بحار الأنوار

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي

بحار الأنوار

المؤلف:

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي


الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: مؤسسة الوفاء
الطبعة: ٢
الصفحات: ٤٢٧
  الجزء ١   الجزء ٢   الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠ الجزء ٢١ الجزء ٢٢ الجزء ٢٣ الجزء ٢٤ الجزء ٢٥ الجزء ٢٦ الجزء ٢٧ الجزء ٢٨ الجزء ٢٩ الجزء ٣٠ الجزء ٣١ الجزء ٣٥ الجزء ٣٦ الجزء ٣٧ الجزء ٣٨ الجزء ٣٩ الجزء ٤٠ الجزء ٤١ الجزء ٤٢ الجزء ٤٣ الجزء ٤٤ الجزء ٤٥ الجزء ٤٦ الجزء ٤٧ الجزء ٤٨ الجزء ٤٩ الجزء ٥٠ الجزء ٥١ الجزء ٥٢ الجزء ٥٣ الجزء ٥٤ الجزء ٥٥ الجزء ٥٦ الجزء ٥٧ الجزء ٥٨ الجزء ٥٩ الجزء ٦٠ الجزء ٦١   الجزء ٦٢ الجزء ٦٣ الجزء ٦٤ الجزء ٦٥ الجزء ٦٦ الجزء ٦٧ الجزء ٦٨ الجزء ٦٩ الجزء ٧٠ الجزء ٧١ الجزء ٧٢ الجزء ٧٣ الجزء ٧٤ الجزء ٧٥ الجزء ٧٦ الجزء ٧٧ الجزء ٧٨ الجزء ٧٩ الجزء ٨٠ الجزء ٨١ الجزء ٨٢ الجزء ٨٣ الجزء ٨٤ الجزء ٨٥ الجزء ٨٦ الجزء ٨٧ الجزء ٨٨ الجزء ٨٩ الجزء ٩٠ الجزء ٩١ الجزء ٩٢ الجزء ٩٣ الجزء ٩٤   الجزء ٩٥ الجزء ٩٦   الجزء ٩٧ الجزء ٩٨ الجزء ٩٩ الجزء ١٠٠ الجزء ١٠١ الجزء ١٠٢ الجزء ١٠٣ الجزء ١٠٤

٨٨ ـ يج روي أنه صلى‌الله‌عليه‌وآله لما تلا « والنجم إذا هوى * ما ضل صاحبكم وما غوى (١) » قال رجل من قريش (٢) : كفرت برب النجم ، فقال له النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : سلط الله عليك كلبا من كلابه ، يعني أسدا ، فخرج مع أصحابه (٣) إلى الشام حتى إذا كانوا بها رأى أسدا فجعلت فرائصة ترعد (٤) ، فقيل له : من أي شئ ترعد وما نحن وأنت إلا سواء فقال : إن محمدا دعاعلي ، لا والله ما أظلت هذه السماء ذا لهجة (٥) أصدق من محمد ، ثم وضعوا العشاء فلم يدخل يده في فيه ، ثم جاء القوم فحاطوه بأنفسهم وبمتاعهم ووسطوه بينهم وناموا جميعا حوله ، فجاءهم الاسد فهمس يستنشق رجلا رجلا حتى انتهى إليه فضغمه ضغمه كانت إياها ، وقال بآخر رمق : ألم أقل إن محمدا أصدق الناس؟ ومات (٦).

بيان : الهمس : الصوت الخفي وأخفى ما يكون من صوت القدم ، والضغم : العض كانت إياها : إي موتته وقاطعة حياته.

٨٩ ـ وأقول : قال في المنتقى : في السنة الخامسة من نبوته صلى‌الله‌عليه‌وآله توفيت سمية بنت حياط مولاة أبي حذيفة بن المغيرة ، وهي ام عمار بن ياسر ، أسلمت بمكة قديما ، و كانت ممن تعذب في الله لترجع عن دينها فلم تفعل. فمر بها أبوجهل فطعنها في قلبها (٧) فماتت ، وكانت عجوزا كبيرة ، فهي أول شهيدة في الاسلام.

وفي سنة ست أسلم حمزة وعمر ، وقد قيل : أسلمنا في سنة خمس ، قال : ولما أنزل الله تعالى : « فاصدع بما تؤمر وأعرض عن المشركين » قام رسول الله (ص) على الصفا ونادى في أيام الموسم : يا أيها الناس إني رسول الله رب العالمين ، فرمقه الناس بأبصارهم ، قالها ثلاثا ، ثم انطلق حتى أتى المروة ثم وضع يده في اذنه ثم نادى ثلاثا بأعلى صوته : يا

__________________

(١) النجم : ١ و ٢.

(٢) تقدم في باب معجزاته في كفاية شر الاعداء ص : ٥٧ أنه عتبة بن أبى لهب.

(٣) مع أصحابه في كثرة خ ل.

(٤) في المصدر : ترتعد ، وكذا فيما بعده.

(٥) في المصدر : من ذى لهجة.

(٦) الخرائج : ١٨٥. أقول : ضغمه ، عضه بملء فمه.

(٧) في المصدر : فطعنها في قبلها ، وقدتقدم مثله في حديث.

٢٤١

أيها الناس إني رسول الله ، ثلاثا فرمقه الناس بأبصارهم ، ورماه أبوجهل قبحه الله بحجر فشج بين عينيه ، وتبعه المشركون بالحجارة فهرب حتى أتى الجبل فاستند إلى موضع يقال له : المتكأ وجاء المشركون في طلبه ، وجاء رجل إلى علي بن أبي طالب عليه‌السلام و قال : يا علي قد قتل محمد ، فانطلق إلى منزل خديجة ـ رضي الله عنها ـ فدق الباب فقالت خديجة : من هذا؟ قال : أنا علي قالت : يا علي ما فعل محمد؟ قال : لا أدري إلا أن المشركين قد رموه بالحجارة ، وما أدري أحي هو أم ميت ، فأعطيني شيئا فيه ماء وخذي معك شيئا من هيس (١) وانطلقي بنا نلتمس رسول الله (ص) فإنا نجده جائعا عطشانا ، فمضى حتى جاز الجبل وخديجة معه فقال علي : يا خديجة استبطني (٢) الوادي حتى أستظهره ، فجعل ينادي : يا محمداه ، يا رسول الله ، نفسي لك الفداء في أي واد أنت ملقى؟ وجعلت خديجة : تنادي من أحس لي النبي المصطفى؟ من أحس لي الربيع المرتضى؟ من أحس لي المطرود في الله؟ من أحس لي أبا القاسم؟ وهبط عليه جبرئيل عليه‌السلام فلما نظر إليه النبي (ص بكى وقال : ماترى ما صنع بي قومي؟ كذبوني وطردوني وخرجوا علي ، فقال يا محمد ناولني يدك فأخذ يده فأقعده على الجبل ، ثم أخرج من تحت جناحه درنوكا (٣) من درانيك الجنة منسوجا بالدر والياقوت وبسطه حتى جلل به جبال تهامة ، ثم أخذ بيد رسول الله (ص) حتى أقعده عليه ، ثم قال له جبرئيل : يا محمد أتريد أن تعلم كرامتك على الله؟ قال نعم ، قال : فادع إليك تلك الشجرة تجبك ، فدعاها فأقبلت حتى خرت بين يديه ساجدة ، فقال : يا محمد مرها ترجع فأمرها فرجعت إلى مكانها ، وهبط عليه إسماعيل حارس السماء الدنيا فقال : السلام عليك يا رسول الله ، قد أمرني ربي أن اطيعك ، أفتأمرني أن أنثر عليهم النجوم فأحرقهم ، وأقبل ملك الشمس فقال : السلام عليك يا رسول الله ، أتأمرني أن آخذ عليهم الشمس فأجمعها على رؤوسهم فتحرقهم ، وأقبل ملك الارض فقال : السلام عليك يا رسول الله : إن الله عزوجل قد أمرني أن اطيعك ، أفتأمرني أن آمر الارض فتجعلهم في بطنها

__________________

(١) هكذا في النسخة ومصدره ، ولعله مصحف حيس ، قال الفيروز آبادى : الحيس : الخلط وتمر يخلط بسمن واقط فيعجن شديدا ثم يندر منه نواه وربما جعل فيه سويق.

(٢) أى أدخلى أنت بطن الوادى حتى أعلو أنا ظهره.

(٣) الدرنوك والدرنيك : نوع من البسط له خمل.

٢٤٢

كما هم على ظهرها؟ وأقبل ملك الجبال فقال : السلام عليك يا رسول الله إن الله قد أمرني أن اطعيك ، أفتأمرني أن آمر الجبال فتنقلب عليهم فتحطمهم؟ وأقبل ملك البحار فقال : السلام عليك يا رسول الله ، قد أمرني ربى أن اطيعك ، أفتأمرني أن آمر البحار فتغرقهم؟ فقال رسول الله (ص) : قد امرتم بطاعتي؟ قالوا : نعم ، فرفع رأسه إلى السماء ونادى : إني لم ابعث عذابا ، إنما بعثت رحمة للعالمين ، دعوني وقومي فإنهم لا يعلمون ، ونظر جبرئيل عليه‌السلام إلى خديجة تجول في الوادي فقال : يا رسول الله ألا ترى إلى خديجة قدأبكت لبكائها ملائكة السماء؟ ادعها إليك فأقرئها مني السلام ، وقل لها : إن الله يقرئك السلام ، وبشرها أن لها في الجنة بيتا من قصب لانصب فيه ولا صخب (١) ، لؤلؤا مكللا بالذهب ، فدعاها النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله والدماء تسيل من وجهه على الارض ، وهو يمسحها ويردها قالت فداك أبي وامي دع الدمع يقع على الارض ، قال : أخشى أن يغضب رب الارض على من عليها ، فلما جن عليهم الليل انصرفت خديجة رضي الله عنها ورسول الله (ص) وعلي عليه‌السلام ودخلت به منزلها ، فأقعدته على الموضع الذي فيه الصخرة ، وأظلته بصخرة من فوق رأسه ، وقامت في وجهه تستره ببردها (٢) ، وأقبل المشركون يرمونه بالحجارة ، فإذا جاءت من فوق رأسه صخرة وقته الصخرة ، وإذا رموه من تحته وقته الجدران الحيط ، وإذا رمي من بين يديه وقته خديجة ـ رضي الله عنها ـ بنفسها ، وجعلت تنادي يامعشر قريش ترمى الحرة في منزلها؟ فلماسمعوا ذلك انصرفوا عنه ، وأصبح رسول الله (ص) وغدا إلى المسجد يصلي ، وفي سنة ثمان من نبوته صلى‌الله‌عليه‌وآله نزلت « الم غلبت الروم (٣) » كما مرت قصته في باب إعجاز القرآن.

__________________

(١) في النهاية : في حديث خديجة : « بشر خديجة ببيت من قصب في الجنة » القصب في هذا الحديث : لؤلؤ مجوف واسع كالقصر المنيف. والقصب من الجوهر : ما استطال منه في تجويف.

وقال : الصخب : الضجة واضطراب الاصوات للخصام.

(٢) في المصدر : تستره ببردته.

(٣) المنتقى في مولود المصطفى : الفصل الرابع في ذكر هجرة الحبشة ، والباب الرابع : فيما كان في سنة ست وسنة سبع من نبوته صلى‌الله‌عليه‌وآله ، والباب الخامس : فيما كان في سنة ثمان من نبوته صلى‌الله‌عليه‌وآله.

٢٤٣

٢

(باب آخر)

*(في كيفية صدور الوحى ، ونزول جبرئيل عليه‌السلام ، وعلة)*

*(احتباس الوحى ، وبيان أنه صلى‌الله‌عليه‌وآله هل)*

*(كان قبل البعثة متعبدا بشريعه أم لا)*

الايات : مريم « ١٩ » وما نتنزل إلا بأمر ربك له ما بين أيدينا وما خلفنا وما بين ذلك وما كان ربك نسيا ٦٤.

طه « ٢٠ » : ولا تعجل بالقرآن من قبل أن يقضى إليك وحيه وقل رب زدني علما ١١٤.

الفرقان « ٢٥ » : وقال الذين كفروا لولا نزل عليه القرآن جملة واحدة كذلك لنثبت به فؤادك ورتلناه ترتيلا ٣٢.

الشعراء : « ٢٦ » وإنه لتنزيل رب العالمين * نزل به الروح الامين * على قلبك لتكون من المنذرين * بلسان عربي مبين ١٩٢ ـ ١٩٥.

النمل : « ٢٧ » وإنك لتلقى القرآن من لدن حكيم عليم ٦.

حمعسق : « ٤٢ » وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا أومن وراء حجاب أويرسل رسولا فيوحي بإذنه مايشاء إنه علي حكيم * وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا ما كنت تدري ما الكتاب ولا الايمان ولكن جعلناه نورا نهدي به من نشاءمن عبادنا وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم ٥١ و ٥٢.

النجم : « ٥٣ » علمه شديد القوى ، ذو مرة فاستوى ـ إلى قوله ـ : أو أدنى ٥ ـ ٩

القيامة : « ٧٥ » لا تحرك به لسانك لتعجل به * إن علينا جمعه وقرآنه * فإذا قرأناه فاتبع قرآنه * ثم إن علينا بيانه ١٦ ـ ١٩.

٢٤٤

تفسير : قال البيضاوي في قوله تعالى : « وما نتنزل إلا بأمر ربك » : حكاية قول جبرئيل عليه‌السلام حين استبطأه رسول الله (ص) لماسئل عن قصة أصحاب الكهف وذي القرنين والروح ، ولم يدر ما يجيب ، ورجا أن يوحى إليه فيه ، فأبطأ عليه خمسة عشر يوما وقيل : أربعين يوما ، حتى قال المشركون ودعه ربه وقلاه ، ثم نزل ببيان ذلك ، و التنزل : النزول على مهل ، لانه مطاوع نزل ، وقد يطلق التنزل بمعنى النزول مطلقا ، كما يطلق نزل بمعنى أنزل ، والمعنى وما ننزل وقتا غب وقت إلا بأمر الله على ما تقتضيه حكمته ، وقرئ « وما يتنزل » بالياء ، والضمير للوحي « له مابين أيدينا وماخلفنا وما بين ذلك » وهو ما نحن فيه من الاماكن أو الاحايين لا ننقل من مكان إلى مكان ولا ننزل في زمان دون زمان إلا بأمره ومشيته « وما كان ربك نسيا » تاركا لك ، أي ما كان عدم النزول إلا لعدم الامر به ولم يكن ذلك عن ترك الله لك وتوديعه (١) إياك كما زعمت الكفرة ، وإنما كان لحكمة ، رآها فيه (٢).

قوله تعالى : « ولا تعجل بالقرآن » قال الطبرسي : فيه وجوه :

أحدها أن معناه لا تعجل بتلاوته قبل أن يفرغ جبرئيل من إبلاغه ، فإنه صلى‌الله‌عليه‌وآله كان يقرأ معه ويعجل بتلاوته مخافة نسيانه ، أي تفهم ما يوحى إليك إلى أن يفرغ الملك من تلاوته ، ولا تقرأ معه ثم اقرأ بعد فراغه منه.

وثانيها : أن معناه لا تقرئ به أصحابك ولاتمله (٣) حتى يتبين لك معانيه.

وثالثها : أن معناه ولاتسأل إنزال القرآن قبل أن يأتيك وحيه ، لانه تعالى إنما ينزله بحسب المصلحة وقت الحاجة (٤).

قوله تعالى : « كذلك لنثبت به فؤادك » قال البيضاوي : أي كذلك أنزلناه مفرقا لنقوي بتفريقه فؤادك على حفظه وفهمه ، لان حاله يخالف حال موسى وعيسى وداود عليهم‌السلام

__________________

(١) التوديع : الهجران ،

(٢) أنوار التنزيل : ٢٥ : ٤٢.

(٣) من أملى يملى إملاء ، وفى المصدر : ولا تقرئه لاصحابك ولا تمله عليهم.

(٤) مجمع البيان ٧ : ٣٢.

٢٤٥

حيث كان اميا وكانوا يكتبون ، فلو لقي عليه جملة لتعيي (١) بحفظه ، ولان نزوله بحسب الوقائع يوجب مزيد بصيرة وخوض في المعنى ، ولانه إذا نزل منجما (٢) ويتحدي بكل نجم فيعجزون عن معارضته زاد ذلك قوة قلبه ، ولانه إذا نزل به جبرئيل حالا بعد حال يثبت به فؤاده ، ومن فوائد التفريق معرفة الناسخ والمنسوخ ، ومنها انضمام القرائن الحالية إلى الدلالات اللفظية ، فإنه يعين على البلاغة « ورتلناه ترتيلا » أي وقرأنا عليك شيئا بعد شئ على توءدة وتمهل في عشرين سنة ، أو ثلاث وعشرين سنة (٣).

قوله تعالى : « ما كان لبشر » أي لا يصح له « أن يكلمه الله إلا وحيا » أي إلهاما و قذفا في القلوب ، أو إلقاء في المنام « أو من وراء حجاب » أي يكلمه من وراء حجاب كما كلم موسى عليه‌السلام بخلق الصوت في الطور ، وكما كلم نبينا (ص) في المعراج ، وهذا إما على سبيل الاستعارة والتشبيه ، فإن من يسمع الكلام ولا يرى المتكلم ، يشبه حاله بحال من يكلم من وراء حجاب ، أو المراد بالحجاب الحجاب المعنوي من كماله تعالى ، ونقص الممكنات ، ونوريته تعالى ، وظلمانية غيره ، كما سبق تحقيقه في كتاب التوحيد أو يرسل رسولا ، أي ملكا « فيوحي بإذنه ما يشاء » ، فظهر أن وحيه تعالى منحصر في أقسام ثلاثة : إما بالالهام والالقاء في المنام ، أو بخلق الصوت بحيث يسمعه الموحى إليه ، أو بإرسال ملك ، وعلم الملك أيضا يكون على هذه الوجوه (٤) ، والملك الاول (٥) لا يكون علمه إلا بوجهين منها ، وقد يكون بأن يطالع في اللوح ، وسيأتي تحقيقه في الاخبار « إنه علي » عن أن يدرك بالابصار « حكيم » في جميع الافعال « وكذلك أوحينا إليك روحا » قيل : المراد القرآن ، وقيل جبرئيل وسيأتي في الاخبار أن المراد به روح القدس ، فعلى الاخيرين المراد بـ « أوحينا » أرسلنا « من أمرنا » أي بأمرنا أو أنه من عالم الامر ، وقد مر تحقيقه

__________________

(١) عى وعيى وتعيى بأمره : عجز عنه ، ولم يطق إحكامه.

(٢) أى في أوقات معينة.

(٣) أنوار التنزيل ٢ : ١٦٢.

(٤) أى بالالهام ، أو بخلق الصوت ، أو بتوسيط ملك ، وأما الالقاء في المنام فلا يكون في ملك.

(٥) أى الملك الذى يأخذ عن الله بلا واسطة لا يكون عليه الا بالالهام أو بخلق الصوت.

٢٤٦

سيأتي « ما كنت تدري » أي قبل الوحي « ما الكتاب ولا الايمان » قيل : الكتاب : القرآن ، والايمان الصلاة ، وقيل : المراد أهل الايمان على حذف المضاف ، وقيل : المراد به الشرائع ومعالم الايمان ، وهو صلى‌الله‌عليه‌وآله لم يكن في حال من الاحوال على غير الايمان ، واستدل بهذه الآية على أنه صلى‌الله‌عليه‌وآله لم يكن قبل النبوة متعبدا بشرع ، وسيأتي تحقيقه. « ولكن جعلناه » أي القرآن أو الروح أو الايمان.

قوله تعالى : « علمه شديد القوى » قال الطبرسي ـ رحمه‌الله ـ يعني جبرئيل عليه‌السلام أي القوي في نفسه وخلقته « ذو مرة » أي قوة وشدة في خلقه ، ومن قوته أنه اقتلع قرى قوم لوط ، ومن شدته صيحته لقوم ثمود حتى هلكوا ، وقيل : ذو صحة وخلق حسن ، و قيل : « شديد القوى » في ذات الله « ذو مرة » أي صحة في الجسم ، سليم من الآفات والعيوب وقيل : ذو مرة ، أي ذو مرور في الهواء ذاهبا وجائيا ونازلا وصاعدا « فاستوى » أي جبرئيل على صورته التي خلق عليها بعد انحداره إلى محمد (ص) « وهو بالافق الاعلى » أي افق المشرق (١) ، قالوا : إن جبرئيل عليه‌السلام كان يأتي النبي (ص) في صورة الآدميين ، فسأله رسول الله (ص) أن يريه نفسه على صورته التي خلق عليها ، فأراه نفسه مرتين : مرة في الارض ، ومرة في السماء أما في الارض ففي الافق الاعلى وذلك أن محمدا (ص) كان بحراء فطلع له جبرئيل عليه‌السلام من المشرق فسد الافق إلى المغرب فخر النبي (ص) مغشيا عليه فنزل جبرئيل عليه‌السلام في صورة الآدميين فضمه إلى نفسه ، وهو قوله : « ثم دنا فتدلى » وتقديره ثم تدلى ، أي قرب بعد بعده وعلوه في الافق الاعلى فدنا من محمد (ص) ، قال الحسن و قتادة : ثم دنا جبرئيل بعد استوائه بالافق الاعلى من الارض فنزل إلى محمد (ص) ، وقال الزجاج : معنى دنا وتدلى واحد ، أي قرب فزاد في القرب (٢) ، وقيل : فاستوى ، أي ارتفع وعلا إلى السماء بعد أن علم محمدا وقيل : اعتدل واقفا في الهواء بعد أن كان ينزل بسرعة ليراه النبي (ص) ، وقيل : معناه استوى جبرئيل ومحمد (ص) بالافق الاعلى يعني السماء

__________________

(١) في المصدر : « وهو » كناية عن جبرئيل أيضا « بالافق الاعلى » يعنى افق المشرق ، و لمراد بالاعلى جانب المشرق ، وهو فوق جانب المغرب في صعيد الارض لا في الهواء.

(٢) في المصدر : لان معنى دنا قرب ، وتدلى زاد في القرب.

٢٤٧

الدنيا ليلة المعراج « فكان قاب قوسين أو أدنى » أي كان ما بين جبرئيل وبين رسول الله (ص) قاب قوسين ، قال عبدالله بن مسعود : إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله رأى جبرئيل وله ستمائة جناح (١).

أقول سيأتي تفسير بقية الآيات في باب المعراج.

قوله تعالى : « لا تحرك به لسانك » قال البيضاوي : أي بالقرآن قبل أن يتم وحيه « لتعجل به » لتأخذه على عجلة مخافة أن ينفلت منك « إن علينا جمعه » في صدرك « و قرآنه » وإثبات قراءته في لسانك « فإذا قرأناه » بلسان جبرئيل عليك « فاتبع قرآنه » قراءته ، وتكرر فيه حتى يرسخ في ذهنك « ثم إن علينا بيانه » بيان ما اشكل عليك من معانيه (٢).

١ ـ عد : الاعتقاد في نزول الوحي من عند الله عزوجل بالامر والنهي : إعتقادنا في ذلك أن بين عيني إسرافيل لوحا ، فإذا أراد الله عزوجل أن يتكلم بالوحي ضرب اللوح جبين إسرافيل ، فينظر فيه فيقرأ ما فيه ، فليقيه ميكائيل ، ويلقيه ميكائيل إلى جبرئيل عليهم‌السلام ، ويلقيه جبرئيل إلى الانبياء عليهم‌السلام ، وأما الغشية التي كانت تأخذ النبي (ص) حتى يثقل ويعرق فإن ذلك كان يكون (٣) منه عند مخاطبة الله عزوجل إياه فأما جبرئيل فإنه كان لا يدخل على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله حتى يستأذنه إكراما له ، وكان يقعد بين يديه قعدة العبد (٤).

بيان : قال الشيخ المفيد قدس الله روحه في شرح هذا الكلام : هذا أخذه أبوجعفر من شواذ الحديث ، وفيه خلاف لما قدمه من أن اللوح ملك من ملائكة الله تعالى ، وأصل الوحي هو الكلام الخفي ، ثم قد يطلق على كل شئ قصد به إلى إفهام (٥) المخاطب

__________________

(١) مجمع البيان ٩ : ١٧٣.

(٢) أنوار التنزيل ٢ : ٥٦٧.

(٣) في المصدر : فانها كانت تكون.

(٤) اعتقادات الصدوق : ١٠٠

(٥) المصدر خال عن كلمة ( إلى ) وهو الصحيح.

٢٤٨

على الستر له عن غيره ، والتخصيص له به دون من سواه ، وإذا اضيف إلى الله تعالى كان فيما يخص به الرسل صلى الله عليهم خاصة دون من سواهم (١) على عرف الاسلام و شريعة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، قال الله تعالى : « وأوحينا إلى ام موسى أن أرضعيه (٢) » الآية ، فاتفق أهل الاسلام على أن الوحي كان رؤيا مناما وكلاما (٣) سمعته ام موسى على الاختصاص وقال تعالى : « وأوحى ربك إلى النحل (٤) » الآية ، يريد به الالهام الخفي إذ كان خالصا لمن أفرده (٥) دون من سواه ، فكان علمه حاصلا للنحل بغير كلام جهر به المتكلم فأسمعه غيره ، وقال تعالى : « وإن الشياطين ليوحون إلى أوليائهم (٦) » بمعنى يوسوسون إلى أوليائهم بما يلقونه من الكلام في أقصى أسماعهم ، فيخصون بعلمهم دون من سواهم ، وقال : « فخرج على قومه من المحراب فأوحى إليهم (٧) » يريد به أشار إليهم من غير إفصاج

__________________

(١) اعلم أن الوحى قد يطلق ويراد به الكلمة المقدسة الالهية التى تلقى إلى انبياء الله و رسله صلواته عليهم في بيان شرائع الله وأحكامه ، اما بتبليغ ملك يتمثل لهم فيروه ، كتمثل جبرئيل كثيرا لنبينا صلوات الله عليه ، أو يلقيها في روعهم بلا مشاهدة ، كقوله تعالى : « نزل به الروح الامين * على قلبك » وقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : « إن روح القدس نفث في روعى » أو بلا واسطة ملك باسماع الله تعالى نبيه تلك الكلمة ، أو القائه في روعه ، والهامه إليه ، كل ذلك إما في حال اليقظة أو النوم ، والوحى بهذا المعنى يختص بالانبياء عليهم‌السلام ولا يعم غيرهم ، وقد يراد به تلك الكلمة لكن في غير موضع الشرائع والاحكام ، بالالقاء في الروع والالهام ، وذلك المعنى يعم الانبياء عليهم‌السلام وغيرهم ، كما قال الله تعالى : « وأوحينا إلى ام موسى أن أرضعيه » وقد يطلق ويراد به التسخير وذلك في غير ذوى العقول كقوله تعالى : « وأوحى ربك إلى النحل » وقوله : « بان ربك أوحى لها » كما يطلق ويراد به الوسواس كقوله تعالى : « ان الشياطين ليوحون إلى أوليائهم » وذلك يختص بالشياطين ولا يضاف الا اليهم ، وسيأتى عن أمير المؤمنين عليه‌السلام الايعاز إلى معان أخر عن قريب.

(٢) القصص : ٧.

(٣) في المصدر : أو كلاما.

(٤) النحل : ٦٧.

(٥) في المصدر : اذا كان خاصا بمن أفرده.

(٦) الانعام : ١٢١.

(٧) مريم : ١١.

٢٤٩

الكلام ، شبه ذلك بالوحي لخفائه عمن سوى المخاطبين ، ولستره عمن سواهم ، وقديري الله في المنام خلقا كثيرا ما يصح تأويله ويثبت حقه ، لكنه لا يطلق ـ بعد استقرار الشريعة ـ عليه اسم الوحي ، ولا يقال في هذا الوقت لمن طبعه الله (١) على علم شئ : إنه يوحى إليه وعندنا أن الله تعالى يسمع الحجج بعد نبيه صلى الله عليهم كلاما يلقيه إليهم في علم ما يكون ، لكنه لا يطلق عليه اسم الوحي ، لما قدمناه من إجماع المسلمين على أنه لا وحي لاحد بعد نبينا ، وإنه لا يقال في شئ مما ذكرنا : إنه أوحى إلى أحد ، ولله تعالى أن يبيح إطلاق الكلام أحيانا ، ويحظره أحيانا ، ويمنع السمات بشئ حينا ويطلقها حينا ، وأما المعاني فإنها لا تتغير عن حقائقها على ما قدمناه ، وأما الوحي من الله تعالى إلى نبيه فقد كان تارة بإسماعه الكلام من غير واسطة ، وتارة بإسماعه الكلام على ألسن الملائكة والذي ذكره أبوجعفر ـ رحمه‌الله ـ من اللوح والقلم وما يثبت فيه فقد جاء به حديث إلا أنا لا نعزم على القول به ، ولا نقطع على الله بصحته ، ولا نشهد منه إلا بما علمناه ، وليس الخبر به متواتر يقطع العذر ، ولا عليه إجماع ، ولا نطق القرآن به ، ولا ثبت عن حجة الله تعالى فينقاد له ، والوجه أن نقف فيه ونجوزه ولا نقطع به ولا نرده ، ونجعله في حيز الممكن فأما قطع أبي جعفر به وعلمه على اعتقاده فهو مستند إلى ضرب من التقليد ، ولسنا من التقليد في شئ (٢).

٣ ـ عد : الاعتقاد في نزول القرآن : اعتقادنا في ذلك أن القرآن نزل في شهر رمضان في ليلة القدر جملة واحدة إلى البيت المعمور ، ثم نزل من البيت المعمور في مدة عشرين سنة ، وأن الله تبارك وتعالى أعطى نبيه العلم جملة واحدة ، ثم قال له : « ولا تعجل بالقرآن

__________________

(١) في نسخة من المصدر : اطلعه الله

(٢) الظاهر من كلام الصدوق قدس الله روحه انه بعد ما اعتقد أن الوحى قد يكون باسماع الله تعالى نبيه ، وقد يكون بتوسيط الملك أراد أن يبين كيفية علم الملائكة واطلاعهم على الوحى وأنه كيف يلقى الله إليهم ذلك فما ذكره مذكور في بعض الاحاديث ، وستأتى في الاخبار كيفية اخرى في ذلك.

(٣) تصحيح الاعتقادات : ٥٦ و ٥٧.

٢٥٠

من قبل أن يقضى إليك وحيه (١) » وقال عزوجل : « لا تحرك به لسانك لتعجل به (٢) » إلى قوله : « بيانه » (٣).

بيان : قال الشيخ المفيد ـ رحمه‌الله ـ الذي ذهب إليه أبوجعفر في هذا الباب أصله حديث واحد لا يوجب علما ولا عملا ، ونزول القرآن على الاسباب الحادثة حالا بحال يدل على خلاف ما تضمنه الحديث ، وذلك أنه قد تضمن حكم ما حدث ، وذكر ما جرى على وجهه ، وذلك لا يكون على الحقيقة إلا بحدوثه عند السبب ، ألا ترى إلى قوله تعالى : « و قالوا (٤) قلوبنا غلف بل طبع الله عليها بكفرهم » وقوله : « وقالوا لو شاء الرحمان ما عبدناهم مالهم بذلك من علم (٥) » وهذا خبر عن ماض ، ولا يجوز أن يتقدم مخبره ، فيكون حينئذ خبرا عن ماض وهو لم يقع ، بل هو في المستقبل ، وأمثال ذلك في القرآن كثيرة ، وقد جاء الخبر بذكر الظهار وسببه ، وأنه لما جادلت النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله في ذكر الظهار أنزل الله تعالى « قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها (٦) » وهذه قصة كانت بالمدينة ، فكيف ينزل الله تعالى الوحي بها بمكة قبل الهجرة ، فيخبر أنها قد كانت ولم تكن ، ولو تتبعنا قصص القرآن لجاء مما ذكرناه كثيرا ينسد (٧) به المقال ، وفيما ذكرنا منه كفاية لذوي الالباب ، وما أشبه ما جاء به من الحديث بمذهب المشبهة الذين زعموا أن الله تعالى لم يزل متكلما بالقرآن ومخبرا عما يكون بلفط كان ، وقد رد عليهم أهل التوحيد بنحو ما

__________________

(١) طه : ١١٤.

(٢) القيامة : ٦؟ ـ ١٩.

(٣) الاعتقادات : ١٠١.

(٤) هكذا في الكتاب ، والصحيح كما في المصدر والمصحف الشريف ، « وقولهم قلوبنا غلف » راجع سورة النساء : ١٥٥ ، واما قوله تعالى : « وقالوا قلوبنا غلف » فتمامه : « بل لعنهم الله بكفرهم فقليلا ما يؤمنون » راجع سورة البقرة : ٨٨.

(٥) الزخرف : ٢٠.

(٦) المجادلة : ١.

(٧) في المصدر : يتسع به المقال.

٢٥١

ذكرناه ، وقد يجوز أن الخبر (١) بنزول القرآن جملة في ليلة القدر المراد به أنه نزل جملة منه في ليلة القدر ، ثم تلاه مانزل منه إلى وفاة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فأما أن يكون نزل بأسره وجميعه في ليلة القدرفهو بعيد مما يقتضيه ظاهر القرآن ، والتواتر من الاخبار ، و إجماع العلماء على اختلافها (٢) في الآراء ، وأما قوله تعالى : « ولا تعجل بالقرآن » ففيه وجهان غير ماذكره أبوجعفر وعول فيه على حديث شاذ :

أحدهما : أن الله تعالى نهاه عن التسرع إلى تأويل القرآن قبل الوحي إليه به ، وإن كان في الامكان من جهة اللغة ما لو قالوه (٣) على مذهب أهل اللسان.

والوجه الآخر : أن جبرئيل عليه‌السلام كان يوحي إليه بالقرآن فيتلوه معه حرفا بحرف ، فأمره الله تعالى أن لا يفعل ذلك ، ويصغي إلى ما يأتيه به جبرئيل أو ينزله الله تعالى عليه بغير واسطة حتى يحصل الفراغ منه ، فإذا تم (٤) الوحي به تلاوة ونطق به فاقرأه ، فأما ما ذكره المعول على الحديث من التأويل فبعيد ، لانه لا وجه لنهي الله تعالى عن العجلة بالقرآن الذي هو في السماء (٥) الرابعة حتى يقضى إليه وحيه ، لانه لم يكن محيطا علما بما في السماء الرابعة قبل الوحي به إليه ، فلا معنى لنهيه عما ليس في إمكانه ، اللهم إلا أن يقول قائل ذلك : إنه كان محيطا بعلم القرآن المودع في السماء الرابعة فينتقض كلامه ومذهبه أنه كان في السماء الرابعة ، لان ما في صدر رسول الله (ص) وحفظه في الارض فلا معنى لاختصاصه بالسماء ، ولو كان ما في حفظ رسول الله (ص) يوصف بأنه في السماء الرابعة خاصة لكان ما في حفظ غيره موصوفا بذلك ، ولا وجه حينئذ يكون

__________________

(١) في المصدر : ان الخبر الوارد.

(٢) في المصدر : على اختلافهم.

(٣) في المصدر : ماقالوه وهو الصحيح.

(٤) في المصدر : فاذا اتم الوحى.

(٥) لم يرد الصدوق ذلك ، بل أراد أنه تعالى نهاه عن العجلة بالقرآن الذى علمه جملة واحدة بعد مانزل إلى البيت المعمور ، وبعبارة ان الله تعالى أنزل في ليلة القدر القرآن جملة واحدة إلى البيت المعمور ، ثم أعلم النبي ذلك وعلمه القرآن بجملته ، فلا يحتاج إلى احاطته بالسماء الرابعة حتى ينه عنه ، ولا ينتقض كلامه أنه كان في السماء الرابعة.

٢٥٢

لاضافته إلى السماء الرابعة ولا إلى السماء الاولى ، ومن تأمل ما ذكرناه علم أن تأويل الآية على ما ذكره المتعلق بالحديث بعيد عن الصواب انتهى كلامه رفع الله مقامه (١).

وأقول : أما الاعتراض الاول الذي أورده قدس‌سره على الصدوق رحمه‌الله فغير وارد ، إذ ثبت بالاخبار المستفيضة أن جميع الكتب التي أنزلها الله تعالى على أنبيائه أثبتها في اللوح المحفوظ قبل خلق السماء والارض ، ثم ينزل منها بحسب المصالح في كل وقت وزمان ، وأما انطباقها على الوقائع المتأخرة فلا ينافي ذلك ، لان الله تعالى عالم بما يتكلمون ويصدر منهم ويقع بينهم بعد ذلك ، فأثبت في القرآن المثبت في اللوح جواب جميع ذلك على وفق علمه الذي لا يتخلف ، فالمضي إنما يكون بالنسبة إلى زمان التبليغ إلى الخلق فلا استبعاد في أن ينزل هذا الكتاب جملة على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ويأمره بأن لا يقرأ على الامة شيئا منه إلا بعد أن ينزل كل جزء منه في وقت معين يناسب تبليغه ، وفي واقعة معينة يتعلق بها ، وأما تشبيه صاحب هذا القول بالمشبهة القائلين بقدم كلام الله فلا يخفى ما فيه ، لان صاحب هذا القول لا يقول بقدم القرآن المؤلف من الحروف ، ولا بكونه صفة قديمة لله ، قائمة بذاته تعالى ، فأي مفسدة تلزم عليه ، وأما المشابهة في أنه يمكن نفي القولين بتلك الآيات ففيه أن نفي هذا المذهب السخيف أيضا بتلك الآيات لا يتم بل ثبت بطلانه بسائر البراهين الموردة في محالها ، وأما الاعتراضات التي أوردها على تفسير الصدوق للآية الكريمة فلعلها مبنية على الغفلة عن مراده فإن الظاهر أن الصدوق رحمه‌الله أراد بذلك الجمع بين الآيات والروايات ، ودفع مايتوهم من التنافي بينها ، لانه دلت الآيات على نزول القرآن في ليلة القدر ، والظاهر نزول جميعه فيها ، ودلت الآثار والاخبار على نزول القرآن في عشرين أو ثلاث وعشرين سنة ، وورد في بعض الروايات أن القرآن نزل في أول ليلة من شهر رمضان ، ودل بعضها على أن ابتداء نزوله في المبعث فجمع بينها بأن : في ليلة القدر نزل القرآن جملة من اللوح إلى السماء الرابعة لينزل من السماء الرابعة إلى الارض بالتدريج ، ونزل في أول ليلة من شهر رمضان جملة القرآن على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ليعلم هو ، لا ليتلوه على الناس ، ثم ابتداء نزوله آية آية وسورة سورة في المبعث أو غيره

__________________

(١) تصحيح الاعتقادات ٥٧ ـ ٦٠.

٢٥٣

ليتلوه على الناس ، وهذا الجمع مؤيد بالاخبار ، ويمكن الجمع بوجوه اخر سيأتي تحقيقها في باب ليلة القدر وغيره ، فقوله رحمه‌الله : إن الله تعالى أعطى نبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله العلم جملة لا يعني به أنه أعطاه بمحض النزول إلى البيت المعمور ليرد عليه ما أورده رحمه‌الله ، ولا أن المراد بالنزول إلى البيت المعمور أنه علمه النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وهذا منه رحمه‌الله غريب ، وأما اللوح الذي ذكره أولا أنه يضرب جبين إسرافيل عليه‌السلام فيحتمل أن يكون المراد به اللوح المحفوظ ، ويكون ذلك عند أول النزول إلى البيت المعمور ، أو يكون المراد اللوح الذي ثبت فيه القرآن في السماء الرابعة ، ولعله بعد نظر إسرافيل في اللوح على الوجهين يجد فيه علامة يعرف بها مقدار ما يلزمه إنزالها ، أو يكون لوحا آخر ينقش فيه شئ فشئ عند إرادة الوحي ، ولا ينافي انتقاش الاشياء فيه كونه ملكا كما اعترض عليه المفيد رحمه‌الله وإن كان بعيدا.

٣ ـ فس : « وما كان لبشر أن يكلمه الله » الآية ، قال : وحي مشافهة ، ووحي إلهام ، وهو الذى يقع في القلب «أو من وراء حجاب» كما كلم الله نبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وكما كلم الله موسى عليه‌السلام من النار «أو يرسل رسولا فيوحي بإذنه ما يشاء» قال : وحي مشافهة يعني إلى الناس ، ثم قال لنبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله : « وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا ما كنت تدري ما الكتاب ولا الايمان » قال : روح القدس ، هي التي قال الصادق عليه‌السلام في قوله : « ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي (١) » قال : هو ملك أعظم من جبرئيل وميكائيل ، كان مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وهو مع الائمة (٢).

أقول : سيأتي في تفسير النعماني عن أمير المؤمنين عليه‌السلام قال : وأما تفسير وحي النبوة والرسالة فهو قوله تعالى : « إنا أوحينا إليك كما أوحينا إلى نوح والنبيين من بعده وأوحينا إلى إبراهيم وإسماعيل (٣) » إلى آخر الآية ، وأما وحي الالهام فهو قوله عزوجل : « وأوحى ربك إلى النحل أن اتخذي من الجبال بيوتا ومن الشجر ومما

__________________

(١) الاسراء : ٨٥.

(٢) تفسير القمى : ٦٠٥ و ٦٠٦.

(٣) النساء : ١٦٣.

٢٥٤

يعرشون (١) » ومثله « وأوحينا إلى ام موسى أن أرضعيه فإذا خفت عليه فألقيه في اليم (٢) » وأما وحي الاشارة فقوله عزوجل : « فخرج على قومه من المحراب فأوحى إليهم أن سبحوا بكرة وعشيا (٣) » أي أشار إليهم كقوله تعالى : « أن لاتكلم الناس ثلاثة أيام إلا رمزا (٤) » وأما وحي التقدير فقوله تعالى : « وأوحى في كل سماء أمرها وقدر فيها أقواتها» (٥) وأما وحي الامر فقوله سبحانه : « وإذا أوحيت إلى الحواريين أن آمنوا بي وبرسولي (٦) » وأما وحي الكذب فقوله عزوجل : « شياطين الانس والجن يوحي بعضهم إلى بعض (٧) » إلى آخر الآية ، وأما وحي (٨) الخبر فقوله سبحانه : « وجعلنا منهم (٩) أئمة يهدون بأمرنا وأوحينا إليهم فعل الخيرات وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وكانوا لنا عابدين » (١٠).

٤ ـ ب : اليقطيني ، عن القداح ، عن جعفر ، عن أبيه عليهما‌السلام قال : احتبس الوحي على النبي (ص) فقيل : احتبس عنك الوحي يا رسول الله؟ قال : فقال رسول الله (ص) : وكيف لا يحتبس عني الوحي وأنتم لاتقلمون أظفاركم ولا تنقون (١١) روائحكم (١٢).

__________________

(١) النحل : ٦٨.

(٢) القصص : ٧.

(٣) مريم : ١١.

(٤) آل عمران : ٤١.

(٥) هكذا في الكتاب ومصدره ، ولعل قوله : « وقدر » تفسير لقوله : « وأوحى » والا فالاية هكذا : « وجعل فيها رواسى من فوقها وبارك فيها وقدر فيها أقواتها في أربعة أيام سواء للسائلين ، ثم استوى إلى السماء وهى دخان فقال لها وللارض ائتيا طوعا أوكرها قالات أتينا طائعين * فقضاهن سبع سماوات في يومين وأوحى في كل سماء أمرها » راجع سورة فصلت ١٠ ـ ١٢.

(٦) المائدة : ١١١.

(٧) الانعام : ١١٢.

(٨) أى الاخبار بوساطة الانبياء عليهم‌السلام.

(٩) هكذا في الكتاب ومصدره ، وفى المصحف الشريف : « وجعلناهم » راجع سورة الانبياء : ٧٣.

(١٠) المحكم والمتشابة : ٢١ و ٢٢.

(١١) لا تنقون خ ل. رواجبكم خ ل

(١٢) قرب الاسناد : ١٣.

٢٥٥

بيان : قوله : روائحكم ، أي الكريهة ، وفي الكافي (١) وبعض نسخ المنقول منه رواجبكم وهو أظهر ، وهي مفاصل اصول الاصابع ، أو بواطن مفاصلها ، أو هي قصب الاصابع أو مفاصلها ، أو ظهور السلاميات (٢) ، أو ما بين البراجم من السلاميات ، أو المفاصل التي تلي الانامل ، ذكرها الفيروز آبادي.

٥ ـ ع : ابن البرقي ، عن أبيه ، عن جده (٣) ، عن ابن أبي عمير ، عن عمرو بن جميع ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : كان جبرئيل إذا أتي النبي (ص) قعد بين يديه قعدة العبد ، وكان لا يدخل حتى يستأذنه (٤).

٦ ـ يد : أبي ، عن سعد عن ابن هاشم ، عن ابن أبي نجران ، عن محمد بن سنان ، عن إبراهيم والفضل ابني محمد الاشعريين ، عن عبيد بن زرارة ، عن أبيه قال : قلت لابي عبدالله عليه‌السلام : جعلت فداك الغشية التي كانت تصيب رسول الله (ص) إذا نزل عليه الوحي؟ قال : فقال ذلك (٥) إذا لم يكن بينه وبين الله أحد ، ذاك إذا تجلى الله له ، قال : ثم قال : تلك النبوة يا زرارة ، وأقبل يتخشع (٦).

بيان : تجلي الله تعالى. ظهور آيات عظمته وجلاله (٧) ، أو هو كناية عن غاية المعرفة.

٧ ـ يد : ابن الوليد ، عن ابن أبان ، عن الحسين بن سعيد ، عن ابن أبي عمير ، عن عبدالله الفراء ، عن محمد بن مسلم ، ومحمد بن مروان ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : ما علم

__________________

(١) فروع الكافي ٢ : ٢١٧.

(٢) السلاميات جمع السلامى : كل عظم مجوف من صغار العظام ، مثل عظام الاصابع والبراجم جمع البرجمة : مفاصل الاصابع أو العظام الصغار في اليد والرجل.

(٣) الصحيح كما في المصدر : عن جده ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، والمراد بالجد أحمد بن أبى عبدالله البرقى ، والاب محمد بن خالد البرقى.

(٤) علل الشرائع : ١٤.

(٥) ذاك خ ل.

(٦) التوحيد ١٠٢.

(٧) أو تكليمه.

٢٥٦

رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أن جبرئيل عليه‌السلام من قبل الله إلا بالتوفيق (١).

شى : عن محمد بن هارون عنه عليه‌السلام مثله (٢).

بيان : أي وفقه بأن علم (٣) علما ضروريا أنه جبرئيل وليس بشيطان أو قرن الوحي بمعجزات علم بها أنه من قبل الله.

٨ ـ يد ، ج : فيما أجاب به أمير المؤمنين عليه‌السلام عن أسئلة الزنديق المدعي للتناقض في القرآن : قال عليه‌السلام : وأما قوله : « وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا أو من وراء حجاب أو يرسل رسولا فيوحي بإذنه ما يشاء (٤) » وقوله : « وكلم الله موسى تكليما (٥) » وقوله : « وناداهما ربهما (٦) » وقوله : « يا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة (٧) » فأما قوله : « ما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا أو من وراء حجاب » : ما ينبغي (٨) لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا وليس بكائن إلا من وراء حجاب « أو يرسل رسولا فيوحي بإذنه ما يشاء » كذلك (٩) قال الله تبارك وتعالى علوا كبيرا ، قد كان الرسول يوحى إليه من رسل السماء ، فتبلغ رسل السماء رسل الارض ، وقد كان الكلام بين رسل أهل الارض وبينه من غير أن يرسل بالكلام مع رسل أهل السماء ، وقد قال رسول الله (ص) يا جبرئيل هل رأيت ربك؟ فقال جبرئيل : إن ربي لا يرى ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : من أين تأخذ الوحي؟ فقال : آخذه من إسرافيل ، فقال : ومن أين يأخذه إسرافيل؟ قال : يأخذه من ملك فوقه من الروحانيين ، قال : فمن أين يأخذه ذلك الملك؟ قال : يقذف في قلبه قذفا ، فهذا وحي ، وهو كلام الله عزوجل ، وكلام الله ليس بنحو واحد ، منه ما كلم

__________________

(١) التوحيد : ٢٤٦ و ٢٤٧.

(٢) تفسير العياشى : مخطوط.

(٣) أوألهم إليه ذلك.

(٤) الشورى : ٥١.

(٥) النساء : ١٦٤.

(٦) الاعراف : ٢٢.

(٧) البقرة : ٣٥.

(٨) في التوحيد : فانه ما ينبغى.

(٩) خلا الاحتجاج عن قوله : وقوله « وكلم الله موسى تكليما » إلى قوله كذلك قال الله.

٢٥٧

الله به الرسل ، ومنه ما قذفه في قلوبهم ، ومنه رؤيا يريها الرسل ، ومنه وحي وتنزيل يتلى ويقرأفهو كلام الله (١) ، فاكتف بما وصفت لك من كلام الله فإن معنى كلام الله ليس بنحو واحد ، فإنه (٢) منه ما تبلغ منه رسل السماء رسل الارض ، قال : فرجت عني فرج الله عنك ، وحللت عني عقدة فعظم الله أمرك يا أميرالمؤمنين (٣).

بيان : لعل سؤاله صلى‌الله‌عليه‌وآله عن رؤية الرب تعالى بعد ما علم بالعقل أنه يمتنع عليه الرؤية ليعلم بالوحي أيضا كما علم بالعقل ، وليخبر الناس بما اوحي إليه من ذلك.

٩ ـ فس : أبي ، عن أحمد بن النضر ، عن عمرو بن شمر ، عن جابر ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : قال جبرئيل لرسول الله (ص) في وصف إسرافيل : هذا حاجب الرب وأقرب خلق الله منه ، واللوح بين عينيه من ياقوتة حمراء ، فإذا تكلم الرب تبارك وتعالى بالوحي ضرب اللوح جبينه فنظر فيه ، ثم ألقى إلينا نسعى (٤) به في السماوات والارض إنه لادنى خلق الرحمان منه وبينه وبينه تسعون (٥) حجابا من نور ، يقطع دونها الابصار ما يعد( ولا يوصف ، وإني لاقرب الخلق منه ، وبيني وبينه مسيرة ألف عام (٧).

بيان : قوله : وبينه وبينه ، أي وبين الموضع الذي جعله الله محل صدورالوحي من العرش ، أو المراد بالحجب الحجب المعنوية (٨).

١٠ ـ فس : قال علي بن إبراهيم في قوله : « بل هو قرآن مجيد * في لوح محفوظ (٩) » قال : اللوح المحفوظ له طرفان : طرف على العرش (١٠) وطرف على جبهة

__________________

(١) إلى هنا تم الحديث في الاحتجاج.

(٢) فان منه خ ل.

(٣) التوحيد ٢٦٩ و ٢٧٠ ، الاحتجاج ١٢٧.

(٤) في المصدر : ثم ألقاه إلينا فنسعى به.

(٥) في المصدر : سبعون.

(٦) مالا يعد خ ل. وهو الموجود في المصدر

(٧) تفسير القمى : ٣٨٩ و ٣٩٠.

(٨) والمراد بالدنو القرب المعنوى لا المكانى.

(٩) البروج : ٢١ و ٢٢.

(١٠) في المصدر : على يمين العرش.

٢٥٨

إسرافيل ، فإذا تكلم الرب جل ذكره بالوحي ضرب اللوح جبين إسرافيل ، فنظر في اللوح فيوحي بما في اللوح إلى جبرئيل عليه‌السلام (١).

١١ ـ فس : في رواية أبي الجارود ، عن أبي جعفر عليه‌السلام في قوله : « حتى إذا فزع عن قلوبهم قالوا ماذا قال ربكم قالوا الحق وهو العلي الكبير» (٢) وذلك أن أهل السماوات لم يسمعوا وحيا فيما بين أن بعث عيسى بن مريم عليه‌السلام إلى أن بعث محمد (ص) ، فلما بعث الله جبرئيل إلى محمد (ص) سمع أهل السماوات صوت وحي القرآن كوقع الحديد على الصفا ، فصعق أهل السماوات ، فلما فرغ من الوحي انحدر جبرئيل ، كلما مر بأهل السماء (٣) فزع عن قلوبهم ، يقول : كشف عن قلوبهم ، فقال بعضهم لبعض : ماذا قال ربكم قالوا الحق وهو العلي الكبير (٤).

بيان : قال الطبرسي رحمه‌الله في قوله تعالى : « حتى إذا فزع عن قلوبهم » ، أي كشف الفزع عن قلوبهم ، واختلف في الضمير في « قلوبهم » فقيل : يعود إلى المشركين المتقدم ذكرهم ، أي إذا اخرج (٥) عن قلوبهم الفزع وقت الفزع ليسمعوا كلام الملائكة « قالوا » أي قالت الملائكة لهم : « ماذا قال ربكم قالوا » أي المشركون : « الحق » أي قال الحق ، فيعترفون أن ماجاء به الرسل كان حقا ، عن ابن عباس وغيره ، وقيل : يعود إلى الملائكة ثم اختلف فيه على وجوه :

أحدها : أن الملائكة إذا صعدوا بأعمال العباد ولهم زجل (٦) وصوت عظيم فتحسب الملائكة أنها الساعة فيخرون سجدا ويفزعون ، فإذا علموا أنه ليس ذلك قالوا : « ماذا قال ربكم قالوا الحق ».

__________________

(١) تفسير القمى : ٧٢٠ وفيه : فينظر.

(٢) سبأ : ٢٣.

(٣) في المصدر : كلما مر بأهل سماء.

(٤) تفسير القمى : ٥٣٩.

(٥) في المصدر : حتى إذا اخرج.

(٦) أى صوت وضجيج.

٢٥٩

وثانيها : أن الفترة لما كان (١) بين عيسى عليه‌السلام ومحمد (ص) وبعث الله محمدا أنزل الله سبحانه جبرئيل بالوحي ، فلما نزلت (٢) ظنت الملائكة أنه نزل بشئ من أمر الساعة فصعقوا لذلك ، فجعل جبرئيل يمر بكل سماء ويكشف عنهم الفزع ، فرفعوا رؤوسهم وقال بعضهم لبعض : « ماذا قال ربكم قالوا الحق » يعني الوحي عن مقاتل والكلبي.

وثالثها : أن الله إذا أوحى إلى بعض ملائكته لحق الملائكة غشي عند سماع الوحي ويصعقون ويخرون سجدا للآية العظيمة ، فإذا فزع عن قلوبهم سألت الملائكة ذلك الملك الذي اوحي إليه ماذا قال ربك؟ أو يسأل بعضهم بعضا فيعلمون أن الامر في غيرهم عن ابن مسعود ، واختاره الجبائي (٣).

١٢ ـ ك : إن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله كان يكون بين أصحابه فيغمى عليه وهو يتصاب عرقا (٤) فإذا أفاق قال : قال الله عزوجل : كذا وكذا ، وأمركم بكذا ، ونهاكم عن كذا ، وأكثر مخالفينا يقولون : إن ذلك كان يكون عند نزول جبرئيل عليه‌السلام عليه ، فسئل الصادق عليه‌السلام عن الغشية التي كانت تأخذ النبي (ص) أكانت تكون عند هبوط جبرئيل؟ فقال : لا ، إن جبرئيل عليه‌السلام إذا أتى (٥) النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله لم يدخل عليه حتى يستأذنه ، فإذا دخل عليه قعد بين يديه قعدة العبد ، وإنما ذلك عند مخاطبة الله عزوجل إياه بغير ترجمان وواسطة حدثنا بذلك ابن إدريس ، عن أبيه ، عن جعفر بن محمد ، عن محمد بن الحسين بن زيد (٦) ، عن الحسين بن علوان ، عن عمرو بن ثابت ، عن الصادق عليه‌السلام (٧).

١٣ ـ قب : وأما كيفية نزول الوحي فقد سأله الحارث بن هشام كيف يأتيك الوحي؟ فقال : أحيانا يأتيني مثل صلصلة الجرس وهو أشده علي فيفصم عني ، فقد (٨)

__________________

(١) في المصدر : لما كانت

(٢) في المصدر : فلما نزل وهو الصحيح.

(٣) مجمع البيان ٨ : ٣٨٩.

(٤) في المصدر : ينصاب عرقا.

(٥) في المصدر : كان إذا أتى.

(٦) في المصدر : محمد بن الحسين بن يزيد.

(٧) كمال الدين ٥١.

(٨) وقد خ ل.

٢٦٠