بحار الأنوار

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي

بحار الأنوار

المؤلف:

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي


الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: مؤسسة الوفاء
الطبعة: ٢
الصفحات: ٤٢٧
  الجزء ١   الجزء ٢   الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠ الجزء ٢١ الجزء ٢٢ الجزء ٢٣ الجزء ٢٤ الجزء ٢٥ الجزء ٢٦ الجزء ٢٧ الجزء ٢٨ الجزء ٢٩ الجزء ٣٠ الجزء ٣١ الجزء ٣٥ الجزء ٣٦ الجزء ٣٧ الجزء ٣٨ الجزء ٣٩ الجزء ٤٠ الجزء ٤١ الجزء ٤٢ الجزء ٤٣ الجزء ٤٤ الجزء ٤٥ الجزء ٤٦ الجزء ٤٧ الجزء ٤٨ الجزء ٤٩ الجزء ٥٠ الجزء ٥١ الجزء ٥٢ الجزء ٥٣ الجزء ٥٤ الجزء ٥٥ الجزء ٥٦ الجزء ٥٧ الجزء ٥٨ الجزء ٥٩ الجزء ٦٠ الجزء ٦١   الجزء ٦٢ الجزء ٦٣ الجزء ٦٤ الجزء ٦٥ الجزء ٦٦ الجزء ٦٧ الجزء ٦٨ الجزء ٦٩ الجزء ٧٠ الجزء ٧١ الجزء ٧٢ الجزء ٧٣ الجزء ٧٤ الجزء ٧٥ الجزء ٧٦ الجزء ٧٧ الجزء ٧٨ الجزء ٧٩ الجزء ٨٠ الجزء ٨١ الجزء ٨٢ الجزء ٨٣ الجزء ٨٤ الجزء ٨٥ الجزء ٨٦ الجزء ٨٧ الجزء ٨٨ الجزء ٨٩ الجزء ٩٠ الجزء ٩١ الجزء ٩٢ الجزء ٩٣ الجزء ٩٤   الجزء ٩٥ الجزء ٩٦   الجزء ٩٧ الجزء ٩٨ الجزء ٩٩ الجزء ١٠٠ الجزء ١٠١ الجزء ١٠٢ الجزء ١٠٣ الجزء ١٠٤

نزل أبوسفيان وعكرمة وأبوالاعور السلمي على عبدالله بن أبي وعبدالله بن أبي سرح فقالوا : يا محمد ارفض ذكر آلهتنا وقل : إن لها شفاعة لمن عبدها ، وندعك وربك فشق ذلك على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فأمر فأخرجوا من المدينة ، ونزل : « ولا تطع الكافرين » من أهل مكة « والمنافقين (١) » من أهل المدينة.

ابن عباس عيروا النبي بكثرة التزوج وقالوا : لو كان نبيا لشغلته النبوة عن تزوج النساء ، فنزل « ولقد أرسلنا رسلا من قبلك (٢) ».

ابن عباس : والاصم : كان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله يصلي عند المقام فمر به أبوجهل فقال : يا محمد ألم أنهك عن هذا وتوعده ، فأغلظ له رسول الله وانتهره ، فقال : يا محمد بأي شئ تهددني أما والله إني لاكبر هذا الوادي ناديا ، فنزلت : « أرأيت الذي ينهى » ألى قوله : « فليدع ناديه * سندع الزبانية (٣) » فقال ابن عباس : لو نادى لاخذته الزبانية بالعذاب مكانه.

القرظي : قالت قريش : يامحمد شتمت الآلهة ، وسفهت الاحلام ، وفرقت الجماعة ، فإن طلبت مالا أعطيناك ، أو الشرف سودناك ، أو كان بك علة داويناك ، فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله : ليس شئ من ذلك ، بل بعثني الله إليكم رسولا ، وأنزل كتابا ، فإن قبلتم ما جئت به فهو حظكم في الدنيا والآخرة : وإن تردوه أصبر حتى يحكم الله بيننا ، قالوا : فسل ربك أن يبعث ملكا يصدقك ، ويجعل لنا كنوزا وجنانا وقصورا من ذهب ، أو يسقط علينا السماء كما زعمت كسفا ، أو تاتي بالله والملائكة قبيلا ، فقال عبدالله بن امية المخزومي والله لا اؤمن بك حتى تتخذ سلما إلى السماء ، ثم ترقى وأنا أنظر ، فقال أبوجهل : إنه أبى إلا سب الآلهة ، وشتم الآباء ، وإني اعاهد الله لاحملن حجرا ، فإذا سجد ضربت به رأسه ، فانصرف النبي (ص) حزينا ، فنزل « وقالوا لن نؤمن لك حتى تفجر لنا (٤) » الآيات.

__________________

(١) الاحزاب : ١ و ٤٨.

(٢) الرعد : ٣٨.

(٣) العلق : ٩ ـ ١٨.

(٤) الاسراء : ٩٠ ـ ٩٣

٢٠١

الكلبي ، قالت قريش : يا محمد تخبرنا عن موسى وعيسى وعاد وثمود فأت بآية حتى نصدقك ، فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله : أي شئ تحبون أن آتيكم به؟ قالوا : اجعل لنا الصفا ذهبا ، وابعث لنا بعض موتانا حتى نسألهم عنك ، وأرنا الملائكة يشهدون لك ، أوائتا بالله والملائكة قبيلا ، فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله : فإن فعلت بعض ما تقولون أتصدقوني؟ قالوا : والله لئن فعلت (١) لنتبعنك أجمعين ، فقام (ص) يدعو أن يجعل الصفا ذهبا ، فجاءه جبرئيل عليه‌السلام فقال : إن شئت أصبح الصفا ذهبا ، ولكن إن لم يصدقوا عذبتهم ، وإن شئت تركتهم حتى يتوب تائبهم ، فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله : بل يتوب تائبهم ، فنزل : « وأقسموا بالله جهد أيمانهم لئن جاءهم نذير (٢) ».

وروي أن قريشا كانوا يلعنون اليهود والنصارى بتكذيبهم الانبياء ، ولو أتاهم نبي لنصروه ، فلما بعث الله النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله كذبوه ، فنزلت هذه الآية ، وكانوا يشيرون إليه بالاصابع بما حكى الله عنهم : وإذا رأوك « إن يتخذونك إلا هزوا (٣) » يقول بعضهم لبعض : « أهذا الذي يذكر آلهتكم » وذلك قوله : إنها جماد لا تنفع ولا تضر « وهم بذكر الرحمان هم كافرون » ومشش ابي بن خلف بعظم رميم ففته في يده ثم نفخه فقال : أتزعم أن ربك يحيي هذا بعد ما ترى؟ فنزل « وضرب لنا مثلا (٤) » السورة.

وذكروا أنه كان إذا قدم على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وفد ليعلموا علمه انطلقوا بأبي لهب إليهم وقالوا له : أخبر عن ابن أخيك ، فكان يطعن في النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وقال الباطل ، وقال : إنا لم نزل نعالجه من الجنون ، فيرجع القوم ولا يلقونه.

طارق المحاربي : رأيت النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله في سويقة ذي المجاز عليه حلة حمراء وهو يقول : « يا أيها الناس قولوا لا إله إلا الله تفلحوا » وأبولهب يتبعه ويرميه بالحجارة وقد أدمى كعبه وعرقوبيه (٥) ، وهو يقول : يا أيها الناس لا تطيعوه فإنه كذاب (٦).

__________________

(١) في المصدر : والله لو فعلت.

(٢) فاطر : ٤٢.

(٣) هكذا في نسخة المصنف وغيره : وفى المصدر « وإذا رآك الذين كفروا إن يتخذونك إلا هزوا » وهو الصحيح ، راجع المصحف الشريف : الانبياء : ٣٦.

(٤) يس : ٧٨.

(٥) عرقوب : عصب غليظ فوق العقب.

(٦) مناقب آل أبى طالب ١ : ٤٩ ـ ٥١.

٢٠٢

بيان : المش : مسح اليد بالشئ والخلط.

٣٣ ـ قب : روى أبوأيوب الانصاري أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وقف بسوق ذي المجاز فدعاهم إلى الله ، والعباس قائم يسمع الكلام ، فقال : أشهد أنك كذاب ، ومضى إلى أبي لهب وذكر ذلك فأقبلا يناديان إن ابن أخينا هذا كذاب ، فلا يغرنكم عن دينكم ، قال واستقبل النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أبوطالب فاكتنفه ، وأقبل على أبي لهب والعباس فقال لهما : ما تريدان تربت أيديكما ، والله إنه لصادق القيل ، ثم أنشأ أبوطالب :

أنت الامين أمين الله لا كذب

والصادق القول لا لهو ولا لعب

أنت الرسول رسول الله نعلمه

عليك تنزل من ذي العزة الكتب

مقاتل : إنه رفع أبوجهل يوما بينه وبين رسول الله (ص) فقال : يا محمد أنت من ذلك الجانب ، ونحن من هذا الجانب ، فاعمل أنت على دينك ومذهبك وإننا عاملون على ديننا ومذهبنا ، فنزل « وقالوا قلوبنا في أكنة (١) ».

ابن عباس : كان جماعة إذا صح جسم أحدهم ونتجت فرسه وولدت امرأته غلاما و كثرت ما شيته رضي بالاسلام ، وإن أصابه وجع أو سوء قال : ما أصبت في هذا الدين إلا سوءا ، فنزل : « ومن الناس من يعبد الله على حرف (٢) ».

ونهى أبوجهل رسول الله (ص) عن الصلاة وقال : إن رأيت محمدا يصلي لاطأن عنقه فنزل : « فاصبر لحكم ربك ولا تطع منهم آثما أو كفورا (٣) ».

ابن عباس في قوله : « وإن كادوا ليفتنونك عن الذي أوحينا (٤) » قال وفد ثقيف : نبايعك على ثلاث لا ننحني (٥) ، ولا نكسر إلها بأيدينا ، وتمتعنا باللات سنة ، فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله : لا خيرفي دين ليس فيه ركوع وسجود ، فأما كسر أصنامكم

__________________

(١) فصلت : ٥.

(٢) الحج : ١١.

(٣) الانسان : ٢٤.

(٤) الاسراء : ٧٣

(٥) أى لا نركع ولا نسجد أى لا نصلى.

٢٠٣

بأيديكم فذاك لكم ، وأما الطاغية اللات فإني غير ممتعكم بها ، قالوا : أجلنا سنة حتى نقبض ما يهدى لآلهتنا ، فإذا قبضناها كسرناها وأسلمنا ، فهم بتأجيلهم فنزلت هذه الآية.

قال قتادة : فلما سمع قوله : « ثم لا تجد لك علينا نصيرا (١) » قال : اللهم لا تكلني إلى نفسي طرفة عين أبدا.

وكان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله يطوف فشتمه عقبة بن أبي معيط ، وألقى عمامته في عنقه ، وجره من المسجد ، فأخذوه من يده ، وكان صلى‌الله‌عليه‌وآله يوما جالسا على الصفا فشتمه أبوجهل ، ثم شج رأسه حمزة بن عبدالمطلب (٢).

[ شعر ]

لقد عجبت لاقوام ذوي سفه

من القبيلين : من سهم ومخزوم

القائلين لما جاء النبي به

هذا حديث أتانا غير ملزوم

فقد أتاهم بحق غير ذي عوج

ومنزل من كتاب الله معلوم

من العزيز الذي لاشئ يعدله

فيه مصاديق من حق وتعظيم

فإن تكونوا له ضدا يكن لكم

ضدا بغلباء مثل الليل علكوم

فآمنوا بنبي ـ لا أبالكم ـ

ذي خاتم صاغه الرحمان مختوم (٣)

وكن لي شفيعا يوم لا ذو شفاعة

إلى الله يغني (٥) عن سواد بن قارب

بيان : قال الجزري : في الحديث عليك بذات الدين تربت يداك ، ترب الرجل : إذا افتقر ، أي لصق بالتراب ، وأترب : إذا استغنى ، وهذه الكلمة جارية على ألسنة العرب لا يريدون بها الدعاء على المخاطب ولا وقوع الامر به ، وقال : الغلباء : الغليظة العنق ، وهم يصفون السادة بغلظ الرقبة وطولها ، وقال : العلكوم : القوية الصلبة.

أقول : يحتمل أن يكون الموصوف بهما الناقة أو الفرقة والجماعة.

٣٤ ـ قب : ابن عباس وأنس : أوحى الله إليه يوم الاثنين : السابع والعشرين من رجب وله أربعون سنة (٤).

ابن مسعود : إحدى وأربعون سنة.

__________________

(١) الاسراء : ٧٥.

(٢) في المصدر : قال حمزة بن عبدالمطلب.

(٣) مناقب آل أبى طالب ١ : ٥١ و ٥٢.

(٤) عليه اتفاق الامامية كما تقدم ، وأما سائر الاقوال فشاذة.

٢٠٤

ابن المسيب وابن عباس ، ثلاث وأربعون سنة ، وكان لاحدى عشرة خلون من ربيع الاول ، وقيل : لعشر خلون من ربيع الاول ، وقيل : بعث في شهر رمضان لقوله : « شهر رمضان الذي انزل فيه القرآن (١) » أي ابتداء إنزاله للسابع عشر أو الثامن عشر عن ابن عباس : والرابع والعشرين.

عن أبي الخلد (٢) : قام يدعو الناس وأقام (٣) أبوطالب بنصرته ، فأسلم خديجة وعلي وزيد ، واسري به بعد النبوة بسنتين ، وقالوا : بسنة وستة أشهر بعد رجوعه من الطائف.

الحلبي عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : اكتتم رسول الله (ص) بمكة مستخفيا خائفا خمس سنين ليس يظهر ، وعلي عليه‌السلام معه وخديجة ، ثم أمره الله أن يصدع بما يؤمر فظهر وأظهر أمره (٤).

٣٥ ـ شى : عن زرارة وحمران ، عن أبي جعفر وأبي عبدالله عليهما‌السلام قوله : « خير الماكرين (٥) » قال : إن رسول الله (ص) قد كان لقي من قومه بلاء شديدا حتى أتوه ذات يوم وهو ساجد حتى طرحوا عليه رحم شاة ، فأتته ابنته وهو ساجد لم يرفع رأسه فرفعته عنه ومسحته ، ثم أراه الله بعد ذلك الذي يحب ، إنه كان ببدر وليس معه غير فارس واحد! ثم كان معه يوم الفتح اثنا عشر ألفا ، حتى جعل أبوسفيان والمشركون يستغيثون ثم لقي أمير المؤمنين عليه‌السلام من الشدة والبلاء والتظاهر عليه ، ولم يكن معه أحد من قومه بمنزلته ، أما حمزة ـ رضي‌الله‌عنه ـ فقتل يوم احد ، وأما جعفر ـ رضي‌الله‌عنه ـ فقتل يوم مؤتة (٦).

٣٦ ـ م : قال علي بن محمد عليه‌السلام إن رسول الله (ص) لما ترك التجارة إلى الشام ، وتصدق بكل ما رزقه الله تعالى من تلك التجارات كان يغد وكل يوم إلى حراء يصعده

__________________

(١) البقرة : ١٨٥.

(٢) في المصدر : أبى الجليد. ولم أتحققهما.

(٣) في المصدر : وقام.

(٤) مناقب آل أبى طالب ١ : ١٥٠.

(٥) آل عمران : ٥٤ : أو الانفال : ٣٠.

(٦) تفسير العياشى : مخطوط ، وأخرجه البحرانى في تفسيره البرهان ٢ ٧٨.

٢٠٥

وينظر من قلله إلى آثار رحمة الله ، وإلى أنواع عجائب رحمته وبدائع حكمته ، وينظر إلى أكناف السماء (١) وأقطار الارض والبحار والمفاوز والفيافي ، فيعتبر بتلك الآثار ، ويتذكر بتلك الآيات ، ويعبد الله حق عبادته ، فلما استكمل أربعين سنة ونظر الله عزوجل إلى قلبه فوجده أفضل القلوب وأجلها وأطوعها وأخشعها وأخضعها أذن لابواب السماء ففتحت ومحمد ينظر إليها ، وأذن للملائكة فنزلوا ومحمد ينظر إليهم ، وأمر بالرحمة فانزلت عليه من لدن ساق العرش إلى رأس محمد وغرته ، ونظر إلى جبرئيل الروح الامين المطوق بالنور طاووس الملائكة هبط إليه وأخذ بضبعه (٢) وهزه وقال : يا محمد اقرء ، قال : وما أقرء؟ قال يا محمد « اقرء باسم ربك الذي خلق * خلق الانسان من علق * اقرء وربك الاكرم* الذي علم بالقلم * علم الانسان ما لم يعلم (٣) » ثم أوحى إليه ما أوحى إليه ربه عزوجل ثم صعد إلى العلو ونزل محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله من الجبل (٤) وقد غشيه من تعظيم جلال الله وورد عليه من كبير (٥) شأنه ماركبه الحمى والنافض (٦) يقول وقداشتد عليه ما يخافه من تكذيب قريش في خبره ونسبتهم إياه إلى الجنون ، وإنه يعتريه شياطين (٧) ، وكان من أول أمره أعقل خلق الله (٨) ، وأكرم براياه ، وأبغض الاشياء إليه الشيطان وأفعال المجانين وأقوالهم ، فأراد الله عزوجل أن يشرح صدره ، ويشجع قلبه ، فأنطق الله الجبال والصخور والمدر ، وكلما وصل إلى شئ منها ناداه : السلام عليك يا محمد ، السلام عليك يا ولي الله ، السلام عليك يا رسول الله (٩) أبشر ، فإن الله عزوجل قد فضلك وجملك و

__________________

(١) وأقطارها خ

(٢) الضبع. وسط العضد. وفى المصدر : بضبعيه. وهزه : حركه.

(٣) سورة العلق : ١ ـ ٥.

(٤) عن الجبل خ ل.

(٥) من كبر شأنه خ ل وفى المصدر : من كبرياء شأنه.

(٦) النافض : حمى الرعدة.

(٧) شيطان خ ل. وفى المصدر : الشيطان.

(٨) خليقة الله. خ ل.

(٩) زاد في المصدر : بعد قوله : رسول الله : السلام عليك يا حبيب الله ابشر ولم يذكر قوله : السلام عليك يا محمد.

٢٠٦

زينك وأكرمك فوق الخلائق أجمعين من الاولين والآخرين ، لا يحزنك أن تقول قريش إنك مجنون ، وعن الدين مفتون ، فإن الفاضل من فضله رب العالمين ، ، والكريم من كرمه خالق الخلق أجمعين ، فلا يضيقن صدرك من تكذيب قريش وعتاة العرب لك ، فسوف يبلغك ربك أقصى منتهى الكرامات ، ويرفعك إلى أرفع الدرجات ، وسوف ينعم ويفرح أولياءك بوصيك علي بن أبي طالب ، وسوف يبث علومك في العباد والبلاد بمفتاحك وباب مدينة حكمتك (١) : علي بن أبي طالب ، وسوف يقر عينك ببنتك فاطمة ، وسوف يخرج منها ومن علي الحسن والحسين سيدي شباب أهل الجنة ، وسوف ينشر في البلاد دينك وسوف يعظم اجور المحبين لك ولاخيك ، وسوف يضع في يدك لواء الحمد فتضعه في يد أخيك علي ، فيكون تحته كل نبي وصديق وشهيد ، يكون قائدهم أجمعين إلى جنات النعيم ، فقلت في سري : يا رب من علي بن أبي طالب الذي وعدتني به؟ ـ وذلك بعد ما ولد علي عليه‌السلام وهو طفل ـ ، أهو ولد عمي. وقال بعد ذلك لما تحرك علي وليدا (٢) وهو معه : أهو هذا ففي كل مرة من ذلك أنزل عليه ميزان الجلال ، فجعل محمد في كفة منه ، و مثل له علي عليه‌السلام وسائر الخلق من امته إلى يوم القيامة في كفة فوزن بهم فرجح ، ثم اخرج محمد من الكفة وترك علي في كفة محمد التي كان فيها فوزن بسائر امته فرجح بهم وعرفه (٣) رسول الله بعينه وصفته ونودي في سره : يا محمد هذا علي بن أبي طالب صفيي الذي أؤيد به هذا الدين ، يرجح على جميع امتك بعدك ، فذلك حين شرح الله صدري بأداء الرسالة ، وخفف عني (٤) مكافحة الامة ، وسهل علي مبارزة العتاة الجبابرة (٥) من قريش (٦).

٣٧ ـ عم : أبوبكر البيهقي في كتاب دلائل النبوة : قال أخبرنا الحافظ أبوعبد الله

__________________

(١) في المصدر : مدينة علمك.

(٢) قليلا خ ل. وهو الموجود في المصدر.

(٣) نعرفه خ ل.

(٤) على خ ل.

(٥) والجبابرة خ ل.

(٦) التفسير المنسوب إلى الامام العسكرى عليه‌السلام : ٦٠ و ٦١.

٢٠٧

عن محمد بن يعقوب ، عن أحمد بن عبدالجبار ، عن يونس بن بكر ، عن أبي إسحاق ، عن يحيى بن أبي الاشعث ، عن إسماعيل بن أياس بن عفيف ، عن أبيه ، عن جده عفيف أنه قال : كنت امرءا تاجرا فقدمت منى أيام الحج ، وكان العباس بن عبدالمطلب امرءا تاجرا فأتيته أبتاع منه وأبيعه ، قال فبينا نحن ، إذا خرج (١) رجل من خبأ يصلي فقام تجاه الكعبة ، ثم خرجت امرأة فقامت تصلي ، وخرج غلام يصلي معه ، فقلت : يا عباس ما هذا الدين؟ إن هذا الدين ما ندري ماهو؟ فقال : هذا محمد بن عبدالله يزعم أن الله أرسله وأن كنوز كسرى وقيصر يستفتح (٢) عليه وهذه امرأته خديجة بنت خويلد آمنت به ، وهذا الغلام ابن عمه علي بن أبي طالب آمن به ، قال عفيف : فليتني كنت آمنت به يومئذ فكنت أكون ثانيا تابعه.

إبراهيم بن سعد ، عن محمد بن إسحاق وقال في الحديث : إذ خرج من خبأ فوثب نظر إلى السماء فلما رآها قد مالت قام يصلي ، ثم ذكر قيام خديجة خلفه.

وأخبرنا أبوالحسين بن الفضل بإسناد ذكره عن مجاهدين حبر (٣) قال : كان مما أنعم الله على علي بن أبي طالب وأراد به الخير أن قريشا أصابتهم أزمة (٤) شديدة ، وكان أبوطالب ذاعيال كثيرة ، فقال رسول الله (ص) للعباس عمه وكان من أيسر بني هاشم : يا عباس إن أخاك أباطالب كثير العيال ، وقد أصاب الناس ما ترى من هذه الازمة ، فانطلق (٥)

__________________

(١) في المصدر : إذ خرج.

(٢) في المصدر : ستفتح عليه.

(٣) هكذا في الكتاب وفيه وهم ، والصحيح مجاهد بن جبر وهو بفتح الجيم وسكون الباء ، و الرجل مجاهد بن جبر أبوالحجاج المخزومى مولاهم الكوفى ، امام في التفسير وفى العلم وثقه ابن حجر في التقريب : ٤٨٢ وقال : مات سنة ١٠١ ( أو ) ١٠٢ ( أو ) ١٠٣ ( أو ) ١٠٤ وله ٨٣ سنة. أقول : والحديث أيضا ذكره الحاكم أبوعبدالله النيسابورى في المستدرك ٣ : ٥٧٦ باسناده عن أبى محمد الحسن بن محمد بن يحيى بن الحسن ابن أخى طاهر العقيقى ، عن جده يحيى بن الحسن ، عن عبيد الله بن عبيد الله الطلحى ، عن أبيه ، عن يحيى بن محمد بن عباد بن هانئ السجزى ، عن محمد بن اسحاق ، عن ابن ابى نجيح ، عن مجاهد بن جبر أبى الحجاج.

(٤) الازمة : الشدة والضيقة. القحط.

(٥) في المستدرك : فانطلق بنا إليه.

٢٠٨

حتى نخفف عنه من عياله (١). وأخذ رسول الله (ص) عليا فضمه إليه ، فلم يزل علي مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله حتى بعثه الله نبيا ، فاتبعه علي وآمن به وصدقه (٢).

٣٨ ـ عم : جدت قريش في أذى رسول الله (ص) وكان أشد الناس عليه عمه أبولهب وكان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ذات يوم جالسا في الحجر فبعثوا إلى سلى الشاة فألقوه على رسول الله (ص) ، فاغتم رسول الله (ص) من ذلك ، فجاء إلى أبي طالب فقال : يا عم كيف حسبي فيكم؟ قال : وما ذاك يا ابن أخ؟ قال : إن قريشا ألقوا علي السلى ، فقال لحمزة خذ السيف ، وكانت قريش جالسة في المسجد ، فجاء أبوطالب ومعه السيف وحمزة ومعه السيف فقال : أمر السلى على سبالهم ، فمن أبى فاضرب عنقه. فما تحرك أحد حتى أمر السلى على سبالهم ، ثم التفت إلى رسول الله (ص) فقال : يا ابن أخ هذا حسبك فينا.

وفي كتاب دلائل النبوة عن أبي داود ، عن شعبة ، عن أبي إسحاق سمعت عمروبن ميمون يحدث عن عبدالله قال : بينما رسول الله (ص) ساجدا وحوله ناس من قريش وثم سلى بعير فقالوا : من يأخذ سلى هذا الجزور أو البعير فيفرقه (٣) على ظهره ، فجاء عقبة بن أبي معيط فقذفه على ظهر النبي (ص) ، وجاءت فاطمة عليها‌السلام فأخذته من ظهره ، ودعت على من صنع ذلك ، قال عبدالله : فما رأيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله دعا عليهم إلا يومئذ ، فقال : اللهم عليك الملا من قريش ، اللهم عليك أباجهل بن هشام ، وعتبة بن ربيعة ، وشيبة بن ربيعة وعقبة بن أبي معيط ، وامية بن خلف ـ أو ابي بن خلف ـ شك شعبة.

__________________

(١) في المصدر بعد ذلك : فانطلقا إليه وقالا له ، فقال : اتركوا لى عقيلا وخذوا من شئتم ، فأخذ اه. أقول : فيه اختصار ، وتفصيله على ما في المستدرك هكذا : نخفف عنه من عياله ، آخذ من بنيه رجلا ، وتأخذ أنت؟ رجلا فنكفلهما عنه ، فقال العباس : نعم ، فانطلقا حتى أتيا أباطالب فقالا : انا نريد أن نخفف عنك من عيالك حتى تنكشف عن الناس ماهم فيه ، فقال لهما أبوطالب : إذا تركتما لى عقيلا فاصنعا ما شئتما ، فأخذ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله عليا فضمه إليه ، وأخذ العباس جعفرا فضمه إليه اه وزاد في آخر الحديث : وأخذ العباس جعفرا ولم يزل جعفر مع العباس حتى اسلم واستغنى عنه.

(٢) اعلام الورى : ٢٥ ط ١ و ٤٩ ط ٢.

(٣) في المصدر : فيقذفه.

٢٠٩

قال عبدالله : ولقد رأيتهم قتلوا يوم بدر والقوا في القليب ـ أو قال : في بئر ـ غير أن امية بن خلف ـ أو ابي بن خلف ـ كان رجلا بادنا فقطع قبل أن يبلغ البئر ، أخرجه البخاري في الصحيح.

قال : وأخبرنا الحافظ ، أخبرنا أبوبكر الفقيه ، أخبرنا بشر بن موسى حدثنا الحميدي ، حدثنا سفيان ، حدثنا بنان بن بشر. (١) ، وابن أبي خالد قالا : سمعنا قيسا يقول سمعنا خبابا يقول : أتيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وهو متوسد برده في ظل الكعبة ، وقد لقينا من المشركين شدة شديدة ، فقلت : يا رسول الله ألا تدعو الله لنا؟ فقعد وهو محمر وجهه فقال : إن كان من كان قبلكم ليمشط أحدهم بأمشاط الحديد مادون عظمه من لحم أو عصب ما يصرفه ذلك عن دينه ، ويوضع المنشار على مفرق رأسه فيشق باثنين ما يصرفه ذلك عن دينه ، وليتمن الله هذا الامر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضر موت لا يخاف إلا الله عزوجل والذئب على غنمه.

رواه البخاري في الصحيح عن الحميدي ، وأخرجاه (٢) من وجه آخر عن إسماعيل (٣).

قال : وحدثنا الحافظ بإسناده عن هشام ، عن أبي الزبير ، عن جابر ، عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله مر بعمار وأهله وهم يعذبون في الله ، فقال : أبشروا آل عمار فإن موعدكم

الجنة.

وأخبرنا ابن بشران العدل بإسناده عن مجاهد قال : أول شهيد كان استشهد في الاسلام ام عمار : سمية ، طعنها أبوجهل بطعنة في قبلها (٤).

وروى علي بن إبراهيم بن هاشم بإسناده قال : كان أبوجهل تعرض لرسول الله (ص)

__________________

(١) هكذا في الكتاب وفى المصدر الطبعة الاولى ، وفى الثانية : بيان بن بشر ، وهو الصحيح. راجع التقريب : ٦٩.

(٢) في المصدر : وأخرجه.

(٣) وأخرج نحوه الحاكم النيسابورى في المستدرك ٣ : ٣٨٢ باسناد له عن قيس بن أبى حازم ، عن خباب.

(٤) هكذا في الكتاب وفى أسد الغابة ، وفى المصدر : في قلبها.

٢١٠

وآذاه بالكلام ، واجتمعت بنو هاشم فأقبل حمزة وكان في الصيد ، فنظر إلى اجتماع الناس فقال : ما هذا؟ فقالت له امرأة من بعض السطوح : يا بايعلى إن عمرو بن هشام تعرض لمحمد وآذاه ، فغضب حمزة ومر نحو أبي جهل وأخذ قوسه فضرب بها رأسه ، ثم احتمله فجلدبه الارض ، واجتمع الناس وكاد يقع فيهم شر ، فقالوا له : يا بايعلى صبوت إلى دين ابن أخيك قال : نعم ، أشهد أن لا إله إلا الله ، وأن محمدا رسول الله ـ على جهة الغضب والحمية ـ فلما رجع إلى منزله ندم فغدا على رسول الله (ص) فقال : يا ابن أخ أحقا ما (١) تقول؟ فقرأ عليه رسول الله (ص) سورة من القرآن فاستبصر حمزة ، وثبت على دين الاسلام ، وفرح رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وسر أبوطالب بإسلامه ، وقال في ذلك :

[ ف ] صبرا أبايعلى على دين أحمد

وكن مظهرا للدين وفقت صابرا

وحط من أتى بالدين من عند ربه

بصدق وحق لا تكن حمز كافرا (٢)

فقد سر ني إذ قلت إنك مؤمن

فكن لرسول الله في الله ناصرا

وناد قريشا بالذي قد أتيته

جهارا وقل ما كان أحمد ساحرا (٣)

ص : كان أبوجهل تعرض لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وذكر مثله (٤).

٣٩ ـ فر : الحسين بن سعيد معنعنا ، عن جعفر ، عن أبيه عليهما‌السلام قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : لما نزلت علي «وأنذر عشيرتك الاقربين» ورهطك منهم المخلصين ، فقال أبوجعفر عليه‌السلام هذه قراءة عبدالله (٥).

٤٠ ـ فر : عبيد بن كثير معنعنا ، عن علي بن أبي طالب عليه‌السلام في قوله تعالى : «وأنذر عشيرتك الاقربين» قال : دعاهم ـ يعني النبي (ص) ـ فجمعهم على فخذة شاة وقدح من لبن ،

__________________

(١) في المصدر : أحق ماتقول؟

(٢) في المصدر : وخط بالخاء المعجمة وفى هامشه : أى امش موضع قدمه ، أقول : لعله أخذه المحشى من خاط يخيط ، يقال : خاط اليه أى مر عليه مرة واحدة أو سريعة. والا فالامر من خطا يخطو يكون اخط لا خط اللهم الا ان يكون الهمزة قد سقطت للضرورة.

(٣) إعلام الورى : ٣١ و ٣٢ ط ١ و ٥٨ ط ٢.

(٤) قصص الانبياء : مخطوط.

(٥) تفسير فرات : ١٠٩.

٢١١

أوقال : قعب من لبن ، وإن فيهم يومئذ ثلاثين رجلا يأكل كل رجل جذعة ، قال : فأكلنا حتى شبعنا ، وشربنا حتى روينا (١).

٤١ ـ فر : الحسن بن علي بن عفان معنعنا عن أبي رافع ـ رضي‌الله‌عنه ـ أن رسول الله (ص) جمع ولد عبدالمطلب في الشعب وهم يومئذ ـ ولده لصلبه وأولادهم ـ أربعون رجلا (٢) ، فصنع لهم رجل شاة ، وثرد لهم ثريدة فصب عليه (٣) ذلك المرق واللحم ، ثم قدموها إليهم فأكلوا منه حتى شبعوا (٤) ، ثم سقاهم عسا واحدا (٥) ، فشربوا كلهم من ذلك العس حتى رووا ، ثم قال أبولهب : والله وإن منا نفر يأكل أحدهم الجفرة وما يصلحها فما يكاد يشبعه ، ويشرب الفرق من النبيذ فما يرويه ، وإن ابن أبي كبشة دعانا على رجل شاة وعس من شراب فشبعنا وروينا ، إن هذا لهو السحر المبين ، قال : ثم دعاهم فقال لهم : إن الله أمرني أن انذر عشيرتي الاقربين ، ورهطي المخلصين ، وإنكم عشيرتي الاقربون (٦) ، ورهطي المخلصون (٧) ، وإن الله لم يبعث نبيا إلا جعل له أخا من أهله ووارثا ووصيا ووزيرا ، فأيكم يقوم فيبا يعني على أنه أخي ووزيري ووارثي دون أهلي ، ووصيي وخليفتي في أهلي ، ويكون مني بمنزلة هارون من موسى غير أنه لا نبي بعدي فأمسك القوم ، فقال : والله ليقومن قائمكم أو لتكونن (٨) في غير كم ثم لتندمن ، فقام علي عليه‌السلام وهم ينظرون إليه كلهم فبايعه وأجابه إلى ما دعاه إليه ، فقال : ادن مني ، فدنا منه فقال : افتح فاك فمج في فيه من ريقه ، وتفل بين كتفيه وبين ثدييه ، فقال أبولهب لبئس ما حبوت به ابن عمك ، أجابك (٩) فملات فاه ووجهه بزاقا ، قال : فقال النبي (ص)

__________________

(١) تفسير فرات : ١١١ و ١١٢.

(٢) في المصدر : وهم يومئذ اربعون رجلا.

(٣) في المصدر : فصب عليها.

(٤) في المصدر : حتى تضلعوا. أقول : أى امتلاؤا شبعا.

(٥) في المصدر : عسا واحدا من لبن.

(٦) الاقربين خ ل.

(٧) المخلصين خ ل.

(٨) في المصدر : ليكونن.

(٩) في المصدر : أجابك لما دعوته إليه.

٢١٢

بل ملاته علما وحلما وفهما (١).

بيان : الجفر من أولاد المعز ما بلغ أربعة أشهر ، وفصل عن امه ، وأخذ في الرعى ، والانثى جفرة ، ذكره الجزري ، وقال : كان المشركون ينسبون النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله إلى أبي كبشة وهو رجل من خزاعة خالف قريشا في عبادة الاوثان ، شبهوه به ، وقيل : إنه كان كان جد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله من قبل امه (٢) ، فأرادوا أنه نزع في الشبه إليه.

٤٢ ـ كا : محمد بن يحيى ، عن ابن عيسى ، عن علي بن الحكم ، عن الحسين بن الحسن قال : سمعت جعفرا عليه‌السلام يقول : جاء جبرئيل إلى النبي (ص) فقال : يا محمد ربك يقرؤك السلام ويقول لك : دار خلقي (٣).

٤٣ ـ كا : أبوعلي الاشعري ، عن محمد بن عبدالجبار ، عن محمد بن إسماعيل بن بزيع عن حمزة بن بزيع ، عن عبدالله بن سنان ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : قال رسول الله (ص) : أمرني ربي بمداراة الناس كما أمرني بأداء الفرائض (٤).

٤٤ ـ كا : العدة ، عن أحمد بن محمد ، عن محمد بن علي ، عن عبيد بن يحيى الثوري العطار ، عن محمد بن الحسين العلوي ، عن أبيه ، عن جده ، عن علي عليه‌السلام قال : لما أمر الله عزوجل رسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله بإظهار الاسلام وظهر الوحي رأى قلة من المسلمين ، وكثرة من المشركين. فاهتم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله هما شديدا ، فبعث الله عزوجل إليه جبرئيل عليه‌السلام بسدر من سدرة المنتهى فغسل به رأسه فجلا به همه (٥).

٤٥ ـ كا : الحسين بن محمد ، عن المعلى ، عن الوشاء ، عن أبان بن عثمان ، عن أبي بصير ، عن أبي جعفر وأبي عبدالله عليهما‌السلام قالا : إن الناس لما كذبوا برسول الله (ص) هم الله تبارك وتعالى بهلاك أهل الارض إلا عليا فماسواه بقوله : « فتول عنهم فما أنت بملوم » ثم بداله فرحم المؤمنين ثم قال لنبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله : « وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين (٦) ».

__________________

(١) تفسير فرات : ١١٣.

(٢) أقول : يعنى أنها كنية وهب بن عبد مناف جده صلى‌الله‌عليه‌وآله من قبل امه ، وقد يحتمل

في ذلك أنها كنية زوج حليمة السعدية.

(٣ و ٤ ) اصول الكافى ٢ : ١١٦ و ١١٧.

(٥) فروع الكافى ٢ : ٢٢٠.

(٦) روضة الكافى : ١٠٣ ، والايتان في سورة الذاريات : ٥٤ و ٥٥.

٢١٣

أقول : سيأتي في باب عمل النيروز عن المعلى بن خنيس ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام إن يوم النيروز هو اليوم الذي هبط فيه جبرئيل عليه‌السلام على النبي (ص) ، وقد مضى بعض أخبار الباب في أبواب المعجزات.

٤٦ ـ وروى السيدابن طاووس في كتاب سعد السعود من كتاب تفسير محمد بن العباس ب مروان ، عن حسين بن الحكم الخيبري ، عن محمد بن جرير ، عن زكريا بن يحيى ، عن عفان بن سلمان ، قال : وحدثنا محمد بن أحمد الكاتب عن جده ، عن عفان ، وحدثنا عبدالعزيز بن يحيى ، عن موسى بن زكريا ، عن الواحد بن غياث ، قالا (١) : حدثنا أبوعوانة ، عن عثمان بن المغيرة ، عن أبي صادق ، عن أبي ربيعة بن ناجد إن رجلا قال لعلي عليه‌السلام : يا أمير المؤمنين لم ورثت ابن عمك دون عمك؟ قالها ثلاث مرات حتى اشرأب الناس ، ونشروا آذانهم ، ثم قال : جمع رسول الله (ص) ـ أودعا رسول الله (ص) ـ بني عبدالمطلب ، كلهم يأكل الجذعة ويشرب الفرق ، قال : فصنع لهم مدا من طعام فأكلوا حتى شبعوا ، قال : وبقي الطعام كما هو ، كأنه لم يمس ولم يشرب ، فقال : يا بني عبدالمطلب إني بعثت إليكم بخاصة (٢) ، وإلى الناس بعامة ، وقد رأيتم من هذه الآية ما رأيتم (٣) ، فأيكم يبايعني على أن يكون أخي وصاحبي ووراثي؟ فلم يقم إليه أحد ، قال : فقمت وكنت أصغر القوم سنا ، فقال : أجلس ، قال : ثم قال ثلاث مرات ، كل ذلك أقوم إليه فيقول لي : اجلس حتى كانت الثالثة ، ضرب يده على يدي ، فقال : فلذلك ورثت ابن عمي دون عمي (٤).

__________________

(١) أى عفان بن سليمان وعبدالواحد بن غياث.

(٢) في المصدر : خاصة. وفيه بعد ذلك : عامة.

(٣) أى كفاية الطعام والشراب بقلتهما جميعكم وبقاؤهما بحالهما.

(٤) سعد السعود : ١٠٤ و ١٠٥. أقول : سأل هارون موسى بن جعفر عليه‌السلام عن تلك المسألة فأجاب بوجه آخر فقال : ان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله لم يورث من قدر على الهجرة فلم يهاجر ، وإن عليا آمن وهاجر ، قال الله تعالى : « إن الذين آمنوا ولم يهاجروا مالكم من ولايتهم من شئ حتى يهاجروا » راجع تفصيلهاج ١٠ : ٢٤٢.

٢١٤

بيان : قال الجزري : فيه : فينادي يوم القيامة مناد فيشرئبون لصوته ، أي يرفعون رؤوسهم لينظروا إليه ، وكل رافع رأسه مشرئب.

٤٧ ـ أقول : ثم روى السيد ـ رحمه‌الله ـ في الكتاب المسطور من الكتاب المذكور عن محمد الباهلي ، عن إبراهيم بن إسحاق النهاوندي ، عن عمار بن حماد الانصاري ، عن عمرو بن شمر ، عن مبارك بن فضال (١) والعامة عن الحسن ، عن رجل من أصحاب النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : إن قوما خاضوا في بعض أمر علي عليه‌السلام بعد الذي كان من وقعة الجمل ، قال الرجل الذي يسمع من (٢) الحسن الحديث : ويلكم ما تريدون من أول السابق بالايمان بالله ، والاقرار بما جاء من عند الله؟ لقد كنت عاشر عشرة من ولد عبد المطلب إذ أتانا علي بن أبي طالب عليه‌السلام فقال : أجيبوا رسول الله (ص) إلى غد (٣) في منزل أبي طالب ، فتغامزنا ، فلما ولى قلنا : أترى محمدا أن يشبعنا اليوم؟ وما منا يومئذ من العشرة رجلا إلا وهو يأكل الجذعة السمينة ، ويشرب الفرق من اللبن ، فغدوا عليه في منزل أبي طالب وإذا نحن برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فحييناه بتحية الجاهلية ، وحيانا هو بتحية الاسلام ، فأول ما أنكرنا منه ذلك ، ثم أمر بجفنة من خبز ولحم فقدمت إلينا ، ووضع يده اليمنى على ذروتها وقال : بسم الله كلوا على اسم الله ، فتغيرنا لذلك ثم تمسكنا لحاجتنا إلى الطعام ، وذلك أننا جوعنا أنفسنا للميعاد بالامس فأكلنا حتى انتهينا والجفنة كما هي مدفقة ، ثم دفع إلينا عسا من لبن ، فكان علي يخدمنا فشربنا كلنا حتى روينا والعس على حاله ، حتى إذا فرغنا قال : يا بني عبدالمطلب إني نذير لكم من الله عزوجل إني أتيتكم بما لم يأت به أحد من العرب ، فإن تطيعوني ترشدوا وتفلحوا وتنجحوا ، إن هذه مائدة أمرني الله بها فصنعتها لكم كما صنع عيسى بن مريم عليه‌السلام لقومه ، فمن كفر بعد ذلك منكم فإن الله يعذبه عذابا لا يعذبه أحدا من العالمين ، واتقو الله و اسمعوا ما أقول لكم ، واعلموا يا بني عبدالمطلب إن الله لم يبعث رسولا إلا جعل له أخا

__________________

(١) هكذا في الكتاب وفى المصدر : فضالة ، وهو الصحيح ، والرجل مترجم في التقريب ٨١

(٢) هكذا في الكتاب ومصدره ، واستظهر المصنف أن الصحيح : سمع منه.

(٣) غداء : ظ.

٢١٥

ووزيرا ووصيا ووارثا من أهله ، وقد جعل لي وزيرا كما جعل للانبياء قبلي ، وإن الله قد أرسلني إلى الناس كافة ، وأنزل علي « وأنذر عشيرتك الاقربين » ورهطك المخلصين ، وقد والله أنبأني به وسماه لي ، ولكن أمرني أن أدعوكم وأنصح لكم ، وأعرض عليكم لئلا يكون لكم الحجة فيما بعد ، وأنتم عشيرتي وخالص رهطي ، فأيكم يسبق إليها ، على أن يؤاخيني في الله ويوازرني في الله عزوجل ، ومع ذلك يكون لي يدا على جميع من خالفني فأتخذه وصيا ووليا ووزيرا ، يؤدي عني ، ويبلغ رسالتي ، ويقضي ديني من بعدي وعداتي ، مع أشياء اشترطها ، فسكتوا فأعادها ثلاث مرات كلها ليسكتون (١) ويثب فيها علي ، فلماسمعها أبولهب ، قال : تبالك يا محمد ولما جئتنا به ، ألهذا دعوتنا؟ وهم أن يقوم موليا ، فقال : أماوالله لتقومن أو يكون في غيركم ، وقال : يحرصهم لئلا يكون لاحد منهم فيما بعد حجة ، قال : فوثب علي عليه‌السلام فقال : يا رسول الله أنالها ، فقال رسول الله : يا أبا الحسن أنت لها ، قضي القضاء ، وجف القلم (٢) ، يا علي اصطفاك الله بأولها وجعلك ولي آخرها (٣).

بيان : قوله : تمسكنا لعل المعنى أمسكنا عن الكلام متكلفين ، قوله : مدفقة ، أي ممتلئة ينصب الطعام من أطرافها.

٤٨ ـ نهج : إلى أن بعث الله سبحانه محمدا (٤) لانجاز عدته ، وتمام نبوته ، مأخوذا على النبيين ميثاقه ، مشهورة سماته (٥) ، كريما ميلاده ، وأهل الارض يومئذ ملل متفرقة وأهواء منتشرة ، وطرائق (٦) متشتتة ، بين مشبه لله بخلقه ، أو ملحد في اسمه ، أو مشير إلى غيره ، فهداهم به من الضلالة ، وأنقذهم بمكانه من الجهالة ، ثم اختار سبحانه لمحمد

__________________

(١) في المصدر : يسكتون.

(٢) قال الجزرى في النهاية : جفت الاقلام وطويت الصحف : يريد ما كتب في اللوح المحفوظ من المقادير والكائنات ، والفراغ منها ، تمثيلا بفراغ الكاتب من كتابته ويبس قلمه.

(٣) سعدالسعود : ١٠٦.

(٤) في المصدر : محمدا رسول الله.

(٥) أى علاماته ، في كتب الانبياء السابقين الذين بشروا الخلائق بنبوته وإنقاذهم من المهالك

(٦) في المصدر : طوائف ، وفى طبعة : طرائق.

٢١٦

لقاءه ، ورضي له ما عنده ، وأكرمه عن دار الدنيا ، ورغب به عن مقاربة (١) البلوى ، فقبضه إليه كريما صلى‌الله‌عليه‌وآله (٢).

بيان : الضمير في عدته راجع إلى الله ، وفي نبوته إلى الرسول ، ويحتمل إرجاعهما إلى الرسول بأن يكون الاضافة في عدته إضافة إلى المفعول ، كما يحتمل إرجاعهما إلى الله بأن يكون المراد بقوله : نبوته النبوة التي سنها وقدرها لاصلاح الخلق ، والسمة : العلامة ، والميلاد : وقت الولادة ، والطرائق : المذاهب ، والتشتت : التفرق والانتشار ، قوله : ملحد في اسمه ، أي يطلق عليه وينسب إليه مالا يليق به. أو يطلق اسمه على غيره. قوله : أو مشير إلى غيره كالدهرية وعبدة الاصنام ، وفي قوله : ملل وما بعده تقدير مضاف أي ذووا ملل ، أو الحمل على المبالغة ، أو يقدر المضاف في المبتدء وبعضها مؤكدة لبعض ، و يمكن الفرق بوجه.

٤٩ ـ نهج : وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ، أرسله بالدين المشهور ، والعلم المأثور والكتاب المسطور ، والنور الساطع ، والضياء اللامع ، والامر الصادع إزاحة للشبهات ، واحتجاجا بالبينات ، وتحذيرا بالآيات ، وتخويفا للمثلات (٣) ، والناس في فتن انجذم (٤) فيها حبل الدين ، وتزعزعت سواري اليقين ، واختلف النجر (٥) ، وتشتت الامر ، وضاق المخرج ، وعمي المصدر ، فالهدى خامل ، والعمى شامل ، عصي الرحمن ، ونصر الشيطان ، وخذل الايمان ، فانهارت دعائمه ، وتنكرت معالمه ، ودرست سبله ، وعفت (٦) شركه ، أطاعوا الشيطان فسلكوا مسالكه ، ووردوا مناهله ، بهم سارت أعلامه وقام لواؤه ، في فتن

__________________

(١) عن مقام البلوى خ ل.

(٢) نهج البلاغة ١ : ٢٧ و ٢٨ المطبوع بالمطبعة الرحمانية بمصر ، ٨ و ٩ المطبوع بطهران في سنة ١٣٠٢.

(٣) في المصدر : بالمثلات. أقول : أى إنذارا بالعقوبات.

(٤) انجزم خ ل.

(٥) بفتح النون وسكون الجيم ، أى اختطفت أصول معتقداتهم ، فكل يزعم نفسه على الحق و غيره على الباطل.

(٦) أى محت ودرست واضحات الطرق وسويتها.

٢١٧

داستهم بأخفافها ، ووطئتهم بأظلافها ، وقامت على سنابكها ، فهم فيها تائهون حائرون ، جاهلون مفتونون ، في خير دار ، وشر جيران ، نومهم سهود ، وكحلهم دموع ، بأرض عالمها ملجم ، وجاهلها مكرم (١).

توضيح : قوله : والعلم المأثور ، العلم إما بالكسر أو بفتحتين أي ما يهتدى به و المأثور : المقدم على غيره ، والمنقول ، ولا يخفى مناسبتهما ، والصادع : الظاهر الجلي ، و المثلات جمع مثلة بفتح الميم وضم الثاء : العقوبة ، قوله : انجذم أي انقطع ، وفي بعض النسخ بالزاي بمعناه ، والزعزعة : الاضطراب ، والسواري جمع السارية وهي الدعامة ، و النجر : الاصل والطبع ، فانهارت أي انهدمت وتنكرت : أي تغيرت والشرك بضمتين جمع شركة بفتحتين وهي معظم الطريق أو وسطها قوله : في فتن داستهم متعلق بقوله : سارت وقام ، أو خبر ثان لقوله : والناس ، والسنابك : أطراف مقدم الحافر ، قوله : في خيردار ، إما خبر ثالث ، أو متعلق بقوله : تائهون وما بعده ، والمراد بخير الدار مكة وبشر الجيران كفار قريش ، والعالم الملجم من آمن به ، والجاهل المكرم من كذبه ، وفيه احتمالات اخر لا يناسب المقام ، وقوله عليه‌السلام : نومهم سهود ، وكحلهم دموع ، كناية عن كثرة الفتن فيهم بحيث كانوا لا ينامون اهتماما بأنفسهم ، وإعدادا لقتال عدوهم ، ويبكون على قتلاهم وما ذهب منهم من الاموال وغيرها.

٥٠ ـ نهج : أرسله على حين فترة من الرسل ، وطول هجعة من الامم ، واعتزام (٢) من الفتن ، وانتشار من الامور ، وتلظ من الحروب ، والدنيا كاسفة النور ، ظاهرة الغرور على حين اصفرار من ورقها (٣) ، وإياس من ثمرها ، واغورار من مائها ، قد درست أعلام الهدى (٤) ، وظهرت أعلام الردى ، فهي متجهمة لاهلها ، عابسة في وجه طالبها ، ثمرها

__________________

(١) نهج البلاغة ١ : ٣١ و ٣٣.

(٢) من اعتزم الفرس في عنانه : مر جامحا لا ينثنى ، وهى كناية عن غلبة الفتن. ويروى بالراء المهملة كما سيأتي من اعترم الفرس : سطا ومالت. ويحتمل أن يكون من اعترم الصبى ثدى امه أى مصه ، والمعنى التزمت الفتن بهم كما التزم الصبى ثدى امه.

(٣) هذا وما بعدها تمثيل لتغير الدنيا وزوال خيراتها وغلبة الشرور والفتن عليها ، ويأس الناس من التمتع بها. والايام ايام الجاهلية.

(٤) في المصدر : قد درست منار الهدى.

٢١٨

الفتنة ، وطعامها الجيفة ، وشعارها (١) الخوف ، ودثارها السيف (٢).

بيان : الفترة : انقطاع الوحي بين الرسل ، والهجعة : النوم ، والاعتزام : العزم ، كأن الفتنة مصممة للهرج والفساد ، وفي بعض النسخ بالراء المهملة أي كثرة وشدة ، وفي الكافي : واعتراض ، من قولهم : اعترض الفرس : إذا مشى على غير الطريق ، والتلظي : التلهب ، والاغورار : ذهاب الماء : من غار الماء : إذا ذهب ، ومنه قوله تعالى : « إن أصبح ماؤكم غورا (٣) » والدروس : الامحاء والتهجم : العبوس ، والمراد بالجيفة ما كانوا يكتسبونه بالمكاسب المحرمة في الجاهلية أو ما كانوا يأكلون من الحيوانات التي ازهقت روحها بغير التذكية وفي تشبيه الخوف بالشعار والسيف بالدثار وجوه من اللطف والبلاغة.

٥١ ـ نهج : بعثه والناس ضلال في حيرة ، وحاطبون (٤) في فتنة قد استهوتهم الاهواء ، واستزلتهم الكبرياء (٥) ، واستخفتهم الجاهلية الجهلاء حيارى في زلزال من الامر وبلاء (٦) من الجهل ، فبالغ صلى‌الله‌عليه‌وآله في النصيحة ، ومضى على الطريقة ، ودعا إلى الحكمة والموعظة الحسنة (٧).

بيان : الحاطب : هو الذي يجمع الحطب ، ويقال : حاطب دليل لمن يجمع بين الصواب والخطاء ، ويتكلم بالغث والسمين.

أقول : ويحتمل أن يكون عليه‌السلام استعار الحطب لما يكتسبونه من الاعمال ، لانها كانت مما يحرقهم في النار ، وفي بعض النسخ خابطون ، أي كانت حركاتهم على غير نظام.

قوله عليه‌السلام : استهوتهم الاهواء ، أي دعتهم وجذبتهم إلى أنفسها ، أو إلى مهاوي الهلاك ،

__________________

(١) الشعار من الثياب : مايلى البدن ، والدثار : فوق الشعار.

(٢) نهج البلاغة ١ : ١٧٠ و ١٧١.

(٣) الملك : ٣٠.

(٤) خابطون خ.

(٥) واستزلهم الكبراء خ. أقول : أي أضلهم سادتهم وكبراؤهم.

(٦) بلبال خ ل.

(٧) نهج البلاغة : ٢٠٢ و ٢٠٣.

٢١٩

ويقال : استخفه. أي وجده خفيفا وخف عليه تحريكه ، والزلزال بالفتح اسم ، وبالكسر مصدر.

٥٢ ـ نهج : أما بعد فإن الله سبحانه بعث محمدا (ص) وليس أحد من العرب يقرأ كتابا ، ولا يدعي نبوة ولا وحيا ، فقاتل بمن أطاعه من عصاه ، يسوقهم إلى منجاتهم ، و يبادر الساعة (١) أن تنزل بهم ، يحسر الحسير ، ويقف الكسير (٢) ، فيقيم عليه حتى يلحقه غايته ، إلا هالكا لا خير فيه حتى أراهم منجاتهم ، وبوأهم محلتهم ، فاستدارت رحاهم ، و استقامت قناتهم (٣).

ايضاح : قوله : وليس أحد من العرب يقرأ كتابا ، أي في زمانه صلى‌الله‌عليه‌وآله وما قاربه ، فلا ينافي بعثة هود وصالح وشعيب عليهم‌السلام في العرب ، وأما خالد بن سنان فلو ثبت بعثته فلم يكن يقرأ كتابا ويدعي شريعة ، وإنما نبوته كانت مشابهة لنبوة جماعة من أنبياء بني إسرائيل لم يكن لهم كتب ولا شرائع ، مع أنه يمكن أن يكون المراد الزمان الذي بعده.

قوله عليه‌السلام : ويبادر الساعة أن تنزل بهم ، أي يسارع إلى هدايتهم وتسليكهم لسبيل الله كيلا تنزل بهم الساعة على عمى منهم عن صراط الله ، قوله عليه‌السلام : يحسر الحسير ، الحسير الذي أعيى في طريقه ، والغرض وصفه صلى‌الله‌عليه‌وآله بالشفقة على الخلق في حال أسفارهم معه في الغزوات ونحوها ، أي أنه كان يسير في آخرهم ، ويفتقد المنقطع منهم عن عياء أو انكسار مركوب فلا يزال يلطف به حتى يبلغه أصحابه ، إلا مالا يمكن إيصاله ولا يرجى ، أو المراد من وقف قدم عقله في السلوك إلى الله أو انكسر لضلاله كان صلى‌الله‌عليه‌وآله هو المقيم له على المحجة البيضاء ويهديه حتى يوصله إلى الغاية المطلوبة إلا من لا يرجى فيه الخير كأبي جهل وأبي لهب وأضرابهما ، ومنجاتهم : نجاتهم ، أو محل نجاتهم ، ومحلتهم : منزلهم ، واستدارة رحاهم كناية عن اجتماعهم واتساق امورهم.

٥٣ ـ نهج : أرسله داعيا إلى الحق ، وشاهدا على الخلق ، فبلغ رسالات ربه غير

__________________

(١) في المصدر : ويبادر بهم الساعة.

(٢) الكسير : المكسور.

(٣) نهج البلاغة : ٢١٥ و ٢١٦.

٢٢٠