال معاوية : إياي تهد دين بقومك يا سودة؟ لقد هممت أن أحملك على قتب أشوس فأردك إليه فينفذ فيك حكمه فأطرقت سودة ساعة ثم قالت :

صلى الاله على روح تضمنها

قبر فأصبح فيه العدل مدفونا

قد حالف الحق لا يبغى به بدلا

فصار بالحق والايمان مقرونا

فقال معاوية : من هذا يا سودة؟ قالت : هو والله أمير المؤمنين علي بن أبي طالب والله لقد جئته في رجل كان قد ولاه صدقاتنا فجار علينا ، فصادفته قائما يصلي ، فلما رآني انفتل من صلاته ثم أقبل علي برحمة ورفق ورأفة وتعطف ، وقال : ألك حاجة؟ قلت : نعم ، فأخبرته الخبر ، فبكى ثم قال : اللهم أنت الشاهد علي و عليهم ، وأني لم آمرهم بظلم خلقك (٤) ، ثم أخرج قطعة جلد فكتب فيها :

____________________

(١) أنبه : عنفه ولامه.

(٢) في المصدر و ( خ ) : يقدم.

(٣) الحرمل : نبات كالسمسم. وسامه خسفا : أذله.

(٤) في المصدر بعد ذلك : ولا بترك حقك ـ

١١٩

« بسم الله الرحمن الرحيم قد جاءتكم بينة من ربكم فأوفوا الكيل والميزان ولا تبخسوا الناس أشياءهم ولا تفسدوا في الارض بعد إصلاحها ذلكم خير لكم إن كنتم مؤمنين ، فإذا قرأت كتابي هذا فاحتفظ بما في يدك من عملنا حتى يقدم عليك من يقبضه منك ، والسلام ».

ثم دفع الرقعة إلي ، فوالله ما ختمها بطين ولا خزنها ، (١) فجئت بالرقعة إلى صاحبه (٢) فانصرف عنا معزولا ، فقال معاوية : اكتبو لها كما تريد ، واصرفوها إلى بلدها غير شاكية (٣).

بيان : قوله : ( أشوس ) الشوس : النظر بمؤخر العين تكبرا وغيظا ، وهو لا يناسب المقام ، ولعله تصحيف « أشرس » يقال : رجل أشرس أي عسر شديد الخلاف ، والشرس بالكسر ما صغر من الشوك. قولها : ( قد حالف الحق ) أي صار حليفه وحلف أن لا يفارقه.

٢٨ ـ إرشاد القلوب : دخل ضرار بن ضمرة الليثي على معاوية ، فقال له : صف لي عليا ، فقال : أو تعفيني (٤) من ذلك ، فقال : لا أعفيك ، فقال : كان والله بعيد المدى ، شديد القوى ، يقول فصلا ويحكم عدلا ، يتفجر العلم من جوانبه ، وتنطق الحكمة من نواحيه ، يستوحش من الدنيا وزهرتها ، ويستأنس بالليل ووحشته ، كان والله غريز العبرة ، طويل الفكرة ، يقلب كفيه ، (٥) ويخاطب نفسه ، ويناجي ربه ، يعجبه من اللباس ما خشن ، ومن الطعام ما جشب ، كان والله فينا كأحدنا يدنينا إذا أتيناه ، ويجيبنا إذا سألناه وكان (٦) مع دنوه منا وقربنا منه لا نكلمه

____________________

(١) في المصدر : ولا خزمها

(٢) في ( ك ) إلى صاحبها.

(٣) كشف الغمة : ٥٠.

(٤) في المصدر : أولا تعفينى.

(٥) في المصدر : يقلب كفه

(٦) في المصدر : وكنا.

١٢٠