بحار الأنوار

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي

بحار الأنوار

المؤلف:

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي


الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: مؤسسة الوفاء
الطبعة: ٢
الصفحات: ٤٢٧
  الجزء ١   الجزء ٢   الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠ الجزء ٢١ الجزء ٢٢ الجزء ٢٣ الجزء ٢٤ الجزء ٢٥ الجزء ٢٦ الجزء ٢٧ الجزء ٢٨ الجزء ٢٩ الجزء ٣٠ الجزء ٣١ الجزء ٣٥ الجزء ٣٦ الجزء ٣٧ الجزء ٣٨ الجزء ٣٩ الجزء ٤٠ الجزء ٤١ الجزء ٤٢ الجزء ٤٣ الجزء ٤٤ الجزء ٤٥ الجزء ٤٦ الجزء ٤٧ الجزء ٤٨ الجزء ٤٩ الجزء ٥٠ الجزء ٥١ الجزء ٥٢ الجزء ٥٣ الجزء ٥٤ الجزء ٥٥ الجزء ٥٦ الجزء ٥٧ الجزء ٥٨ الجزء ٥٩ الجزء ٦٠ الجزء ٦١   الجزء ٦٢ الجزء ٦٣ الجزء ٦٤ الجزء ٦٥ الجزء ٦٦ الجزء ٦٧ الجزء ٦٨ الجزء ٦٩ الجزء ٧٠ الجزء ٧١ الجزء ٧٢ الجزء ٧٣ الجزء ٧٤ الجزء ٧٥ الجزء ٧٦ الجزء ٧٧ الجزء ٧٨ الجزء ٧٩ الجزء ٨٠ الجزء ٨١ الجزء ٨٢ الجزء ٨٣ الجزء ٨٤ الجزء ٨٥ الجزء ٨٦ الجزء ٨٧ الجزء ٨٨ الجزء ٨٩ الجزء ٩٠ الجزء ٩١ الجزء ٩٢ الجزء ٩٣ الجزء ٩٤   الجزء ٩٥ الجزء ٩٦   الجزء ٩٧ الجزء ٩٨ الجزء ٩٩ الجزء ١٠٠ الجزء ١٠١ الجزء ١٠٢ الجزء ١٠٣ الجزء ١٠٤

الثالث : أنه صلى‌الله‌عليه‌وآله علم وجوب العمل بشريعة من قبله بالوحي ، وأخذ الشريعة من أربابها ، وهذا مع تضمنه للمطلوب كما عرفت ـ إذ لا يلزم منه إلا أن يكون نبيا اوحي إليه أن يعمل بشريعة موافقة لشريعة من تقدمه ـ باطل بما عرفت من العلم بعدم رجوعه صلى‌الله‌عليه‌وآله إلى أرباب الشرائع قط في شئ من اموره ، وأما عكس ذلك فهو غير متصور إذ لا يجوز عاقل أن يوحي الله إلى عبده بكيفية شريعة لان يعمل بها ولا يأمره بالعمل بها حتى يلزمه الرجوع في ذلك إلى غيره ، مع أنه يلزم أن يكون تابعا لغيره مفضولا وقد عرفت بطلانه ، ثم إن قول من ذهب إلى أنه صلى‌الله‌عليه‌وآله كان عاملا بالشرائع المنسوخة كشريعة نوح وموسى عليهما‌السلام فهو أشد فسادا ، لانه بعد نسخ شرائعهم كيف جاز له صلى‌الله‌عليه‌وآله العمل بها إلا بأن يعلم بالوحي أنه يلزمه العمل بها ، ومع ذلك لا يكون عاملا بتلك الشريعة ، بل بشريعة نفسه موافقا لشرائعهم كما عرفت ، وأما استدلالهم بقوله تعالى : « ما كنت تدري ما الكتاب ولا الايمان (١) » فلا يدل إلا على أنه صلى‌الله‌عليه‌وآله كان في حال لم يكن يعلم القرآن ، وبعض شرائع الايمان ، ولعل ذلك كان في حال ولادته قبل تأييده بروح القدس ، كما دلت عليه رواية أبي حمزة (٢) وغيرها ، وهذا لا ينافي نبوته قبل الرسالة ، و العمل بشريعة نفسه قبل نزول الكتاب ، وبعد ما قررنا المطلوب في هذا الباب وما ذكرنا من الدلائل لا يخفى عليك ضعف بعض ما نقلنا في ذلك عن بعض الاعاظم ، ولا نتعرض للقدح فيها بعد وضوح الحق ، ولو أردنا الاستقصاء في إيراد الدلائل ودفع الشبهة لطال الكلام ، ولخرجنا عن مقصودنا من الكتاب ، والله الموفق للصواب (٣).

__________________

(١) الشورى : ٥٢.

(٢) تقدم الحديث ، تحت رقم ٢٦. ونظيره الحديث المتقدم تحت رقم : ٢٢ راجع ص

٢٦٥ و ٢٦٦.

(٣) إلى هنا تمت نسخة المصنف ـ قدس الله روحه الشريف ، وقابلنا بعد ذلك على نسخة سنشير إلى خصوصياتها في مراجع التصحيح.

٢٨١

(باب ٣)

*(اثبات المعراج ومعناه وكيفيته وصفته)*

*(وما جرى فيه ووصف البراق)*

الايات : الاسرى : « ١٧ » سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الاقصى الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا إنه هو السميع البصير ١.

الزخرف : « ٤٣ » واسأل من أرسلنا من قبلك من رسلنا أجعلنا من دون الرحمان آلهة يعبدون « ٤٥ ».

النجم : علمه شديد القوى * ذو مرة فاستوى * وهو بالافق الاعلى * ثم دنا فتدلى * فكان قاب قوسين أو أدنى * فأوحى إلى عبده ما أوحى * ما كذب الفؤاد ما رأى أفتمارونه على ما يرى * ولقد رآه نزلة اخرى * عند سدرة المنتهى * عندها جنة المأوى * إذ يغشى السدرة ما يغشى * ما زاغ البصر وما طغى * لقد رأى من آيات ربه الكبرى ٥ ـ ١٨

تفسير : قال الطبرسي ـ رحمه‌الله ـ : نزلت الآية في إسرائه صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وكان ذلك بمكة : صلى المغرب في المسجد ثم اسري به في ليلته ، ثم رجع فصلى الصبح في المسجد الحرام ، فأما الموضع الذي اسري إليه أين كان؟ قيل : كان الاسراء إلى بيت المقدس ، وقد نطق به القرآن ، ولا يدفعه مسلم ، وما قاله : بعضهم : إن ذلك كان في النوم فظاهر البطلان إذ لا معجز يكون فيه ولا برهان ، وقد وردت روايات كثيرة في قصة المعراج و عروج ، نبينا صلى‌الله‌عليه‌وآله إلى السماء ، ورواها كثير من الصحابة مثل ابن عباس ، وابن مسعود وأنس ، وجابر بن عبدالله ، وحذيفة ، وعائشة ، وام هانئ وغيرهم عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وزاد بعضهم ، ونقص بعض ، وتنقسم جملتها إلى أربعة أوجه :

أحدهما : ما يقطع على صحته لتواتر الاخبار به وإحاطة العلم بصحته.

وثانيها : ما ورد في ذلك مما تجوزه العقول ولا تأباه الاصول ، فنحن نجوزه ، ثم

٢٨٢

نقطع على أن ذلك كان في يقظته دون منامه.

وثالثها : ما يكون ظاهره مخالفا لبعض الاصول ، إلا أنه يمكن تأويلها على وجه يوافق المعقول ، فالاولى أن نأوله على ما يطابق الحق والدليل.

ورابعها : مالا يصح ظاهره ، ولا يمكن تأويله إلا على التعسف البعيد ، فالاولى أن لا نقبله ، فأما الاول المقطوع به فهو أنه اسري به صلى‌الله‌عليه‌وآله على الجملة وأما الثاني فمنه ما روي عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله أنه طاف في السماوات ورأي الانبياء والعرش وسدرة المنتهى و الجنة والنار ونحو ذلك ، وأما الثالث فنحو ما روي أنه رأي قوما في الجنة يتنعمون فيها ، ورأي قوما في النار يعذبون فيها ، فيحمل على أنه رأى صفتهم وأسماءهم (١) وأما الرابع فنحو ما روي أنه صلى‌الله‌عليه‌وآله كلم الله سبحانه جهرة ، ورآه وقعد ومعه على سريره ، ونحو ذلك مما يوجب ظاهره التشبيه ، والله سبحانه يتقدس عن ذلك ، وكذلك ما روي أنه شق بطنه وغسل ، لانه صلى‌الله‌عليه‌وآله كان طاهر مطهرا من كل سوء وعيب ، وكيف يطهر القلب وما فيه من الاعتقاد بالماء؟ « سبحان الذي أسرى بعبده » سبحان كلمة تنزيه لله عما لا يليق به ، وقيل : يراد به التعجب (٢) ، والسرى : السير بالليل « ليلا » قالوا : كان ذلك الليل قبل الهجرة بسنة «من المسجد الحرام» قال أكثر المفسرين : اسري به صلى‌الله‌عليه‌وآله من دار ام هانئ اخت علي عليه‌السلام وزوجها هبيرة بن أبي وهب المخزومي ، وكان صلى‌الله‌عليه‌وآله نائما في تلك الليلة في بيتها ، وإن المراد بالمسجد الحرام هنا مكة ، ومكة والحرام كلها مسجد ، وقال الحسن وقتادة : كان الاسراء من نفس المسجد الحرام « إلى المسجد الاقصى » يعني بيت المقدس لبعد المسافة بينه وبين المسجد الحرام « الذي باركنا حوله » أي يجعلنا البركة فيما حوله من الاشجار والثمار والنبات والامن والخصب حتى لا يحتاجوا إلى أن يجلب إليهم من موضع آخر ، أو بأن جعلناه مقر الانبياء ومهبط الملائكة « لنريه من آياتنا » أي من عجائب حججنا ، ومنها إسراؤه في ليلة واحدة من مكة إلى هناك ، ومنها أن أراه

__________________

(١) في المصدر : أو أسماءهم.

(٢) في المصدر : وقد يراد به التعجيب ، يعنى سبحان الذى سير عبده محمدا صلى‌الله‌عليه‌وآله وهو عجيب من قدرة الله ، وتعجيب ممن لم يقدر الله حق قدره وأشرك به غيره.

٢٨٣

الانبياء واحدا بعد واحد ، وأن عرج به إلى السماء ، وغير ذلك من العجائب التي أخبر بها الناس « إنه هو السميع » لاقوال من صدق بذلك أو كذب « البصير » بما فعل من الاسراء والمعراج انتهى (١).

وقال الرازي في تفسيره : اختلف المسلمون في كيفية ذلك الاسراء ، فالاكثرون من طوائف المسلمين اتفقوا على أنه اسري بجسد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، والاقلون قالوا : إنه ما اسري إلا بروحه.

حكى محمد بن جرير الطبري في تفسيره عن حذيفة أنه قال : كان ذلك رؤيا (٢) ، وأنه ما فقد جسد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وإنما اسري بروحه ، وحكى هذا القول أيضا عن عائشة وعن معاوية ، واعلم أن الكلام في هذا الباب يقع في مقامين :

أحدهما : في إثبات الجواز العقلي ، والثاني في الوقوع.

أما الاول فنقول : الحركة الواقعة في السرعة إلى هذا الحد ممكنة في نفسها ، والله تعالى قادر على جميع الممكنات ، فنفتقر إلى مقدمتين :

أما الاولى فبوجوه :

الاول : أن الفلك الاعظم يتحرك من أول الليل إلى آخره ما يقرب من نصف الدور ، وقد ثبت في الهندسة أن نسبة القطر إلى الدور نسبة الواحد إلى ثلاثة وسبع ، فليزم أن تكون نسبة نصف القطر إلى نصف الدور نسبة الواحد إلى ثلاثة وسبع ، وبتقدير أن يقال : إن رسول الله (ص) ارتفع من مكة إلى ما فوق الفلك الاعظم فهو لم يتحرك إلا مقدار نصف

__________________

(١) مجمع البيان ٦ : ٣٩٥ و ٣٩٦.

(٢) لا يناسب ذلك قوله : « سبحان » الذى هو في مقام تعظيم الامر واكباره ، أو في مقام التعجيب ولا قوله : « أسرى » لانه حقيقة في التسيير بالليل ، ولا قوله : « بعبده » لانه حقيقة في الروح والجسم ولا قوله : « لنريه » مع أنه لو كان ذلك في النوم لكان يمكن لكل أحد ، فلا معنى للتعظيم أو الاعجاب ، والايات الواردة في سورة النجم صريحة أيضا في أنه رأى جبرئيل عند سدرة المنتهى حين عرج به إلى السماء قال الله تعالى : ولقد رآه نزلة اخرى عند سدرة المنتهى عندها جنة المأوى إذ يغشى السدرة ما يغشى مازاغ البصر وما طغى لقد رأى من آيات ربه الكبرى وفى قوله : « ما زاغ البصر وما طغى » تصريح بأن ذلك لم يكن في النوم ، بل كان في الشهود حقيقة ، وما مال بصره ولا تجاوز. بل رآه رؤية صحيحة حقيقية.

٢٨٤

القطر ، فلما حصل في ذلك القدر من الزمان حركة نصف الدور كان حصول الحركة بمقدار نصف القطر أولى بالامكان ، فهذا برهان قاطع على أن الارتفاع من مكة إلى ما فوق العرش في مقدار ثلث الليل أمر ممكن في نفسه ، وإذا كان كذلك كان حصوله في كل الليل أولى بالامكان (١).

الثاني : أنه ثبت في الهندسة أن قرص الشمس يساوي كرة الارض مائة وستين مرة ، وكذا مرة ، ثم إنا نشاهد أن طلوع القرص يحصل في زمان لطيف سريع ، وذلك يدل على أن بلوغ الحركة في السرعة إلى الحد المذكور أمر ممكن في نفسه.

الثالث : أنه كما يستبعد في العقل صعود الجسم الكثيف من مركز العالم إلى ما فوق العرش ، فكذلك يستبعد نزول الجسم اللطيف الروحاني من فوق العرش إلى مركز العالم ، فإن كان القول بمعراج محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله في الليلة الواحدة ممتنعا في العقول كان القول بنزول جبرئيل عليه‌السلام من العرش إلى مكة في اللحظة الواحدة ممتنعا ، ولو حكمنا بهذا الامتناع كان طعنا في نبوة جميع الانبياء عليهم‌السلام والقول بثبوت المعراج فرع على تسليم جواز أصل النبوة.

الرابع : أن أكثر أرباب الملل والنحل يسلمون وجود إبليس ويسلمون أنه هو الذي يتولى إلقاء الوسوسة في قلوب بني آدم ، فلما سلموا جواز مثل هذه الحركة السريعة في حق إبليس فلان يسلموا جوازها في حق أكابر الانبياء كان ذلك أولى.

الخامس : أنه جاء في القرآن أن الرياح كانت تسير بسليمان عليه‌السلام إلى المواضع البعيدة في الاوقات القليلة ، بل نقول : الحس يدل على أن الرياح تنتقل عند شدة هبوبها من مكان إلى مكان في غاية البعد في اللحظة الواحدة وذلك أيضا يدل على أن مثل هذه الحركة السريعة في نفسها ممكنة.

السادس : أن ما دل عليه القرآن من إحضارعرش بلقيس من أقصى اليمن إلى أقصى الشام في مقدار لمح البصر يدل على جواز ذلك.

__________________

(١) لا يخفى مافى هذا الوجه من الاشكال الواضح ، وان كان المدعى وهو جواز الحركة السريعة إلى هذا الحد حقا.

٢٨٥

السابع أن من الناس من يقول : إن الحيوان إنما يبصر المبصرات بخروج الشعاع من البصر واتصالها بالمبصر ، فعلى قول هؤلاء انتقل شعاع العين من أبصارنا إلى زحل (١) في تلك اللحظة اللطيفة ، وذلك يدل على أن الحركة الواقعة على هذا الحد من السرعة من الممكنات ، لا من الممتنعات.

المقدمة الثانية : في بيان أن هذه الحركة لما كانت ممكنة الوجود في نفسها وجب أن لا يكون حصولها في جسد محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله ، لانا قد بينا أن الاجسام متماثلة في تمام ماهيتها ، فلما صح حصول مثل هذه الحركة في حق بعض الاجسام وجب إمكان حصولها في سائر الاجسام ، فيلزم من مجموع هذه المقدمات أن القول بثبوت هذا المعراج أمر ممكن الوجود في نفسه ، أقصى ما في الباب أنه يبقى التعجب إلا أن هذا التعجب غير مخصوص بهذا المقام ، بل هو حاصل في جميع المعجزات ، فانقلاب العصا ثعبانا ، يبتلع سبعين ألف حبل من الحبال والعصي ثم تعود في الحال عصا صغيرة كما كانت أمر عجيب ، وكذا سائر المعجزات.

وأما المقام الثاني : وهو وقوع المعراج فقد قال أهل التحقيق : الذي يدل على أنه تعالى أسرى بروح محمد وجسده من مكة إلى المسجد الاقصى القرآن والخبر ، أما القرآن فهو هذه الآية (٢) ، وتقرير الدليل أن العبد اسم للجسد والروح ، فيجب أن يكون الاسراء حاصلا بجميع الجسد والروح ، ويؤيده قوله تعالى : « أرأيت الذي ينهى * عبدا إذاصلى» (٣) ، ولا شك أن المراد ههنا مجموع الروح والجسد ، وقال : أيضا في سورة الجن « وإنه لما قام عبدالله (٤) » والمراد مجموع الروح والجسد ، فكذاههنا ، وأما الخبر فهو الحديث المروي في الصحاح وهو مشهور ، وهو يدل على الذهاب من مكة إلى بيت المقدس ، ثم منه إلى السماوات انتهى ملخص كلامه (٥).

__________________

(١) في المصدر : رجل.

(٢) والايات التى أوردناها قبل ذلك.

(٣) العلق : ٩ و ١٠.

(٤) الاية : ١٩.

(٥) مفاتيح الغيب ٥ : ٣٦٥ و ٣٦٦.

٢٨٦

وقد مر تفسير الآية الثانية في باب عصمته صلى‌الله‌عليه‌وآله.

قوله تعالى : « علمه شديد القوى » قال البيضاوي : أي ملك شديد قواه ، وهو جبرئيل عليه‌السلام «وذومرة» حصافة في عقله ورأيه «فاستوى» فاستقام على صورته الحقيقية التي خلقه الله عليها ، وقيل : استولى بقوته على ما جعل له من الامر « وهو » أي جبرئيل « بالافق الاعلى » افق السماء « ثم دنا » من النبى « فتدلى » فتعلق به ، وهو تمثيل لعروجه بالرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وقيل : ثم تدلى من الافق الاعلى فدنا من الرسول ، فيكون إشعارا بأنه عرج به غير منفصل عن محله ، وتقريرا لشدة قوته ، فإن التدلي استرسال مع تعلق « فكان » جبرئيل من محمد (ص) « قاب قوسين » مقدارهما « أو أدنى » على تقدير كم ، كقوله : أو يزيدون (١) والمقصود تمثيل ملكة الاتصال وتحقيق استماعه لما أوحى إليه بنفي البعد الملبس « فأوحى » جبرئيل « إلى عبده » أي عبدالله وإضماره قبل الذكر لكونه معلوما « ما أوحى » جبرئيل وفيه تفخيم للوحي به أو الله إليه ، وقيل الضمائر كلها لله تعالى وهوالمعني بشديد القوى ، كما في قوله : « هو الرزاق ذو القوة المتين (٢) » ودنوه منه برفع مكانته ، وتدليه : جذبه بشراشره إلى جناب القدس « ما كذب الفؤاد ما رأى » أي ببصره من صورة جبرئيل ، أو الله ، أي ما كذب الفؤاد بصره بما حكاه له ، فإن الامور القدسية تدرك أولا بالقلب ، ثم ينتقل منه إلى البصر ، أو ماقال فؤاده لما رآه : لم أعرفك ، ولو قال ذلك كان كاذبا ، لانه عرفه بقلبه كما رآه ببصره ، وقيل : ما رآه بقلبه ، والمعنى لم يكن تخيلا كاذبا ، ويدل عليه أنه سئل صلى‌الله‌عليه‌وآله هل رأيت ربك؟ فقال : رأيته بفؤادي « أفتمارونه على مايرى » أفتجادلونه عليه ، من المراء وهو المجادلة «ولقد رآه نزلة اخرى» مرة اخرى ، فعلة من النزول ، واقيمت مقام المرة ونصبت نصبها إشعارا بأن الرؤية في هذه المرة كانت أيضا بنزول ودنو ، والكلام في المرئي والدنو ما سبق ، وقيل : تقديره ولقد رآه نازلا نزلة اخرى ، ونصبها على المصدر ، والمراد به نفي الريبة عن

__________________

(١) الصافات ١٤٧.

(٢) الذاريات : ٥٨.

٢٨٧

المرة الاخيرة « عند سدرة المنتهى » التي ينتهي إليها علم الخلائق وأعمالهم ، أوما ينزل من فوقها ويصعد من تحتها إليها ولعلها شبهت بالسدرة ، وهي شجرة النبق ، لانهم يجتمعون في ظلها ، وروي مرفوعا أنها في السماء السابعة « عندها جنة المأوى » الجنة التي يأوي إليها المتقون ، أو أرواح الشهداء « إذ يغشى السدرة ما يغشى » تعظيم وتكثير لما يغشاها بحيث لا يكتنهها نعت ولا يحصيها عدد ، وقيل يغشاها الجم الغفير من الملائكة يعبدون الله عندها « ما زاع البصر » ما مال بصر رسول الله عما رآه « وما طغى » وما تجاوزه ، بل أثبته إثباتا صحيحا مستيقنا ، أو ما عدل عن رؤية العجائب التي امر برؤيتها وما جاوزها « لقد رأى من آيات ربه الكبرى » أى والله لقد رأى الكبرى من آياته و عجائبه الملكية والملكوتية ليلة المعراج ، وقد قيل : إنها المعنية بما رأى ، ويجوز أن تكون الكبرى صفة للآيات ، على أن المفعول محذوف ، أي شيئا من آيات ربه ، أو « من » مزيدة (١).

وقال الطبرسي ـ رضي‌الله‌عنه ـ في قوله تعالى : « ما كذب الفؤاد ما رأى » أي لم يكذب فؤاد محمد (ص) ما رآه بعينه ، قال ابن عباس : رأى محمد ربه فؤاده ، وروي ذلك عن محمد بن الحنفية ، عن علي عليه‌السلام ، أي علمه علما يقينا بما رآه من الآيات الباهرات ، و قيل : إن الذي رآه هو جبرئيل على صورته التي خلقه الله عليها ، وقيل : هو ما رآه من ملكوت الله وأجناس مقدوراته عن الحسن ، قال : وعرج بروح محمد إلى السماء وجسده في الارض ، وقال الاكثرون وهو الظاهر من مذاهب أصحابنا والمشهور في أخبارهم : إن الله تعالى صعد بجسمه إلى السماء حيا سليما حتى رأى ما رأى من ملكوت السماوات بعينه ولم يكن ذلك في المنام ، وعن أبي العالية قال : سئل رسول الله (ص) هل رأيت ربك ليلة المعراج؟ قال : رأيت نهرا ، ورأيت وراء النهر حجابا ، ورأيت وراء الحجاب نورا ، لم أر غير ذلك.

وروي عن أبي ذر وأبي سعيد الخدري أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله سئل عن قوله : « ما كذب الفؤاد ما رأى » قال : رأيت نورا ، وروي ذلك عن مجاهد وعكرمة « أفتمارونه على ما يرى »

__________________

(١) أنوار التنزيل ٢ : ٤٧٢ و ٤٧٣.

٢٨٨

وذلك أنهم جادلوه حين اسري به ، فقالوا : صف لنا بيت المقدس ، وأخبرنا عن عيرنا في طريق الشام « ولقد رآه نزلة اخرى » أي جبرئيل في صورته نازلا (١) من السماء نزلة اخرى وذلك أنه راه مرتين في صورته « عند سدرة المنتهى » أي رآه محمد وهو عند سدرة المنتهى ، وهي شجرة عن يمين العرش فوق السماء السابعة ، انتهى إليها علم كل ملك (٢) وقيل : هي شجرة طوبى « إذ يغشى السدرة ما يغشى » قيل : يغشاها الملائكة أمثال الغربان حين يقعن على الشجرة ، وروي أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : رأيت على كل ورقة من أوراقها ملكا قائما يسبح الله تعالى ، وقيل : يغشاها من النور والبهاء والحسن والصفاء الذي يروق الابصار ما ليس لوصفه منتهى ، وقيل : يغشاها فراش (٢) من ذهب عن ابن عباس ، وكأنها ملائكة على صورة الفراش يعبدون الله تعالى ، والمعنى أنه رأى جبرئيل على صورته في الحال التي يغشى فيها السدرة ، من أمر الله ومن العجائب المنبهة على كمال قدرة الله تعالى ما يغشاها. « ما زاغ البصر وما طغى » لم يمل بصره يمينا وشمالا ، وما جاوز القصد ، ولا الحد الذي حد له « لقد رأى من آيات ربه الكبرى » مثل سدرة المنتهى ، وصورة جبريل ورؤيته وله ستمائة جناح قد سد الافق بأجنحته ، وقيل : إنه رأى رفرفا أخضر من رفارف الجنة قد سد الافق انتهى كلامه رفع الله مقامه (٤).

وأقول : اعلم أن عروجه صلى‌الله‌عليه‌وآله إلى بيت المقدس ثم إلى السماء في ليلة واحدة بجسده الشريف مما دلت عليه الآيات والاخبار المتواترة من طرف الخاصة والعامة ، وإنكار أمثال ذلك أو تأويلها بالعروج الروحاني أو بكونه في المنام ينشأ إما من قلة التتبع في آثار الائمة الطاهرين ، أو من قلة التدين وضعف اليقين ، أو الانخداع بتسويلات المتفلسفين ، والاخبار الواردة في هذا المطلب لا أظن مثلها ورد في شئ من اصول المذهب ، فما أدري

__________________

(١) في المصدر : في صورته التى خلق عليها نازلا.

(٢) في المصدر : بعد ذلك : وقيل اليها ينتهى ما يهبط به من فوقها من أمر الله عن ابن مسعود والضحاك ، وقيل : إليها ينتهى أرواح الشهداء ، وقيل إليها ينتهى ما يهبط به من فوقها ويقبض منها ، وإليها ينتهى ما يعرج من الارواح ويقبض منها ، والمنتهى : موضع الانتهاء.

(٣) الفراش : طائر صغير يتهافت على السراج فيحترق ، يقال له بالفارسية : بروانه.

(٤) مجمع البيان ٩ : ١٧٤ و ١٧٥.

٢٨٩

ما الباعث على قبول تلك الاصول وادعاء العلم فيها والتوقف في هذا المقصد الاقصى ، فبالحري أن يقال لهم : أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض وأما اعتذارهم بعدم قبول الفلك للخرق والالتيام فلا يخفى على اولي الافهام أن ما تمسكوا به في ذلك ليس إلا من شبهات الاوهام ، مع أن دليلهم على تقدير تمامه إنما يدل على عدم جواز الخرق في الفلك المحيط بجميع الاجسام ، والمعراج لا يستلزمه ، ولو كانت أمثال تلك الشكوك والشبهات مانعة من قبول ما ثبت بالمتواترات لجاز التوقف في جميع ما صار في الدين من الضروريات ، وإني لاعجب من بعض متأخري أصحابنا كيف أصابهم الوهن في أمثال ذلك ، مع أن مخالفيهم مع قلة أخبارهم وندرة آثارهم بالنظر إليهم عدم تدينهم لم يجوزوا ردها ، ولم يرخصوا في تأويلها ، وهم مع كونهم من أتباع الائمة الاطهار عليهم‌السلام وعندهم أضعاف ما عند مخالفيهم من صحيح الآثار يقتصمون آثار شرذمة من سفهاء المخالفين ، ويذكرون أقوالهم بين أقوال الشيعة المتدينين ، أعاذنا الله وسائر المؤمنين من تسويلات المضلين.

واعلم أن قدماء أصحابنا وأهل التحقيق منهم لم يتوقفوا في ذلك :

قال شيخ الطائفة قدس الله روحه في التبيان : وعند أصحابنا وعند أكثر أهل التأويل وذكره الجبائي أيضا أنه عرج به في تلك الليلة إلى السماوات حتى بلغ سدرةالمنتهى في السماء السابعة وأراه الله من آيات السماوات والارض ما ازداد به معرفة ويقينا ، وكان ذلك في يقظته دون منامه ، والذي يشهد به القرآن الاسراء من المسجد الحرام إلى المسجد الاقصى ، والثاني يعلم بالخبر انتهى (١). وقوله : عند أصحابنا يدل على اتفاقهم على ذلك فلا يعبأ بما أسند ابن شهر آشوب إلى أصحابنا من اقتصار الامامية على المعراج إلى بيت المقدس كما سيأتي.

وقال في المقاصد وشرحه : قد ثبت معراج النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله بالكتاب والسنة وإجماع الامة ، إلا أن الخلاف في أنه في المنام أو في اليقظة ، وبالروح فقط أو الجسد ، وإلى المسجد

__________________

(١) تفسير التبيان ٢ : ١٩٤ ط ١. قوله : والثانى يعلم بالخبر ، أقول أراد اسراءه إلى السماوات ، وقد عرفت قبيل ذلك أنه يعلم أيضا بالقرآن فتامل.

٢٩٠

الاقصى فقط أو إلى السماء والحق أنه في اليقظة بالجسد إلى المسجد الاقصى بشهادة الكتاب ، وإجماع القرن الثاني ، ومن بعده إلى السماء بالاحاديث المشهورة ، والمنكر مبتدع ، ثم إلى الجنة والعرش ، أو إلى طرف العالم على اختلاف الآراء بخبر الواحد ، وقد اشتهر أنه نعت لقريش المسجد الاقصى على ما هو عليه ، وأخبرهم بحال عيرهم فكان على ما أخبر ، وبما رأى في السماء من العجائب ، وبما شاهد من أحوال الانبياء على ما هو مذكور في كتب الحديث.

لنا أنه أمر ممكن أخبر به الصادق ، ودليل الامكان تماثل الاجسام ، فيجوز الخرق على السماء كالارض ، وعروج الانسان ، وأما دليل عدم الامتناع فإنه لا يلزم من فرض وقوعه محال ، وأيضا لو كان دعوى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله المعراج في المنام أو بالروح لما أنكره الكفرة غاية الانكار ، ولم يرتد من أسلم ترددا منه في صدق النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله.

تمسك المخالف بما روي عن عائشة أنها قالت : والله ما فقد جسد محمد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وعن معاوية أنها كانت رؤبا صالحة ، وأنت خبير بأنه على تقدير صحته لا يصلح حجة في مقابلة ما ورد من الاحاديث وأقوال كبار الصحابة وإجماع القرون اللاحقة انتهى.

أقول : لو أردت استيفاء الاخبار الواردة في هذا الباب لصار مجلدا كبيرا ، وإنما نورد ههنا بعض ما يتعلق بكيفية المعراج وحقيته ، وسائر الاخبار متفرقة في سائر الابواب.

١ ـ عد : اعتقادنا في الجنة والنار أنهما مخلوقتان ، وأن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قد دخل الجنة ، ورأى النار حين عرج (١).

٢ ـ أقول : روى في تفسير النعماني بإسناده الذي سيأتي في كتاب القرآن عن الصادق عليه‌السلام قال : قال أمير المؤمنين عليه‌السلام : وأما الرد على من أنكر المعراج فقوله تعالى « وهو بالافق الاعلى * ثم دنا فتدلى * فكان قاب قوسين أو أدنى * فأوحى إلى عبده

__________________

(١) اعتقادات الصدوق : ١٠٠.

٢٩١

ما أوحى » إلى قوله : « عندها جنة المأوى » فسدرة المنتهى في السماء السابعة ، ثم قال سبحانه : « واسأل من أرسلنا من قبلك من رسلنا أجعلنا من دون الرحمان آلهة يعبدون (١) » وإنما أمر تعالى رسوله أن يسأل الرسل في السماء ، ومثله قوله : « فإن كنت في شك مما أنزلنا إليك فأسال الذين يقرؤون الكتاب من قبلك » يعني الانبياء عليهم‌السلام ، هذا كله في ليلة المعراج (٢).

وأما الرد على من أنكر خلق الجنة والنار فقال الله تعالى : « عند سدرة المنتهى * عندها جنة المأوى (٣) » وقال رسول الله (ص) : دخلت الجنة فرأيت فيها قصرا من ياقوت أحمر يرى داخله من خارجه وخارجه من داخله من نوره ، فقلت : يا جبرئيل لمن هذا القصر؟ قال : لمن أطاب الكلام ، وأدام الصيام ، وأطعم الطعام ، وتهجد بالليل والناس نيام الخبر (٤).

وقال صلى‌الله‌عليه‌وآله (٥) : لما اسري بي إلى السماء ، دخلت الجنة فرأيت فيها قيعان (٦) ، ورأيت فيها ملائكة يبنون لبنة من ذهب ، ولبنة من فضة ، وربما أمسكوا ، فقلت لهم : ما بالكم قد أمسكتم (٧)؟ فقالوا : حتى تجيئنا النفقة ، فقلت : وما نفقتكم؟ قالوا : قول المؤمن : سبحان الله والحمد الله ولا إله إلا الله والله أكبر ، فإذا قال : بنينا ، وإذا سكت أمسكنا.

__________________

(١) الزخرف : ٤٥.

(٢) في تفسير القمى : وانما رآهم في السماء ليله اسرى به.

(٣) أضاف القمى في التفسير : والسدرة المنتهى في السماء السابعة ، وجنة المأوى عندها. قال على بن ابراهيم : حدثنى أبى ، عن حماد ، عن أبى عبدالله عليه‌السلام قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : لما اسرى بى إلى السماء دخلت الجنة فرأيت قصرا من ياقوته حمراء يرى داخلها من خارجها ، وخارجها من داخلها ، وفيها بيتان من در وزبرجد ، فقال : يا جبرئيل.

(٤) للخبر ذيل تركه المصنف اختصارا.

(٥) في تفسير القمى : وبهذا الاسناد وأشار إلى اسناد ذكرته في الذيل.

(٦) في تفسير القمى : فيها أقول قيعانا يققا. أقول قيعان جمع القاع : أرض سهلة مطمئنة قد انفرجت عنها الجبال والاكام. ويقق محركة وككتف : شديد البياض.

(٧) في تفسير القمى : مالكم ربما بنيتم وربما أمسكتم.

٢٩٢

وقال صلى‌الله‌عليه‌وآله : لما أسرى بي إلي سبع سماواته أخذ جبرئيل بيدي وأدخلني الجنة ، وأجلسني على درنوك من درانيك الجنة ، وناولني سفرجلة فانفلقت نصفين ، وخرجت منها حوراء ، فقامت بين يدي وقالت : السلام عليك يا محمد ، السلام عليك يا أحمد ، السلام عليك يا رسول الله ، فقلت : وعليك السلام ، من أنت؟ قالت : أنا الراضية المرضية ، خلقني الجبار من ثلاثة أنواع : أعلاي من الكافور ، ووسطي من العنبر وأسفلي من المسك ، عجنت بماء الحيوان ، قال لي ربي (١) : كوني فكنت ، وهذا ومثله دليل على خلق الجنة ، وكذا الكلام في النار (٢).

أقول : ذكر علي بن إبراهيم مثله في مفتتح تفسيره عند تنويع آيات القرآن (٣).

٣ ـ ووجدت في كتاب كنز الفوائد تأليف الشيخ الجليل أبي الفتح الكراجكي رحمه‌الله عند ذكر المعمرين : أخبرنا القاضي أبوالحسن علي بن محمد البغدادي ، عن أحمد ابن محمد بن أيوب ، عن محمد بن لاحق بن سابق ، عن هشام بن محمد السائب الكلبي ، عن أبيه ، عن الشرقي بن القطامي ، عن تميم بن وهلة المري ، قال : حدثني الجارود بن المنذر العبدي وكان نصرانيا فأسلم عام الحديبية وحسن إسلامه ، وكان قارئا للكتب ، عالما بتأويلها على وجه الدهر وسالف العصر ، بصيرا بالفلسفة والطب ، ذا رأي أصيل ، ووجه جميل ، أنشأ يحدثنا في أيام إمارة عمر بن الخطاب قال : وفدت على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله

__________________

(١) في تفسير القمى زيادة هي : فكنت لاخيك على بن أبى طالب. قال : وقال أبوعبدالله عليه‌السلام كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يكثر تقبيل فاطمة عليها‌السلام ، فغضبت من ذلك عائشة فقالت : يا رسول الله إنك تكثر تقبيل فاطمة! فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : يا عائشة انه لما اسرى بى إلى السماء دخلت الجنة فأدنانى جبرئيل عليه‌السلام من شجرة طوبى ، وناولنى من ثمارها فاكلته ، فلما ، هبطت إلى الارض فجعل الله ذلك الماء في ظهرى فواقعت خديجة فحملت بفاطمة ، فما قبلتها الا وجدت رائحة شجرة طوبى منها ، ومثل ذلك كثير مما هو رد على من أنكر المعراج

وخلق الجنة والنار.

(٢) المحكم والمتشابه : ١٠٥ ـ ١١٠.

(٣) تفسير القمى : ١٩ و ٢٠ ، وفيه اختلافات ذكرت بعضها.

٢٩٣

في رجال من عبدالقيس ذوي أحلام وأسنان ، وفصاحة (١) وبيان ، وحجة وبرهان ، فلما بصروا به راعهم منظره ومحضره (٢) فقال زعيم القوم لي : دونك من أممت (٣) ، فما نستطيع أن نكلمه ، فاستقدمت دونهم إليه ، فوقفت بين يديه ، فقلت : سلام عليك يا رسول الله ، بأبى أنت وأمي ، ثم أنشأت أقول :

يا نبي الهدى أتتك رجال

قطعت قرددا وآلا فآلا (٤)

جابت البيد والمهامه حتى

عالها من طوى السرى ما عالا (٥)

قطعت دونك الصحاصح تهوي

لا تعد الكلال فيك كلالا

كل دهناء يقصر الطرف عنها

أرقلتها قلاصنا إرقالا (٦)

وطوتها العتاق تجمح فيها

بكماة مثل النجوم تلالا (٧)

ثم لما رأتك أحسن مرء (٨)

افحمت عنك هيبة وجلالا (٩)

__________________

(١) في نسخة : وسماحة وبيان.

(٢) في المصدر : راعهم منظره ومحضره عن بيان ، واعتراهم الارواع في أبدانهم. وفى مقتضب الاثر : وعن بهم الارواح في أبدانهم.

(٣) في المصدر : دونك من أممت بنا اممه. وفى مقتضب الاثر : أقمه.

(٤) القردد : ما ارتفع وغلظ من الارض. والال : أطراف الجبل ونواحيه.

(٥) جاب البلاد : قطعها. والمهامه بالهاء : جمع المهمه والمهمهة : المفازة البعيدة. والبيد جمع البيداء. قوله : عالها ، لعله من عال الشئ فلانا : ثقل عليه وأهمه ، وفى المصدر ومقتضب الاثر : عالها من طوى السرى ماغالا. وهو الصحيح ، من غاله : أخذه من حيث لا يدرى ، وطوى البلاد : قطعها.

(٦) الدهناء : الفلاة. وأرقلتها : قطعتها. والقلاص جمع القلوص : الابل الطويلة القوائم الشابة منها أو الباقية على السير.

(٧) العتاق جمع العتيق : الرائع من كل شئ وخياره ولعله ههنا وصف للفرس. وجمع الفرس استعصى. والكماة جمع الكمى : الشجاع أو لابس السلاح لانه يكمى نفسه أى يسترها بالدرع والبيضة.

(٨) في مقتضب الاثر : أحسن مرأى. والمصدر يحتمله.

(٩) هكذا في الكتاب ، ولعله مصحف فحمت ، أى لم تستطع جوابا. أو اقحمت كل هو المحتمل في المصدر.

٢٩٤

تتقي شر بأس يوم عصيب

هائل (١) أوجل القلوب وهالا (٢)

نحو نور من الاله وبرها

ن وبر ونعمة أن تنالا

وأمان منه لدى الحشر والنشر

إذ الخلق لا يطيق السؤالا

فلك الحوض والشفاعة والكو

ثر والفضل إذ ينص السؤالا (٣)

أنبأ الاولون باسمك فينا

وبأسماء بعده تتسالا (٤)

قال : فأقبل علي رسول الله (ص) بصفحة وجهه المبارك ، شمت منه ضياء لامعا ساطعا كوميض (٥) البرق ، فقال : يا جارود لقد تأخر بك وقومك الموعد (٦) ـ وقد كنت وعدته قبل عامي ذلك أن أفد إليه بقومي فلم آته وأتيته في عام الحديبية ـ فقلت : يا رسول الله بنفسي أنت ما كان إبطائي عنك إلا أن جلة قومي أبطأوا عن إجابتي حتى ساقها الله إليك لما أرادها به من الخير لديك ، فأما من تأخر عنه فحظه فات منك ، فتلك أعظم حوبة (٧) وأكبر عقوبة (٨) ، فقال سلمان : وكيف عرفته با أخا عبدالقيس قبل إتيانه؟ فأقبلت على رسول الله (ص) وهويتلالا ويشرق وجهه نورا وسرورا ، فقلت : يا رسول الله إن قسا كان ينتظر زمانك ، ويتوكف إبانك (٩) ، ويهتف باسمك واسم أبيك وامك وأسماء

__________________

(١) يوم عصيب : شديد الحر. والوهال : الخوف والفزع.

(٢) زاد في المصدر ومقتضب الاثر بيتا :

ونداء لمحشر الناس طرا

وحسابا لمن تمادى ضلالا

(٣) في المصدر : ومقتضب الاثر هنا بيت :

خصك الله يا ابن آمنة الخير

إذا ما تلت سجال سجالا

(٤) في المصدر : والمقضب : تتلالا.

(٥) وميض البرق : لمعانه.

(٦) في نسخة : الوعد.

(٧) الحوبة الاثم.

(٨) في المصدر بعد ذلك : ولو كانوا ممن رآك تخلفوا عنك ، وكان عنده رجل لا أعرفه ، قلت : ومن هو؟ قالوا : هو سلمان الفارسى ذو البرهان العظيم والشأن القديم ، فقال سلمان اه. أقول قد سقطت من الكنز هنا قطعة طويلة توجد في مقتضب الاثر ، راجعه أو راجع ج ١٥ : ٢٤٣ و ٢٤٥.

(٩) أى ينتظر زمانك ويتفحص عنه. وإبان الشئ بالكسر : أوله وحينه.

٢٩٥

لست أصيبها (١) معك ، ولا أراها فيمن اتبعك ، قال سلمان رضي‌الله‌عنه : فأخبرنا ، فأنشأت احدثهم ورسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يسمع والقوم سامعون واعون ، قلت : يا رسول الله لقد شهدت قسا وقد خرج من ناد من أندية إياد ، إلى صحصح ذي قتاد وسمر و عتاد ، وهو مشتمل بنجاد ، فوقف في إضحيان ليل كالشمس ، رافعا إلى السماء وجهه وإصبعه فدنوت منه فسمعته يقول : اللهم رب هذه السبعة الارقعة (٢) ، والارضين الممرعة ، و بمحمد والثلاثة (٣) المحامدة معه ، والعليين الاربعة ، وسبطيه المنيعة الارفعة (٤) ، و السري الالمعة ، وسمي الكليم الضرعة (٥) ، اولئك النقباء الشفعة ، والطرق المهيعة (٦) درسة الانجيل ، وحفظة التنزيل ، على عدد النقباء من بني إسرائيل ، محاة الاضاليل ، نفاة الاباطيل ، الصادقوا القيل ، عليهم تقوم الساعة ، وبهم تنال الشفاعة ، ولهم من الله فرض الطاعة ، ثم قال : اللهم ليتني مدركهم ولو بعد لاي من عمري ومحياي ، ثم أنشأ يقول (٧) :

فإن غالني الدهر الحزون بغوله (٨)

فقد غال من قبلي ومن بعد يوشك

__________________

(١) في نسخة من المصدر : لست أحسها معك.

(٢) كل سماء يقال له : رقيع ، والجمع أرقعة ، وقيل : الرقيع اسم لسماء الدنيا فاعطى كل سماء اسمها.

(٣) وهم الائمة : ١ محمد الباقر ، ٢ محمد الجواد التقى ، ٣ محمد بن الحسن المهدى عليهم السلام. والعليين الاربعة : الائمة : ١ على بن أبى طالب أمير المؤمنين ، ٢ على بن الحسين زين العابدين السجاد ، ٣ على بن موسى الرضا ، ٤ على بن محمد النقى عليهم‌السلام.

(٤) في نسخة : وسبطيه الينعة والارفعة الفرعة. وفى اخرى : وسبطيه النبعة والارفعة الفزعة وفى المصدر : وسبطيه النبعة الارفعة. وفى مقتضب الاثر : وسبطيه النبعة الارفعة القرعة. وفى نسخة المصنف على ما تقدم هكذا وسبطيه التبعة ، والارفعة الفرعة.

(٥) الضرعة : أى المتخشع المتذلل ، وفى نسخة الفرعة ، أقول : فرع القوم : شريفهم ، واسقط هنا من نسخة المصنف واحد منهم وهو على ما في المصدر : والحسن ذى الرفعة. والمراد به الامام الحسن بن على العسكرى عليه‌السلام.

(٦) المهيع : الطريق الواسع البين.

(٧) زاد في المصدر : ومقتضب الاثر هنا : بيتا : متى انا قبل الموت للحق مدرك * وان كان لى من بعدها تيك مهلك.

(٨) الغول بالضم : الداهية والشر. الهلكة. وفى مقتضب الاثر : الدهر الخؤون.

٢٩٦

فلا غرو إني سالك مسلك الاولى

وشيكا من ذا للردى ليس يسلك (١)

ثم آب يكفكف دمعه (٢) ، ويرن رنين البكرة قد بريت ببرات ، وهو يقول :

أقسم قس قسما ليس به مكتتما

لو عاش ألفي عمر لم يلق منها سأما

حتى يلاقي أحمد والنقباء الحكما

هم أوصياء أحمد أكرم من تحت السما

يعمى العباد عنهم وهم جلاء للعمى

لست بناس ذكرهم حتى احل الرجما

ثم قلت : يا رسول الله أنبئني أنبأك الله بخبر عن هذه الاسماء التي لم نشهدها ، و أشهدنا قس ذكرها ، فقال رسول الله (ص) : يا جارود ليلة اسري بي إلى السماء أوحى الله عزوجل إلي أن سل من أرسلنا من قبلك من رسلنا على ما بعثوا؟ فقلت : على ما بعثتم؟

فقالوا : على نبوتك ، وولاية علي بن أبي طالب ، والائمة منكما ، ثم أوحى إلى أن التفت عن يمين العرش ، فالتفت فإذا علي ، والحسن والحسين ، وعلي بن الحسين ، ومحمد بن علي ، وجعفر بن محمد ، وموسى بن جعفر ، وعلي بن موسى ، ومحمد بن علي ، وعلي بن محمد ، والحسن بن علي والمهدي في ضحضاح من نور يصلون ، فقال لي الرب تعالى : هؤلاء الحجج أوليائي ، وهذا (٣) المنتقم من أعدائي ، قال الجارود : فقال لي سلمان : يا جارود هؤلاء المذكورون في التوراة والانجيل والزبور كذاك فانصرفت بقومي وأنا أقول :

أتيتك يابن آمنة الرسولا

لكي بك اهتدي النهج السبيلا

فقلت فكان قولك قول حق

وصدق ما بدا لك أن تقولا

وبصرت العمى من عبد قيس

وكل كان في عمه ضليلا

وأنبأناك عن قس الايادي

مقالا فيك ظلت به جديلا

وأسماء عمت عنا فآلت

إلى علم وكن بها جهولا (٤)

__________________

(١) وشيكا أى سريعا. والردى : الهلاك.

(٢) آب أى رجع ، يكفكف دمعه أى يمسحه مرة بعد مرة.

(٣) يعنى المهدى عليه‌السلام.

(٤) أخرجه ابن عياش في مقتضب الاثر : ٣٧ ـ ٤٣ وفيه : محمد بن لاحق بن سابق الانبارى ، عن جده سابق بن قرين عن هشام اه وأورده المنصف في باب البشائر راجع ج ١٥ : ٢٤٧.

٢٩٧

ثم قال الكراجكي رحمه‌الله : من الكلام في هذا الخبر ـ أيدك (١) الله ـ أنك تسأل في هذا الخبر عن ثلاثة مواضع :

أحدهما : أن يقال لك : كان الانبياء المرسلون قبل رسول الله (ص) قد ماتوا ، فكيف يصح سؤالهم في السماء؟

وثانيها : أن يقال لك : ما معنى قولهم : إنهم بعثوا على نبوته ، وولاية علي ، و الائمة من ولده عليهم‌السلام؟.

وثالثها : أن يقال لك : كيف يصح أن يكون الائمة الاثنا عشر عليه‌السلام في تلك الحال في السماء ونحن نعلم ضرورة خلاف هذا؟ لان أمير المؤمنين عليه‌السلام كان في ذلك الوقت بمكة في الارض ، ولم يدع قط ولا ادعى له أحد أنه صعد إلى السماء ، فأما الائمة من ولد ، فلم يكن وجد أحد منهم بعد ولا ولد ، فما معنى ذلك إن كان الخبر حقا؟

فهذه مسائل صحيحة ويجب أن يكون معك لها أجوبة معدة.

فأما الجواب عن السؤال الاول فإنا لا نشك في موت (٢) الانبياء عليهم‌السلام غير أن الخبر قد ورد بأن الله تعالى يرفعهم ، بعد مماتهم إلى سمائه ، وأنهم يكونون فيها أحياء متنعمين إلى يوم القيامة ، ليس ذلك بمستحيل في قدرة الله سبحانه ، وقد ورد عن النبي (ص أنه قال : « أنا أكرم على الله (٣) من أن يدعني في الارض أكثر من ثلاث (٤) » وهكذا عندنا حكم الائمة عليهم‌السلام ، قال النبي (ص) : « لو مات نبي بالمشرق ومات وصيه في المغرب لجمع الله بينهما » وليس زيارتنا لمشاهدهم على أنهم بها ، ولكن لشرف المواضع ،

__________________

(١) في المصدر : اعلم أيدك الله.

(٢) أقول : الموت عبارة عن مفارقة الروح عن البدن في هذا العالم ، ولا يكون هو فناء هو الروح والجسد وهلاكهما معا ، فعليه فالارواح باقية في عالم آخر ، والاخبار واردة بانها متعلقة باجساد مثالية وليس بخفى أن السائل والمسؤول والمتكلم والسامع ، وبعبارة اخرى فاعل كل عمل الروح الواقع في الجسد ، فيمكن ان يتكلم الروح بعد تعلقه ببدنه المثالية في عالم آخر ، والاخبار دالة بوقوع ذلك.

(٣) في المصدر : أنا أكرم عند الله.

(٤) في نسخة : من ثلاث ليال.

٢٩٨

فكانت غيبت الاجسام فيها ولعبادة أيضا ندبنا إليها ، فيصح على هذا أن يكون النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله رأى الانبياء عليهم‌السلام في السماء فسألهم كما أمره الله تعالى ، وبعد فقد قال الله تعالى : « ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم (١) » فإذا كان المؤمنون الذين قتلوا في سبيل الله على هذا الوصف فكيف ينكر أن يكون الانبياء بعد موتهم أحياء منعمين في السماء وقد اتصلت الاخبار من طريق الخاص والعام بتصحيح هذا ، وأجمع الرواة على أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله لما خوطب بفرض الصلاة ليلة المعراج وهو في السماء قال له موسى عليه‌السلام : إن امتك لا تطيق ، وأنه راجع إلى الله تعالى مرة بعد اخرى (٢) ، وما حصل عليه الاتفاق فلم يبق فيه كذب.

وأما الجواب عن السؤال الثاني فهو أن يكون الانبياء عليهم‌السلام قد اعلموا بأنه سيبعث نبيا يكون خاتمهم ، وناسخا بشرعه شرائعهم واعلموا أنه أجلهم وأفضلهم ، وأنه سيكون أوصياؤه (٣) من بعده حفظة لشرعه ، وحملة لدينه ، وحججا على امته ، فوجب على الانبياء التصديق بما اخبروا به ، والاقرار بجميعه.

أخبرني الشريف يحيى بن أحمد بن إبراهيم بن طباطبا الحسيني ، عن عبدالواحد بن عبدالله الموصلي ، عن أبي علي بن همام ، عن عبدالله بن جعفر الحميري : عن عبدالله بن محمد ، عن محمد بن أحمد ، عن يونس بن يعقوب ، عن عبدالاعلى بن أعين قال : سمعت أبا عبدالله يقول : ما تنبأ نبي قط إلا بمعرفة حقنا وتفضيلنا على من سوانا.

وإن الامة مجمعة على أن الانبياء عليهم‌السلام قد بشروا بنبينا صلى‌الله‌عليه‌وآله ونبهوا على أمره ، ولا يصح منهم ذلك إلا وقد أعلمهم الله تعالى به ، فصدقوا وآمنوا بالمخبر به ، وكذلك قد روت الشيعة أنهم قد بشروا بالائمة أوصياء رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله.

وأما الجواب عن الثالث فهو أنه يجوز أن يكون الله تعالى أحدث لرسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله في الحال صورا كصور الائمة عليهم‌السلام ليراهم أجمعين على كمالهم ، كمن شاهد (٤) أشخاصهم

__________________

(١) آل عمران : ١٦٩.

(٢) سيأتى مفصله في الاحاديث.

(٣) في المصدر : سيكون أوصياء.

(٤) في المصدر : فيكون كمن شاهد.

٢٩٩

برؤيته مثالهم ، ويشكر الله تعالى على مامنحه من تفضيلهم وإجلالهم ، وهذا في العقول من الممكن المقدور ، ويجوز أيضا أن يكون الله تعالى خلق على صورهم ملائكة في سمائه يسبحونه ويقدسونه لتراهم ملائكته الذين قد أعلمهم بأنهم سيكونون في أرضه حججا له على خلقه ، فيتأكد عندهم منازلهم ، وتكون رؤيتهم تذكارا لهم بهم ، وبما سيكون من أمرهم ، وقد جاء في الحديث أن رسول الله (ص) رأى في السماء لما عرج به ملكا على صورة أمير المؤمنين ، وهذا حديث قد اتفق أصحاب الحديث على نقله ، حدثني به من طريق العامة الشيخ محمد بن أحمد بن شاذان القمي ونقلته من كتابه المعروف بإيضاح دقائق النواصب (١) ، وقرأته عليه بمكة في المسجد الحرام سنة اثنتي عشرة وأربعمائة عن جعفر بن محمد بن مسرور ، عن الحسين بن محمد ، عن أحمد بن علويه المعروف بابن الاسود الاصبهاني عن إبراهيم بن محمد ، عن عبدالله بن صالح ، عن جدير بن عبدالحميد ، عن مجاهد ، عن ابن عباس قال : سمعت رسول الله (ص) يقول : لما اسري بي إلى السماء ما مررت بملا من الملائكة إلا سألوني عن علي بن أبي طالب حتى ظننت أن اسم علي في السماء أشهر من اسمي ، فلما بلغت السماء الرابعة نظرت إلى ملك الموت فقال لي : يا محمد ما خلق الله خلقا إلا أقبض روحه بيدي ما خلا أنت وعلي ، فإن الله جل جلاله يقبض أرواحكما بقدرته ، فلما صرت تحت العرش نظرت فإذا أنا بعلي بن أبي طالب واقفا تحت عرش ربي فقلت : يا علي سبقتني؟ فقال لي جبرئيل عليه‌السلام : يا محمد من هذا الذي يكلمك؟ قلت : هذا أخي علي بن أبي طالب ، قال لي : يا محمد ليس هذا عليا ، ولكنه ملك من ملائكة الرحمان خلقه الله على صورة علي بن أبي طالب عليه‌السلام ، فنحن الملائكة المقربون كلما اشتقنا إلى وجه علي بن أبي طالب زرنا هذا الملك لكرامة علي بن أبي طالب على الله سبحانه.

فيصح على هذا الوجه أن يكون الذين رآهم رسول الله ملائكة على صورة الائمة عليهم‌السلام ، وجميع ذلك داخل في باب التجويز والامكان والحمد لله (٢). انتهى كلام الكراجكي رحمه‌الله.

__________________

(١) هكذا في الكتاب ومصدره ، والصحيح بايضاح دفائن النواصب.

(٢) كنز الفوائد : ٢٥٦ ـ ٢٦٠.

٣٠٠