بحار الأنوار

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي

بحار الأنوار

المؤلف:

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي


الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: مؤسسة الوفاء
الطبعة: ٢
الصفحات: ٤٢٧
  الجزء ١   الجزء ٢   الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠ الجزء ٢١ الجزء ٢٢ الجزء ٢٣ الجزء ٢٤ الجزء ٢٥ الجزء ٢٦ الجزء ٢٧ الجزء ٢٨ الجزء ٢٩ الجزء ٣٠ الجزء ٣١ الجزء ٣٥ الجزء ٣٦ الجزء ٣٧ الجزء ٣٨ الجزء ٣٩ الجزء ٤٠ الجزء ٤١ الجزء ٤٢ الجزء ٤٣ الجزء ٤٤ الجزء ٤٥ الجزء ٤٦ الجزء ٤٧ الجزء ٤٨ الجزء ٤٩ الجزء ٥٠ الجزء ٥١ الجزء ٥٢ الجزء ٥٣ الجزء ٥٤ الجزء ٥٥ الجزء ٥٦ الجزء ٥٧ الجزء ٥٨ الجزء ٥٩ الجزء ٦٠ الجزء ٦١   الجزء ٦٢ الجزء ٦٣ الجزء ٦٤ الجزء ٦٥ الجزء ٦٦ الجزء ٦٧ الجزء ٦٨ الجزء ٦٩ الجزء ٧٠ الجزء ٧١ الجزء ٧٢ الجزء ٧٣ الجزء ٧٤ الجزء ٧٥ الجزء ٧٦ الجزء ٧٧ الجزء ٧٨ الجزء ٧٩ الجزء ٨٠ الجزء ٨١ الجزء ٨٢ الجزء ٨٣ الجزء ٨٤ الجزء ٨٥ الجزء ٨٦ الجزء ٨٧ الجزء ٨٨ الجزء ٨٩ الجزء ٩٠ الجزء ٩١ الجزء ٩٢ الجزء ٩٣ الجزء ٩٤   الجزء ٩٥ الجزء ٩٦   الجزء ٩٧ الجزء ٩٨ الجزء ٩٩ الجزء ١٠٠ الجزء ١٠١ الجزء ١٠٢ الجزء ١٠٣ الجزء ١٠٤

فما أصاب رجلا منهم إلا قتل يوم بدر.

محمد بن إسحاق : لما خرج النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله مهاجرا تبعه سراقة بن جعشم مع خيله ، فلما رآه رسول الله (ص) دعا فكان قوائم فرسه ساخت حتى تغيبت ، فتضرع إلى النبي (ص) حتى دعا وصار إلى وجه الارض فقصد ، كذلك ثلاثا والنبي (ص) يقول : يا أرض خذيه ، وإذا تضرع قال : دعيه : فكف بعد الرابعة وأضمر أن لا يعود إلى ما يسوئه.

وفي رواية : وأتبعه دخان حتى استغاثه فانطلقت الفرس فعذله أبوجهل ، فقال سراقة :

أبا حكم واللات لو كنت شاهدا

لامر جوادي إذ تسيخ قوائمه

عجبت ولم تشكك بأن محمدا

نبي وبرهان فمن ذا يكاتمه؟

عليك فكف الناس عنه فإنني

أرى أمره يوما ستبدو معالمه

وكان صلى‌الله‌عليه‌وآله مارا في بطحاء مكة فرماه أبوجهل بحصاة فوقفت الحصاة معلقة سبعة أيام ولياليها فقالوا : من يرفعها؟ قال : يرفعه الذي رفع السماوات بغير عمد ترونها.

عكرمة : لما غزا يوم حنين قصد إليه شيبة بن عثمان بن أبي طلحة عن يمينه ، فوجد عباسا ، فأتى عن يساره فوجد أبا سفيان بن الحارث ، فأتى من خلفه فوقعت بينهما شواظ من نار ، فرجع القهقرى ، فرجع النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله إليه وقال : « ياشيب ياشيب ادن مني ، اللهم أذهب عنه الشيطان » قال : فنظرت إليه ولهو أحب إلى من سمعي وبصري فقال : يا شيب قاتل الكفار ، فلما انقضى القتال دخل عليه فقال : الذي أراد الله بك خير مما أردته لنفسك ، وحدثه بجميع مازوى (١) في نفسه فأسلم.

ابن عباس في قوله : « ويرسل الصواعق » (٢) ، قال : قال عامر بن الطفيل لاربد بن قيس : قد شغلته عنك مرارا فألا ضربته؟ يعني النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقال أربد : أردت ذلك مرتين فاعترض لي في أحدهما حائط من حديد ، ثم رأيتك الثانية بيني وبينه ، أفأقتلك؟

__________________

(١) روى خ ل. أقول : يقال : زوى الكلام إذا هياه في نفسه : وروى في الامر : نظر فيه و تفكر.

(٢) الرعد : ١٣.

٦١

وفي رواية الكلبي : أنه لما اخترط من سيفه شبرا لم يقدر على سله ، فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : اللهم أكفنيهما بما شئت.

وفي رواية : أن السيف لصق به ، وفي الروايات كلها : أنه لم يصل واحد منهما إلى منزله ، أما عامر فغد (١) في ديار بني سلول ، فجعل يقول : أغدة كغدة البعير و موتا في بيت السلولية؟ وأما أربد فارتفعت له سحابة فرمته بصاعقة فأحرقته ، وكان أخا لبيد لامه ، فقال يرثيه.

فجعني الرعد والصواعق بال

فارس يوم الكريهة النجد

أخشى على أربد الحتوف ولا

أرهب نوء السماك والاسد

ابن عباس وأنس وعبدالله بن مغفل : إن ثمانين رجلا من أهل مكة هبطوا من جبل التنعيم عند صلاة الفجر عام الحديبية ليقتلوهم. وفي رواية : كان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله جالسا في ظل شجرة وبين يديه علي عليه‌السلام يكتب الصلح ، وهم ثلاثون شابا ، فدعا عليهم النبي (ص) ، فأخذ الله بأبصارهم حتى أخذناهم فخلى سبيلهم فنزل : « وهوالذي كف أيديهم عنكم (٢) ».

ابن جبير وابن عباس ومحمد بن ثور في قوله : « فاصدع بما تؤمر » الآيات كان المستهزؤون به جماعة مثل الوليد بن المغيرة المخزومي ، والاسود بن عبد يغوث الزهري ، وأبوزمعة الاسود بن المطلب ، والعاص بن وائل السهمي ، والحارث بن قيس السهمي ، و عقبة بن أبي معيط ، وفيهلة بن عامر الفهري ، والاسود بن الحارث ، وأبوا حيحة (٣) وسعيد بن العاص ، والنضر بن الحارث العبدري ، والحكم بن العاص بن أمية ، وعتبة بن ربيعة ، و طعيمة بن عدي ، والحارث بن عامر بن نوفل ، وأبوالبختري العاص بن هاشم بن أسد ، و أبوجهل ، وأبولهب وكلهم قد أفناهم الله بأشد نكال ، وكانوا قالوا له : يا محمد ننتظر بك إلى الظهر فإن رجعت عن قولك وإلا قتلناك ، فدخل صلى‌الله‌عليه‌وآله منزله وأغلق عليه بابه فأتاه جبرئيل ساعته فقال له : يا محمد السلام يقرأ عليك السلام وهو يقول : اصدع بما تؤمر وأنا معك

__________________

(١) فأغد خ ل.

(٢) الفتح : ٢٤.

(٣) وهوامية بن خلف وفى طبع الكمبانى : ابواجنحة سعيد بن العاص.

٦٢

وقد أمرني ربي بطاعتك ، فلما أتيا (١) البيت رمى الاسود بن المطلب في وجهه بورقة خضراء فقال : « اللهم أعم بصره وأثكله ولده » فعمي وأثكله الله ولده.

وروي أنه أشار إلى عينه فعمي وجعل يضرب رأسه على الجدار حتى هلك ، ثم مر به الاسود بن عبد يغوث فأومأ إلى بطنه فاستسقى ماء ومات حبنا ، ومر به الوليد فأومأ إلى جرح اندمل في بطن رجله من نبل فتعلقت به شوكة فنن (٢) فخدشت ساقه ولم يزل مريضا حتى مات ، ونزل فيه : « سارهقه صعودا (٣) » وإنه يكلف أن يصعد جبلا في النار من صخرة ملساء فإذا بلغ أعلاها لم يترك أن يتنفس فيجذب إلى أسفلها ، ثم يكلف مثل ذلك. ومر به العاص فعابه فخرج من بيته فلفحته السموم : فلما انصرف إلى داره لم يعرفوه ، فباعدوه فمات غما.

وروي أنهم غضبوا عليه فقتلوه.

وروي أنه وطئ على شبرقة فدخلت في أخمص رجله ، فقال : لدغت ، فلم يزل يحكها حتى مات ، ومر به الحارث فأومأ إلى رأسه فتقيأ؟ قيحا ، ويقال : إنه لدغته الحية ويقال : خرج إلى كدا فتدهده عليه حجر فتقطع ، أو استقبل ابنه في سفر فضرب جبرئيل رأسه على شجرة ، وهو يقول : يا بني أدركني ، فيقول : لا أرى أحدا حتى مات.

وأما الاسود بن الحارث أكل حوتا فأصابه العطش فلم يزل يشرب الماء حتى انشقت بطنه ، وأما فيهلة بن عامر فخرج يريد الطائف ففقد ولم يوجد ، وأما عيطلة (٤) فاستسقى فمات ، ويقال : أتى بشوك فأصاب عينيه فسالت حدقته على وجهه ، وأما أبولهب فإنه سأل أبا سفيان عن قصة بدر فقال : إنا لقيناهم فمنحناهم أكتافنا فجعلوا يقتلوننا ويأسروننا كيف شاءوا ، وايم الله مع ذلك ما مكث الناس : لقينا رجالا بيضا على خيل بلق بين السماء والارض لا يقوم لها شئ ، فقال أبورافع لام الفضل بنت العباس : تلك الملائكة ،

__________________

(١) أى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وجبرئيل. وفى المصدر : فلما أتى.

(٢) قين خ ل.

(٣) المدثر : ١٧.

(٤) هكذا في نسخة المصنف ، والصحيح كما في المصدر : عقبة ، وهو عقبة بن أبى معيط.

٦٣

فجعل يضربني ، فضربت ام الفضل على رأسه بعمود الخيمة ، فلقت (١) رأسه شجة منكرة فعاش سبع ليال ، وقد رماه الله بالعدسة (٢) ، ولقد تر كه ابناه ثلاثا لا يدفنانه ، وكانت قريش تتقي العدسة فدفنوه بأعلى مكة على جدار ، وقذفوا عليه الحجارة حتى واروه.

ونزل قوله تعالى : « لقد حق القول (٣) » الآيات في أبى جهل ، وذلك أنه كان حلف لئن رأى محمدا يصلي ليرضخن رأسه ، فأتاه وهو يصلي ومعه حجر ليد مغنه (٤) ، فلما رفعه أثبتت يده إلي عنقه ولزق الحجر بيده ، فلما عاد إلى أصحابه وأخبرهم بما رأى سقط الحجر من يده ، فقال رجل من بني مخزوم : أنا أقتله بهذا الحجر فأتاه وهو يصلي ليرميه بالحجر فأغشى الله بصره ، فجعل يسمع صوته ولايراه ، فرجع إلى أصحابه فلم يرهم حتى نادوه ما صنعت؟ فقال : ما رأيته ، ولقد سمعت صوته ، وحال بيني وبينه كهيئة الفحل يخطر (٥) بذنبه ، لو دنوت منه لاكلني.

ابن عباس في قوله : « وجعلنا من بين أيديهم سدا (٦) » :

إن قريشا اجتمعت فقالت : لئن دخل محمد لنقومن إليه قيام رجل واحد ، فدخل النبي (ص) فجعل الله من بين أيديهم سدا فلم يبصروه ، فصلى صلى‌الله‌عليه‌وآله ثم أتاهم فجعل ينثر على رؤوسهم التراب وهم لا يرونه ، فلما جلى عنهم رأوا التراب فقالوا : هذا ما سحر كم ابن أبي كبشة.

ولما نزلت الاحزاب على المدينة عبى أبوسفيان سبعة آلاف رام كو كبة (٧) واحدة ثم قال : ارموهم رشقا واحدا ، فوقع في أصحاب النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله سهام كثيرة ، فشكوا ذلك إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فلوح إلى السهام بكمه ، ودعا بدعوات فهبت ريح عاصفة فردت السهام

__________________

(١) في المصدر : ففلقت.

(٢) العدسة : بثرة تخرج في الجسد وهى من الطاعون تقتل صاحبها

(٣) يس : ٧.

(٤) في المصدر : ليدمغه.

(٥) أى رفعه مرة بعد مرة وضرب به فخذيه.

(٦) خطر بزنبه يس : ٩.

(٧) كركبة واحدة خ ل. بحار الانوار ٤.

٦٤

إلى القوم ، فكل من رمى سهما عد السهم إليه فوقع فيه ، جرحه بقدرة الله وبركة رسوله. ودخل النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله مع ميسرة إلى حصن من حصون اليهود ليشتروا خبزا وادما ، فقال يهودي : عندي مرادك ، ومضى إلى منزله وقال لزوجته : اطلعي إلى عالي الدار ، فإذا دخل هذا الرجل فارمي هذه الصخرة عليه ، فأدارت المرأة الصخرة ، فهبط جبرئيل فضرب الصخرة بجناحه ، فخرقت الجدار وأتت تهتز كأنها صاعقة ، فأحاطت بحلق الملعون ، وصارت في عنقه كدور الرحى (١) ، فوقع كأنه المصروع ، فلما أفاق جلس وهو يبكي ، فقال له النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : ويلك ما حملك على هذا الفعال؟ فقال : يا محمد لم يكن لي في المتاع حاجة ، بل أردت قتلك ، وأنت معدن الكرم ، وسيد العرب والعجم ، اعف عني فرحمه النبى صلى‌الله‌عليه‌وآله فانزاحت الصخرة عن عقنه.

جابر وابن عباس : قال رجل من قريش لاقتلن محمدا ، فوثب به فرسه فاندقت رقبته ، واستغاث الناس إلى معمر بن يزيد وكان أشجع الناس ومطاعا في بني كنانة ، فقال لقريش : أنا اريحكم منه ، فعندي عشرون ألف مدجج ، فلا أرى هذا الحي من بني هاشم يقدرون على حربي ، فإن سألوني الدية أعطيتهم عشر ديات ففي مالي سعة ، وكان يتقلد بسيف طوله عشرة أشبار في عرض شبر ، فأهوى إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله بسيفه وهو ساجد في الحجر ، فلما قرب منه عثر بدرعه فوقع ثم قام وقد ادمي وجهه بالحجارة ، وهو يعدو أشد العدو حتى بلغ البطحاء فاجتمعوا إليه وغسلوا الدم عن وجهه وقالوا : ماذا أصابك فقال : المغرور والله من غررتموه ، قالوا : ما شأنك؟ قال : دعوني تعد إلي نفسي ، ما رأيت كاليوم ، قالوا : ماذا أصابك؟ قال : لما دنوت منه وثب إلي من عند رأسه شجاعان أقرعان ينفخان بالنيران.

وروي أن كلدة بن أسد رمى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بمزراق (٢) وهو بين دار عقيل وعقال فعاد المزراق إليه فوقع في صدره ، فعاد فزعا وانهزم ، وقيل له : ما لك؟ قال : ويحكم أما

__________________

(١) كحجر الرحى.

(٢) المزراق : الرمح القصير.

٦٥

ترون الفحل خلفي؟ قالوا : مانرى شيئا ، قال : ويحكم فإني أراه ، فلم يزل يعدو حتى بلغ الطائف.

الواقدي : خرج النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله للحاجة في وسط النهار بعيدا ، فبلغ إلى أسفل ثنية الحجون فأتبعه النضربن الحارث يرجو أن يغتاله ، فلما دنا منه عاد راجعا ، فلقيه أبوجهل فقال : من أين جئت؟ قال : كنت طمعت أن أغتال محمدا ، فلما قربت منه فاذا أساود تضرب بأنيابها على رأسه ، فاتحة أفواهها ، فقال أبوجهل : هذا بعض سحره.

وقصد إليه رجل بفهر وهو ساجد ، فلما رفع يده ليرمي به ، يبست يده على الحجر.

ابن عباس : كان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله يقرأ في المسجد فيجهر بقراءته فتأذى به ناس من قريش ، فقاموا ليأخذوه ، وإذا أيديهم مجموعة إلى أعناقهم ، وإذا هم عمى لا يبصرون فجاءوا إلى النبي (ص) فقالوا : ننشدك الله والرحم ، فدعا النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فذهب ذلك عنهم فنزلت «يس» إلى قوله : « فهم لا يبصرون ».

أبوذر : كان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله في سجوده فرفع أبولهب حجرا يلقيه عليه فثبتت (١) يده في الهواء ، فتضرع إلى النبي (ص) وعقد الايمان لو عوفي لا يؤذيه ، فلما برئ قال : لانت ساحر حاذق ، فنزل : « تبت يدا أبي لهب (٢) ».

وتكمن (٣) نضر بن الحارث بن كلدة لقتل النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فلما سل سيفه رئي خائفا مستجيرا ، فقيل : يا نضر هذا خير لك مما أردت يوم حنين مما حال الله بينك وبينه (٤).

بيان : العذل : الملامة ، والشواظ بالضم والكسر : اللهب الذي لا دخان له ، والغدة : طاعون الابل ، وقلما يسلم منه ، يقال : أغد (٥) البعير فهو مغد ، والنجد بكسر

__________________

(١) هكذا في نسخة المصنف ، وهو الصحيح الظاهر مما ياتى في البيان وقد يحتمل أنه مصحف « فتبت » وهو الموجود أيضا في المصدر.

(٢) السورة : ١١١.

(٣) تكمن : استخفى.

(٤) مناقب آل أبى طالب ١ : ٦٣ ـ ٦٩.

(٥) يقال : غد البعير : أصابه الغدد ، وأغد : صار ذاغدة.

٦٦

الجيم : الشديد البأس ، والنوء : سقوط الكوكب ، وكانت العرب في الجاهلية تنسب الامطار إلى الانواء وسيأتي بيانها ، والحبن بالتحريك : عظم البطن ، والاحبن : المستسقي والفنن (١) بالتحريك : الغصن ، وفي بعض النسخ : قين بالقاف والياء وهو الحداد ، والشبرق بكسر الشين والراء وسكون الباء : نبت حجازي يؤكل وله شوك ، فإذا يبس سمي الضريع ، والمدجج بفتح الجيم وكسرها : الشائك في السلاح ، والفهر بالكسر : الحجر قدر ما يدق به الجوز ، أو ما يملا الكف ، والتباب : الهلاك والخسران ، ويحتمل أن يكون هنا كناية عن ثبوت يده في الهواء ، وهو خلاف المشهور بين المفسرين.

٢٠ ـ قب : سار النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله إلى بني شاجعة (٢) فجعل يعرض عليهم الاسلام فأبوا وخرجوا إليه في خمسة آلاف فارس ، فتبعوا النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فلما لحقوا به عاجل بدعوات فهبت عليهم ريح فأهلكتهم عن آخرهم (٣).

٢١ ـ قب : رمى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ابن قمية بقذافة فأصاب كعبه حتى بدر السيف عن يده في يوم احد ، وقال : خذها مني وأنا ابن قمية فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : أذلك الله وأقمأك ، فأتى ابن قمية تيس وهو نائم فوضع قرنه في مرافه ثم دعسه ـ فجعل ينادي : واذلاه ـ حتى أخرج قرنيه من ترقوته.

وكانت الكفار في حرب الاحزاب عشرة آلاف رجل وبنو قريظة قائمون بنصرتهم والصحابة في أزل (٤) شديد ، فرفع يديه وقال : يا منزل الكتاب سريع الحساب ، اهزم الاحزاب ، فجاءتهم ريح عاصف تقلع خيامهم فانهزموا بإذن الله وأيدهم بجنود لم يروها.

وأخذ صلى‌الله‌عليه‌وآله يوم بدر كفا من التراب ويقال : حصى وترابا ، ورمى به في وجوه القوم فتفرق الحصى في وجوه المشركين ، فلم يصب من ذلك أحدا إلا قتل أو أسر ، وفيه نزل : « وما (٥) رميت إذ رميت ولكن الله رمى (٦) ».

__________________

(١) أقول : ولعله مصحف « فيتن » كحيدر وهو النجار

(٢) في المصدر : بنى شجاعة.

(٣) مناقب آل أبى طالب ١ : ٦٩.

(٤) الازل ، الشدة والضيق.

(٥) الانفال : ١٧.

(٦) مناقب آل أبى طالب ١ : ٦٩ و ٧٠.

٦٧

بيان : القذافة بفتح القاف وتشديد الذال : الذي يرمي به الشئ فيبعد وأقمأه بالهمز : صغره وأذله ، ومراق البطن بفتح الميم وتشديد القاف : ما رق منه ولان من أسفله ولا واحد له ، والدعس : الطعن.

٢٢ ـ قب : جابر بن عبدالله : لما قتل العرنيون (١) راعي النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله دعا عليهم فقال : « اللهم أعم عليهم الطريق » قال : فعمي عليهم حتى أدركوهم وأخذوهم.

وحكى الحكم بن العاص مشية رسول الله (ص) مستهزءا فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله : «كذلك فلتكن» فكان (٢) يرتعش حتى مات

وخطب صلى‌الله‌عليه‌وآله امرأة فقال أبوها ، إن بها برصا امتناعا من خطبته ، ولم يكن بها برص ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «فلتكن كذلك» فبرصت وهي ام شبيب ابن البرصاء (٣) الشاعر.

الاغاني : إن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله نظر إلى زهير بن أبي سلمى وله مأة سنة فقال : «اللهم أعذني من شيطانه» فما لاك بيتا (٤) حتى مات (٥).

٢٣ ـ قب : طعن صلى‌الله‌عليه‌وآله ابيا في حربان (٦) الدرع بعنزة في يوم احد ، فاعتنق فرسه فانتهى إلى عسكره وهو يخور خوار الثور ، فقال أبوسفيان : ويلك ما أجزعك؟ إنما هو خدش ليس بشئ ، فقال : طعنني ابن أبي كبشة ، وكان يقول : أقتلك ، فكان يخور الملعون حتى صار إلى النار.

وكان بلال إذا قال : « أشهد أن محمدا رسول الله » كان منافق يقول كل مرة : حرق الكاذب ، يعني النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقام المنافق ليلة ليصلح السراج فوقعت النار في سبابته ، فلم

__________________

(١) العرنيون منسوب إلى العرينة وزان جهينة : بطن من بجيلة.

(٢) في المصدر : فلم يزل يرتعش.

(٣) خلا المصدر عن لفظة : ابن ، وفى القاموس : البرصاء لقب ام شبيب الشاعر واسمها امامة او قرصافة.

(٤) لاك اللقمة : مضغها ، ومن المجاز : هو يلوك أعراض الناس ، أى يقع فيهم ويطعن في عرضهم ، و « ما لاك بيتا » هنا كناية عن عدم انشاده وقراءته.

(٥) مناقب آل أبى طالب ١ : ٧١ و ٧٢.

(٦) الجربان من القميص : طوقة ، ولعله معرب ، وأصله كريبان.

٦٨

يقدر على إطفائها حتى أخذت كفه ، ثم مرفقه ، ثم عضده حتى احترق كله (١).

٢٤ ـ قب : ابن عباس والضحاك في قوله : « ويوم يعض الظالم (٢) » نزلت في عقبة ابن أبي معيط وابي بن خلف وكانا توأمين في الخلة ، فقدم عقبة من سفره وأولم جماعة الاشراف وفيهم رسول الله (ص) ، فقال النبي (ص) لا آكل طعامك حتى تقول : «لا إله إلا الله ، وإني رسول الله » فشهد الشهادتين ، فأكل من طعامه ، فلما قدم ابي بن خلف عذله وقال ، صبأت (٣) ، فحكى قصته فقال : إني لا أرضى عنك أو تكذبه ، فجاء إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وتفل في وجهه صلى‌الله‌عليه‌وآله فانشقت التفلة شقتان (٤) وعادتا إلى وجهه فأحرقتا وجهه وأثرتا (٥) ووعده النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله حياته ما دام في مكة ، فإذا خرج قتل بسيفه ، فقتل عقبة يوم بدر ، وقتل النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله بيده ابيا (٦).

٢٥ ـ طب : محمد بن جعفر البرسي ، عن محمد بن يحيى الارمني (٧) ، عن محمد بن سنان ، عن المفضل (٨) ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : قال أمير المؤمنين صلوات الله عليه : إن جبرئيل عليه‌السلام أتى النبي (ص) وقال له : يا محمد ، قال : لبيك يا جبرئيل ، قال : إن فلان اليهودي سحرك ، وجعل السحر في بئر بني فلان ، فابعث إليه ـ يعني إلى البئر ـ أوثق الناس عندك ، وأعظمهم في عينك (٩) ، وهو عديل نفسك ، حتى يأتيك بالسحر ، قال : فبعث النبي (ص) علي بن أبي طالب عليه‌السلام وقال : انطلق إلى بئر ذروان فإن فيها سحرا سحرني به لبيد بن أعصم اليهودي فأتني به ، قال علي عليه‌السلام : فانطلقت في حاجة رسول الله (ص)

__________________

(١) مناقب آل أبى طالب ١ : ١١٧.

(٢) الفرقان : ٢٧.

(٣) عذله : لامه. قوله : صبأت أى خرجت من دين آباءك وألحدت.

(٤) في المصدر : شقتين وهو الصحيح.

(٥) أى تركتا في وجهه أثرا.

(٦) مناقب آل أبى طالب ١ : ١١٨.

(٧) في المصدر : أحمد بن يحيى الارمنى.

(٨) في المصدر : محمد بن فضل بن عمر.

(٩) عينيك خ ل.

٦٩

فهبطت فإذا ماء البئر قد صار كأنه ماء الحناء من السحر (١) ، فطلبته مستعجلا حتى انتهيت إلى أسفل القليب فلم أظفر به ، قال الذين معي : ما فيه شئ فاصعد ، فقلت : لا والله ما كذبت وما كذبت (٢) وما يقيني به مثل يقينكم ، يعني رسول الله (ص) ثم طلبت طلبا بلطف فاستخرجت حقا فأتيت النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فقال : افتحه ، ففتحته فإذا في الحق قطعة كرب النخل في جوفه وتر عليها أحد عشر (٣) عقدة ، وكان جبرئيل عليه‌السلام أنزل يومئذ المعوذتين على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقال النبي (ص) : يا علي اقرأهما على الوتر ، فجعل أميرالمؤمنين عليه‌السلام كلما قرأ آية انحلت عقدة حتى فرغ منها ، وكشف الله عزوجل عن نبيه ما سحر به وعافاه.

ويروى أن جبرئيل وميكائيل عليهما‌السلام أتيا إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فجلس أحدهما عن يمينه. والآخر عن شماله ، فقال جبرئيل لمكائيل : ما وجع الرجل؟ فقال ميكائيل : هو مطبوب : فقال جبرئيل عليه‌السلام : ومن طبه؟ قال لبيد بن أعصم اليهودي ، ثم ذكر الحديث إلى آخره (٤).

بيان : الكرب بالتحريك : اصول السعف العراض الغلاظ ، وقال الجزري : فيه أنه احتجم حين طب ، أي سحر ، ورجل مطبوب أي مسحور ، كنوا بالطب عن السحر تفاءلا بالبئر ، كما كنوا بالسليم عن اللديغ انتهى.

أقول : المشهور بين الامامية عدم تأثير السحر في الانبياء والائمة عليهم‌السلام ، وأولوا بعض الاخبار الواردة في ذلك ، وطرحوا بعضها ، وقد أشار إليه الراوندي رحمه‌الله فيما سبق.

وقال الطبرسي رحمه‌الله : روي أن لبيد بن أعصم اليهودي سحر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ،

__________________

(١) في المصدر : كأنه ماء الحياض من السحر.

(٢) في المصدر : ما كذب وما كذبت.

(٣) في المصدر : أحد وعشرين. والظاهر انه مصحف لان أيات المعوذتين إحدى عشرة ، أو في الحديث سقط ، وكان ما قرأ عليها على عليه‌السلام المعوذتين وسورتى الكافرون والاخلاص.

(٤) طب الائمة : ١١٨.

٧٠

ثم دس ذلك في بئر لبني زريق ، فمرض رسول الله (ص) فبينما هو نائم إذ أتاه ملكان فقعد أحدهما عند رأسه والآخر عند رجليه ، فأخبراه بذلك ، وأنه في بئر ذروان ، في جف طلعة تحت راعوفة ـ والجف : قشر الطلع ، والراعوفة : حجر في أسفل البئر يقف عليه المائح ـ فانتبه رسول الله (ص) وبعث عليا والزبير وعمارا فنزحوا ماء تلك البئر ، ثم رفعوا الصخرة وأخرجوا الجف فإذا فيه مشاطة رأس وأسنان من مشطة ، وإذا فيه معقد فيه إحدى عشرة عقدة مغروزة بالابر ، فنزلت المعوذتان ، فجعل كلما يقرأ آية انحلت عقدة ، ووجد رسول الله خفة فقام كأنما أنشط من عقال ، وجعل جبرئيل يقول : « بسم الله أرقيك ، من كل شئ يؤذيك (١) من حاسد وعين والله يشفيك ».

ورووا ذلك عن عائشة وابن عباس ، وهذا لا يجوز لان من وصفه (٢) بأنه مسحور فكأنه قد خبل عقله ، وقد أبى الله سبحانه ذلك في قوله : « وقال الظالمون إن تتبعون إلا رجلا مسحورا * انظر كيف ضربوا لك الامثال فضلوا (٣) » ولكن يمكن أن يكون اليهودي أو بناته على ما روي اجتهدوا في ذلك فلم يقدروا عليه ، وأطلع الله نبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله ما فعلوه من التمويه حتى استخرج ، وكان ذلك دلالة على صدقه ، وكيف يجوز أن يكون المرض من فعلهم ولو قدروا على ذلك لقتلوه ، وقتلوا كثيرا من المؤمنين مع شدة عداوتهم لهم انتهى كلامه قدس‌سره.

ثم روى عن الفضيل بن يسار قال : سمعت أبا جعفر عليه‌السلام يقول : إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله اشتكى شكوى شديدا ووجع وجعا شديدا فأتاه جبرئيل ومكائيل عليهما‌السلام فقعد جبرئيل عند رأسه ، وميكائيل عند رجليه ، فعوذه جبرئيل بـ « قل أعوذ برب الفلق » وعوذه ميكائيل بـ « قل أعوذ برب الناس ».

وعن أبي خديجة عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : جاء جبرئيل عليه‌السلام إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله

__________________

(١) في المصدر : من شركل شئ يؤذيك.

(٢) في المصدر : لان من وصف ، وهو الصحيح.

(٣) الفرقان : ٨ و ٩.

٧١

وهو شاك ، فرقاه بالمعوذتين وقل هو الله أحد ، وقال : بسم الله أرقيك ، والله يشفيك ، من كل داء يؤذيك ، خذها فلتهنيك (١).

٢٦ ـ عم : من معجزاته صلى‌الله‌عليه‌وآله أنه أخذ يوم بدر ملا كفه من الحصباء فرمى بها وجوه المشركين وقال : « شاهت الوجوه » فجعل الله سبحانه لتلك الحصباء شأنا عظيما لم يترك من المشركين رجلا إلا ملات عينيه ، وجعل المسلمون والملائكة يقتلونهم ويأسرونهم ويجدون كل رجل منهم منكبا على وجهه لا يدري أين يتوجه يعالج التراب : ينزعه من عينيه.

ومنها : ما روته أسماء بنت أبي بكر قالت : لما نزلت : « تبت يدا أبي لهب » أقبلت العوراء ام جميل بنت حرب ولها ولولة وهي تقول :

مذمما أبينا * ودينه قلينا * وأمره عصينا

والنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله جالس في المسجد ومعه أبوبكر ، فلما رآها أبوبكر قال : يا رسول الله أنا أخاف أن تراك (٢) ، قال رسول الله : إنها لا تراني (٣) ، وقرأ : « وإذا قرأت القرآن جعلنا بينك وبين الذين لا يؤمنون بالآخرة حجابا مستورا (٤) » فوقفت على أبي بكر ولم تر رسول الله ، فقالت : يا أبابكر اخبرت أن صاحبك هجاني ، فقال : لا ورب البيت ما هجاك فولت وهي تقول : قريش تعلم أني بنت سيدها.

ومنها ما رواه الكلبي عن أبي صالح ، عن ابن عباس إن ناسا من بني مخزوم تواصوا بالنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ليقتلوه ، منهم أبوجهل والوليد بن المغيرة ونفر من بني مخزوم ، فبينا النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قائم يصلي إذ أرسلوا إليه الوليد ليقتله ، فانطلق حتى انتهى إلى المكان الذي كان يصلي فيه ، فجعل يسمع قراءته ولا يراه ، فانصرف إليهم فأعلمهم ذلك ، فأتاه من بعده أبوجهل والوليد ونفر منهم فلما انتهوا إلى المكان الذي يصلي فيه سمعوا قراءته

__________________

(١) مجمع البيان ١٠ : ٥٦٨ و ٥٦٩.

(٢) في المصدر ، قد أقبلت وأنا أخاف أن تراك.

(٣) في المصدر : وقرأ قرآنا فاعتصم به كما قال : وقرأ.

(٤) الاسراء : ٤٥.

٧٢

وذهبوا إلى الصوت ، فإذا الصوت من خلفهم فيذهبون إليه فيسمعونه أيضا من خلفهم ، فانصرفوا ولم يجدوا إليه سبيلا ، فذلك قوله سبحانه : وجعلنا من بين أيديهم سدا ومن خلفهم سدا فأغشيناهم فهم لا يبصرون (١).

بيان : قال الطبرسي : بعد ذكر قصة ام جميل : قيل : كيف يجوز أن لا ترى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وقد رأت غيره؟ فالجواب أنه يجوز أن يكون قد عكس الله شعاع عينيها أو صلب الهواء فلم ينفذ فيه الشعاع ، أو فرق الشعاع فلم يتصل بالنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وروي أن النبي قال : مازال ملك يسترني عنها انتهى (٢).

وزاد الرازي على تلك الوجوه : أنه صلى‌الله‌عليه‌وآله لعله أعرض بوجهه عنها وولاها ظهره ثم إنها لغاية غضبها لم تفتش ، أو لان الله ألقى في قلبها خوفا فصار ذلك صارف لها عن النظر ، أو أن الله تعالى ألقى شبه إنسان آخر على الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله كما فعل بعيسى عليه‌السلام (٣).

٢٧ ـ يج : من معجزاته ما هو مشهورأنه خرج في متوجهه؟ إلى المدينة فأوى إلى غار بقرب مكة تعتوره النزال وتأوي إليه الرعاء فلا تخلو من جماعة نازلين يستريحون فيه ، فأقام صلى‌الله‌عليه‌وآله به ثلاثا لا يطرده بشر ، وخرج القوم في أثره وصدهم الله عنه بأن بعث عنكبوتا فنسجت عليه فآيسهم من الطلب فيه ، فانصرفوا وهو نصب أعينهم.

٢٨ ـ يج : من معجزاته صلى‌الله‌عليه‌وآله أنه لاقى أعدائه يوم بدر وهم ألف وهو في عصابة كثلث أعدائه ، فلما التحمت الحرب (٤) أخذ قبضة من التراب والقوم متفرقون في نواحي عسكره ، فرمى به وجوههم ، فلم يبق منهم رجل إلا امتلات منه عيناه ، وإن كانت الريح العاصف يومها إلى الليل لتعصف أعاصير التراب لا يصيب أحدا من عسكره ، وقد نطق به القرآن ، وصدق به المؤمنون ، وشاهد الكفار ما نالهم منه.

__________________

(١) إعلام الورى : ١٨ و ٢٠ ط ١ ، و ٣٧ و ٤٠ ط ٢. والاية في سورة يس : ٩.

(٢) مجمع البيان ١٠ ، ٥٦٠.

(٣) مفاتيح الغيب : سورة تبت.

(٤) التحمت الحرب بينهم. اشتبكت.

٧٣

٢٩ ـ قب : كان ابي بن خلف يقول : عندي رمكة أعلفها كل يوم فرق (١) ذرة أقتلك عليها ، فقال النبي (ص) : أنا أقتلك إن شاء الله ، فطعنه النبي (ص) يوم احد في عنقه ، وخدشه خدشة فتدهدى عن فرسه وهو يخور كما يخور الثور ، فقالوا له في ذلك فقال : لو كانت الطعنة بربيعة ومضر لقتلهم ، أليس قال لي : أقتلك؟ فلو بزق علي بعد تلك المقالة قتلني ، فمات بعد يوم (٢).

٣٠ ـ يج ، عم : روي أن أباجهل اشترى من رجل طارئ (٣) بمكة إبلا فبخسه أثمانها ولواه بحقه فأتى الرجل نادي (٤) قريش مستجيرا بهم ، وذكرهم حرمة البيت ، فأحالوه على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله استهزاء فأتاه مستجيرا به ، فمضى معه ودق الباب على أبي جهل فعرفه فخرج منخوب العقل (٥) فقال : أهلا بأبي القاسم ، فقال له : أعط هذا حقه ، قال : نعم ، وأعطاه من فوره ، فقيل له في ذلك فقال : إني رأيت ما لم تروا ، رأيت والله على رأسه تنينا فاتحا فاه ، والله لو أبيت لالتقمني (٦).

بيان : يقال : رجل نخب بكسر الخاء أي جبان لا فؤاد له ، وكذلك نخيب ومنخوب.

أقول : روى السيد ابن طاوس رحمه‌الله في كتاب سعد السعود من تفسير الكلبي ، عن أبي صالح ، عن ابن عباس قال : أقبل عامر بن الطفيل وأربد بن قيس وهما عامريان ابنا عم يريدان رسول الله (ص) وهو في المسجد جالس في نفر من أصحابه ، قال : فدخلا المسجد ، قال : فاستبشر الناس بجمال عامر بن الطفيل ، وكان من أجمل الناس أعور ، فجعل يسأل أين محمد؟ فيخبرونه ، فيقصد نحو رجل من أصحاب رسول الله (ص) ، فقال : هذا عامر بن

__________________

(١) الرمكة : الفرس أو البرذونة تتخذ للنسل ، والفرق بفتحتين مكيال ، يقال : إنه تسع عشر رطلا.

(٢) مناقب آل أبى طالب ١ : ١٠٢.

(٣) الطارئ : الغريب : خلاف الاصلى.

(٤) قوله : لواه بحقه أى جحده أياه. والنادى : المجلس ومحل اجتماع القوم.

(٥) منخوب القلب خ ل.

(٦) إعلام الورى : ١٩ و ٢٠ ط ١ و ٣٩ و ٤٠ ط ٢.

٧٤

الطفيل يا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فأقبل حتى قام عليه ، فقال : أين محمد؟ فقالوا : هو ذا ، قال : أنت محمد؟ قال : نعم ، فقال : ما لي إن أسلمت؟ قال : لك ما للمسلمين ، وعليك ما للمسلمين قال : تجعل لي الامر بعدك؟ قال : ليس ذلك لك ولا لقومك ، ولكن ذاك إلى الله تعالى يجعل حيث يشاء ، قال : فتجعلني على الوبر ـ يعني على الابل ـ وأنت على المدر ، قال : لا ، قال : فماذا تجعل لي؟ قال : أجعل لك أعنة الخيل تغزوا عليها ، قال : أوليس ذلك لى اليوم؟ قم معي فاكلمك ، قال : فقام معه رسول الله (ص) وأومأ لاربد بن قيس ابن عمه أن اضربه ، قال : فدار أربد بن قيس خلف النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فذهب ليخترط السيف فاخترط منه شبرا أو ذراعا فحبسه الله عزوجل فلم يقدر على سله ، فجعل يؤمئ عامر إليه فلا يستطيع سله ، فقال رسول الله صلى الله : « اللهم هذا عامر بن الطفيل اوعر (١) الدين عن عامر » ثلاثا ثم التفت ورأى أربدا وما يصنع بسيفه فقال : « اللهم اكفنيهما بم شئت » وبدر بهما (٢) الناس فوليا هاربين ، قال : أرسل الله على أربد بن قيس صاعقة فأحرقته ، ورأى عامر بن الطفيل بيت (٣) سلولية فنزل عليها ، فطعن (٤) في خنصره فجعل يقول : يا عامر غدة كغدة البعير ، وتموت في بيت سلولية ، وكان يعير بعضهم بعضا بنزوله على سلول ذكرا كان أو انثى ، قال : فدعا عامر بفرسه فركبه ثم أجراه حتى مات على ظهره خارجا من منزلها ، فذلك قول الله عزوجل : « ويرسل الصواعق فيصيب بها من يشاء وهم يجادلون في الله وهو شديد المحال (٥) » يقول العقاب ، فقتل عامر بن الطفيل بالطعنة وأربد بالصاعقة (٦).

ورواه الطبرسي أيضا في المجمع بهذا الاسناد مع اختصار (٧).

__________________

(١) أوعز خ ل. وفى المصدر : أعر. ومعنى او عر الدين. احبس الدين عنه فلا يناله بمكروه وفى الامتاع : اللهم اكفنى عامرا.

(٢) في المصدر : اللهم اكفيهما ثم رجع وبدر بهما الناس.

(٣) خلا المصدر عن ( بيت ).

(٤) طعن الرجل : أصابه الطاعون.

(٥) الرعد : ١٣ وفى المصدر : « يجادلون في الله » في آيات الله « وهو شديد المحال » اقول : قوله : العقاب ، تفسير لقوله : المحال.

(٦) سعد السعود : ٢١٨ و ٢١٩.

(٧) مجمع البيان ٦ : ٢٨٣.

٧٥

باب ٩

*(معجزاته صلى‌الله‌عليه‌وآله في استيلائه على الجن والشياطين)*

*(وايمان بعض الجن به)*

الآيات : الاحقاف « ٤٦» وإذ صرفنا إليك نفرا من الجن ـ إلى قوله تعالى : ـ اولئك في ضلال مبين ٢٩ ـ ٣٢.

الجن «٧٢» قل اوحي إلي أنه استمع نفر من الجن فقالوا إنا سمعنا قرآنا عجبا * يهدي إلى الرشد فآمنا به ولن نشرك بربنا أحدا. إلى آخر السورة.

تفسير : قال الطبرسي رحمه‌الله في قوله تعالى : « وإذ صرفنا إليك نفرا من الجن يستمعون القرآن » معناه واذكر يا محمد إذ وجهنا إليك جماعة من الجن تستمع القرآن ، وقيل : معناه صرفناهم إليك عن بلادهم بالتوفيق والالطاف حتى أتوك ، وقيل : صرفناهم إليك عن استراق السمع من السماء برجوم الشهب ، ولم يكونوا بعد عيسى عليه‌السلام قد صرفوا عنه ، فقالوا. ما هذا الذي حدث في السماء إلا من أجل شئ قد حدث في الارض ، فضربوا في الارض حتى وقفوا على النبي (ص) ببطن نخلة عائدا (١) إلى عكاظ وهو يصلي الفجر ، فاستمعوا القرآن ونظروا كيف يصلي عن ابن عباس ، وابن جبير ، فعلى هذا يكون الرمي بالشهب.

لطفا للجن. « فلما حضروه » أي القرآن أو النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله « قالوا » أي بعضهم لبعض « أنصتوا » أي اسكتوا نستمع إلى قراءته « فلما قضى » أي فرغ من تلاوته « ولوا » أي انصرفوا « إلى قومهم منذرين » أي محذرين إياهم عذاب الله إن لم يؤمنوا « قالوا يا قومنا إنا سمعنا كتابا انزل من بعد موسى » يعنون القرآن « مصدقا لما بين يديه » أي لما تقدم من الكتب « يهدي إلى الحق » أي إلي الدين الحق « وإلى طريق مستقيم » يؤدي بسالكه إلى الجنة.

القصة : عن الزهري قال : لما توفي أبوطالب عليه‌السلام اشتد البلاء على رسول الله

__________________

(١) في المصدر : عامدا.

٧٦

صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فعمد لثقيف بالطائف رجاء أن يؤووه ، فوجد ثلاثة نفر منهم هم سادة ، وهم إخوة عبد ياليل ، ومسعود ، وحبيب بنو عمرو ، فعرض عليهم نفسه فقال أحدهم : أنا أسرق ثياب الكعبة إن كان الله بعثك بشئ قط ، وقال الآخر : أعجز الله أن يرسل غيرك؟ وقال الآخر : والله لا اكلمك بعد مجلسك هذا أبدا ، ولئن كنت رسولا كما تقول فلانت أعظم خطرا من أن يرد عليك الكلام ، وإن كنت تكذب على الله فما ينبغي لي أن اكلمك بعد ، وتهزؤا به ، وأفشوا في قومهم (١) ما راجعوه به ، فقعدوا له صفين على طريقه ، فلما مر رسول الله (ص) بين صفيهم جعلوا لا يرفع رجليه ولا يضعهما إلا رضخوهما بالحجارة حتى أدموا رجليه ، فخلص منهم وهما يسيلان دما ، فعمد فجاء إلى حائط من حيطانهم فاستظل في ظل نخلة (٢) منه وهو مكروب موجع تسيل رجلاه دما ، فإذا في الحائط عتبة ابن ربيعة وشيبة بن ربيعة ، فلما رآهما كره مكانهما لما يعلم من عداوتهما لله ورسوله ، فلما رأياه أرسلا إليه غلاما لهما يدعى عداس معه عنب وهو نصراني من أهل نينوى ، فلما جاءه قال له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : من أي أرض أنت؟ قال : من أهل نينوى ، قال : من مدينة العبد الصالح يونس بن متى؟ فقال له عداس : وما يدريك من يونس بن متى؟ فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله : أنا رسول الله ، والله تعالى أخبرني خبر يونس بن متى ، فلما أخبره بما أوحى الله إليه من شأن يونس خر عداس ساجدا لله ، ومعظما لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وجعل يقبل قدميه وهما تسيلان الدماء ، فلما بصر عتبة وشيبة ما يصنع غلامهما سكتا ، فلما أتاهما قالا : ما شأنك سجدت لمحمد وقبلت قدميه ولم نرك فعلت ذلك بأحد منا؟ قال : هذا رجل صالح أخبرني بشئ عرفته من شأن رسول بعثه الله إلينا يدعى يونس بن متى ، فضحكا وقالا : لا يفتننك عن نصرانيتك ، فإنه رجل خداع ، فرجع رسول الله (ص) إلى مكة حتى إذا كان بنخلة قام في جوف الليل يصلي ، فمر به نفر من أهل نصيبين من اليمن فوجدوه يصلي صلاة الغداة ، ويتلو القرآن ، فاستمعوا له ، وهذا معنى قول سعيد بن جبير وجماعة.

__________________

(١) في قومهم خ ل.

(٢) في المصدر : في ظل : حبلة. أقول : حبلة : شجر العنب.

٧٧

وقال آخرون : امر رسول اله صلى‌الله‌عليه‌وآله أن ينذر الجن ويدعوهم إلى الله ، ويقرأ عليهم القرآن فصرف الله إليه نفرا من الجن من نينوى ، فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله : إني امرت أن أقرأ على الجن الليلة ، فأيكم يتبعني؟ فاتبعه عبدالله بن مسعود ، قال عبدالله : ولم يحضر معه أحد غيري ، فانطلقنا حتى إذا كنا بأعلى مكة ، ودخل نبي الله شعبا يقال له : شعب الحجون ، وخط لي خطا ، ثم أمرني أن أجلس فيه وقال : لا تخرج منه حتى أعود إليك ثم انطلق حتى قام فافتتح القرآن فغشيته أسودة (١) كثيرة حتى حالت بيني وبينه ، حتى لم أسمع صوته ، ثم انطلقوا وطفقوا يتقطعون مثل قطع السحاب ذاهبين حتى بقي منهم رهط. وفرغ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله مع الفجر فانطلق فبرز ، ثم قال : هل رأيت شيئا؟ فقلت : نعم رأيت رجالا سودا مستثفري (٢) ثياب بيض قال : اولئك جن نصيبين. وروى علقمة ، عن عبدالله قال : لم أكن مع رسول الله (ص) ليلة الجن ، ووددت أني كنت معه ، وروي عن ابن عباس أنهم كانوا سبعة نفر من جن نصيبين ، فجعلهم رسول الله (ص) رسلا إلى قومهم ، وقال زر بن حبيش : كانوا تسعة نفر منهم : زوبعة ، وروى محمد بن المنكدر عن جابر بن عبدالله قال : لما قرأ رسول الله (ص) « الرحمن (٣) » على الناس سكتوا فلم يقولوا شيئا ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : الجن كانوا أحسن جوابا منكم ، لما قرأت عليهم «فبأي آلاء ربكما تكذبان (٤) » قالوا : « لا ولا بشئ من آلائك ربنا نكذب ».

«يا قومنا أجيبوا داعي الله» يعنون محمدا صلى‌الله‌عليه‌وآله إذ دعاهم إلى توحيده وخلع الانداد دونه « وآمنوا به يغفرلكم من ذنوبكم » أي إن آمنتم بالله ورسوله يغفرلكم « ويجركم من عذاب أليم » في هذا دلالة على أنه عليه‌السلام كان مبعوثا إلى الجن ، كما كان مبعوثا إلى الانس ، ولم يبعث الله نبيا إلى الانس والجن قبله « ومن لا يجب داعي الله فليس بمعجز في الارض » أي لا يعجز الله فيسبقه ويفوته « وليس له من دونه أولياء » أي أنصارا

__________________

(١) الاسودة : جمع السواد.

(٢) استثفر بثوبه : ثنى طرفه فأخرج من بين فخذيه وغرزه في حجزته.

(٣) السورة : ٥٥.

(٤) الاية : ١٦ وغيرها.

٧٨

يمنعونه من الله «اولئك في ضلال مبين» أي عدول عن الحق ظاهرا انتهى كلامه رفع مقامه (١).

وقال الرازي : روي عن الحسن أن هؤلاء من الجن كانوا يهودا لان في الجن مللا كما في الانس ، والمحققون على أن الجن مكلفون ، سئل ابن عباس هل للجن ثواب؟ قال : نعم لهم ثواب وعليهم عقاب يلتقون في الجنة ، ويزدحمون على أبوابها ، ثم قال : واختلفوا في أن الجن هل لهم ثواب أم لا؟ فقيل : لا ثواب لهم إلا النجاة من النار ، ثم يقال لهم : كونوا ترابا مثل البهائم! واحتجوا بقوله تعالى : « ويجركم من عذاب أليم » وهو قول أبي حنيفة ، والصحيح أنهم في حكم بني آدم في الثواب والعقاب وهذا قول ابن أبي ليلى ومالك ، وكل دليل يدل على أن البشر يستحقون الثواب على الطاعة فهو بعينه قائم في حق الجن ، والفرق بين البابين بعيد جدا (٢).

وقال الطبرسي في قوله تعالى : « قل اوحي إلي أنه استمع نفر من الجن » أي استمع القرآن طائفة من الجن وهم جيل رقاق الاجسام ، خفية (٣) على صورة مخصوصة بخلاف صورة الانسان والملائكة ، فإن الملك مخلوق من النور ، والانس من الطين ، والجن من النار « فقالوا » أي الجن بعضها لبعض : « إنا سمعنا قرآنا عجبا » العجب ما يدعو إلى التعجب منه لخفاء سببه وخروجه عن العادة (٤) « يهدي إلى الرشد » أي الهدى « فآمنا به » أي بأنه من عند الله « ولن نشرك » فيما بعد « بربنا أحدا » فنوجه العبادة إليه ، وفيه دلالة على أنه صلى‌الله‌عليه‌وآله كان مبعوثا إلى الجن أيضا ، وأنهم عقلاء مخاطبون ، وبلغات العرب عارفون ، وأنهم يميزون بين المعجز وغير المعجز ، وأنهم دعوا قومهم إلى الاسلام وأخبروهم بإعجاز القرآن وأنه كلام الله تعالى.

__________________

(١) مجمع البيان ٩ : ٩١ ـ ٩٤.

(٢) مفاتيح الغيب : تفسير سورة الاحقاف ج ٢٨ ص ٣١.

(٣) في المصدر : خفيفة.

(٤) في المصدر : زيادة لم يوردها المصنف وهي : وخروجه عن العادة في مثله ، فلما كان القرآن قد خرج بتأليفه المخصوص عن العادة في الكلام وخفى سببه عن الانام كان عجبا لا محالة ، وأيضا فانه مباين لكلام الخلق في المعنى والفصاحة والنظام ، لا يقدر أحد على الاتيان بمثله ، وقد تضمن أخبار الاولين والاخرين وما كان وما يكون أجراه الله على يد رجل امى فاستعظموه وسموه عجبا.

٧٩

وروى الواحدي بإسناده عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس قال : ما قرء رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله على الجن وما رآهم ، انطلق رسول الله (ص) في طائفة من أصحابه عامدين إلى سوق عكاظ ، وقد حيل بين الشياطين وبين خبر السماء فرجعت الشياطين إلى قومهم فقالوا : مالكم؟ قالوا : حيل بيننا وبين خبر السماء ، وارسلت علينا الشهب ، قالوا : ما ذاك إلا من شئ حدث ، فاضربوا مشارق الارض ومغاربها ، فمر النفر الذين أخذوا نحو تهامة بالنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وهو بنخل عامدين إلى سوق عكاظ وهو يصلي بأصحابه صلاة الفجر ، فلما سمعوا القرآن استمعوا له وقالوا : هذا الذي حال بيننا وبين خبر السماء ، فرجعوا إلى قومهم وقالوا : « إنا سمعنا قرآنا عجبا * بهدي إلى الرشد فآمنا به ولن نشرك بربنا أحدا » فأوحى الله تعالى إلى نبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله : « قل اوحي إلي أنه استمع نفر من الجن » ورواه البخاري ومسلم.

وعن علقمة بن قيس قال : قلت لعبد الله بن مسعود : من كان منكم مع النبي صلى الله عليه واله ليلة الجن ، فقال : ما كان منا معه أحد ، فقدناه ذات ليلة ونحن بمكة ، فقلنا اغتيل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أو استطير ، فانطلقنا نطلبه من الشعاب فلقيناه مقبلا من نحو حرا ، فقلنا : يا رسول الله أين كنت لقد أشفقنا عليك؟ وقلنا له بتنا الليلة بشر ليلة بات بها قوم حين فقدناك ، فقال لنا : إنه أتاني داعي الجن فذهبت اقرئهم القرآن ، فذهب بنا فأرانا آثارهم وآثار نيرانهم. فأما أن يكون صحبه منا أحد فلم يصحبه ، وعن أبي روق قال : هم تسعة نفر من الجن قال أبوحمزة الثمالي : وبلغنا أنهم من بني الشيبان (١) وهم أكثر الجن عددا ، وهم عامة جنود إبليس ، وقيل : كانوا سبعة نفر من جن نصيبين ، رآهم النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فآمنوا به ، وأرسلهم إلى سائر الجن.

« وأنه تعالى جد ربنا ما اتخذ صاحبة ولا ولدا » أي تعالى جلال ربنا وعظمته عن اتخاذ الصاحبة والولد ، أو تعالت صفاته أو قدرته أو ذكره أو فعله وأمره ، أو ملكه أو آلاؤه ونعمه. والجميع يرجع إلى معنى واحد وهو العظمة والجلال ، وروي عن الباقر والصادق عليهما‌السلام أنه ليس لله تعالى جد ، وإنما قالته الجن بجهالة ، فحكاه سبحانه كم

__________________

(١) في المصدر : من بنى الشيصبان.

٨٠