بحار الأنوار

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي

بحار الأنوار

المؤلف:

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي


الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: مؤسسة الوفاء
الطبعة: ٢
الصفحات: ٤٢٧
  الجزء ١   الجزء ٢   الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠ الجزء ٢١ الجزء ٢٢ الجزء ٢٣ الجزء ٢٤ الجزء ٢٥ الجزء ٢٦ الجزء ٢٧ الجزء ٢٨ الجزء ٢٩ الجزء ٣٠ الجزء ٣١ الجزء ٣٥ الجزء ٣٦ الجزء ٣٧ الجزء ٣٨ الجزء ٣٩ الجزء ٤٠ الجزء ٤١ الجزء ٤٢ الجزء ٤٣ الجزء ٤٤ الجزء ٤٥ الجزء ٤٦ الجزء ٤٧ الجزء ٤٨ الجزء ٤٩ الجزء ٥٠ الجزء ٥١ الجزء ٥٢ الجزء ٥٣ الجزء ٥٤ الجزء ٥٥ الجزء ٥٦ الجزء ٥٧ الجزء ٥٨ الجزء ٥٩ الجزء ٦٠ الجزء ٦١   الجزء ٦٢ الجزء ٦٣ الجزء ٦٤ الجزء ٦٥ الجزء ٦٦ الجزء ٦٧ الجزء ٦٨ الجزء ٦٩ الجزء ٧٠ الجزء ٧١ الجزء ٧٢ الجزء ٧٣ الجزء ٧٤ الجزء ٧٥ الجزء ٧٦ الجزء ٧٧ الجزء ٧٨ الجزء ٧٩ الجزء ٨٠ الجزء ٨١ الجزء ٨٢ الجزء ٨٣ الجزء ٨٤ الجزء ٨٥ الجزء ٨٦ الجزء ٨٧ الجزء ٨٨ الجزء ٨٩ الجزء ٩٠ الجزء ٩١ الجزء ٩٢ الجزء ٩٣ الجزء ٩٤   الجزء ٩٥ الجزء ٩٦   الجزء ٩٧ الجزء ٩٨ الجزء ٩٩ الجزء ١٠٠ الجزء ١٠١ الجزء ١٠٢ الجزء ١٠٣ الجزء ١٠٤

فقال : إن رجلا في البيت ضربني ، فضربه ضربة اخرى فكان ينزل فانكسر ساقه فعصبها ، فلما انتهى إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فحدثه قال : ابسط رجلك ، فبسطها فمسحها فبرأت.

وروي أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله تفل في بئر معطلة ففاضت حتى سقي منها بغير دلو ولا رشاء (١). وكانت امرأة متبرزة وفيها وقاحة ، فرأت رسول الله (ص) يأكل فسألت لقمة من فلق (٢) فيه ، فأعطاها فصارت ذات حياء بعد ذلك.

ومسح صلى‌الله‌عليه‌وآله ضرع شاة حائل لا لبن لها فدرت فكان ذلك سبب إسلام ابن مسعود.

أمالي الحاكم : إن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله كان يوما قائظا ، فلما انتبه من نومه دعا بماء فغسل يديه ، ثم مضمض ماء ومجه إلى عوسجة ، فأصبحوا وقد غلظت العوسجة وأثمرت وأينعث بثمر أعظم ما يكون في لون الورس ، ورائحة العنبر ، وطعم الشهد ، والله ما أكل منها جائع إلا شبع ، ولا ظمآن إلا روي ، ولا سقيم إلا برئ ، ولا أكل من ورقها حيوان إلا در لبنها ، وكان الناس يستشفون من ورقها ، وكان يقوم مقام الطعام والشراب ، ورأينا النماء والبركة في أموالنا ، فلم يزل كذلك حتى أصحبنا ذات يوم وقد تساقط ثمرها. و صفر (٣) ورقها ، فإذا قبض النبي (ص) ، فكانت بعد ذلك تثمر دونه في الطعم والعظم والرائحة ، وأقامت على ذلك ثلاثين سنة فأصبحنا يوما وقد ذهبت نضارة عيدانها ، فإذا قتل أمير المؤمنين عليه‌السلام ، فما أثمرت بعد ذلك قليلا ولا كثيرا ، فأقامت بعد ذلك مدة طويلة ، ثم أصبحنا وإذا بها قد نبع من ساقها دم عبيط ورقها ذابل (٤) يقطر ماء كماء اللحم ، فإذا قتل الحسين عليه‌السلام.

أمالي الطوسي : عن زيد بن أرقم في خبر طويل : إن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أصبح طاويا ، فأتى فاطمة عليها‌السلام فرأى الحسن والحسين يبكيان من الجوع ، وجعل يزقهما

__________________

(١) الرشاء : الحبل.

(٢) أى من وسط فيه.

(٣) استظهر المصنف في الهامش أن الصحيح : اصفر. أقول : في المصدر : وصفر ورقها.

(٤) ذبل النبات قل ماؤه. وذهبت نضارته.

٤١

بريقه حتى شبعا وناما ، فذهب مع علي عليه‌السلام إلى دار أبي الهيثم ، فقال : مرحبا برسول الله ما كنت احب أن تأتيني وأصحابك إلا وعندي شئ ، وكان لي شئ ففرقته في الجيران ، فقال : أوصاني جبريل بالجار حتى حسبت أنه سيورثه ، قال : فنظر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله إلى نخلة في جانب الدار فقال : يا أبا الهيثم تأذن في هذه النخلة؟ فقال : يا رسول الله إنه لفحل ، وما حمل شيئا قط ، شأنك به ، فقال : يا علي ائتني بقدح ماء ، فشرب منه ثم مج فيه ، ثم رش على النخلة فتملت أعذاقا من بسر ورطب ما شئنا ، فقال : ابدءوا بالجيران ، فأكلنا و وشربنا ماء باردا حتى روينا ، فقال : يا علي هذا من النعيم الذي يسألون عنه يوم القيامة يا علي تزود لمن وراك ، لفاطمة والحسن والحسين ، قال : فما زالت تلك النخلة عندنا نسميها نخلة الجيران حتى قطعها يزيد عام الحرة (١).

إيضاح : فت الشئ : كسره ، وبلدح بفتح الباء والدال وسكون اللام : اسم موضع بالحجاز قرب مكة ، وقال الجوهري : ومن أمثالهم في التحزن بالاقارب :

« لكن على بلدح قوم عجفى ».

قاله بيهس الملقب بنعامة لما رأى قوما في خصب وأهله في شدة ، وقال : الماتح : المستقي ، وقال : قاظ بالمكان وتقيظ به : إذا أقام به في الصيف ، والطوى : الجوع. قوله : فتملت أصله تملات بمعنى امتلات فخفف.

٢٩ ـ قب : البخاري : إن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قال لمديون مر عليه والديان يطلبونه بالديون صف تمرك كل شئ على حدته ، ثم جاء فقعد عليه ، وكال لكل رجل حتى استوفى و بقي التمر كما هو كأن لم يمس.

وأتى عامر بن كريز يوم الفتح رسول الله بابنه عبدالله بن عامر وهو ابن خمس أوست فقال : يا رسول الله حنكه ، فقال : إن مثله لا يحنك ، وأخذه وتفل في فيه ، فجعل يتسوغ ريق رسول الله (ص) ويتلمظه ، فقال : صلى‌الله‌عليه‌وآله : إنه لمستقي ، فكان لا يعالج أرضا إلا ظهر له الماء وله سقايات معروفة ، وله النباح والجحفة وبستان ابن عامر.

وفي مسلم ، عن جابر إن ام مالك كانت تهدي إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله في عكة لها سمنا ،

__________________

(١) مناقب آل أبى طالب ١ : ١٠١ ـ ١٠٥.

٤٢

فيأتيها بنوها فيسألون الادم وليس عندهم شئ : فتعمد إلى الذي كانت تهدي فيه للنبي (ص) فتجد فيها سمنا ، فما زال تقيم لها ادم بيتها حتى عصرته (١) ، فأتت النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فقال : عصرتيها؟ قالت : نعم ، قال : لو تركتيها مازال مقيما (٢).

بيان : لمظ وتلمظ : تتبع بلسانه الطعام في فمه ، أو أخرج لسانه فمسح به شفتيه.

٣٠ ـ عم : من معجزات النبي (ص) حديث شاة ام معبد ، وذلك أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله لما هاجر من مكة ومعه أبوبكر وعامر بن فهيرة ، ودليلهم عبدالله ابن اريقط الليثي فمروا على ام معبد الخزاعية ، وكانت امرأة برزة تحتبي (٣) وتجلس بفناء الخيمة فسألوا تمرا أو لحما ليشتروه ، فلم يصيبوا عندها شيئا من ذلك ، وإذا القوم مرملون ، فقالت لو كان عندنا شئ ما أعوزكم القرى ، فنظر رسول الله (ص) في كسر خيمتها فقال : ما هذه الشاة يا ام معبد قالت ، شاة خلفها الجهد عن الغنم ، فقال : هل بها من لبن؟ قالت : هي أجهد من ذلك ، قال : أتأذنين في أن أحلبها؟ قالت : نعم بأبي أنت وامي إن رأيت بها حلبا فاحلبها ، فدعا رسول الله بالشاة فمسح ضرعها ، وذكر اسم الله ، وقال :؟ « اللهم بارك في شاتها » فتفاجت و درت (٤) ، فدعا رسول الله (ص) بإناء لها يريض الرهط فحلب فيه ثجا حتى علته الثمال ، فسقاها فشربت حتى رويت ، ثم سقى أصحابه فشربوا حتى رووا ، فشرب آخرهم وقال : « ساقي القوم آخرهم شربا » فشربوا جميعا عللا بعد نهل حتى أراضوا ، ثم حلب فيه ثانيا عودا على بدء فغادره عندها ، ثم ارتحلوا عنها ، فقلما لبثت أن جاء زوجها أبومعبد يسوق أعنزا عجافا هزلى مخهن قليل ، فلما رأى اللبن قال : من أين لكم هذا والشاء (٥) عازب ولا حلوبة

__________________

(١) في المصدر : عصرتها.

(٢) مناقب ال أبى طالب ١ : ١١٧ و ١١٨ و ١٢١. فيه ما زالت مقيمة.

(٣) احتبى بالثوب : اشتمل به. جمع بين ظهره وساقية بثوب.

(٤) تفاجت أى فتحت ما بين رجليها. قوله : درت لبنها وجرى.

(٥) الشاء جمع الشاة.

٤٣

في البيت؟ قالت : لا والله إلا أنه مر بنا رجل مبارك كان من حديثه كيت (١) وكيت. الخبر بطوله (٢).

قب : هند بنت الجون وحبيش بن خالد وأبومعبد الخزاعى مثله (٣).

بيان : أرمل القوم : نفد زادهم ، والكسر بالكسر : أسفل شقة البيت التي تلي الارض من حيث يكسر جانباه عن يمينك ويسارك : والتفاج : المبالغة في تفريج ما بين الرجلين ، وهو من الفج : الطريق قال الجزري ، وقال : يريض الرهط ، أي يرويهم بعض الري ، من أراض الحوض : إذا صب فيه من الماء ما يواري أرضه ، وقال : ثجا ، أي لبنا سائلا كثيرا ، وقال : الثمال بالضم : الرغوة ، واحده ثمالة ، وقال : حتى أراضوا أي شربوا عللا بعد نهل حتى رووا ، من أراض الوادي : إذا استنقع فيه الماء ، وقيل : أراضوا أي ناموا على الارض ، وهو البساط ، وقيل : حتى صبوا اللبن على الارض ، وقال الجوهري : رجع عوده على بدئه : إذا رجع في الطريق الذي جاء منه ، قوله : فغادره ، أي تركه ، قوله : عازب ، أي غائب.

٣١ ـ يج : روي أن ابن الكوا قال لعلي عليه‌السلام : بما كنت وصي محمد (ص) من بين بني عبدالمطلب؟ قال إذن ما الخبر تريد؟ لما نزل على رسول الله (ص) «وأنذر عشيرتك الاقربين (٤) » جمعنا رسول الله (ص) ونحن أربعون رجلا ، فأمرني فأنضجت له رجل شاة ، وصاعا من طعام أمرني فطحنته وخبزته ، وأمرني فأدنيته ، قال : ثم قدم عشرة من أجلتهم فأكلوا حتى صدروا ، وبقي الطعام كما كان ، وإن منهم لمن يأكل الجذعة ، ويشرب الفرق (٥) ، فأكلوا منها كلهم أجمعون ، فقال أبولهب : سحر كم صاحبكم ، فتفرقوا عنه ،

__________________

(١) كيت وكيت وقد يكسر آخرهما ، يكنى بهما عن الحديث والخبر. ويستعملان بلا واو أيضا ولا تستعملان الا مكررتين.

(٢) اعلام الورى. ١٦ ط ١ و ٣٢ ط ٢.

(٣) مناقب آل أبى طالب ١ : ١٠٥.

(٤) الشعراء : ٢١٤.

(٥) الجذعة من البهائم : صغيرها. والفرق بالتحريك : مكيال يسع ستة عشر رطلا وهى اثنا عشر مدا أو ثلاثة أصواع عند أهل الحجاز ، وقيل : الفرق : خمسة أقساط ، والقسط : نصف صاع ، فأ الفرق بالسكون فمأة وعشرون رطلا قاله الجزرى في النهاية ، أقول : الظاهر أنه اراد الاول وهو غريب جدا ولعله محمول على المبالغة من الراوى.

٤٤

ثم دعاهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ثانية ، ثم قال : أيكم يكون أخي ووصيي ووارثي؟ فعرض عليهم فكلهم يأبى حتى انتهى إلي وأنا أصغرهم سنا ، وأعمشهم عينا ، وأحمشهم ساقا (١) فقلت : أنا فرمى إلي بنعله فلذلك كنت وصيه من بينهم (٢).

(باب ٨)

*(معجزاته صلى‌الله‌عليه‌وآله في كفاية شر الاعداء)*

الايات : البقرة « ٢ » : فسيكفيكهم الله وهو السميع العليم ١٣٧.

المائدة « ٥ » : يا أيها الذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم إذ هم قوم أن يبسطوا إليكم أيديهم فكف أيديهم عنكم ١١.

الحجر « ١٥ » : كما أنزلنا على المقتسمين * الذين جعلوا القرآن عضين ٩٠ و ٩١. وقال تعالى : إنا كفيناك المستهزئين * الذين يجعلون مع الله إلها آخر فسوف يعلمون ٩٥ و ٩٦.

النحل « ١٦ » : وضرب الله مثلا قرية كانت آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغدا من كل مكان فكفرت بأنعم الله فأذاقها الله لباس الجوع والخوف بما كانوا يصنعون * ولقد جائهم رسول منهم فكذبوه فأخذهم العذاب وهم ظالمون ١١٢ و ١١٣.

__________________

(١) عمشت عينه : ضعف بصرها مع سيلان دمعها في أكثر الاوقات فهو اعمش ، وحمشت ساقه : دقت فهو أحمش. وهما كنايتان عن الصغر.

(٢) بنفله خ ل. أقول : هكذا في نسخة المصنف ، والظاهر أن الحديث قد وقع فيه تصحيف لما اختصره الرواة ونقلوه بالمعنى ، وقد ذكر الحديث مفصلا محمد بن العباس بن على بن مروان الماهيار المعروف بالحجام باسناده عن ابى رافع في كتابه ، فقال بعد ما ذكر اجابة على عليه‌السلام له صلى الله عليه وآله : فقال : ادن منى فدنا منه ، فقال : افتح فاك ، ففتحه فنفث فيه من ريقه ، وتفل بين كتفيه وبين ثدييه ، فقال أبولهب : بئس ما حبوت به ابن عمك ، أجابك لمادعوته إليه ، فملات فاه ووجهه بزاقا؟ فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : بل ملاته علما وحكما وفقها. راجع تفسير البرهان ٣ ـ ١٩١

(٣)لم نجد الحديث وكثيرا مما تقدم في الخرائج المطبوع ، واستظهرنا سابقا أن المطبوع ملخص منه.

٤٥

الاسرى « ١٧ » : وإذا قرأت القرآن جعلنا بينك وبين الذين لا يؤمنون بالآخرة حجابا مستورا * وجعلنا على قلوبهم أكنة أن يفقهوه وفي آذانهم وقرا وإذا ذكرت ربك في القرآن وحده ولوا على أدبارهم نفورا ٤٥ و ٤٦.

وقال تعالى : وإن كادوا ليستفزونك من الارض ليخرجوك منها وإذا لا يلبثون خلافك إلا قليلا * سنة من قد أرسلنا قبلك من رسلنا ولا تجد لسنتنا تحويلا ٧٦ و ٧٧.

الزمر « ٣٩ » : أليس الله بكاف عبده ويخوفونك بالذين من دونه ومن يظلل الله فماله من هاد ٣٦.

تفسير : قال الطبرسي رحمه‌الله في قوله تعالى : « فسيكفيكهم الله » : وعد الله سبحانه رسوله بالنصرة وكفاية من يعاديه من اليهود والنصارى الذين شاقوه ، وفي هذا دلالة بينة على نبوته وصدقه صلى‌الله‌عليه‌وآله (١).

وفي قوله تعالى : « إذهم قوم » : اختلف فيمن بسط إليهم الايدي على أقوال : أحدها : أنهم اليهود ، هموا بأن يفتكوا (٢) بالنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وهم بنو النضير ، دخل رسول الله (ص) مع جماعة من أصحابه عليهم وكانوا قد عاهدوه على ترك القتال ، و على أن يعينوه في الديات ، فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله : رجل من أصحابي أصاب رجلين معهما أمان مني ، فلزمني ديتهما ، فاريد أن تعينوني ، فقالوا : نعم أجلس حتى نطعمك ونعطيك الذي تسألنا ، وهموا بالفتك بهم ، فآذن الله رسوله (٣) فأطلع النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أصحابه على ذلك وانصرفوا ، وكان ذلك إحدى معجزاته ، عن مجاهد وقتادة وأكثر المفسرين. وثانيها : أن قريشا بعثوا رجلا ليفتك بالنبى صلى‌الله‌عليه‌وآله فدخل عليه وفي يده سيف مسلول ، فقال له : أرنيه ، فأعطاه إياه ، فلما حصل في يده قال : ما الذي يمنعني من قتلك؟ قال : الله يمنعك ، فرمى السيف وأسلم ، واسم الرجل عمرو بن وهب الجمحي ،

__________________

(١) مجمع البيان ١ : ٢١٨.

(٢) فتك به : بطش به أو قتله على غفلة.

(٣) في المصدر : فآذن الله به رسوله.

(٤) شهر السيف : سله فرفعه.

٤٦

بعثه صفوان بن أمية ليغتاله بعد بدر ، وكان ذلك سبب إسلام عمرو بن وهب عن الحسن.

وثالثها : أن المعني بذلك ما لطف الله للمسلمين من كف أعدائهم عنهم حين هموا باستئصالهم بأشياء شغلهم بها من الامراض والقحط وموت الاكابر وهلاك المواشي وغير ذلك من الاسباب التي انصرفوا عندها من قتل المؤمنين عن الجبائي.

ورابعها : ماقاله الواقدي : إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله غزا جمعا من بنى ذبيان ومحارب بذي أمر فتحصنوا برؤوس الجبال ، ونزل رسول الله (ص) بحيث يراهم ، فذهب لحاجته فأصابه مطر فبل ثوبه فنشره على شجرة واضطجع تحته والاعراب ينظرون إليه ، فجاء سيدهم دعثور بن الحارث حتى وقف على رأسه بالسيف مشهورا ، فقال : يا محمد من يمنعك مني اليوم؟ فقال : الله ، فدفع جبرئيل في صدره ، ووقع السيف من يده ، فأخذه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وقام على رأسه وقال : من يمنعك مني اليوم؟ فقال : لا أحد ، وأنا أشهد أن لا إله إلا الله ، وأن محمدا رسول الله ، فنزلت الآية ، وعلى هذا فيكون تخليص النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله مما هموا به نعمة على المؤمنين من حيث أن مقامه بينهم نعمة عليهم (١).

وقال في قوله تعالى : « كما أنزلنا على المقتسمين » قيل : فيه قولان :

أحدهما : أن معناه أنزلنا القرآن عليك كما أنزلنا على المقتسمين ، وهم اليهود والنصارى « الذين جعلوا القرآن عضين » جمع عضة ، وأصله عضوة ، فنقصت الواو ، و التعضية : التفريق : أي فرقوه وجعلوه أعضاء كأعضاء الجزور ، فآمنوا ببعضه ، وكفروا ببعضه ، وقيل : سماهم مقتسمين لانهم اقتسموا كتب الله فآمنوا ببعضها ، وكفروا ببعضها.

والآخر : أن معناه أني انذركم عذابا كما أنزلنا على المقتسمين الذين اقتسموا طريق مكة يصدون عن رسول الله (ص) والايمان به ، قال مقاتل : وكانوا ستة عشر رجلا بعثهم الوليد بن المغيرة أيام الموسم يقولون لمن أتى مكة : لا تغتروا بالخارج منا ، و المدعي للنبوة ، فأنزل الله بهم عذابا فماتوا شر ميتة ، ثم وصفهم فقال : « الذين جعلوا

__________________

(١) مجمع البيان ٣ : ١٦٩ و ١٧٠.

٤٧

القرآن عضين » جزءا جزءا (١) فقالوا : سحر ، وقالوا : أساطير الاولين ، وقالوا : مفترى عن ابن عباس (٢).

وفي قوله تعالى : « إنا كفيناك المستهزئين » أي كفيناك شر المستهزئين واستهزائهم بأن أهلكناهم ، وكانوا خمسة نفر من قريش : العاص بن وائل ، والوليد بن المغيرة ، وأبو زمعة وهو الاسود بن المطلب ، والاسود بن عبد يغوث ، والحارث بن قيس ، عن ابن عباس وابن جبير ، وقيل : كانوا ستة رهط عن محمد بن ثور ، وسادسهم : الحارث بن الطلاطلة ، و امه غيطلة (٣) ، قالوا : وأتى جبرئيل النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله والمستهزؤون يطوفون بالبيت ، فقام جبرئيل ورسول الله إلى جنبه ، فمر به الوليد بن المغيرة المخزومي فأومأ بيده إلى ساقه ، فمر الوليد على كأنه مصحف فيتن (٤) لخزاعة وهو يجر ثيابه ، فتعلقت بثوبه شوكة فمنعه الكبر أن يخفض رأسه فينزعها ، وجعلت تضرب ساقه فخدشته فلم يزل مريضا حتى مات ، ومر به العاص بن وائل السهمي فأشار جبرئيل إلى رجله فوطئ العاص على شبرقة (٥) فدخلت في أخمص رجله ، فقال : لدغت ، فلم يزل يحكها حتى مات ، ومر به الاسود بن المطلب ابن عبد مناف فأشار إلى عينه فعمى ، وقيل : رماه بورقة خضراء فعمى ، وجعل يضرب رأسه على الجدار حتى هلك ، ومر به الاسود بن عبد يغوث فأشار إلى بطنه فاستسقى فمات

__________________

(١) في المصدر : جزأوه أجزاء.

(٢) مجمع البيان ٦ : ٣٤٤ و ٣٤٥. أقول : أضاف الشريف الرضى قدس الله روحه في كتاب مجازات القرآن : ١٠٤ وجها آخر وهو أن يكون معنى عضين معنى الكذب ، قال : وأما التأويل الاخر هو أن يكون معناها على ما قال بعض المفسرين معنى الكذب ، قال : وهو جمع عضة : ومعناها الكذب والزور ، وقد ذكر ثقاة اهل اللغة في العضة وجوها ، فقالوا : العضة : النميمة والعضة : الكذب ، وجمعه عضون ، مثل عزة وعزين ، والعضة : السحر ، والعاضة : الساحر ، وقد يجوز أن يكون جعلوا القران عضين ، جمع عضة من السحر ، أى جعلوه سحرا وكهانة ، كما قال سبحانه حاكيا عنهم : « ان هذا الا سحر يؤثر * إن هذا الا سحر مبين ».

(٣) في المصدر : عيطلة بالعين المهملة.

(٤) في المصدر : فمر على قين. والقين : العبد. وفى مفاتيح الغيب : فمر بنبال فتعلق بثوبه سهم فلم ينعطف تعظما لاخذه فأصاب عرقا في عقبه فقطعه فمات.

(٥) شبرقة : شجر منبته نجد وتهامة ، وثمرته شاكة صغيرة الحجم حمراء مثل الدم ، منبتها القيعان والسباخ. وفي المصدر : فوطئ العاص على شوكة.

٤٨

وقيل : أصابه السموم فصار أسود فأتى أهله فلم يعرفوه فمات ، وهو يقول : قتلني رب محمد ، ومر به الحارث بن الطلاطلة فأومأ إلى رأسه فامتخط قيحا فمات ، وقيل : إن الحارث بن قيس أخذ (١) حوتا مالحا فأصابه العطش ، فما زال يشرب حتى انقد (٢) بطنه فمات (٣).

وفي قوله تعالى : « ضرب الله مثلا قرية » أي مثل قرية « كانت آمنة » أي ذات أمن « مطمئنة » قارة ساكنة بأهلها ، لا يحتاجون إلى الانتقال عنها لخوف أو ضيق « يأتيها رزقها رغدا من كل مكان » أي يحمل إليها الرزق الواسع من كل موضع ومن كل بلد ، كما قال سبحانه : « يجبى إليه ثمرات كل شئ (٤) ».

« فكفرت بأنعم الله » أي فكفر أهل تلك القرية « فأذاقها الله » الآية أي فأخذهم الله بالجوع والخوف بسوء أفعالهم ، وسمى أثر الجوع والخوف لباسا ، لان أثر الجوع و الهزال يظهر على الانسان ، كما يظهر اللباس ، وقيل : لانه شملهم الجوع والخوف كاللباس ، قيل : إن هذه القرية هي مكة ، عن ابن عباس ومجاهد وقتادة ، عذبهم الله بالجوع سبع سنين ، وهم مع ذلك خائفون وجلون عن النبى (ص) وأصحابه يغيرون (٥) عليهم قوافلهم ، وذلك حين دعا النبي (ص) فقال : «اللهم اشدد وطأتك على مضرو اجعل عليهم سنين كسني يوسف» وقيل : إنها قرية كانت قبل نبينا صلى‌الله‌عليه‌وآله بعث الله إليهم نبيا فكفروا به وقتلوه فعذبهم الله بعذاب الاستيصال « ولقد جاءهم رسول منهم » يعني أهل مكة بعث الله إليهم رسولا من جنسهم فكذبوه (٦) وجحدوا نبوته « فأخذهم العذاب وهم

__________________

(١) في المصدر : أكل حوتا.

(٢) انقد : انشق.

(٣) مجمع البيان ٦ : ٣٤٦ و ٣٤٧.

(٤) يجبى إليه : يجمع إليه ، أى يؤتى اليه من كل صوب بثمرات كل شئ. والاية في سورة القصص : ٥٧.

(٥) أغار عليهم : هجم وأوقع بهم.

(٦) في المصدر : بعث الله عليهم رسولا من صميمهم ليتبعوه لا من غيرهم فكذبوه. أقول : من صميمهم أى من خالصهم.

٤٩

ظالمون » أى ماحل بهم من الخوف والجوع المذكورين (١) ومانا لهم يوم بدر وغيره من القتل (٢).

وفي قوله : « وإذا قرأت القرآن » قال : نزل في قوم كانوا يؤذون النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله بالليل إذا تلا القرآن وصلى عند الكعبة ، وكانوا يرمونه بالحجارة ويمنعونه من دعاء الناس إلى الدين ، فحال الله سبحانه بينهم وبينه حتى لا يؤذوه ، عن الجبائي والزجاج « جعلنا بينك وبين الذين لا يؤمنون بالآخرة » قال الكلبي : هم أبوسفيان والنضرين الحارث وأبوجهل وام جميل امرأة أبي لهب ، حجب الله رسوله عن أبصارهم عند قراءة القرآن ، فكانوا يأتونه ويمرون به ولا يرونه « حجابا مستورا » قيل : أي ساترا ، عن الاخفش ، والفاعل قد تكون (٣) في لفظ المفعول كالمشؤوم والميمون ، وقيل : هو على بناء النسب ، أي ذاسترو قيل : مستورا عن الاعين لا يبصر ، إنما هو من قدرة الله (٤).

« وجعلنا على قلوبهم أكنة » الاكنة جمع كنان وهو ما وقى شيئا وستره قيل : كان الله يلقي عليهم النوم ، أو يجعل في قلوبهم أكنة ليقطعهم عن مرادهم أو أنه عاقب هؤلاء الكفار الذين علم أنهم لا يؤمنون بعقوبات يجعلها في قلوبهم تكون موانع من أن يفهموا ما يستمعونه (٥).

« ولوا على أدبارهم نفورا » قيل : كانوا إذا سمعوا « بسم الله الرحمن الرحيم » ولوا ، وقيل : إذا سمعوا « لا إله إلا الله » (٦).

__________________

(١) في المصدر : وعذابهم ما حل بهم من الجوع والخوف المذكورين في الاية المتقدمة.

(٢) مجمع البيان : ٦ : ٣٨٩ و ٣٩٠.

(٣) في المصدر : قد يكون.

(٤) مجمع البيان : ٦ : ٤١٨.

(٥) مجمع البيان ٤ : ٢٨٥ و ٢٨٦. أقول : قال الشريف الرضى في مجازات القرآن : ١١٥ : وهذه استعارة ، لانه ليس هناك على الحقيقة كنان على قلب ولا وقر في سمع ، وانما المراد به أنهم لاستثقالهم سماع القرآن عند أمر الله تعالى نبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله بتلاوته على اسماعهم وافراغه في آذانهم كالذين على قلوبهم أكنة دون علمه ، وفى آذانهم وقردون فهمه ، وان كانوا من قبل نفوسهم اوتوا ، وبسوء اختيارهم اخذوا ، ولولم يكن الامر كذلك لما ذموا على اطراحه ، ولمذروا بالاضراب عن استماعه.

(٦) مجمع البيان ٦ : ٤١٨.

٥٠

وفي قوله تعالى : « وإن كادوا ليستفزونك » أي أن المشركين أرادوا أن يزعجوك (١) من أرض مكة بالاخراج ، وقيل : عن أرض المدينة ، يعني اليهود ، وقيل : يعني جميع الكفار أرادوا أن يخرجوك من أرض العرب ، وقيل : معناه ليقتلونك « وإذا لا يلبثون » أي لو أخرجوك لكانوا لا يلبثون بعد خروجك « إلا » زمانا « قليلا » ومدة يسيرة ، قيل : وهي المدة بين خروج النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله من مكة وقتلهم يوم بدر ، والصحيح أن المعنيين في الآية مشركو مكة : وأنهم لم يخرجوا النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله من مكة ، ولكنهم هموا بإخراجه ، ثم خرج صلى‌الله‌عليه‌وآله لما امر بالهجرة ، وندموا على خروجه ، ولذلك ضمنوا الاموال في رده ولو أخرجوه لا ستؤصلوا بالعذاب ، ولماتوا طرا (٢).

وفي قوله تعالى : « أليس الله بكاف عبده» استفهام تقرير ، يعني به محمدا صلى‌الله‌عليه‌وآله يكفيه عداوة من يعاديه « ويخوفونك » كانت الكفار يخيفونه بالاوثان التي كانوا يعبدونها ، قالوا : أما تخاف أن يهلكك آلهتنا ، وقيل : إنه لما قصد خالد لكسر العزى بأمر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قالوا : إياك يا خالد فبأسها شديد ، فضرب خالد أنفها بالفأس فهشمها ، فقال : كفرانك يا عزى لاسبحانك ، سبحان من أهانك (٣).

١ ـ فس : « فكف أيديهم عنكم » يعني أهل مكة من قبل أن فتحها ، فكف أيديهم بالصلح يوم الحديبية (٤).

٢ ـ فس : « حجابا مستورا » يعني يحجب الله عنك الشياطين (٥) « أكنة » أي غشاوة أي صمما «نفورا» قال : كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إذا صلى تهجد بالقرآن وتسمع (٦) له قريش لحسن صوته ، فكان إذا قرأ « بسم الله الرحمن الرحيم » فر وا عنه (٧).

٣ ـ فس : « وإن كادوا ليستفزونك من الارض » يعني أهل مكة « إلا قليلا ».

__________________

(١) أزعجه : قلعه من مكانه وطرده.

(٢) مجمع البيان ٦ : ٤٣٢ و ٤٣٣.

(٣) مجمع البيان ٨ : ٤٩٩. وزاد فيه : إنى رأيت الله قد أهانك.

(٤) تفسير القمى : ١٥١.

(٥) أراد بالشياطين شياطين الانس وهم الذين لا يؤمنون ، أو الاعم.

(٦) في المصدر : ويستمع قريش.

(٧) تفسير القمى : ٣٨٢.

٥١

حتى قتلوا ببدر (١).

٤ ـ ن : الدقاق ، عن الاسدي ، عن جرير بن حازم (٢) عن أبى مسروق ، عن الرضا عليه‌السلام قال : إن رسول الله (ص) أتاه أبولهب فتهدده ، فقال له رسول الله (ص) إن خدشت من قبلك خدشة فأنا كذاب ، فكانت أول آية (٣) نزع بها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله الخبر (٤).

٥ ـ ما : المفيد ، عن الجعابي ، عن الفضل بن الحباب الجمحي ، عن الحسين بن عبدالله الابلي ، عن أبي خالد الاسدي ، عن أبي بكر بن عياش ، عن صدقة بن سعيد الحنفي ، عن جميع بن عمير قال : سمعت عبدالله بن عمر بن الخطاب يقول : انتهى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إلى العقبة فقال : لا يجاوزها أحد ، فعوج الحكم بن أبي العاص فمه مستهزئا به صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وقال رسول الله (ص) : من اشترى شاة مصراة فهو بالخيار (٥) ، فعوج الحكم فمه ، فبصر به النبي (ص) فدعا عليه فصرع شهرين ، ثم أفاق ، فأخرجه النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله عن المدينة طريدا ونفاه عنها (٦).

٦ ـ فس : في رواية أبى الجارود ، عن أبى جعفر عليه‌السلام في قوله : « وجعلنا من بين أيديهم سدا ومن خلفهم سدا فأغشيناهم » يقول : فأعميناهم « فهم لا يبصرون (٧) » الهدى أخد الله سمعهم وأبصارهم وقلوبهم فأعماهم عن الهدى ، نزلت في أبى جهل بن هشام عليه اللعنة ونفر من أهل بيته ، وذلك أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قام يصلي وقد حلف أبوجهل لئن رآه يصلي ليدمغنه ، فجاءه ومعه حجر والنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قائم يصلي ، فجعل كلما رفع الحجر ليرميه

__________________

(١) تفسير القمى : ٣٨٦. قوله ، حتى قتلوا ببدر ، أى مالبثوا بعد خروجه الا زمانا قليلا حتى قتلوا ببدر.

(٢) في نسخة من المصدر : جرير بن دارم.

(٣) أى اول آية بينها ، قال الزمخشرى في الاساس : وفلان ينزع بحجته : يحضربها.

(٤) عيون أخبار الرضا : ٣٣٣. والحديث طويل راجعه.

(٥) المصراة من الشاة أو النوق : التى لا تحلب أياما حتى يجتمع اللبن في ضرعها.

(٦) أمالى ابن الشيخ : ١١٠ و ١١١.

(٧) يس : ٩.

٥٢

أثبت الله يده إلى عنقه ، ولا يدور الحجر بيده ، فلما رجع إلى أصحابه سقط الحجر من يده (١) ، ثم قام رجل آخر من رهطه أيضا فقال : أنا أقتله ، فلما دنامنه فجعل يسمع قراءة رسول الله (ص) فارعب فرجع إلى أصحابه فقال : حال بيني وبينه كهيئة الفحل يخطر بذنبه ، فخفت أن أتقدم (٢).

بيان : خطر البعير بذنبه كضرب : رفعه مرة بعد أخرى وضرب به فخذيه.

٧ ـ فس : « فاصدع بما تؤمر وأعرض عن المشركين * إنا كفيناك المستهزئين » فإنها نزلت بمكة بعد أن نبئ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بثلاث سنين ، وذلك أن النبوة نزلت على رسول الله (ص) يوم الاثنين ، وأسلم علي عليه‌السلام يوم الثلثاء ، ثم أسلمت خديجة بنت خويلد زوجة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ثم دخل أبوطالب إلى النبي (ص) وهو يصلي وعلي بجنبه ، وكان مع أبي طالب جعفر فقال له أبوطالب : صل جناح ابن عمك ، فوقف جعفر على يسار رسول الله فبدر رسول الله من بينهما : فكان يصلي رسول الله وعلي (ع) وجعفر وزيد بن حارثة و خديجة ، فلما أتى لذلك ثلاث سنين أنزل الله عليه « اصدع بما تؤمر وأعرض عن المشركين* إنا كفيناك المستهزئين » وكان المستهزؤون برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله خمسة : الوليد بن المغيرة ، والعاص بن وائل ، والاسود بن المطلب ـ وكان رسول الله دعا عليه (٣) لما كان بلغه من إيذائه واستهزائه فقال : « اللهم أعم بصره وأثكله بولده » فعمي بصره ، وقتل ولده ببدر ـ والاسود بن عبد يغوث (٤) ، والحارث بن طلاطلة الخزاعي ، فمر الوليد بن المغيرة برسول الله (ص) ومعه جبرئيل فقال جبرئيل : يا محمد هذا الوليد بن المغيرة وهو من المستهزئين بك قال : نعم ، وقد كان مر برجل من خزاعة على باب المسجد وهو يريش نبالا له فوطئ على بعضها ، فأصاب أسفل عقبه قطعة من ذلك فدميت ، فلما مر بجبرئيل أشار إلى ذلك الموضع ، فرجع الوليد إلى منزله ونام على سريره ، وكانت ابنته نائمة أسفل منه فانفجر الموضع الذي أشار إليه جبرئيل أسفل عقبه ، فسال منه الدم حتى صار إلى فراش ابنته ، فانتبهت

__________________

(١) عن يده خ ل.

(٢) تفسير القمى : ٥٤٨.

(٣) الضمير راجع إلى الاخير.

(٤) في المصدر : وكذلك دعا على الاسود بن عبد يغوث.

٥٣

ابنته فقالت الجارية : انحل وكاء (١) القربة قال الوليد : ما هذا وكاء القربة ، ولكنه دم أبيك. فاجمعي لي ولدي وولد أخي ، فإني ميت ، فجمعتهم فقال لعبد الله بن أبي ربيعة : إن عمارة ابن الوليد بأرض الحبشة بدار مضيعة (٢) فخذ كتابا من محمد إلى النجاشي أن يرده ، ثم قال لابنه هاشم وهو أصغر ولده : يا بني اوصيك بخمس خصال فاحفظها : اوصيك بقتل أبي رهم الدوسي وإن أعطوكم ثلاث ديات ، فإنه غلبني على امرأتي وهي بنته ، ولو تركها وبعلها كانت تلدلي ابنا مثلك ، ودمي في خزاعة وما تعمدوا قتلي ، وأخاف أن تنسو بعدي ، ودمي في بني خزيمة بن عامر ، ودياتي (٣) في سقيف فخذه ولاسقف نجران علي مأتا دينار فاقضها ، ثم فاضت نفسه.

ومر أبوزمعة الاسود (٤) برسول الله فأشار جبرئيل إلى بصره فعمي ومات ، ومر به الاسود بن عبد يغوث فأشار جبرئيل إلى بطنه فلم يزل يستسقي حتى انشق بطنه ، و مر العاص بن وائل فأشار جبرئيل إلى رجله فدخل عود في أخمص قدمه (٥) وخرجت من ظاهره ومات ، ومر ابن الطلاطلة فأرسل الله إليه جبرئيل فأشار إلى (٦) وجهه فخرج إلى جبال تهامة فأصابته السمائم ، ثم استسقى حتى انشق بطنه ، وهو قول الله : إنا

__________________

(١) الوكاء : رباط القربة ونحوها.

(٢) في نسخة من المصدر : مضيقة.

(٣) في المصدر المطبوع : ديانى ، ولعله الصحيح ، وفى نسخة مخطوطة. رياتى (رثاثى خ ل) والظاهر أن فيهما تصحيفا. قوله : سقيف بالسين ، هكذا في نسخة المصنف وسائر النسخ المطبوعة والمخطوطة ، وفى المصدر المطبوع ونسختين مخطوطتين والبرهان : ثقيف بالثاء المثلثة.

(٤) هكذا في نسخة المصنف وسائر النسخ ، وأبوزمعة هو الاسود بن المطلب ، وقد تقدم ذكره ، ففيه تكرار ، وفى نسخ المصدر جميعها : ربيعة بن الاسود ، والظاهر أن كليهما مصحفان ، ولعل الصحيح : زمعة بن الاسود ، وهو : ابن الاسود بن المطلب ، وتقدم في صدر الحديث أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله دعا عليه وعلى أبيه في قوله. « اللهم أعم بصره ، وأثكله بولده » ولكن هذا ينافى ما يأتى بعد ذلك من قتله ببدر فتامل.

(٥) في المصدر : فأشار جبرئيل إلى رجليه فدخل عود في أخمص قدميه.

(٦) فأشار جبرئيل إلى وجهه خ ل.

٥٤

كفيناك المستهزئين (١).

بيان. السمائم جمع السموم وهو الريح الحارة.

٨ ـ شى : عن أبان الاحمر رفعه قال : كان المستهزؤون خمسة من قريش : الوليد بن المغيرة المخزومي ، والعاص بن وائل السهمي ، والحارث بن حنظلة (٢) ، والاسود بن عبد يغوث بن وهب الزهري ، والاسود بن المطلب بن أسد ، فلما قال الله : «إنا كفيناك المستهزئين» علم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أنه قد أخزاهم ، فأماتهم الله بشر ميتات (٣).

٩ ـ ل : القطان : عن عبدالرحمن بن محمد الحسني ، عن محمد بن علي الخراساني عن سهل بن صالح العباسي ، عن أبيه ، وإبراهيم بن عبدالرحمن الابلي ، عن موسى بن جعفر ، عن آبائه عليهم‌السلام أن أميرالمؤمنين عليه‌السلام قال ليهودي من يهود الشام وأحبارهم فيما أجابه عنه من جواب مسائله : فأما المستهزؤون فقال الله عزوجل له : « إنا كفيناك المستهزئين » فقتل الله خمستهم ، قد قتل كل واحد منهم بغير قتلة صاحبه في يوم واحد ، أما الوليد بن المغيرة فإنه مر بنبل لرجل من خزاعة قد راشه في الطريق ، فأصابته شظية منه فانقطع أكحله حتى أدماه فمات ، وهو يقول : قتلني رب محمد ، وأما العاص بن وائل السهمي فإنه خرج في حاجته له إلى كدافتدهده تحته حجر فسقط فتقطع قطعة قطعة فمات ، وهو يقول : قتلني رب محمد ، وأما الاسود بن عبد يغوث فإنه خرج يستقبل ابنه زمعة ومعه غلام له فاستظل بشجرة تحت كدا ، فأتاه جبرئيل عليه‌السلام فأخذ رأسه فنطح به الشجرة ، فقال لغلامه : امنع هذا عني ، فقال : ما أرى أحدا يصنع بك شيئا إلا نفسك فقتله ، وهو يقول : قتلني رب محمد.

قال الصدوق رحمة الله عليه : ويقال في خبر آخر في الاسود قول آخر ، يقال : إن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله كان قد دعا عليه أن يعمي الله بصره ، وأن يثكله ولده ، فلما كان في ذلك اليوم جاء حتى صار إلى كدافأتاه جبرئيل بورقة خضراء فضرب بها وجهه فعمي وبقي

__________________

(١) تفسير القمى : ٣٥٣ و ٣٥٤.

(٢) هكذا في نسخة المصنف وتفسير البرهان ، ولعل حنظلة مصحف طلاطلة ، أو الثانى لقب حنظلة.

(٣) تفسير العياشى : مخطوط : وأخرجه أيضا البحرانى في البرهان ٢ : ٣٥٦.

٥٥

حتى أثكله الله عزوجل ولده يوم بدر ثم مات ، وأما الحارث بن الطلاطلة فإنه خرج من بيته في السموم فتحول حبشيا فرجع إلى أهله فقال : أنا الحارث ، فغضبوا عليه فقتلوه ، وهو يقول : قتلني رب محمد ، وأما الاسود بن الحارث فإنه أكل حوتا مالحا فأصابه العطش (١) فلم يزل يشرب الماء حتى انشق بطنه فمات ، وهو يقول : قتلني رب محمد ، كل ذلك في ساعة واحدة ، وذلك أنهم كانوا بين يدي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فقالوا له : يا محمد ننتظر بك الظهر ، فإن رجعت عن قولك وإلا قتلناك ، فدخل النبي (ص) منزله فأغلق عليه بابه مغتما بقولهم ، فأتاه جبرئيل عليه‌السلام ساعته فقال له : يا محمدالسلام يقرأ عليك السلام وهو يقول : « فاصدع بما تؤمر » يعني أظهر أمرك لاهل مكة وادع « وأعرض عن المشركين » قال : يا جبرئيل كيف أصنع بالمستهزئين وما أوعدوني؟ قال له : « إنا كفيناك المستهزئين » قال : يا جبرئيل كانوا عندي الساعة بين يدي ، فقال : قد كفيتهم ، فأظهر أمره عند ذلك.

قال الصدوق رحمه‌الله : والحديث طويل أخذنا منه موضع الحاجة ، وقد أخرجته بتمامه في آخر الجزء الرابع من كتاب النبوة (٢).

بيان : النبل بالفتح : السهام العربية ، وراش السهم يريشه ألزق عليه الريش ، و الشظية بفتح الشين وكسر الظاء المعجمة وتشديد الياء : الفلقة من العصا ونحوها ، و الاكحل : عرق في اليد يفصد ، وكداء بالفتح والمد : الثنية العليا بمكة ممايلي المقابر وهو المعلى ، وكدا بالضم والقصر : الثنية السفلى ممايلي باب العمرة ، ويقال : دهده الحجر فتدهده أي دحرجه فتدحرج.

١٠ ـ قب ، يج : روي ، أن أبا جهل طلب غرته (٣) فلما رآه ساجدا أخذ صخرة ليطرحها عليه ألزقها الله بكفه ، ولما عرف أن لا نجاة إلا بمحمد سأله أن يدعو ربه

__________________

(١) عليه العطش خ ل. أقول : وفى المصدر : وأصابه غلبة العطش. وهوالصحيح.

(٢) الخصال ١ : ١٣٤ و ١٣٥.

(٣) الغرة بالكسر. الغفلة.

٥٦

فدعا الله فأطلق يده ، وطرح بصخرته (١).

١١ ـ يج : روي أن امرأة من اليهود عملت له سحرا فظنت أنه ينفذ فيه كيدها ، والسحر باطل محال ، إلا أن الله دله عليه ، فبعث من استخرجه ، وكان على الصفة التي ذكرها ، وعلى عدد العقد التي عقد فيها ووصف ، مالو عاينه معاين لغفل عن بعض ذلك (٢).

١٢ ـ يج : روي عن ابن مسعود قال : كنا مع النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فصلى في ظل الكعبة وناس من قريش وأبوجهل نحروا جزورا في ناحية مكة فبعثوا وجاءوا بسلاها فطرحوه بين كتفيه ، فجاءت فاطمة عليها‌السلام فطرحته عنه ، فلما انصرف قال : اللهم عليك بقريش ، اللهم عليك بأبي جهل وبعتبة وشيبة ووليد بن عتبة وأمية بن خلف وبعقبة ابن أبي معيط قال عبدالله : ولقد رأيتهم قتلى في قليب بدر.

بيان : السلا مقصورة : الجلدة الرقيقة التي يكون فيها الولد من المواشي.

١٣ ـ يج : روي أن أبا ثروان كان راعيا في إبل عمروبن تميم ، فخاف رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله من قريش ، فنظر إلى سواد الابل فقصد له وجلس بينها ، فقال : يا محمد لا تصلح إبل أنت فيها ، فدعا عليه ، فعاش شقيا يتمنى الموت.

١٤ ـ يج : روي أن عتبة بن أبي لهب قال : كفرت برب النجم ، فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أما تخاف أن يأكلك كلب الله ، فخرج في تجارة إلى اليمن فبينما هم قد عرسوا (٣) إذ سمع صوت الاسد فقال لاصحابه : إني مأكول بدعاء محمد ، فناموا حوله فضرب (٤) على آذانهم ، فجاءه الاسد حتى أخذه فما سمعوا إلا صوته.

وفي خبر آخر : أنه لما قال : كفرت بالذي دنا فتدلى ، وتفل في وجه محمد قال صلى‌الله‌عليه‌وآله : « اللهم سلط عليه كلبامن كلابك » فخرجوا إلى الشام فنزلوا منزلا

__________________

(١) مناقب آل أبى طالب ١ : ٦٩ ، أقول : ألفاظ الحديث من الخرائج ، وأماهى في المناقب فهكذا : وكان أبوجهل يطلب غرته فوجده يوما في سجوده فرفع صخرة عظيمة يدفعها عليه ، فامسكت من يده وصار عبرة للناس ، فتضرع إلى النبى صلى‌الله‌عليه‌وآله فدعا له بفرج فرالت.

(٢) ألفاظ الحديث لا تخلو عن اضطراب ، والحديث غير مذكور في المطبوع.

(٣) عرسوا أى نزلوا من السفر للاستراحة ثم يرتحلون.

(٤) ضرب على اذنه أى ضرب على اذنه حجاب من النوم. أى أنيم انامة ثقيلة.



٥٧

فقال لهم راهب من الدير : هذه أرض مسبعة ، فقال أبولهب : يا معشر قريش أعينونا هذه الليلة ، إنى أخاف عليه دعوة محمد ، فجمعوا جمالهم (١) وفرشوا لعتبة في أعلاها وناموا حوله ، فجاء الاسد يتشمم وجوههم ، ثم ثنى ذنبه فوثب فضربه بيده ضربة واحدة فخدشه ، قال : قتلني (٢) ، فمات مكانه.

قب : روت العامة عن الصادق عليه‌السلام وعن ابن عباس ، وذكرمثله (٣).

١٥ ـ يج من معجزاته أنه صلى‌الله‌عليه‌وآله كان يصلي مقابل الحجر الاسود ، ويستقبل بيت المقدس ويستقبل الكعبة ، فلا يرى حتى يفرغ من صلاته ، وكان يستتر بقوله : « وإذا قرأت القرآن جعلنا بينك وبين الذين لا يؤمنون بالآخرة حجابا مستورا (٤) » وبقوله : « أولئك الذين طبع الله على قلوبهم (٥) » وبقوله : « وجعلنا على قلوبهم أكنة أن يفقهوه وفي آذانهم وقرا (٦) » وبقوله : « أرأيت من اتخذ إلهه هواه وأضله الله على علم وختم على سمعه وقلبه وجعل على بصره غشاوة (٧) ».

١٦ ـ يج : روي عن أبي عبدالله عليه‌السلام أنه قال : قال عبدالله بن أمية لرسول الله : إنا لن نؤمن لك حتى تأتينا بالله والملائكة قبيلا ، أو يكون لك بيت من زخرف أو ترقى في السماء ، ولن نؤمن لرقيك ، والله لوفعلت ذلك ما كنت أدري أصدقت أم لا ، فانصرف النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ثم نظروا (٨) في امورهم فقال أبوجهل : لئن أصبحت وهو قد دخل المسجد لاطرحن على رأسه اعظم حجر أقدر عليه ، فدخل رسول الله (ص) المسجد فصلى ، فأخذ

__________________

(١) هكذا في نسخة المصنف ، ولعله مصحف أحمالهم.

(٢) قتلتنى خ ل.

(٣) مناقب آل أبى طالب ١ : ٧١ ، ألفاظ الحديث فيه تخالف مامر من الخرائج ، قال في صدره : عن ابن عباس : لما نزل : « والنجم » قال عتبة بن أبى لهب : كفرت بالنجم إذا هوى ، وبالنجم إذا تدلى.

(٤) الاسراء : ٤٥.

(٥) النحل : ١٠٧.

(٦) الانعام : ٢٥.

(٧) الجاثية : ٣٣ والصحيح كما في المصحف الشريف : أفرأيت.

(٨) ثم نظر خ ل.

٥٨

أبوجهل الحجر وقريش تنظر ، فلما دنا ليرمي بالحجرمن يده أخذته الرعدة ، فقالوا : مالك؟ قال : رأيت أمثال الجبال متقنعين في الحديد لو تحركت أخذوني.

١٧ ـ يج : روي عن جابر قال : إن الحكم بن العاص عم عثمان بن عفان كان يستهزئ من رسول الله بخطوته في مشيته ، ويسخر منه ، وكان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يوما (١) والحكم خلفه يحرك كتفيه ويكسر يديه خلف رسول الله استهزاء منه بمشيته صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فأشار رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بيده وقال : هكذى فكن ، فبقي الحكم على تلك الحال من تحريك أكتافه وتكسر (٢) يديه ، ثم نفاه عن المدينة ولعنه ، فكان مطرودا إلى أيام عثمان فرده إلى المدينة (٣).

١٨ ـ يج : روي عن جابر ، عن أبى جعفر عليه‌السلام قال : صلى رسول الله (ص) في بعض الليالي فقرأ : « تبت يدا أبي لهب » فقيل لام جميل اخت أبي سفيان امرأة أبي لهب : إن محمدا لم يزل البارحة يهتف بك وبزوجك في صلاته ويقنت عليكما ، فخرجت تطلبه وهي تقول : لئن رأيته لاسمعته وجعلت تنشد (٤) من أحس لي محمدا حتى انتهت إلى رسول الله وأبوبكر جالس معه ، فقال أبوبكر : يا رسول الله لو انتحيت (٥) فإن ام جميل قد أقبلت وأنا خائف أن تسمعك شيئا ، فقال : إنها لم ترني ، فجاءت حتى قامت عليه ، و قالت : يا أبابكر أرأيت محمدا؟ قال : لا ، فمضت راجعة إلى بيتها.

فقال أبوجعفر عليه‌السلام : ضرب الله بينهما حجابا أصفر ، وكانت تقول له صلى‌الله‌عليه‌وآله : مذمم ، وكذا قريش كلهم ، فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : إن الله أنساهم اسمي وهم يعلمون ، يسمون (٦) مذمما وأنا محمد.

__________________

(١) في المصدر : وكان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يمشى.

(٢) وتكسير خ ل.

(٣) الخرائج : ١٨٨ و ١٨٩.

(٤) أى تسترشد عنه وتقول : من أحس إ ه.

(٥) اى لو أخذت ناحية وانصرفت عنها ، والكلمة واوى.

(٦) يذمون خ ل. أقول : والصحيح : يسبون مذمما وأنا محمد كما في السيرة : ١ ـ ٣٥٦.

٥٩

١٩ ـ قب : جابر بن عبدالله (١) : إن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله نزل تحت شجرة فعلق بها سيفه ثم نام ، فجاء أعرابي فأخذ السيف وقام على رأسه ، فاستيقظ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقال : يا محمد من يعصمك الآن مني؟ قال : الله تعالى ، فرجف وسقط السيف من يده.

وفي خبر آخر : أنه بقي جالسا زمانا ولم يعاقبه النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله.

الثمالي : في تفسير قوله : « يا أيها الناس (٢) اذكروا نعمة الله عليكم إذهم قوم » إن القاصد إلى النبي (ص) كان دعثور بن الحارث ، فدفع جبرئيل في صدره فوقع السيف من يده ، فأخذه رسول الله وقام على رأسه ، فقال : ما يمنعك مني؟ فقال : لا أحد ، وأنا أعهد أن لا اقاتلك أبدا ، ولا اعين عليك عدوا ، فأطلقه ، فسئل بعد انصرافه عن حاله فقال : نظرت إلى رجل طويل أبيض دفع في صدري ، فعرفت أنه ملك ، ويقال : إنه أسلم وجعل يدعو قومه إلى الاسلام.

حذيفة وأبوهريرة : جاء أبوجهل إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وهو يصلي ليطأ على رقبته ، فجعل ينكص على عقبيه ، فقيل له : مالك؟ قال : إن بيني وبينه خندقا من نار مهولا ، ورأيت ملائكة ذوي أجنحة فقال النبي (ص) : لودنا مني لاختطفته الملائكة عضوا عضوا ، فنزل : « أفرأيت الذى ينهى (٣) » الآيات.

ابن عباس : إن قريشا اجتمعوا في الحجر فتعاقدوا باللات والعزى ومناة لو رأينا محمدا لقمنا مقام رجل واحد ولنقتلنه ، فدخلت فاطمة عليها‌السلام على النبي (ص) باكية وحكت مقالهم ، فقال : يا بنية احضري لي وضوءا ، فتوضأ ثم خرج إلى المسجد ، فلما رأوه قالوا : هاهوذا ، وخفضت رؤوسهم وسقطت أذقانهم في صدورهم ، فلم يصل إليه رجل منهم ، فأخذ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قبضة من التراب فحصبهم (٤) بها وقال : شاهت (٥) الوجوه ،

__________________

(١) أى قال جابر بن عبدالله. وكذا الكلام فيما يأتى بعد.

(٢) هكذا في النسخة والمصدر ، والوهم من ابن شهر آشوب أو ناسخ كتابه ، والصحيح : « يا أيها الذين آمنوا » راجع المائدة : ١١.

(٣) العلق : ٩.

(٤) الوضوء بالفتح : الماء الذى يتوضأ به.

(٥) أى رماهم بها.

(٦) أى قبحت.

٦٠