تعليقة على معالم الاصول - ج ٤

السيّد علي الموسوي القزويني

تعليقة على معالم الاصول - ج ٤

المؤلف:

السيّد علي الموسوي القزويني


المحقق: السيد علي العلوي القزويني
الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
المطبعة: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ١
ISBN: 964-470-535-1
الصفحات: ٨٦٤

وهو الظاهر من كلام المفيد رحمه الله على ما ذكره العلاّمة*.

وثانيها : أنّه مختصّ بآخر الوقت ، ولكن لو فعل في أوّله كان جاريا مجرى تقديم الزكاة ؛ فيكون نفلا يسقط به الفرض**.

_________________________________

مرتبته الدانية ، فيكون الحديث واردا في موضع الفرق بين الأوّل والآخر بكون الأوّل أفضل من حيث ايجابه لأعلى مراتب الرضاء.

* وربّما يضاف إليه ابن أبي عقيل كما في كلام بعض الأعلام ، وقضيّة إطلاق حكاية المصنّف تبعا للعلاّمة عن المفيد أنّه يقول بذلك في مطلق الموسّعات وهو يخالف ما عن الشيخ من أنّه عزاه إليه في خصوص الصلاة ، وعليه يمكن اخراجه من أصحاب هذا القول ، وإنّما قال بالاختصاص في خصوص الصلاة لدليل بلغه فيها بالخصوص من نصّ أو غيره ، وإلاّ فقد عرفت أنّ مبنى هذا القول ـ على ما لو تمّ ـ لقضى بامتناع الموسّع على الإطلاق ، من أنّ التوسعة في الوقت يؤدّي إلى ترك الواجب وخروجه عن الوجوب.

ولأجل ذلك قد يناقش في أصل تلك النسبة ويحكم بكونها سهوا ، تعليلا بأنّ أصحابنا بعد اطباقهم على أنّ للظهرين وقتين أحدهما القدم والقدمان أو المثل والمثلان ، والآخر ما بعد ذلك إلى آخر الوقت المحدود ، اختلفوا على قولين :

أحدهما : القول بأنّ الأوّل وقت الفضيلة والثاني وقت الإجزاء.

وثانيهما : القول بأنّ الأوّل وقت للمختار والثاني للمضطرّ.

والمفيد إن كان من أصحاب القول الأوّل ففساد النسبة واضح ، وإن كان من أصحاب القول الثاني فكذلك ، لاختصاص خلافهم في الوقتين بالفرائض اليوميّة ، وقضيّة القول بالامتناع العقلي في الموسّع اطّراد النزاع في جميع الموسّعات ، مضافا إلى أنّ مقدار القدم أو المثل ولو فرضناه للمختار ممّا يزيد على فعل الظهر قطعا فهو قائل بوقوع الموسّع شرعا ، مع أنّه لو تمّ فهو قول بالضيق شرعا وهو لا يقضي بامتناع التوسعة عقلا.

والقول المذكور مبنيّ على ذلك ، ولم يظهر من المفيد في قوله في مسألة فرعيّة الموافقة لأصحاب هذا القول في المسألة الاصوليّة كما لا يخفى.

** حكاه في التهذيب وبيان المختصر وشرح المنهاج عن بعض الحنفيّة.

__________________

(١) وقع في الأول ـ الف

١٦١

وثالثها : أنّه مختصّ بالآخر ، وإذا فعل في الأوّل وقع مراعى ، فإن بقي المكلّف على صفات التكليف تبيّن أنّ ما أتى به كان واجبا ، وإن خرج عن صفات المكلّفين كان نفلا* (١). وهذان القولان لم يذهب إليهما أحد من طائفتنا ، وإنّما هما لبعض العامّة.

________________________________

وعزاه السيّد في المنية إلى جماعة منهم كما عن العلاّمة في النهاية ، ولم ينقل لهم حجّة إلاّ ما يذكره المصنّف فيما بعد ذلك من أنّه لو كان واجبا في أوّل الوقت لعصي بتأخيره ، لأنّه قد ترك الواجب حينئذ والتالي باطل بالإجماع والمقدّم مثله.

واجيب عنه بوجهين :

أحدهما : ما أشرنا إليه سابقا وتعرّض لذكره بعض الأعلام من منع الملازمة على تقدير ومنع بطلان التالي على آخر.

وثانيهما : ما تعرّض لذكره جماعة منهم المصنّف وأخصر العبارات في تأديته ما في بيان المختصر في شرح عبارة الحاجبي في الجواب من أنّ التأخير والتعجيل في الواجب الموسّع كخصال الكفّارة ، فكما أنّ تارك أحد الخصال لا يعصي إذا أتى بالباقي ، كذلك تارك الواجب الموسّع في أوّل الوقت لا يعصي إذا أتى به في آخر الوقت.

ومحصّل ذلك : أنّ العصيان بالتأخير إنّما يلزم لو قلنا باختصاص الوجوب بالأوّل وهو بمعزل عن التحقيق ، بل نقول باشتراكه بين الأوّل والوسط والآخر على نحو البدليّة والتخيير اللذين أثبتهما العقل بملاحظة توسعة الوقت.

وقضيّة ذلك قيام وقوعه في كلّ من الأوّل والوسط والآخر مقام وقوعه في الآخر فيكون مجزيا ، لا لأنّه نفس المأمور به كما توهّم ، بل لانطباقه على المأمور به الكلّي من جهة كونه أحد أفراده المتميّزة بأجزاء الوقت ، ومن لوازم الإجزاء بهذا العنوان أن لا يكون التأخير موجبا للعصيان ، كما أنّ أداء الكلّي المأمور به في غير الموسّع في ضمن أحد أفراده لا يوجب عصيانا بترك أدائه في ضمن فرده الآخر.

* ولا يخفى ما في العبارة من نوع قصور في التأدية من حيث إنّ الواقع في حكايات هذا المذهب مكان قوله : « فإن بقي المكلّف على صفات التكليف » « فإن بقي إلى آخر الوقت وهو على صفات التكليف » فهو يعتبر في وجوب ما وقع من الفعل أمرين كان مع

١٦٢

انتفائهما معا أو انتفاء أحدهما نفلا.

ويمكن تطبيق العبارة على هذا المعنى بنحو من التصرّف بحمل صفات التكليف على شرائط التكليف الّتي منها آخر الوقت على القول باختصاص الوجوب به.

وكيف كان فهذا القول محكي عن الكرخي ، وقد اختلفت عباراتهم في حكاية مذهبه.

فمنهم من حكى عنه نظير ما في العبارة المتضمّن للحكم باختصاص الوجوب بالآخر ، مع الحكم بوجوب ما وقع منه قبله على تقدير بقائه إليه على صفات التكليف ، كما في شرح المنهاج ومحكي الأحكام.

ومنهم من حكى عنه ما لا تعرّض فيه لذكر اختصاص الوجوب بالآخر كما في محكي النهاية والمصرّح به في المنية قال : « ومنهم من قال : بأنّ الفعل المؤدّى في أوّل الوقت لا نعلم لكونه واجبا أو مندوبا بل يراعى فيه آخر الوقت ، فإن أدركه الفاعل وهو على صفات المكلّفين كان ما أتى به واجبا وإلاّ كان نفلا ، وهو منقول عن ابن عبّاس الكرخي ».

وقريب منه ما في بيان المختصر من قوله : « قال الكرخي : انّ الصلاة المأتيّ بها في أوّل الوقت موقوفة ، فإن أدرك المصلّي آخر الوقت وهو باق على صفة المكلّفين فما قدّمه واجب ، وإن لم يدرك آخر الوقت أو أدرك ولم يبق على صفة المكلّفين فما قدّمه نفل ».

ومنهم من حكى عنه كأبي الحسين البصري على ما في كلام بعض الأفاضل القول « بأنّه إن أدرك المصلّي آخر الوقت وهو على صفة التكليف كان ما فعله مسقطا للفرض ، وإلاّ كان فرضا » وهذا كما ترى على عكس سابقه.

ومنهم من حكى عنه كأبي بكر الرازي ـ على ما في كلام الفاضل المشار إليه ـ القول بأنّ الصلاة يتعيّن وجوبها بأحد شيئين ، إمّا بأن يفعل أو بأن يتضيّق وقتها.

وكأنّ الاختلاف في حكايات مذهبه نشأ عن الاختلاف في فهم عبارته في بيان مذهبه من جهة ما فيه من التشويش والاضطراب.

وهذا القول مع وضوح سخافته ربّما يشكل الحال في تصويره ، بل العبارة الاولى من حكاياته غير خالية في ظاهرها عن نوع تدافع ، فإنّ قضيّة اختصاص الوجوب بآخر الوقت عدم اتّصاف ما وقع في غيره بالوجوب ، كما أنّ قضيّة اتّصافه به عدم اختصاصه بالآخر ، وقد جمع في العبارة بين الحكمين المتدافعين.

١٦٣

ويوجّه تارة : بأنّ ما يختصّ بالآخر إنّما هو الوجوب بمعنى استحقاق العقوبة على التأخير ، فلا ينافيه اتّصاف ما وقع في غيره بالوجوب بمعنى آخر.

واخرى : بأنّ معنى اختصاص الوجوب بالآخر اختصاص كونه ظرفا للوجوب أو كاشفا عن سبق الوجوب ، فإنّ المكلّف إن بقي إليه وهو على صفة التكليف ولم يكن آتيا بالفعل قبله كان ظرفا للوجوب.

وإن كان آتيا به قبله كان كاشفا عن سبق الوجوب ، وإن لم يبق إليه على صفة التكليف لم يكن ظرفا ولا كاشفا.

وثالثة : بأنّه إنّما يقول باختصاص الوجوب به إذا بقي إليه وهو على صفات المكلّفين لم يكن أدّى الفعل في غيره لا مطلقا.

ورابعة : بأنّ كون ما وقع في غير الآخر واجبا تسمية من باب التجوّز لقيامه مقام الواجب من جهة كونه مسقطا له ، وإلاّ فالواجب في الحقيقة ما يقع في الآخر.

وأنت خبير بما في هذه التوجيهات من الوهن وكونها بالقياس إلى القول المذكور توجيها بما لم يرض به صاحبه.

أمّا الأوّل : فينفيه ما اعتمد عليه المنكرون للتوسعة من الدليل العامّ المقرّر بما تقدّم ، من أدّاء التوسعة في الوقت إلى جواز ترك الواجب الموجب لخروجه عن كونه واجبا ، وهذا كما ترى يقضي بأنّ الوجوب المتنازع في عمومه لتمام الوقت أو اختصاصه بجزء معيّن منه إنّما هو الوجوب بالمعنى المتضمّن لطلب الفعل مع المنع عن الترك المنافي لجواز الترك ، فيكون مراد من خصّه بآخر الوقت الوجوب بهذا المعنى ، وإن استلزم ذلك استحقاق الذمّ والعقوبة بالترك ، فحمله على مجرّد الاستحقاق إخراج له عن المتنازع فيه ، واذا حملناه على المعنى المتنازع فيه يلزم ما ذكر من التدافع.

وأمّا الثاني : فينفيه عدم جدواه في دفع الإشكال ، لأنّ الظرفيّة للوجوب على تقدير بقاء المكلّف إلى آخر الوقت على صفات التكليف مع عدم إقدامه على الفعل لا اختصاص لها بآخر الوقت ، كما هو قضيّة القول بكونه كاشفا عن سبق الوجوب على تقدير الإقدام ، فإنّ مبنى هذا الكلام على ثبوت الوجوب في تمام الوقت بشرط بقاء المكلّف إلى آخره على صفات التكليف ، غايته أنّه لو اتّفق له على هذا التقدير الإقدام على أداء الفعل فيما قبله انقطع الوجوب ولا يعقل معه بقاؤه إلى آخر الوقت ليكون ظرفا له ، ولو لم يتّفق له

١٦٤

الاقدام إلى آخر الوقت بقي الوجوب إليه ، فيكون الظرفيّة حينئذ وصفا مشتركا بينه وبين سائر الأجزاء ، فخرج عنوان اختصاص الوجوب بالآخر بلا مصداق أو متشاغلا بما يناقضه ، إذ المفروض وقوع إطلاقه في صورة كون الآخر كاشفا عن سبق الوجوب على سبيل التجوّز.

وأمّا الثالث : فينفيه أنّ اعتبار القيود الثلاث في صدق عنوان الاختصاص مشترك بين هذا القول وسابقه المحكيّ عن بعض الحنفيّة ، إذ لا نظنّ أنّه يدّعي تعلّق الوجوب مع عدم إدراك آخر الوقت أو إدراكه مع عدم بقاء صفات التكليف ، ولا أنّه يدّعي بقاءه على تقدير حصول الفعل قبل الآخر ، بل هو مصرّح بكونه على تقدير الحصول قبل آخر الوقت نفلا يسقط به الفرض.

وهذا هو محلّ الخلاف بينهما من حيث إنّ هذا القائل يجعله واجبا وهو مناف لقوله بالاختصاص على سبيل الإطلاق ، والتزام التقييد في بعض فقرات العبارة المحكيّة مع ورودها في الحكاية مطلقة ليس بأولى من التزام الخطأ في فهم دعوى الاختصاص عن أصل العبارة الصادرة عن هذا القائل ، ويرشد إليه خلوّ جملة من حكايات مذهبه عن دعوى الاختصاص كما عرفت.

وأمّا الرابع : فينفيه أنّه لو صحّ ذلك لقضى بكون الخلاف بين هذا القول وسابقه لفظيّا ، ضرورة أنّ اتّصاف ما حصل قبل آخر الوقت بالوجوب من الجهة المذكورة ممّا لا ينكره أصحاب القول السابق ، فإنّه نفل في الحقيقة ولا مانع من تسميته بالواجب لأجل قيامه مقام الواجب ، وهو كما ترى بعيد غاية البعد.

والّذي يختلج بالبال في حلّ الإشكال أن يقال : إنّ الوقت في الواجبات الموقّتة من شرائط الوجوب كما عرفت سابقا.

ومحصّل الخلاف في إمكان التوسعة وعدمه يرجع إلى أنّ كلّ جزء من الوقت المحدود هل هو شرط مستقلّ للوجوب بعنوان البدليّة أو لا؟ بل الشرط جزء معيّن منه وهو الأوّل كما عليه أصحاب القول الأوّل ، أو الآخر كما عليه الآخرون ، فهؤلاء متوافقون على أنّ شرط الوجوب هو الآخر غير أنّهم متخالفون في جعله من باب العلّة المحدثة أو من باب العلّة الكاشفة ، لا بمعنى أنّ الشرط على هذا التقدير هو نفس الآخر من حيث هو ليلزم تقدّم المشروط على شرطه ، بل بمعنى أنّ الشرط في الحقيقة هو كون المكلّف ممّن يلحقه آخر الوقت ، وهذا الشرط على تقدير بقائه إلى آخر الوقت مقارن لمشروطه في الحصول ،

١٦٥

فإدراك آخر الوقت علّة محدثة للوجوب عند بعض الحنفيّة وعلّة كاشفة عن تحقّق شرطه في الواقع الموجب لسبق الوجوب من حين تحقّق شرطه عند الكرخي.

وبهذا الاعتبار يصحّ أن يقال : بأنّ الوجوب مختصّ بآخر الوقت لما في إضافة الأمر الاعتباري ـ الّذي هو شرط الوجوب ـ إليه مدخليّة تامّة في عروض وصف الشرطيّة وتحقّق عنوان السببيّة ، فالحكم باختصاص الوجوب بالآخر حينئذ إنّما هو من جهة كون الآخر محقّقا لموضوع الشرطيّة ومحلّ السببيّة ، كما أنّ الحكم بذلك على مذهب بعض الحنفيّة إنّما هو من جهة كون الآخر بنفسه موضوعا للشرطيّة ومحلاّ للسببيّة.

ويمكن أن يقال : إنّ شرط الوجوب عند الكرخي هو مجموع أجزاء الوقت المحدود من حيث المجموع ، لا كلّ جزء على الاستقلال ولا بعض منها على التعيين ، وظاهر أنّ المشروط حينئذ لا تحقّق له إلاّ بعد تحقّق شرطه بجميع أجزائه ، فالمكلّف ما لم يلحقه آخر الوقت لا يعلم بالوجوب وإذا لحقه يعلم بسبقه ، لا لأنّ الشرط هو نفس الهيئة الاجتماعيّة ليلزم تحقّق المشروط قبل تمام شرطه ، بل لأنّ الشرط كونه ممّن يلحقه تلك الهيئة الاجتماعيّة ، فحينئذ يصحّ الحكم باختصاص الوجوب بآخر الوقت من جهة كونه الجزء الأخير من علّة الوجوب ، والجزء الأخير من العلّة كنفس العلّة في صحّة استناد المعلول إليه.

فلذا ترى أنّه ينوط به وجودا وعدما كما ينوط بنفس العلّة وجودا وعدما.

هذا ، ولكن لا يذهب عليك أنّ القول بكلّ من التوجيهين لا يلائم القول بامتناع التوسعة في الوقت ولا دليله ، مع أنّه يعدّ عندهم من المذاهب المتفرّعة على هذا القول ، وذلك لأنّ ما يظهر بإدراك آخر الوقت على صفات التكليف من سبق الوجوب نوع توسعة في وقت أداء الواجب ووجوبه ، ولا يجري معه دليلهم العامّ الّذي استندوا إليه في إنكار التوسعة من أدائها إلى جواز ترك الواجب ، لأنّ قضيّة هذا الدليل نفي هذا النوع من التوسعة أيضا.

إلاّ أن يقال في دفع الأوّل : بأنّ معنى التوسعة المتنازع فيها على ما أشرنا إليه استقلال كلّ جزء ممّا يسع الفعل من أجزاء الوقت في الشرطيّة للوجوب.

ولا ريب أنّ القول المذكور إنكار للتوسعة بهذا المعنى ، والّذي تضمّنه من التوسعة ليس من المتنازع فيه في شيء.

ويظهر الفائدة بينه وبين القول بالتوسعة بالمعنى المتنازع فيه في أمور :

١٦٦

منها : مصادفة المكلّف لعدم إدراك آخر الوقت وإن جامع سائر شرائط التكليف قبله ، فإنّه قادح في وجوب الفعل فيما سبق على هذا القول وغير قادح على القول بالتوسعة إذا كان على سائر شرائط التكليف.

ومنها : الظنّ أو العلم بالموت أو اتّفاق عذر آخر قبل آخر الوقت ، فإنّه لا يوجب عصيانا بالتأخير ولا ينشأ منه أثر على الأوّل دون الثاني.

ومنها : جواز نيّة الفرض بأداء الفعل قبل آخر الوقت على الثاني دون الأوّل وإن صادف في الواقع وجوبه كما لو كان في موضع إدراك آخر الوقت.

وفي دفع الثاني : بجواز كون الدليل المذكور مستندا لهذا القول أيضا ، بناءا على احتمال أنّه توهّم عن أصحاب القول بالتوسعة أنّهم أرادوا باستقلال كلّ جزء في الشرطيّة ما يستلزم الوجوب العيني للفعل في كلّ جزء يصدق عليه عنوان الشرطيّة ، فذكر في ردّه بأنّه باطل لإفضائه إلى جواز ترك الواجب وخروجه عن كونه واجبا.

فيردّه حينئذ : أنّ الفرار عن هذا المحذور لا يقتضي إناطة شرط الوجوب بإدراك آخر الوقت أو بالهيئة الاجتماعيّة من أجزاء الوقت ، لارتفاعه أيضا بجعل كل جزء مستقلاّ في الشرطيّة بعنوان البدليّة ، وأصحاب القول بالتوسعة أيضا أرادوا هذا المعنى لا استقلال كلّ جزء في الشرطيّة بعنوان العينيّة المستلزم لعينيّة الوجوب في كلّ جزء ، فلا محذور في مقالتهم ليوجب الفرار عنه المصير إلى ما يخالفها.

وعلى أيّ حال كان فمذهب الكرخي في تقريره الأوّل مع سخافته وابتناء تصحيحه على تكلّف واضح ممّا لم ينقل عليه ـ بعد ما تقدّم من الدليل العامّ ـ حجّة تقضي به على جهة الخصوصيّة.

وعلى هذا القياس تقريره الثاني وإن كان خالصا عن حزازة التدافع.

وأمّا تقريره الثالث فهو صريح في اعتبار الضيق في المأمور به المتحقّق بأحد الأمرين من وصول آخر الوقت ومصادفة العذر الرافع للتكليف في أثنائه.

وأمّا تقريره الرابع فالظاهر أنّه اشتباه نشأ في فهم مقصوده ، وإلاّ فهو بظاهر الحكاية لا ينافي مذهب أصحاب القول بالتوسعة ، إذ لا ينكر أحد أنّ الواجب الموسّع يتعيّن وجوبه بأحد الأمرين من الفعل ولحوق آخر الوقت ، بناءا على أنّ المراد بالفعل في أحد الأمرين مجرّد الشروع فيه لا الهيئة الحاصلة بعد الفراغ ، فإنّه حينئذ ممّا لا يعقل اتّصافه بالوجوب

١٦٧

والحقّ تساوي جميع أجزاء الوقت في الوجوب ، بمعنى أنّ للمكلّف الاتيان به في أوّل الوقت ، ووسطه ، وآخره ، وفي أي جزء اتّفق إيقاعه كان واجبا بالأصالة ، من غير فرق بين بقائه على صفة التكليف ، وعدمه. ففي الحقيقة يكون راجعا إلى الواجب المخيّر*

________________________________

لئلاّ يفضي إلى تحصيل الحاصل ، فكيف يقال بتعيّن الوجوب فيه ، ولعلّ الإعراض عن ذلك بجميع تقاديره أولى وأهمّ.

* وكأنّه أراد به رجوعه إليه من حيث الحكم والثمرة لا من حيث الإسم والماهيّة ، ضرورة أنّ اختيار الأداء والامتثال في كلّ منهما موكول إلى المكلّف ، وإن كان ذلك في أحدهما بحكم العقل فيما بين أفراد ما تعلّق به الوجوب وفي الآخر بنصّ الشرع فيما بين أمور كلّية تعلّق بكلّ منها الوجوب على قيد الخصوصيّة مع إلغاء جهة التعيين ، غير أنّه تأبى عن ذلك عبارته الآتية في ذيل المسألة القاضية بانحصار الفرق بينهما فيما ذكره ثمّة.

وقد سبقه إلى نظير هذه العبارة بيان المختصر حيث قال : « الواجب الموسّع راجع عند التحقيق إلى الواجب المخيّر ، إذ الصلاة المؤدّاة في كلّ جزء من أجزاء الوقت غير المؤدّاة في غيره بحسب الشخص ، والواجب هو أحد الأشخاص المتمايزة بالأوقات من حيث هو أحدها لا بعينه كخصال الكفّارة ». وقريب منهما ما في شرح المنهاج من قوله : « الواجب الموسّع مثل الواجب المخيّر في التخيير ، فإنّ المكلّف مخيّر بين أفراد الفعل في المخيّر ومخيّر بين أجزاء الوقت في الموسّع »

فإن أرادوا به مجرّد التشبيه وبيان كون الموسّع جاريا مجرى المخيّر في الحكم فلا كلام معهم بل هو كذلك كما عرفت ، وإن أرادوا ما زاد على ذلك فهو متّضح المنع بل واضح الفساد ، لوضوح الفرق بين المخيّر وغيره فإنّ تخييره شرعيّ وفي غيره عقليّ.

وملاك الفرق بينهما : أنّ الخصوصيّات ملحوظة في الأوّل على جهة التفصيل ووصف الوجوب حاصل فيها بقيد الخصوصيّة على نحو البدليّة المتولّدة عن إلغاء جهة التعيين عن كلّ منها بالنظر إلى مقام الامتثال الراجع في الحقيقة إلى بيان أنّ كلاّ مطلوب فعله وممنوع تركه حال اختيار ترك صاحبه ، وليس بمطلوب فعله ولا ممنوع تركه حال اختيار فعل صاحبه ، بل لا يساعد الوجدان عند إنشاء التخيير إلاّ إلى هذا المعنى ، ولا ينساق غيره من

١٦٨

وهل يجب البدل؟ وهو العزم على أداء الفعل في ثاني الحال ، إذا أخّره عن أوّل الوقت ووسطه.

________________________________

الخطاب الوارد فيه كما سبق تفصيل القول فيه في محلّه ، بخلاف الخصوصيّات في غيره حتّى ما لو كان منه موسّعا ، فإنّها غير ملحوظة فيه أصلا ولم يتعلّق الوصف بشيء منها رأسا ، بل الملحوظ أصالة هو الجامع بينها المعبّر عنه بالكلّي ، وهو الّذي تعلّق به الطلب الحتمي ومنع عن تركه ، ولمّا كان ذلك من حيث كونه ملحوظا لا بشرط شيء من تلك الخصوصيّات قابلا لأن يتحقّق في ضمن كلّ واحدة منها على جهة البدليّة ولم يتحصّل له بحسب الخارج وجود مع تعريته عنها بأسرها وكان واحدة منها لا بعينها من لوازم وجوده في الخارج فيثبت بينها تخيير بحكم العقل ، فيكون ذلك التخيير مشاركا للتخيير الشرعي فيما هو من لوازمه ، وهو كون الإتيان بأيّ منها إذا اختاره المكلّف موجبا لامتثال الأمر ، وإن كان ذلك في التخيير الشرعي من جهة كون المأتيّ به نفس المأمور به وفي العقلي من جهة انطباقه على المأمور به ، من غير فرق في ذلك بين كونها متمايزة بأجزاء الوقت والزمان أو بأجزاء الحيّز والمكان ، أو بغيرها من الاعتبارات الراجعة إلى الشخص الخارجة عن الماهيّة العارضة لها من باب العرض المفارق.

فما ذكره المصنّف في ذيل المسألة من أنّ الفرق بين التخيير في الموضعين أنّ متعلّقه في الخصال الجزئيّات المتخالفة الحقائق وفيما نحن فيه ـ يعني به الموسّع ـ الجزئيّات المتّفقة الحقائق ، ليس على ما ينبغي.

كما أنّ ما ظهر عمّا نقلناه عن شرح المنهاج الّذي أشار إليه المصنّف أيضا من أنّ الفرق بينهما أنّ المكلّف في المخيّر مخيّر بين أفراد الفعل وفي الموسّع مخيّر بين أجزاء الوقت ، ليس على ما ينبغي إن كان مرادهما بذلك انحصار الفرق ، وإلاّ فلا نزاع.

وكأنّ الّذي دعاهم إلى ذلك على تقدير إرادة الانحصار وإرجاع الموسّع إلى المخيّر بعنوان الحقيقة مصيرهم في الأحكام إلى تعلّقها بالأفراد لا الطبائع كما يشهد به ظاهر عبارة المصنّف فيما عرفت ، بل هو صريح ما ذكره في ردّ الأخيرة من شبهات القائل بالتخيير في الموسّع بين الفعل والعزم ، من أنّ أجزاء الوقت في الموسّع باعتبار تعلّق الأمر بكلّ واحد منها على سبيل التخيير يجري مجرى الواجب المخيّر.

* ظاهر جماعة كالعبارة أنّ ذلك تفريع على القول بالتوسعة ووقوع الموسّع وأنّ

١٦٩

القول بوجوب العزم بدلا عن الفعل في كلّ جزء يؤخّر ايقاعه فيه غير مرتبط بمذهب المنكرين لهما.

وستعرف أنّ للقول بوجوب العزم حيثيّتين يرتبط في أحدهما بمذهب أصحاب القول بالتوسعة وفي الاخرى بمذهب المنكرين لها.

وكيف كان فالبدليّة وصف يلاحظ بين شيئين فصاعدا إذا قام كلّ مقام الآخر ، ويستلزم في موارد التكليف التخيير الّذي يرجع بالأخرة إلى تجويز ترك أحد الشيئين على تقدير فعل الآخر والمنع عن تركه على تقدير ترك الآخر.

فبهذا الاعتبار يعبّر عن أحدهما بـ « البدل » من حيث قيامه مقام صاحبه في افادة الامتثال واسقاط الأمر. وعن الآخر بـ « المبدل » من حيث إنّه قام صاحبه مقامه.

وقد جرى ديدنهم في هذا التفريع بتسمية العزم بدلا والفعل مبدلا ، ولكن في تشخيص ذلك المبدل نوع اشتباه ، حيث ورد ذكره في كلامهم مجملا مع كونه محتملا لوجوه لا يستقيم فرض البدليّة حسبما زعمه أصحاب القول بها إلاّ مع بعضها ، فإنّ ما يفرض كونه مبدلا إمّا نفس الفعل الّذي تعلّق به الأمر القابل لإيقاعات جزئيّة على حسب أجزاء الوقت المضروب له أو أجزاء ما هو من لوازم وجوده ، أو إيقاعه في الجزء الأوّل ثمّ الجزء الثاني ثمّ الجزء الثالث وهكذا إلى أن يتضيّق الوقت على وجه يكون العزم في كلّ لاحق بدلا عن إيقاع الفعل في سابقه وله اعتباران :

أحدهما : أن يكون في عروض وصف المبدليّة له فردا من المأمور به الكلّي متميّزا بأجزاء الوقت ، بمعنى كون العزم بدلا عنه من حيث إنّه من أفراد الفعل الّذي تعلّق به الأمر المتمايزة بأجزاء الوقت من غير أن يعتبر بالقياس إليه أمر ولا حكم آخر غير ما ثبت له من عنوان الفرديّة.

وثانيهما : أن يكون في عروض ذلك الوصف له ممّا حصل له عنوان آخر مأمور به غير ما هو عنوان أصل الفعل الّذي أمر به ، وهو التعجيل والمسارعة إلى فعل المأمور به ، بمعنى وقوع العزم بدلا عن واجب آخر غير المأمور به منطبق على فرده المتميّز بأجزاء الوقت وهو الفور والبدار إلى فعل المأمور به.

والأوّل باطل وإن اسند إلى ظاهر السيّد إرادته ، للإجماع على أنّ مجرّد حصول العزم مكان الفعل لا يوجب سقوط الأمر بذلك الفعل ، ومن أحكام البدليّة الناشئة عن التخيير أن

١٧٠

يكون كلّ من المعادلات إذا حصل كافيا في حصول الامتثال وسقوط الأمر وارتفاع التكليف بالمرّة كما في خصال الكفّارة ونحوها.

ومثله الثاني في البطلان بتقريب ما ذكر ، فإنّ الايقاع الجزئي من ايقاعات الفعل وإن لم يكن بنفسه مأمورا به ـ بناءا على أنّ الحكم إنّما تعلّق بالطبيعة المعرّاة عن تلك الإيقاعات وملاحظتها ـ غير أنّه يوجب الامتثال والخروج عن عهدة التكليف من جهة انطباقه على المأمور به الكلّي ، فلو صحّ بدليّة العزم عنه لوجب كونه كافيا في الخروج عن عهدة التكليف بما هو فرد له كما أنّه بنفسه كاف في ذلك ، والتالي باطل بالإجماع والمقدّم مثله.

فتعيّن أن يكون مرادهم بما يقع مبدلا ما ذكر في الوجه الثالث ، كما تنبّه عليه بعض الأفاضل وإن كان عباراتهم في نقل ذلك المذهب خالية عن التصريح بذلك ، فحينئذ يبقى أصل الفعل واجبا بلا بدل كما أنّه يبقى كلّ واحد من أفراده يبقى خاليا عن البدل.

والّذي يفرض العزم بدلا عنه إنّما هو الفور والبدار إلى فعل المأمور به الّذي هو بنفسه واجب.

وعلى هذا فلا وقع لما ذكره غير واحد في دفع هذا القول ، منهم شارح المنهاج بقوله : « لو كان العزم صالحا لبدليّة الفعل الواجب لتأدّى الواجب به وسقط عنه ، إذ البدل ما يقوم مقام المبدل ، لكن لا يتأدّى الواجب به إتّفاقا » وكأنّهم فهموا من كلامه ارادة المعنى الأوّل كما استظهره بعض الأفاضل من كلام السيّد ، أو أنّهم غفلوا عن احتمال إرادة المعنى الأخير ولم يلتفتوا إليه.

وممّا ذكر تبيّن أنّ القول ببدليّة العزم لا يكاد ينضبط إلاّ باحراز مقدّمتين :

إحداهما : وجوب الفور والبدار مع كلّ واجب موسّع.

وثانيتهما : ثبوت التخيير بينه وبين العزم ليتولّد منه حكم البدليّة.

وستعرف أنّ كلاّ منهما في محلّ المنع وموضع الفساد ، كما تبيّن من هنا أيضا أنّ القول ببدليّة العزم ـ بناءا على احتمال الوجه الأخير ـ مبنيّ على إنكار الموسّع بالمعنى الأخصّ ومصير إلى اثبات التضيّق بالمعنى الأعمّ.

وبهذا يفارق عن القول باختصاص الوجوب بأوّل الوقت من حيث إنّه مصير إلى التضيّق بالمعنى الأخصّ ، فهذا القائل يوافق أصحاب القول بالتوسعة في مصيره إلى التوسعة في وقت الأداء وإن كان يخالفهم في اعتبار الضيق بالنسبة إلى الرخصة ، ويوافق أصحاب القول بالاختصاص بالأوّل في مصيره إلى عدم الرخصة في التأخير وإن كان يخالفهم في القول

١٧١

قال السيّد المرتضى : نعم ، واختاره الشيخ رحمه الله على ما حكاه المحقّق عنه ، تبعهما السيّد أبو المكارم ابن زهرة ، والقاضي سعد الدين بن البرّاج ، وجماعة من المعتزلة*.

________________________________

ببقاء وقت الأداء ، فهو قائل بالتوسعة من جهة ومنكر لها من اخرى كما أشرنا إليه.

وربّما يحكى جعل العزم في حكم البدليّة جزءا من البدل ، بدعوى : أنّ بدل الفعل في أوّل الوقت هو العزم على الفعل في ثانيه مع أدائه فيه ، ثمّ العزم على الفعل فيه مع أدائه فيه (١) بدل من الفعل في ثاني الوقت ، وهكذا فيكون الفعل في آخر الوقت مع ما تقدم عليه من العزم على الفعل في ثاني الحال وثالثه إلى آخر الوقت بدلا عن الفعل في ثاني الوقت.

ولا يخفى على المتأمّل سخافة ذلك وبعده عن كلماتهم بمراحل ، ولذا أورد عليه بعض الأفاضل. « بأنّه ـ مع مخالفته لظواهر كلماتهم إذا جعل الفعل في ثاني الحال وثالثه مثلا بعضا من البدل ـ فأيّ مانع من كونه هو البدل على الاستقلال من غير حاجة إلى ضمّ العزم إليه ».

* والمعروف في كتب العامّة إسناد هذا القول إلى القاضي أبي بكر الباقلاني على ما ضبطه البهائي في حواشي زبدته.

وفي التهذيب والمنية إسناده إلى الجبّائيين أيضا.

وقوّاه البهائي في زبدته مستظهرا في حواشيها عن كلام السيّد في الذريعة دعوى كونه مذهبا لأصحابنا الإماميّة ، فقال : « وحاصل كلام المرتضى في الذريعة أنّ للعلماء في هذه المسألة ثلاثة أقوال :

الأوّل : الوجوب في أوّل الوقت.

الثاني : الوجوب في آخره.

الثالث : الوجوب في كلّ الوقت مخيّرا بين الفعل والعزم إلى أن يبقى مقدار الفعل فيتعيّن ، وجعل القول بالمراعاة مندرجا تحت القول الثاني.

وأهمل الرابع القول الّذي ذهب إليه بعض المتأخّرين كالحاجبي والعلاّمة والمحقّق ، وإهماله لذلك يشعر بأنّه لم يكن معروفا في عصره ، وكذا حصره أقوال العلماء في الثلاثة وقوله بعد ذلك : « لا يجوز عندنا تأخير الصلاة عن أوّل الوقت إلاّ ببدل هو العزم » صريح

__________________

(١) كذا في الأصل.

١٧٢

والأكثرون على عدم الوجوب ، ومنهم المحقّق والعلاّمة رحمهما الله* (١) وهو الأقرب.

فيحصل ممّا اخترناه في المقام دعويان.

لنا على الأولى منهما : أنّ الوجوب مستفاد من الأمر ، وهو مقيّد بجميع الوقت. لأنّ الكلام فيما هو كذلك. وليس المراد تطبيق أجزاء الفعل على أجزاء الوقت ، بأن يكون الجزء الأوّل من الفعل منطبقا على الجزء الأوّل من الوقت ، والأخير على الأخير ؛ فإنّ ذلك باطل إجماعا. ولا تكراره في أجزائه ، بأن يأتي بالفعل في كلّ جزء يسعه من أجزاء الوقت. وليس في الأمر تعرّض لتخصيصه بأوّل الوقت أو آخره ولا بجزء من أجزائه المعيّنة قطعا ، بل ظاهره ينفي التخصيص ضرورة دلالته على تساوي نسبة الفعل إلى أجزاء الوقت.

فيكون القول بالتخصيص بالأوّل أو الآخر تحكّما باطلا. وتعيّن القول بوجوبه على التخيير في أجزاء الوقت. ففي أيّ جزء أدّاه فقد أدّاه في وقته.

وأيضا : لو كان الوجوب مختصّا بجزء معيّن ، فإن كان آخر الوقت ، كان المصلّى للظهر مثلا في غيره مقدّما لصلاته على الوقت ؛ فلا تصحّ ، كما لو صلاّها قبل الزوال. وإن كان أوّله ، كان المصلّي في غيره قاضيا ، فيكون بتأخيره له عن وقته عاصيا ، كما لو أخّر إلى وقت العصر ، وهما خلاف الإجماع.

ولنا على الثانية : أنّ الأمر ورد بالفعل ، وليس فيه تعرّض للتخيير بينه وبين العزم** (٢) ، بل ظاهره ينفي التخيير ، ضرورة كونه دالاّ على وجوب الفعل بعينه.

________________________________

في أنّ القول الثالث هو مذهب أصحابنا الإماميّة رضي الله عنهم وإلاّ لبطل حصر أقوال العلماء في الثلاثة » انتهى.

وحكاه بعض الأفاضل عن تلميذه الفاضل الجواد ، وعنه أيضا أنّه عزاه إلى أكثر أصحابنا.

(١) * نسبه بعض الأعاظم إلى المعظم واختاره وعليه بعض الأعلام وغيره ممّن تأخّر عنه ، واختاره السيّد في المنية تبعا لشيخه في التهذيب وغيره ، وعزاه إلى أبي الحسين البصري وفخر الدين وأكثر المحقّقين وهو المختار.

(٢) ** احتجاج على عدم وجوب العزم بدلا عن الفعل حسبما توهّمه الجماعة ، والحجّة

١٧٣

ترجع إلى قياس استثنائي وارد في القضيّة المأخوذة على حدّ منع الخلو.

ومحصّله أنّه لو وجب العزم تخييرا بينه وبين الفعل في أوّل الوقت فإمّا أن يكون ذلك بدلالة أصل الأمر الوارد بذلك الفعل أو بدلالة خارج عليه ، ولا سبيل إلى شيء منهما.

أمّا الأوّل : فلأنّ الأمر في الدلالة على التوسعة ورد مطلقا ولم يكن في الدلالة على جواز تأخير الفعل عن أوّل الوقت إلى آخره مقيّدا بما يقضي ببدليّة العزم واشتراط جواز تأخيره بالعزم عليه في ثاني الحال ليلزم منه ثبوت التخيير بينهما ، بل هو من جهة تعلّقه بما لم يؤخذ معه ما أوجب سقوط جهة التعيين عنه وعدم اعتبارها معه كما في الأمر بالخصال ظاهر في نفي التخيير ودالّ على وجوب الفعل بعينه.

وأمّا الثاني : فلعدم قيام دليل من العقل والنقل على أنّ العزم واجب تخييرا بينه وبين الفعل ، وعدم الدليل في مثله دليل العدم ، مضافا إلى أنّ الأصل عدمه من جهات عديدة ، والوجوه الّتي استندوا إليها لوجوبه على نحو البدليّة كلّها مدخولة لا تنهض دليلا عليه.

وبما قرّرناه يندفع ما أورده البهائي على الاستدلال لخلوّ الأمر عن الدلالة على البدليّة ، وعلى ما ذكره العلاّمة في المختلف في إبطال مذهب المرتضى ـ من أنّ وجوب الموسّع لا يستلزم وجوب العزم ، وإنّما وجوب العزم مستفاد من أحكام الإيمان لا من وجوب الموسّع ـ : « بأنّ خلوّ الأمر عنها لا يمنع ثبوتها لدليل » وأنّ السيّد لم يقل بأنّ وجوب العزم مستفاد من وجوب الموسّع وإنّما استفاده من لزوم خروج الواجب عن كونه واجبا » فإنّ هذا الدليل كغيره من أدلّة هذا القول عليل ولا يصلح دليلا على الحكم المخالف للظاهر والاصول لما سيتبيّن بعد ذلك إن شاء الله.

واستدلّ على ذلك أيضا بوجوه :

منها : أنّ البدل لا بدّ وأن يكون مساويا لمبدله في جميع الامور المعتبرة وإلاّ لم يكن بدلا عنه لأنّه قائم مقامه ، ولا يعقل إلاّ إذا اعتبر فيه جميع ما هو معتبر في المبدل والعزم ليس منه ، لأنّ الفعل مسقط للتكليف وهو لا يسقطه فلا يكون بدلا.

ومنها : أنّ البدل لا بدّ وأن يوافق مبدله في العدد وإلاّ يستحيل كونه بدلا ، لأنّ وجوب البدل على حدّ وجوب المبدل ، فحينئذ إن وجب العزم في الوسط أيضا لزم مخالفة البدل من جهة تعدّده للمبدل من جهة اتّحاده ، وإلاّ فإن وجب الفعل في الوسط لزم التكرار في الأمر ، وإن لم يجب لزم سقوطه في الأوّل ببدليّة العزم ، والكلّ باطل.

١٧٤

ومنها : أنّ العزم لو صحّ كونه بدلا لم يجز فعله مع القدرة على المبدل ، كسائر الأبدال مع مبدلاتها.

ومنها : أنّ العزم من أفعال القلب ولم يعهد في الشريعة جعل أفعال القلب بدلا عن أفعال الجوارح.

ومنها : أنّه لو أخّر الصلاة عن أوّل الوقت مع الغفلة عن العزم كان عاصيا بترك الأصل وبدله.

ومنها : أنّا نقطع بأنّ من صلّى الظهر مثلا في أثناء الوقت كان ممتثلا بما امر به ، وليس ذلك إلاّ لكون المأتيّ به صلاة بخصوصها لا لكونها بدلا عن العزم ، ولو كان القول بالبدليّة صحيحا لكان الامتثال بسبب كونها بدلا.

وقد يقرّر ذلك : بالقطع بأنّ الامتثال بالفعل إنّما يحصل من غير جهة البدليّة.

ومنها : أنّ العزم على الفعل من أحكام الإيمان فيثبت مع ثبوته وينتفي مع انتفائه فهو واجب مطلقا ، ولذا كان واجبا قبل الوقت.

ولا يخفى ما في جميع تلك الوجوه من الوهن وعدم انتهاضها دليلا على بطلان دعوى وجوب العزم.

أمّا الأوّل : فلما أشرنا إليه سابقا ، وحاصله هنا : أنّ ذلك إنّما يستقيم إذا كان المراد بالمبدل في كلام القائل ببدليّة العزم عنه نفس الفعل ، وأمّا إذا كان مراده إيقاعه في أوّل الوقت بعنوان البدار والمسارعة إليه فلا ، ضرورة أنّ البدار حينئذ مبدل يسقط التكليف به بالعزم على الفعل في ثاني الحال وثالثه وهكذا.

وقد يجاب عنه أيضا : بأنّ المبدل هنا هو الإيقاعات الجزئيّة إلى أن يتضيّق الوقت.

وفيه : إن اريد بالايقاعات ما يصدق عليها عنوان البدار والمسارعة فهو متّجه لرجوعه حينئذ إلى ما ذكرناه ، وإن اريد بها ما يصدق عليها عنوان الفرديّة فهو باطل لكونه كرّا على ما فرّ فإنّ العزم إذا كان بدلا عن الفرد لزم كونه قاضيا بامتثال الأمر أيضا ، لأنّ ذلك من أحكام المبدل والمفروض أنّ الفرد لم يتعلّق به الأمر على مذهب المجيب ، بل الأمر إنّما تعلّق بالكلّي وكون الفرد موجبا للامتثال من جهة انطباقه على ذلك الكلّي.

وأمّا الثاني : ففيه ـ مع ابتنائه على ما لعلّه ليس بمراد في المقام كما عرفت ـ منع استحالة مخالفة البدل لمبدله في العدد ، إذ لا نعقل مانعا من الشرع والعقل عن تعدّد البدل مع اتّحاد المبدل ، لأنّ ذلك حكم منوط بالتعبّد ، وكون وجوب البدل على حدّ وجوب

١٧٥

المبدل لا يقتضي ذلك ، بل غايته لزوم الموافقة في ماهيّة الوجوب وكيفيّته.

وقد يجاب أيضا : بمثل ما مرّ من أنّ المبدل هو الايقاعات فيتعدّد المبدل كتعدّد البدل ففيه : ما عرفت.

وأمّا الثالث : ففيه منع الملازمة ، فإنّها تسلّم في الأبدال الاضطراريّة كالتيمّم بدلا عن الوضوء والقعود بدلا عن القيام ونحو ذلك ، والبدليّة هنا عند القائل بها ـ كما يظهر من تشبيه المقام بخصال الكفّارة ومن استدلاله أيضا بأنّ العزم ثبت فيه حكم خصال الكفّارة ـ اختياريّة.

وقضيّة ذلك كون كلّ من الفعل والعزم بدلا من جهة ومبدلا من اخرى ، فلا يعتبر في مثل ذلك انتفاء القدرة على أحدهما في الاكتفاء بالآخر.

وأمّا الرابع ففيه : أنّ عدم ورود بدليّة فعل القلب عن فعل الجارحة في الشريعة في غير هذا المقام لا ينافي ورودها فيه إذا ساعد إليه الدليل فإنّه المتّبع ، فالشأن إنّما هو في ابطال ذلك الدليل ، وما ذكر في الاحتجاج لا يجدي بالنسبة إليه نفعا.

وأمّا الخامس ففيه : أنّه لو فرض الغفلة عن العزم على وجه تقارن الغفلة عن الفعل أيضا ، بمعنى كونه غافلا عن الفعل وعن بدله معا ، فانتفاء العصيان من جهة انتفاء التكليف لأنّ الغافل لا تكليف عليه ، ولو فرضت مع التذكّر للفعل فبطلان التالي ممنوع ، كيف ولزوم العصيان حينئذ لازم لمذهب من يقول بكون جواز تأخير الفعل عن أوّل الوقت مشروطا بالعزم عليه ، فالشأن حينئذ إنّما هو في منع الشرطيّة.

وأمّا السادس ففيه : أنّه لو اريد به أنّ البدل لا بدّ في كونه قائما مقام مبدله من كون وقوعه بقصد عنوان البدليّة ، فاعتبار ذلك في الأبدال على الإطلاق ممنوع ، وثبوت اعتباره في التيمّم بالدليل لا يقضي باعتباره في غيره كما هو الحال في خصال الكفّارة ، وقد تبيّن أنّ الخصم يقيس المقام عليها ، ولو اريد به أنّ الصلاة بعد وقوعها لا يصدق عليها عنوان البدليّة فهو محلّ منع على مذهب الخصم.

وأمّا السابع فأجاب عنه في الزبدة بأنّ : « كون العزم من أحكام الإيمان لا ينافي بدليّته في وقت » يعني وقت ترك الواجب.

وعلّله في الحاشية : « بجواز أن يكون الشيء واجبا في نفسه ومع هذا يصير بدلا عن واجب آخر في بعض الأوقات ، كمن نذر الاعتكاف فدخل شهر رمضان فينوب الصوم الواجب أصالة عن صوم الاعتكاف كما قاله بعضهم ».

١٧٦

ولم يقم على وجوب العزم دليل غيره ؛ فيكون القول به أيضا تحكّما ، كتخصيص الوجوب بجزء معيّن.

احتجّوا لوجوب العزم : بأنّه لو جاز ترك الفعل في أوّل الوقت أو وسطه ، من غير بدل ، لم ينفصل عن المندوب* (١) ؛ فلا بدّ من إيجاب البدل ليحصل التمييز بينهما. وحيث يجب ، فليس هو غير العزم ، للاجماع على عدم بدليّة غيره.

________________________________

(١) * هذه الحجّة بهذا التقرير مذكورة عن السيّد في كلام جماعة منهم السيّد في المنية.

وقد يقرّر ـ كما في الزبدة ـ « بخلوّ تركه عن بدل في الفجاءة ولا اثم فيخرج عن الوجوب ». ويمكن كونه حجّة اخرى غير ما ذكر.

وعلى أيّ حال كان فأجاب السيّد في المنية : « بمنع الملازمة مستندا إلى أنّ إيقاع الصلاة في الوقت إنّما ينفصل عن المندوب بكونه امتثالا للأمر الجازم بخلاف المندوب ، ومشاركته للمندوب في جواز الترك وحصول الثواب لا يقدح في وجوبه مع انفصاله عنه بما ذكرناه ».

وكان محصّل كلامه في الجواب : أنّ ما ذكروه بين الواجب والمندوب من الفرق بأنّ الأوّل ما لا يجوز تركه بلا بدل والثاني ما يجوز تركه بلا بدل فرق بينهما اصطلاحي ، وعدم بقاء الفرق بينهما بحسب الاصطلاح على تقدير عدم وجوب بدليّة العزم لا يقضي بعدم الفرق بينهما بحسب اللبّ والمعنى ، والأحكام منوطة بالامور اللبّية والمعنويّة لا الامور الاصطلاحيّة ، والفرق بينهما من هذه الجهة حاصل ولو مع عدم بدليّة العزم ، وهو أنّ الصلاة الواقعة في الوقت إنّما تقع بعنوان كونه إمتثالا للأمر الايجابي الحتمي الجازم بخلاف المندوب ، فإنّه يقع لا بهذا العنوان.

وإلى هذا يمكن تنزيل ما أجابه العلاّمة في المختلف عمّا نقله عن السيّد من الاحتجاج المذكور من منع الملازمة ، فما ذكره البهائي في حواشي الزبدة في ردّ ذلك بأنّ : « للبحث في هذا الجواب مجالا واسعا » ليس في محلّه.

ويمكن تنزيل كلام العلاّمة إلى ما ذكره جماعة منهم المصنّف في منع الملازمة وهو ـ على ما قرّره بعض الأعلام ـ : أنّه لا كلام لنا في الفرد الأخير وأمّا في الباقي فالبدل متحقّق وهو كلّ واحد من الجزئيّات المتمايزة بالوقت.

١٧٧

وبأنّه ثبت في الفعل والعزم حكم خصال الكفّارة ، وهو أنّه لو أتى بأحدهما أجزأ ، ولو أخلّ بهما عصى* (١) ، وذلك معنى وجوب أحدهما ؛ فيثبت.

________________________________

وهذا الجواب وإن كان بظاهره أمتن ممّا ذكره السيّد في المنية كما لا يخفى على المتأمّل ، إلاّ أنّ فيه أيضا عند التحقيق شيئا ، وهو أنّ اعتبار البدليّة فيما بين الجزئيّات المتمايزة بالوقت على نحو ما يعتبرها المستدلّ فيما بين الفعل والعزم مبنيّ على أحد الأمرين ، من تعلّق الأحكام بالأفراد أو استلزام التوسعة في الوقت التخيير الشرعي فيما بين أجزائه والجزئيّات المتمايزة بتلك الأجزاء ، والكلّ ممنوع كما عرفت سابقا ، مع ابتناء ذلك على تغيير في عبارة الدليل بأن يقال : لو جاز تركه بلا بدليّة العزم لم ينفصل عن المندوب.

والأولى في دفع الاحتجاج أن يقال : بأنّ دعوى كون الواجب ما لا يجوز تركه لا إلى بدل متين لا غبار عليه ، ولكنّه لا ينافي وجوب الموسّع على تقدير عدم بدليّة العزم ، لأنّ ما ذكر في الحدّ مفهوم له نوعان :

أحدهما : ما يجوز تركه إلى بدل كالمخيّر في التخيير الشرعي كما في الخصال.

وثانيهما : ما لا يجوز تركه رأسا ، لأجل أنّه لا بدل له في الشريعة كالواجب العيني ، ولا سيّما إذا كان مضيّقا بالمعنى الأخصّ ، والموسّع من هذا النوع فعدم كون العزم بدلا عنه لا يستلزم جواز تركه لئلاّ ينفصل عن المندوب.

فبجميع ما ذكرناه تبيّن أنّ أجوبة هذا الاحتجاج ثلاث ، غير الأخير منها ما وجدناه في كلام القوم كما عرفت.

وأمّا هو فلم نجد من تعرّض منهم لذكره ولعلّه أمتن وأسدّ.

وأمّا الجواب عمّا قرّره البهائي : فبأنّ الواجب على ما يساعد عليه النظر ما لا يجوز تركه لا إلى بدل ولا عن عذر ، والموت فجأة يصلح عذرا في المقام على ما هو المصرّح به في كلام غير واحد ، فلا يخرج الموسّع بلا بدليّة العزم عن الوجوب بسبب حصول تركه بالموت فجأة.

(١) * والجواب : أنّ لزوم العصيان بالترك في آخر الوقت مسلّم ولكنّه ليس من محلّ الكلام ، لكونه إخلالا بالواجب المعيّن لا فردي المخيّر ، وفي غيره ممنوع إن اريد مجرّد تركه مع عدم العزم عليه في ثاني الحال ، وإن اريد تركه مع العزم على عدم الفعل رأسا فهو كما لو تركه في آخر الوقت فإنّ العصيان إنّما هو على ترك الواجب المعيّن خاصّة ، فلو صادف بعد ذلك فعله كان العصيان المتقدّم على العزم على المعصية.

١٧٨

والجواب عن الأوّل : أنّ الانفصال عن المندوب ظاهر ممّا مرّ ، فإنّ أجزاء الوقت في الواجب الموسّع باعتبار تعلّق الأمر بكلّ واحد منها على سبيل التخيير تجرى مجرى الواجب المخيّر. ففي أيّ جزء اتّفق إيقاع الفعل فهو قائم مقام إيقاعه في الأجزاء البواقي. فكما أنّ حصول الامتثال في المخيّر بفعل واحدة من الخصال لا يخرج ما عداها عن وصف الوجوب التخييرىّ ، كذلك إيقاع الفعل في الجزء الأوسط أو الأخير من الوقت في الموسّع لا يخرج إيقاعه في الأوّل منه مثلا عن وصف الوجوب الموسّع ، وذلك ظاهر. بخلاف المندوب ،

________________________________

وقد تقرّر في محلّه أنّه قبيح وموجب للعصيان وإن استتبع العفو.

وهذا الجواب يرجع محصله إلى النقض الإجمالي كالثاني ممّا ذكره المصنّف من الجوابين.

وأمّا الأوّل منهما فالظاهر رجوعه إلى كونه جوابا بالمعارضة كما لا يخفى.

ولهم حجج اخرى واهية :

منها : ما أشار إليه البهائي ـ مضافا إلى ما سبق منه ـ من لزوم تساويه قبل الوقت وفيه.

ومنها : أنّ تارك المأمور به في الحال مع عدم العزم له في المستقبل معرض عن الأمر ، والإعراض عنه حرام ، وترك الحرام واجب ، وهو إمّا بالفعل أو ببدله وهو العزم لانحصار البدليّة فيه إجماعا.

ومنها : أنّ العزم على ترك الواجب عزم على الحرام ، والعزم على الحرام حرام ، فالعزم على ترك الواجب حرام ، فحينئذ يجب العزم على فعل الواجب لعدم انفكاك المكلّف عن هذين العزمين ، فحيث امتنع أحدهما وجب الآخر.

والجواب عن الأوّل : بمنع لزوم التساوي بمجرّد عدم بدليّة العزم ، كيف وهو ممّا لا يجوز تركه في تمام الوقت وإيقاعه في أيّ جزء منه بقصد أداء المأمور به وامتثال الأمر الجازم جائز وموجب للامتثال بخلافه ما قبل الوقت ، فإن تركه فيه رأسا جائز والإتيان به على القصد المذكور محرّم لكونه تشريعا ، وكلّ من لوازم عدم الوجوب.

ومن البيّن أنّ انتفاء اللازم من أدلّة انتفاء الملزوم.

وعن الثاني : بمنع تحقّق موضوع ... (١)

__________________

(١) ومن المؤسف ضياع بعض الأوراق هنا من نسخة الأصل.

١٧٩

فانّه لا يقوم مقامه حيث يترك شيء. وهذا كاف في الانفصال.

وعن الثاني أنّا نقطع بأنّ الفاعل للصلاة مثلا ممتثل باعتبار كونها صلاة بخصوصها ، لا لكونها أحد الأمرين الواجبين تخييرا ، أعني : الفعل والعزم ؛ فلو كان ثمّة تخيير بينهما ، لكان الامتثال بها من حيث إنّها أحدهما ، على ما هو مقرّر في الواجب التخييرىّ. وأيضا ، فالإثم الحاصل على الإخلال بالعزم ـ على تقدير تسليمه ـ ليس لكون المكلّف مخيّرا بينه وبين الصلاة ، حتّى يكونا كخصال الكفّارة ، بل لأنّ العزم على فعل كلّ واجب ـ إجمالا ، حيث يكون الالتفات إليه بطريق الإجمال ، وتفصيلا عند كونه متذكّرا له بخصوصه ـ حكم من أحكام الإيمان يثبت مع ثبوت الإيمان ، سواء دخل وقت الواجب أو لم يدخل. فهو واجب مستمرّ عند الالتفات إلى الواجبات إجمالا أو تفصيلا. فليس وجوبه على سبيل التخيير بينه وبين الصلاة.

________________________________

فحينئذ لو اختلفت الأحوال على المكلّف في أجزاء الوقت من غير سبق علم له بحصوله فلا إشكال في أنّه يأتي في كلّ جزء أراد أداء الصلاة فيه بما يناسب حالته في ذلك الجزء سواء كانت حالة اختيار أو حالة اضطرار ولو سبقه علم بحصوله كما لو علم في أوّل الوقت وهو قادر على الفرد الاختياري بأنّه لو أخّر أداء المكلّف به يطرئه في الأجزاء المتأخّرة حالة اضطرار تسلب قدرته على الفرد الاختياري أو أنّه كان في أوّل الوقت غير متمكّن إلاّ عن الفرد الاضطراري وكان في موضع رجاء زوال العذر الموجب للتمكّن عن الفرد الاختياري في الأجزاء المتأخّرة فهل يجب عليه التأخير في الثاني والإقدام على العمل في أوّل الوقت في الأوّل ، فيه إشكال.

ويمكن ترجيح الأوّل بملاحظة قاعدة الشغل ، ضرورة أنّ اليقين بالاشتغال يستدعي اليقين بالبراءة ، ولا يتأتّى إلاّ بالتأخير في موضع رجاء زوال العذر والتقديم في موضع احتمال طروّ العذر ، غير أنّ إطلاق دليل التوقيت بالنسبة إلى أجزاء الوقت يقضي بخلافه ، ضرورة أنّه يدلّ على مشاركة كلّ للأجزاء الاخر في تعلّق التكليف فيه ، وكون إيقاع الفعل فيه موجبا للامتثال وسقوط الأمر فحينئذ لو كان المكلّف في أوّل الوقت غير متمكّن إلاّ عن

١٨٠