تعليقة على معالم الاصول - ج ٤

السيّد علي الموسوي القزويني

تعليقة على معالم الاصول - ج ٤

المؤلف:

السيّد علي الموسوي القزويني


المحقق: السيد علي العلوي القزويني
الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
المطبعة: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ١
ISBN: 964-470-535-1
الصفحات: ٨٦٤

لأنّ الاستثناء وإن كان يقتضي تعدّد المستثنى منه ولكنّه لا يجب في ذلك دخول التعدّد في مدلول اللفظ بل يكفي فيه كونه لازما لمدلوله كما فيما نحن فيه ، إذ الواحد لا بعينه من جملة الآحاد المتعدّدة.

فإن قلت : إنّ سؤال التعيين في الاستفهام عبارة عن إنشاء طلب التعيين ، وهذا المعنى الإنشائي شامل لجميع الآحاد شمولا واحدا.

قلت : يشملها شمولا واحدا على البدل لكون الواحد لا بعينه في نظر المتكلّم الّذي صدر منه الفعل مردّدا في نظره بين الجميع محتملا لكلّ واحد على البدل ، لا أنّه شامل للجميع على نحو الإحاطة والاستغراق ليكون كلّ واحد بعينه مطلوب التعيين ، كما أنّ كلّ واحد من أفراد العلماء في نحو : « أكرم العلماء » بعينه مطلوب الإكرام.

ومنها : « حيثما » و « أينما » في الشرط نحو : « حيثما تجلس أجلس » و « أينما تنزل أنزل » و « أين » و « أنّى » في الشرط والاستفهام معا.

فاعلم أنّ « حيث » مجرّدا عن كلمة « ما » لجنس المكان ولا يأتي شرطا ولا استفهاما ، وإذا دخلته كلمة « ما » صار عامّا في أجزاء المكان ويختصّ بالشرط حينئذ ، ولأجل ذا يعتبر في العرف والاستعمال سورا في القضيّة الشرطيّة كما في المثال المذكور ، كما أنّ « كلّما » يعتبر سورا في القضيّة الشرطيّة نحو : « كلّما كانت الشمس طالعة فالنهار موجود » غير أنّ « كلّما » يفيد استغراق الحكم لأجزاء زمان فعل الشرط و « حيثما » يفيد استغراقه لأجزاء مكانه ، وفي معناه « أينما » في الاختصاص بالشرط والسوريّة في الشرطيّة بالقياس إلى أجزاء المكان فهذا كاف في دليل كونهما للعموم.

وأمّا « أين » مجرّدا فيأتي للشرط مثل « أين تجلس أجلس » وللاستفهام نحو : « أين زيد؟ » و « أين الحرب؟ » وحيث كان للاستفهام لا عموم فيه إلاّ بدلا ، وحيث كان للشرط ينساق منه العموم ، وأمّا كونه من مقتضى وضع اللفظ أو مقتضى الشرطيّة بمعنى السببيّة ففيه وجهان.

ونحوه « أنّى » في الشرط من حيث الاختصاص بالأمكنة وانسباق العموم المردّد بين الوجهين ، وأمّا هو في الاستفهام فعلى ما عن الارتشاف يأتي بمعنى ثلاث كلمات : « أين » و « متى » و « كيف » فالأوّل استفهام في الأمكنة والثاني في الأزمنة والثالث في الأحوال.

ومنها : « متى ما » و « حينما » و « مهما » و « متى » و « أيّان » و « إذا ما » و « إذ ما » و « إذا »

٧٤١

فكلّ من الثلاث الاوّل عامّ في الأزمنة ويختصّ بالشرط فيعتبر سورا في الشرطيّة كـ « كلّما » ففيه الكفاية في دليل كونها للعموم ، و « مهما » لا يستعمل مجرّدا عن « ما » بخلاف الأوّلين إلاّ أنّ « حين » مجرّدا لا يكون إلاّ ظرفا ، و « متى » يرد شرطا واستفهاما ويلزمه العموم في الشرط وأمّا [ كونه ] من مقتضى وضع اللفظ أو من مقتضى الشرطيّة فاحتمالان ، ولا عموم في الاستفهام إلاّ بدلا ، ونحوه « أيّان » في الاختصاص بالأزمنة والورود شرطا واستفهاما نحو : « أيّان جئتني جئتك » و « أيّان تبعثون ».

و « إذا ما » و « إذ ما » كمتى ما في العموم الأزماني والاختصاص بالشرطيّة ، وإذ لا ترد للشرط إلاّ مع « ما » وهي بدونها ظرفيّة لا غير بخلاف « إذا » فإنّها ترد للشرط معها وبدونها إلاّ أنّها بدونها أداة إهمال ومعها أداة عموم ، ويظهر الثمرة في الدلالة على التكرار وعدمها في نحو : « إذا ما جاءك زيد فأكرمه » و « إذا جاءك زيد فأكرمه ».

ومنها : لفظ « سائر » ذكره الشهيد ـ على ما حكى ـ في صيغ العموم وتبعه بعض الأعلام بقوله : ومنها « سائر » على إطلاقيه وإن كان أظهر في إرادة الباقي فإنّه ظاهر في تمام الباقي » وفي عبارته هذه نوع غموض وتعقيد لأنّ قوله : « على إطلاقيه » يحتمل معنيين :

أحدهما : أن يكون المراد من إطلاقيه إطلاقه على الباقي وإطلاقه على تمام الباقي.

ويزيّفه : أنّ الحمل عليه يخلّ بفصاحة الكلام كما يظهر بأدنى تأمّل ، مع لزومه نوع تناقض إذ كونه ظاهرا في تمام الباقي أن يكون غيره وهو نفس الباقي خلاف الظاهر ويناقضه الحكم عليه بكونه أظهر في إرادة الباقي.

وثانيهما : أن يراد منهما إطلاقه على « الجميع » على ما حكى عن بعض أهل اللغة من جعله بمعنى « الجميع » وإطلاقه على الباقي ، ويندفع المحذوران حينئذ ويرتبط التعليل أيضا بما قبله لكون قوله : « فإنّه ظاهر في تمام الباقي » بيانا لدليل عمومه على إطلاقه على الباقي ، ومحصّله : أنّ إفادته العموم على هذا المعنى إنّما هو باعتبار ظهوره في تمام الباقي.

وتحقيق المقام يتأتّى بالتكلّم فيه على كلا المعنيين فنقول : أمّا على إطلاقه على معنى « الجميع » فعلى تقدير ثبوت هذا الإطلاق في العرف واللغة فلا يمكن الاسترابة في عمومه فإنّ « الجميع » عامّ وكذلك ما هو بمعناه ، إلاّ أنّ الكلام في ورود هذا الإطلاق في كلام من يستشهد بكلامه من العرب ولم نجد له شاهدا في استعمالات العرف ولا في خطابات الشرع مع أنّه لا يساعد هيئة اللفظ ولا مادّته.

٧٤٢

أمّا الأوّل : فلأنّه باعتبار الهيئة اسم فاعل ، واسم الفاعل ما وضع لمن قام به المبدأ بمعناه الجنسي.

وأمّا الثاني : فلأنّ مادّته « السؤر » وهو إمّا بقيّة الماء بعد شربه ، أو ما يعمّه وبقيّة الطعام بعد أكله ، أو بقيّة كلّ شيء وإن كان من ذوي العقول كما يساعد عليه الاستعمالات : كـ « سائر القوم » و « سائر الناس » و « سائر العلماء » وقد نصّ على كلا الأمرين صاحب النهاية قائلا ـ في المحكي عنه ـ : « سائر » مهموز ومعناه « الباقي » لأنّه اسم فاعل من السؤر وهو ما يبقى بعد الشراب وهذا ممّا يغلط فيه الناس فيضعونه موضع « الجميع » وفي معناه ما عن الأزهري مدّعيا عليه اتّفاق أهل اللغة بقوله في المحكي عنه : اتّفق أهل اللغة أنّ « سائر الشيء » باقية قليلا كان أو كثيرا فالسائر هيئة ومادّة إذا كان بمعنى « الباقي » فكيف يجعل بمعنى « الجميع » ولذا غلّطه في النهاية.

وتوهّم أنّ اشتقاقه بهذا المعنى ليس من « السؤر » المهموز بل من « السور » الأجوف ـ وهو سور البلد بمعنى الحائط المحيط عليه فيكون « السائر » المشتقّ من ذلك بمعنى « الجميع » المفيد للإحاطة والشمول لما في مبدأ اشتقاقه من معنى الاحاطة ـ يدفعه : أنّ اسم العين لا يصلح لأنّ يشتقّ منه شيء.

كما أنّ توهّم أنّ « السائر » في هذا المعنى ليس من قبيل المشتقّ بل هو لفظ بوزان الفاعل وضع لغة بهذه الهيئة في ضمن هذه المادّة المخصوصة لمعنى الجميع ، يدفعه : المنع بعدم شاهد عليه في الاستعمال.

وأمّا على إطلاقه على معنى « الباقي » فهو الّذي يجب الإذعان به أخذا باشتقاقه من « السؤر » بمعنى البقيّة ، وهو الّذي يساعد عليه الاستعمالات ويقتضيه التبادر العرفي في المحاورات.

وقد سمعت عن الأزهري دعوى اتّفاق أهل اللغة عليه إلاّ أنّ الكلام في كونه باعتبار هذا المعنى للعموم.

وقد عرفت أنّ بعض الأعلام استند في ذلك إلى ظهوره في تمام الباقي ، ويشكل بأنّه إن أراد به الظهور الوضعي ، فيدفعه : أنّ مبدأ الاشتقاق إنّما يؤخذ في المشتقّ باعتبار معناه الجنسي والجنس لا ينفكّ عن شيء من مصاديقه فظهوره في تمام الباقي بهذا الاعتبار لا بالوضع ، وإن أراد به الظهور الانصرافي باعتبار أنّ تمام الباقي أكمل مصاديق جنس الباقي ، ففيه : مع

٧٤٣

توجّه المنع إلى كون كمال الفرد من موجبات الانصراف ، أنّه أيضا ليس من العموم الوضعي.

الفصل الرابع

في الجمع المعرّف باللام والمعروف من مذهب الاصوليّين المصرّح به في كلام جماهيرهم كونه مفيدا للعموم ، وفي كلام جماعة نفي الخلاف فيه بل في كلام غير واحد منهم بعض الأفاضل نقل الاتّفاق عليه ، خلافا لأبي هاشم الجبّائي فأنكر إفادته العموم ، واستشكل فيه الصالح المازندراني في شرحه للزبدة ، ولعلّ مبنى نفي الخلاف مع دعوى الاتّفاق على عدم الاعتناء بشأن المخالف لشذوذه كما نبّه عليه المصنّف بقوله : « الجمع المعرّف بالأداة يفيد العموم حيث لا عهد ولا نعرف في ذلك مخالفا من الأصحاب ومحقّقوا مخالفينا على هذا أيضا ، وربّما خالف في ذلك بعض من لا يعتدّ به منهم وهو شاذّ لا التفات إليه » بل الظاهر أنّهم أرادوا الاتّفاق وعدم الخلاف من القائلين بأنّ للعموم صيغة تخصّه بناء على كون النزاع ثمّة في الإيجاب الجزئي والسلب الكلّي.

نعم على القول بكونه نزاعا في جملة من الصيغ المخصوصة لا حاجة إلى التأويل المذكور كما هو واضح.

وكيف كان فقد عرفت من المصنّف أخذ قيد « حيث لا عهد » في قضيّة كونه مفيدا للعموم وتبعه جماعة في اعتبار هذا القيد ، وربّما يشتبه معنى هذا القيد ووجه اعتباره هنا ، فإن أرادوا بذلك التنبيه على كيفيّة صدور الوضع من الواضع على معنى أنّ الواضع لاحظه في وضعه الجمع المعرّف للعموم ، فيكون مرجعه إلى أنّ الواضع قال : إنّي وضعت الجمع المعرّف للعموم حيث لا قرينة عهد ، وإذا كان هنالك قرينة عهد فوضعته لغيره.

فيزيّفه : أنّه يؤدّي إلى الوضع بشرط وهو باطل.

وإن أرادوا به التنبيه على كيفيّة استعماله في العموم على معنى أنّه عند الاستعمال إنّما يحمل على العموم حيث لا قرينة.

ويزيّفه أوّلا : أنّه لم يعهد من لغويّ ولا اصوليّ أنّه عند التكلّم في إثبات الوضع للّفظ وعند تعيين معناه الموضوع له تعرّض لبيان اعتبار انتفاء قرينة العهد الصارفة للّفظ عن معناه الموضوع له ، فإنّ وجود قرينة العهد وانتفاءها مثل سائر القرائن من طوارئ الاستعمال لا من لوازم الوضع ، فملاحظة انتفائها في الحمل على الموضوع له من وظيفة السامع لا من وظيفة اللغوي أو الاصولي الباحث عن وضع اللفظ والناظر في تعيين معناه الموضوع له.

٧٤٤

وثانيا : أنّ اعتبار انتفاء القرينة في الحمل على الحقيقة لا يختصّ بقرينة العهد بل يسري في سائر قرائن المجاز ، فما وجه تخصيص اعتبار الانتفاء بتلك القرينة؟

هذا ولكن سيتّضح من تضاعيف كلماتنا الآتية معنى قرينة العهد ووجه اعتبار انتفائها في قضيّة قولهم : « الجمع المعرّف باللام يفيد العموم ».

وكيف كان فتحقيق حال الجمع المعرّف باللام بجميع جهاته يستدعي رسم امور :

الأمر الأوّل

في أنّ ظاهرهم بل صريح كثير منهم بل أكثرهم كون عموم الجمع كسائر صيغ العموم وضعيّا كما هو محلّ البحث في هذه المباحث على ما بيّنّاه مرارا ، وهل هو من مقتضى الوضع الأفرادي في « اللام » ومدخوله بمعنى أنّهما بوضعيهما الأفراديّين يفيدان العموم ، أو أنّه من مقتضى وضع « اللام » وحده بحسب أصل اللغة ، أو بحسب الوضع الجديد العرفي الطارئ على الوضع الأصلي بناء على أنّه بحسب أصل الوضع اللغوي لتعريف الجنس وقد طرأه في العرف وضع جديد للاستغراق ، أو من مقتضى وضعه الأصلي بناء على كون الاستغراق من معانيه لغة ، أو من مقتضى الوضع الجديد العرفي في الهيئة التركيبيّة وعليه فإمّا أن يراد من الهيئة التركيبيّة الّتي هي معروضة لهذا الوضع الحالة العارضة « للاّم » ومدخوله الحاصلة من الضمّ والتركيب المتقوّمة بهما ، على معنى أنّ هذه الحالة العارضة موضوعة بالوضع الجديد العرفي للاستغراق ، أو المجموع المركّب من « اللام » ومدخوله على معنى أنّ هذا المركّب نفسه موضوع بالوضع الجديد للاستغراق.

والفرق بينهما وبين الأوّلين : أنّ الوضع على الأوّلين شخصي وعليهما نوعيّ.

والفرق بين الاعتبارين فيهما : أنّ الوضع الهيئة التركيبيّة بمعنى الحالة العارضة لا يوجب انسلاخ أوضاع المفردات كما في أوضاع هيئات المشتقّات العارضة لموادّها ، ووضع الهيئة التركيبيّة بمعنى نفس المركّب يوجب انسلاخ أوضاع المفردات كما في وضع « عبد الله » علما وكذلك في « تأبطّ شرّا » وكذا خمسة عشر ، و « الحيوان الناطق » لو فرض كونهما علمين ، احتمالات بل أقوال.

جزم بأوّلها الفاضل المحشّي في هداية المسترشدين وأخوه في الفصول.

وثانيها : ما نسبه بعض الفضلاء إلى كثير من القاصرين ، ويظهر ذلك في أحد احتماليه من جماعة من أهل العربيّة حيث يجعلون الاستغراق من معاني « اللام » مع قولهم بكونه

٧٤٥

حقيقة في تعريف الجنس ، ويصرّحون بأنّه في الاستغراق يجري مجرى لفظ « الكلّ » وعلامته أن يصحّ خلع « اللام » وإقامة « الكلّ » مقامه كما في قوله : ( إِنَّ الْإِنْسانَ لَفِي خُسْرٍ )(١) لصحّة أن يقال : كلّ إنسان لفي خسر.

وثالثها : ما يظهر من أهل القول بكون عموم الجمع بالنسبة إلى الجماعات ـ كما عن المحقّق الشريف ـ إن كان بناؤهم على الوضع النوعي في الهيئة التركيبيّة ، لابتناء عموم الجماعات على بقاء معنى الجمعيّة وعدم انسلاخها بذلك الوضع.

ورابعها : خيرة بعض الأعلام مع التزامه بانسلاخ معنى الجمعيّة حيث قال عند تحقيق حال الجمع المعرّف باللام : « بل الظاهر أنّ المتبادر هو العموم الأفرادي لا الجمعي والمجموع فينسلخ منه معنى الجمعيّة ، فالظاهر أنّ هذا وضع مستقلّ للهيئة التركيبيّة على حدة وصار ذلك سببا لهجر المعنى الّذي كان يقتضيه الأصل المقرّر في المقدّمات من إرادة جنس الجمع » إلى آخره.

وإن كان قد يخدشه أنّ وضع الهيئة التركيبيّة بمعنى نفس المركّب يوجب الانسلاخ في كلّ من « اللام » ومدخوله لا في المدخول فقط ، ولو التزم بانسلاخ وضع « اللام » أيضا كما التزمه في الجمع فيتوجّه إليه حينئذ خروج « لام » الجمع على هذا التقدير عن كونه للتعريف ، فيلزم عدم كون الجمع المحلّى باللام على القول بكونه للعموم من جملة المعارف ، واللازم باطل بضرورة من العرف واللغة ولم يعهد التفوّه بذلك من لغوي ولا نحوي ولا اصولي.

ولا يمكن الاعتذار له بأنّ الاستغراق المفروض فيه كاف في اندراجه في المعارف ، لأنّ الاستغراق ليس بعين التعريف ولا من لوازمه ولا من ملزوماته ، ضرورة أنّ الاستغراق عبارة عن افادة شمول الحكم للأجزاء أو الجزئيّات ، والتعريف عبارة عن الإشارة إلى المتعيّن عند السامع من حيث تعيّنه وهما مفهومان متغايران ، فكيف يكون أحدهما عين الآخر؟وأنّ الاستغراق ينفكّ عن التعريف في أكثر موارده فكيف يكون من لوازمه؟ وأنّ التعريف ينفكّ عنه في كثير من موارده الّتي منها « كلّ رجل » والنكرة المنفيّة فكيف يكون من ملزوماته؟

ثمّ إنّ هذا القول يزيّفه ـ مضافا إلى ما عرفت من لزومه خروج « اللام » من كونه للتعريف ، وخروج الجمع المحلّى به من كونه معرفة وهو باطل بضرورة من العرف واللغة ـ :

__________________

(١) العصر : ٢.

٧٤٦

أنّ دليله لا يساعد عليه ، فإنّه قدس‌سره على ما سمعت من عبارته فرّع انسلاخ الجمعيّة الّذي هو اللازم من وضع المركّب على تبادر العموم الأفرادي لا الجمعي والمجموعي ، وهذا يقتضي أن يكون دليل وضع المركّب المستلزم لانسلاخ معنى الجمعيّة تبادر العموم الأفرادي.

ويدفعه : أنّ العموم الأفرادي لا ينافي معنى الجمعيّة وبقاءه ، فلا يلازم انسلاخه بل يجامعه كما يجامعه العموم الجمعي والمجموعي.

وتوضيحه : أنّ الجمعيّة اعتبار يلحق اسم الجنس الّذي يقال له : « المفرد » وهو ما وضع للجنس من حيث هو ، فإن دخله تنوين التنكير صار بمعنى الجنس من حيث تحقّقه في ضمن فرد واحد لا بعينه ، وإن دخله علامة التثنية صار بمعنى الجنس من حيث تحقّقه في ضمن فردين لا بعينهما ، وإذا دخله علامة الجمع بالمعنى الأعمّ المتناول لكلّ هيئة من هيئات المكسّر صار بمعنى الجنس من حيث تحقّقه في ضمن الزائد على الفردين الّذي يقال له : « الجماعة » وحاصله الجنس من حيث تحقّقه في ضمن أفراد لا بعينها ، وهذا هو معنى الجمعيّة وله مراتب كثيرة آخرها الجنس من حيث تحقّقه في ضمن الأفراد بتمامها وهذا هو معنى الاستغراق حيث يرد الجمع المعرّف باللام لإفادة الاستغراق ، وظاهر أنّ معنى تحقّق الجنس في ضمن الأفراد تحقّق حصصه فيها بأن يقال : يتحقّق في كلّ فرد حصّة منه ، فيؤول الجنس المتحقّق في ضمن الأفراد بتمامها إلى نفس الأفراد بتمامها ، وهذا هو معنى الجمعيّة المتحقّقة مع الاستغراق بكلا قسميه من العموم الأفرادي والعموم المجموعي ، لأنّه إذا علّق حكم على الجمع المعرّف باللام في محلّ الاستغراق يتعلّق بالأفراد بتمامها إمّا على وجه يكون مفاده الحكم على كلّ فرد الّذي يعبّر عنه في الفارسيّة بـ « هر فرد » أو الحكم على مجموع الأفراد الّذي يعبّر عنه بـ « همه أفراد » والأوّل هو العموم الأفرادي والثاني هو العموم المجموعي ، فهما اعتباران يلحق كلّ منهما معنى الجمعيّة على البدل على حسب جعل المتكلّم وقصده ، فإذا بنينا على تبادر العموم الأفرادي في الجمع المعرّف كان ذلك المعنى المتبادر حاصلا في معنى الجمعيّة فكيف يكون منافيا له حتّى يلازم انسلاخه ، فالقول الرابع ضعيف جدّا.

ومثله في الضعف القول الثاني ، لأنّ الوضع الجديد العرفي إنّما ينشأ في جميع موارد [ ه ] من غلبة الاستعمال ، وظاهر انّ غلبة الاستعمال إنّما حصلت في الجمع المعرّف باللام لأنّه المستعمل في الاستغراق لا في « اللام » فلو كان هناك وضع جديد عرفي فإنّما حصل ذلك

٧٤٧

الوضع في الهيئة التركيبيّة إمّا بمعنى المجموع المركّب من « اللام » ومدخوله أو بمعنى الحالة العارضة « للاّم » ومدخوله المتقوّمة بهما بسبب الضمّ والتركيب ، وقد ظهر بطلان الوجه الأوّل فتعيّن الثاني.

ولو قيل : بأنّ مبنى القول الثاني على الوضع الأصلي « للام » لا على الوضع الجديد العرفي الطارئ عليه ، بناء على القول بكون الاستغراق من معانيه لغة.

لدفعه : ما أشرنا إليه وسنحقّقه في مباحث المفرد المعرّف باللام من كون « اللام » موضوعا للتعريف وهو الإشارة إلى مدلول مدخوله من حيث تعيّنه عند المتكلّم والمخاطب ، والاستغراق اعتبار يلحق مدلول الجمع مغاير للتعريف وليس بلازمه ولا ملزومه ، فيدور العموم الوصفي في الجمع بين كونه من مقتضى الوضع الأفرادي في « اللام » ومدخوله وبين كونه من مقتضى الوضع النوعيّ التركيبي في الهيئة التركيبيّة ، وظاهر أنّ الأوّل لو كان وافيا بإفادته الاستغراق لا حاجة إلى التزام حصول وضع آخر للهيئة التركيبيّة مع كونه خلاف الأصل ، وإنّما يتصوّر عدم الوفاء به الموجب لطروّ الوضعي النوعي للهيئة بأن يقال : إنّ « الجمع » موضوع لجنس الجماعة بمعنى مفهومها الصادق على القليل والكثير الّذي منه الجميع ، و « اللام » موضوع للتعريف بمعنى الإشارة إلى مدلول مدخوله لتعيّنه عند السامع ومعهوديّته لديه باعتبار حضوره في ذهنه ، فيكون الجمع المعرّف كالمفرد المعرّف في كونه لتعريف الجنس بحسب وضعه الأصلي ، وحيث إنّ الجمع المعرّف بحكم الاتّفاق وجواز الاستثناء مطّردا والتبادر العرفي يفيد العموم فلا جرم يكون ذلك لأجل وضع آخر نوعي طار للهيئة التركيبيّة.

وحينئذ فينبغي النظر في وفاء وضعي الجزئين في إفادة الاستغراق ، فنقول : قد استدلّ عليه بعض الفضلاء بما ملخّصه : أنّ « الجمع » كما بيّنّاه سابقا موضوع للجنس من حيث تحقّقه في ضمن ما فوق الفردين الّذي يقال له : « الجماعة » أي جماعة الأفراد على طريقة الإضافة البيانيّة على معنى أن يكون الأفراد نفس الجماعة ، و « اللام » موضوع للإشارة إلى ما يتعيّن من مدلول مدخوله فيكون في الجمع للإشارة إلى الأفراد المتعيّنة ، فإن كان هناك ما يقتضي تعيين جملة من الأفراد ممّا دون الجميع من قرينة موجبة لمعهوديّة تلك الجملة باعتبار الخارج كاسم الإشارة في قول القائل : « أكرم هؤلاء الرجال » أو في الذهن لانطباقها على الجنس الحاضر لديه كالوصف بمضمون الجملة الّتي هي في معنى النكرة في قوله تعالى : ( إِلاَّ الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجالِ وَالنِّساءِ وَالْوِلْدانِ لا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلا يَهْتَدُونَ

٧٤٨

سَبِيلاً )(١) كانت الإشارة إليها ، وإلاّ تعيّن حمله على الإشارة إلى الجميع لأنّه المتعيّن عند السامع بعد انتفاء قرينة العهد على كلّ من وجهيه ، بخلاف ما دونه من المراتب حتّى أقلّ الجمع لتردّد [ ه ] عنده بين كلّ جملة وعدم تعيّن شيء منها لديه من دون قرينة عهد فلا يصلح لأن يشار إليه باللام الموضوع للإشارة إلى المتعيّن عند السامع من حيث تعيّنه.

وبما قرّرناه وحرّرناه من الدليل يظهر معنى قرينة وأنّ المراد به العهد بكلا قسميه من الذهني والخارجي ووجه اعتبار انتفائها في إفادته العموم ، وهو : أنّه ليس للتنبيه على كيفيّة صدور الوضع من الواضع ، ولا للتنبيه على كيفيّة الاستعمال في الحمل على العموم ، بل لإحراز تعيّن ما يحمل عليه الجمع عند السامع الّذي هو من شرط « لام » الإشارة ، ضرورة أنّ ما لا تعيّن له عند السامع ولم يكن معهودا لديه لم يصلح للإشارة إليه باللام ، كما أنّ اعتبار وجود قرينة العهد فيما يحمل على المعهود بأحد قسميه إنّما هو لإحراز التعيّن والمعهوديّة لديه في جملة من الأفراد يشار إليها باللام ، لا على أنّها قرينة صارفة للّفظ عمّا هو عليه بحسب الوضع إلى غيره.

ولا يخفى أنّ الدليل المذكور للاكتفاء بوضعي الجزئين في إفادة العموم جيّد متين لو لا إمكان المناقشة فيه بأنّ الانتقال إلى الجميع عند انتفاء قرينة العهد إنّما يسلم إذا لم يكن بين العهدين والاستغراق واسطة يصرف إليها اللفظ عند انتفاء قرينة العهد لأنّها المتعيّن عند السامع حينئذ المعهود لديه الحاضر في ذهنه ، ولمانع أن يمنع ذلك بدعوى وجود الواسطة وهو جنس جماعة الأفراد ، بمعنى مفهوم الجماعة كما في قول القائل : « إنّي لا أتزوّج الثيّبات بل الأبكار » أي من جنس هذه الجماعة لا تلك الجماعة ، فإنّه عند انتفاء قرينة العهد أمر متعيّن عند السامع لحضوره في ذهنه صالح لأن يشار إليه باللام ، فلا يصرف عنه « اللام » إلى الاستغراق بمعنى جميع الأفراد إلاّ إذا كان هناك قرينة صارفة له عن جنس الجماعة إلى مصداقه الخاصّ الّذي هو جميع الأفراد ، كما أنّه في الحمل على أحد العهدين يحتاج إلى قرينة.

وحينئذ فلاستعلام ثبوت الواسطة المذكورة وعدم ثبوتها لابدّ من النظر في مسألة اخرى وهي : أنّ الجماعة المأخوذة في وضع الجمع هل هي مفهوم الجماعة الّذي يقال له : « الجنس » هنا أو مصداق ذلك المفهوم الّذي هو نفس الأفراد المجتمعة الّتي اعتبر تحقّق

__________________

(١) النساء : ٩٨.

٧٤٩

الجنس المأخوذ في وضع المفرد في ضمنها.

وعلى التقديرين فهل الموضوع له عامّ كما أنّ الوضع عامّ؟ أو أنّه خاصّ مع عموم الوضع على معنى أنّ اللفظ الدالّ على الجماعة مفهوما أو مصداقا وضع بالعامّ لخصوصيّة كلّ مرتبة من المراتب؟ احتمالات أربع :

أوّلها : وهو كون الجماعة المأخوذة في وضع الجمع بحسب أصل اللغة عبارة عن مفهوم الجماعة مع كون الموضوع له كالوضع عامّا ، ربّما يظهر اختياره من بعض الأعلام حيث قال : « لا اختصاص للجنسيّة بالمفردات بل قد يحصل في الجمع أيضا ، لا بمعنى أنّ المراد من الجمع هو الجنس الموجود في ضمن جماعة كما يقال في النكرة إنّه الجنس والطبيعة مع قيد وحدة غير معيّنة ، بل بمعنى أنّ الجماعة أيضا مفهوم كلّي حتّى أنّ جماعة الرجال أيضا مفهوم كلّي ».

ويحتمل كون بنائه على خصوص الموضوع له وهو كلّ واحد من مصاديق هذا المفهوم ، وهذا هو ثاني الاحتمالات.

وثالثها : وهو كون الجماعة المأخوذة مصداقها وهو نفس الأفراد المجتمعة في أيّ مرتبة كانت مع عموم الموضوع له كالوضع ممّا جزم به بعض الفضلاء ، حيث قال : بكون الجمع موضوعا للماهيّة المقيّدة بإحدى المراتب يعني بها الجنس المتحقّق في ضمن ما فوق الفردين كائنا ما كان ، فإنّه بهذا المفهوم المشترك بين جميع مراتب الجمع لاحظه الواضع ووضع له اللفظ نفسه.

وعليه بعض الأفاضل أيضا قائلا : « بأنّ الموضوع له هو مصداق الجماعة أعني خصوص الوحدات كائنة ما كانت ليكون الموضوع له كلّيا أيضا كما هو الأظهر. »

ورابعها : وهو كون الموضوع له خصوصيّة كلّ مرتبة مرتبة مندرجة تحت المفهوم المشترك المذكور أعني الماهيّة المقيّدة بإحدى المراتب ما جوّزه بعض الأفاضل ، وربّما يظهر من بعض كلماته الميل إليه ويمكن إرجاعه إلى ثاني الوجوه الّذي احتملناه في كلام بعض الأعلام ، على معنى أن يكون المفهوم العامّ المتصوّر قبل الوضع هو مفهوم الجماعة والموضوع له الخاصّ كلّ واحد من المصاديق المندرجة تحت ذلك المفهوم الّتي هي الجماعات الخاصّة الّتي هي نفس مراتب الجمع.

والّذي يترجّح في النظر القاصر هو عدم دخول مفهوم الجماعة الّذي يقال له جنس

٧٥٠

الجمع في مدلول الجمع.

لنا على ذلك : التبادر العرفي ، فإنّ المتبادر من « الجمع » في جميع موارد استعماله هو نفس الأفراد وإن عبّرنا عنها بالجنس المتحقّق في ضمن ما فوق الفردين ، فكما أنّ المتبادر من النكرة نفس الفرد الواحد لا بعينه من دون دخول مفهوم في مدلولها وإن عبّرنا عنه بالجنس المتحقّق في ضمن فرد واحد لا بعينه ، وأنّ المتبادر من التثنية نفس الفردين من دون دخول مفهوم في مدلولها وإن عبّرنا عنهما بالجنس المتحقّق في ضمن فردين ، فكذلك المتبادر من « الجمع » نفس الأفراد من دون دخول مفهوم في مدلوله وإن عبّرنا عن الأفراد بالجنس المتحقّق في ضمنها ، لأنّه على ما بيّنّاه سابقا [ عبارة ] عن نفس الأفراد بتقريب ما قدّمناه من أنّ معنى تحقّق الجنس في ضمن الأفراد تحقّق حصصه فيها فيكون نفس الأفراد ، فإذا علّق حكم على جمع يتعلّق ذلك الحكم بالأفراد أوّلا وبالذات لا أنّه يتعلّق بمفهوم الجماعة أوّلا ثمّ يسري منه إلى الأفراد تبعا.

وهل الموضوع نفس الأفراد كائنة ما كانت أعني الجنس المتحقّق في ضمن أفراد كائنة ما كانت ، أو الجزئيّات المندرجة تحته ، وجهان مبنيّان على أنّ اللواحق الثلاث اللاحقة باسم الجنس وهي : التنوين في المفرد ، وعلامة التثنية في المثنى ، وعلامة الجمع في الجمع هل هي بمثابة الحروف الموضوعة بالأوضاع الحرفيّة لمعان حرفيّة الّتي منها « لام » التعريف؟ بتقريب : أنّ اسم الجنس كما أشرنا سابقا بحسب اللغة موضوع للجنس من حيث هو ، وإذا لحقه إحدى اللواحق المذكورة يصير مدلوله الجنس المتحقّق في ضمن الفرد ، وللفرد الّذي اعتبر تحقّق الجنس فيه اعتبارات ثلاث : اعتبار الوحدة ، اعتبار الاثنينيّة ، اعتبار الجمعيّة. وكلّ من الوحدة والاثنينيّة والجمعيّة لكونها حالة في الغير وهو الفرد آلة لملاحظة حاله معنى حرفي فوجب أن يكون وضعها أيضا حرفيّا ، على معنى أنّ الواضع تصوّر الوحدة أو الاثنينيّة أو الجمعيّة من حيث كونها آلة لملاحظة حال الفرد بعنوانها الكلّيّ ثمّ وضع الأداة من التنوين وعلامة التثنية وعلامة الجمع للجزئيّات المندرجة تحتها ، فيكون الجمع باعتبار كون وضع الأداة على الوجه المذكور موضوعا بالوضع العامّ لخصوص كلّ مرتبة لحصول معنى جمعيّة الفرد في الجميع ، فالوضع على الوجه المذكور الّذي يفرض في الجمع إنّما هو باعتبار كون علامته حرفا موضوعا بالوضع الحرفي فكلّ من اللاحق والملحوق به في الجمع له وضع أفرادي ، وكلّ منهما باعتبار

٧٥١

وضعه الأفرادي يدلّ على معناه الموضوع له ، ويكون مفاد الجميع الجنس المتحقّق في ضمن الأفراد الّتي هي مصداق مفهوم الجماعة.

أو أنّها بمثابة الحركات الإعرابيّة الّتي هي علامات تتميّز بها نسب مخصوصة وضع لها التركيب الكلامي من دون أن تكون موضوعة لتلك النسب ، فإنّ التركيب الكلامي في نحو : « ضرب زيد عمرا في الدار » مثلا يفيد باعتبار وضعه النوعي التركيبي فاعليّة « زيد » ومفعوليّة « عمرو » وظرفيّة « الدار » والضمّ في الأوّل الّذي هو علامة رفع الفاعل والفتح في الثاني الّذي هو علامة نصب المفعول والكسر في الثالث الّذي هو علامة الجرّ في الظرف علامات تتميّز بها المعاني الثلاث المذكور من دون أن تكون [ موضوعة ] لتلك المعاني ، فإذا كانت اللواحق المذكورة بتلك المثابة لزم أن يكون الموضوع للجماعة بمعنى الأفراد كائنة ما كانت هو المجموع المركّب من اللاحق والملحوق به من دون أن يكون للاّحق الّذي هو علامة الجمع وضع ، ولا أن يبقى الملحوق به الّذي هو اسم الجنس على وضعه الأصلي بل المجموع المركّب باعتبار وضعه النوعي التركيبي يفيد الأفراد من الجنس الّذي هو الجنس المتحقّق في ضمن الأفراد.

والّذي يترجّح في النظر القاصر أيضا عدم كون اللواحق من قبيل الحركات الإعرابيّة لئلاّ يكون لها وضع بل هي من قبيل الحروف الموضوعة لمعان حرفيّة موضوعة بالوضع العامّ لخصوصيّات المفاهيم المتقدّمة من الوحدة والاثنينيّة والجمعيّة بشهادة التبادر والانفهام العرفي ، فإنّه يتبادر من الجمع الّذي هو محلّ الكلام : المعنى الجمعي وهو الأفراد المعبّر عنها بالجنس المتحقّق في ضمن ما فوق الفردين ، بدلالتين إحداهما : دلالة المادّة على الجنس ، واخراهما : دلالة الأداة على الجمعيّة من دون تجوّز فيهما.

أمّا المادّة : فلأنّه يراد منها الجنس لا غير وتقييده بالتحقّق في الأفراد يفهم من التركيب.

وأمّا الأداة : فلأنّه يراد منها الجمعيّة لا غير والفرد الّذي هو معروض الجمعيّة يفهم بالالتزام.

وبذلك يندفع الإشكال الّذي عساه يتوهّم في المقام وهو لزوم دخول المعنى الاسمي في مدلول الحرف ، فإنّ الفرد معنى اسمي ولا يصحّ دخوله في معنى الأداة.

ووجه الاندفاع : أنّ غاية ما هنالك إضافة الجمعيّة الّتي هي المعنى الحرفيّ إلى الفرد وهي لا توجب دخول المضاف إليه في مدلول الحرف ، كما أنّها في ابتداء البصرة وانتهاء الكوفة في نحو : « سرت من البصرة إلى الكوفة » لا توجب دخول البصرة والكوفة في معنى

٧٥٢

« من » و « إلى » فمفاد مجموع المادّة والأداة على ما بيّنّاه الجنس المتحقّق في الأفراد ، ولمّا كان وضع الأداة وضعا حرفيّا فكان الجمع باعتبار أداته موضوعا بالوضع العامّ لخصوص كلّ مرتبة من مراتبه ، فأيّ مرتبة اريدت منه كانت نفس الموضوع له وكان استعمال الجمع فيها على وجه الحقيقة ، وحينئذ فإن قامت قرينة على تعيين تلك المرتبة المفروض استعماله فيها فهو وإلاّ كانت مبهمة واللفظ مجملا لتردّدها بين جميع المراتب حتّى الأقلّ والجميع ، وإذا دخله « لام » التعريف الموضوعة للإشارة إلى ما يتعيّن من مدلول مدخولها فإن أراد المتكلّم بها الإشارة إلى ما دون الجميع من مراتبه وجب عليه اعتبار قرينة توجب معهوديّة تلك المرتبة المرادة وتعيّنها لدى السامع ، إذ لا يصحّ الإشارة إلى ما ليس بمعهود لديه ، وحيث لم يعتبر معها قرينة ـ وهو المراد من قولهم : « حيث لا عهد » ـ كشف ذلك عن أنّه قصد بها الإشارة إلى الجميع لأنّه المتعيّن عند السامع لا ما دونه من المراتب حتّى الأقلّ ، فتعيّن حملها على الإشارة إليه وهذا من خواصّ « اللام » الموضوعة للإشارة ، ولذا لا نحمل الجمع المنكر على الجميع عند انتفاء القرينة على تعيين ما دونه إذ لا مقتضى له.

فتبيّن بجميع ما قرّرناه : أنّه لا واسطة بين العهدين والاستغراق فإذا انتفى قرينة العهد تعيّن حمل « اللام » على الاستغراق ، لأنّه المتعيّن في نظر السامع بملاحظة انتفاء قرينة إرادة ما دونه.

ثمّ إنّه لا فرق في إفادة الجمع المعرّف باللام للعموم الوضعي باعتبار وضع « اللام » للإشارة بين الجمع السالم والجمع المكسّر لوجود المقتضي له فيهما معا وهو « لام » الإشارة ، وإن حصل الفرق بينهما من جهة اخرى غير جهة العموم وهي جهة الدلالة على الجمعيّة ، فإنّ الجمع السالم يدلّ عليها بأداته الموضوعة للدلالة على الجمعيّة ، والمكسّر يدلّ عليها بهيئته ، فإنّ الهيئة فيه كائنة ما كانت من صيغة المضبوطة في محالّها بمنزلة الأداة في صاحبه ، فهي أيضا موضوعة للدلالة على الجمعيّة في مدلول مادّتها إلاّ أنّ الوضع فيها نوعيّ باعتبار تعلّقه بنوع الهيئة كوضع هيئات المشتقّات وفي الأداة شخصي وهو واضح.

وبينهما فرق آخر باعتبار كيفيّة الوضع ، فإنّ الأداة لكونها من قبيل الحروف وضعها حرفيّ على معنى كون الموضوع له فيها خاصّا مع عموم الوضع.

وأمّا الهيئة فوضعها وإن كان يمكن كونها أيضا حرفيّا باعتبار كون الموضوع له خاصّا مع عموم الوضع ، إلاّ أنّ الأظهر كونه فيها اسميّا على معنى كون الموضوع له فيها كالوضع

٧٥٣

عامّا كما هو الحال في وضع هيئات المشتقّات الإسميّة على ما حقّقناه في محلّه ، هذا كلّه في الجمع المعرّف باللام.

وأمّا الجمع المضاف : فإمّا أن يكون مضافا إلى معرفة كـ « علماء المجلس » و « علماء البلد » و « علماء المصر » و « علماء العصر » وما أشبه ذلك ، أو يكون مضافا إلى نكرة : كـ « علماء بلد » و « علماء مصر » و « غلمان رجل » وما أشبه ذلك.

أمّا المضاف إلى المعرفة : فهو كالمعرّف باللام في إفادة العموم بحكم التبادر وفهم العرف وصحّة الاستثناء مطّردا وغير ذلك من الأدلّة ، فقولك : « أكرم علماء المجلس » ظاهر في وجوب إكرام جميعهم.

نعم يحصل الفرق بينهما في شيئين :

أحدهما : أنّ عموم الجمع المضاف بحسب الكميّة والمقدار يتبع قابليّة المضاف إليه فيتناول من الأفراد على حسب ما يساعد عليه قابليّة المضاف إليه ، فـ « علماء المجلس » لا يتناول علماء غير هذا المجلس ، و « علماء البلد » لا يتناول علماء غير هذا البلد ، و « علماء المصر » لا يتناول علماء غير هذا المصر ، و « علماء العصر » لا يتناول علماء غير هذا العصر وهكذا في نظائر هذه الأمثلة ، بخلاف المعرّف باللام كـ « العلماء » فإنّه يتناول علماء العالم إلاّ أن يكون هناك قرينة عرفيّة توجب انصراف اللفظ إلى حسب ما يساعد عليه فهم العرف فيقال له : « العموم العرفي » كما في جمع الأمير الصاغة.

ولك أن تقول : بأنّه لا فرق بينهما من هذه الجهة ، فإنّ المعرّف باللام أيضا تابع من حيث كمّيّة الأفراد ومقدارها لمادّة الجمع فيتناول من الأفراد على حسب قابليّة المادّة فـ « العلماء » لا يتناول أفراد غير العالم و « الفقهاء » لا يتناول أفراد غير الفقيه والرجال لا يتناول أفراد غير الرجل وهكذا في سائر الأمثلة ، ولكن مع ذلك بينهما فرق في أنّ المادّة في الجمع المضاف مقصورة على ما يساعد عليه قابليّة المضاف إليه ولا قصر في مادّة المعرّف باللام كما هو واضح.

ثانيهما : أنّ المعرّف باللام والمضاف إلى المعرفة وإن كانا ظاهرين في العموم إلاّ أنّ منشأ الظهور في الأوّل إنّما هو وضع « اللام » على ما سمعت مرارا من كونها موضوعة للإشارة ولا يصحّ الإشارة إلاّ فيما كان معهودا عند السامع متعيّنا لديه فحيث لا عهد تحمل على الإشارة إلى الجميع لأنّه لا يكون شيء من المراتب متعيّنا عنده سوى الجميع.

٧٥٤

وأمّا الثاني فزعم بعض الفضلاء أنّ منشأ ظهوره إنّما هو أصالة العهد في الإضافة ، على معنى أنّ الإضافة يقتضي الإشارة إلى معهود بين المتكلّم والسامع يكون هو المراد من المضاف ، فإذا كان هنالك قرينة توجب معهوديّة جملة من الأفراد ممّا عدا الجميع كانت الإشارة راجعة إليها وإلاّ كانت راجعة إلى الجميع لكونه المعهود لدى السامع لا ما دونه.

قال الفاضل المذكور : « وإنّما الإشكال في منشأ هذا الظهور ، ولعلّ السرّ في ذلك كون الإضافة بحسب الأصل مقتضية لأن يكون المراد بالمضاف الشيء المعهود عند المخاطب بالإضافة باعتبار كونه معهودا عنده بها » إلى آخر ما ذكره. وقد تبع في ذلك بعض محقّقي النحاة حيث قال فيما حكاه عنه : « تعريف الاضافة باعتبار العهد فلا تقول : « جاءني غلام زيد » إلاّ لغلام معهود بينك وبين المخاطب » انتهى.

وتبعه أيضا نجم الأئمّة على ما حكي قائلا : « هذا أصل وضع الإضافة لكنّه قد يقال : « جاءني غلام زيد » من غير إشارة إلى معيّن كالمعرّف باللام وهو خلاف وضع الإضافة لكنّه كثير في الكلام » انتهى.

وهذا عندنا خلاف التحقيق ، لأنّ أصالة العهد في الإضافة ممّا لا أصل له. ودعوى وضع الإضافة للعهد المستلزمة لكونها في غير العهد [ مجازا ] ممّا لا شاهد له ، بل التحقيق عندنا أنّ المعرّف باللام والمضاف إلى المعرفة وإن كانتا معرفتين إلاّ أنّه يحصل الفرق بينهما في أنّ التعريف في الأوّل وضعي لوضع « اللام » للإشارة ، وتعريف الثاني كسبيّ لأنّ المضاف إنّما يكتسب التعريف من المضاف إليه ، ولذا لا تعريف في المضاف إلى نكرة فيكون المضاف في تعريفه تابعا للمضاف إليه وكما أنّه في أصل التعريف يتبع المضاف إليه فكذلك يتبعه في مقداره ، فإذا قلت : « غلام الرجل » فإن كان « لام » الرجل للعهد إشارة إلى الرجل المعهود بينك وبين المخاطب لحضوره في المجلس مثلا كان مدلول « الغلام » أيضا شخصا معهودا في وجه ستعرفه ، وإن كان لامه للجنس إشارة إلى الجنس المعيّن باعتبار حضوره في الذهن كان مدلول « الغلام » أيضا جنسه المعيّن باعتبار حضوره في الذهن الشامل للقليل والكثير من غير معهوديّة شخص منه كجنس « الرجل »

غاية الأمر أنّه باعتبار إضافته إلى جنس « الرجل » لا يتناول جنس « غلام » جنس المرأة ، وإذا قلت : « غلام زيد » تفيد الإضافة فيه أن يكون المراد من المضاف معيّنا عندك وعند المخاطب ولو باعتبار حضوره في الذهن ، وأمّا كونه شخصا معيّنا معهودا بينكما

٧٥٥

فلا تقتضيه الإضافة من حيث إنّها إضافة بل يختلف ذلك باعتبار الخارج ، مثل أنّه إن كان « غلام زيد » منحصرا في واحد يفهم من المضاف ذلك الشخص الواحد بوصف كونه معهودا بينكما ، وإن لم يكن منحصرا في واحد بأن يكون له عشرة أغلمة مثلا يفهم منه جنس غلامه الصادق على كلّ واحد من العشرة باعتبار كونه حاضرا في ذهنيكما من دون اقتضاء في الإضافة لانفهام شخص معيّن معهود بينكما من أشخاص الجنس كما هو واضح.

وأمّا منشأ ظهور الجمع المضاف في العموم فهو ـ على ما يساعد عليه النظر الدقيق ـ من خواصّ الإضافة القاطعة للشركة ، فإنّ مدلول الجمع على ما عرفت مرارا هو الماهيّة المقيّدة بما فوق الفردين لا على التعيين ومرجعه إلى الماهيّة المقيّدة بإحدى المراتب ، وهذا المفهوم باعتبار انتشاره في جميع مراتب الجمع كانتشار مدلول المفرد في النكرة في جميع أفراد الماهيّة مشترك بين جميع المراتب ، وإذا أضفته إلى ما لا يقبل هذه الشركة فالإضافة إليه من حيث إنّها إضافة إليه قاطعة لتلك الشركة ، وهذا هو الأصل في الإضافة في جميع مواردها ، ولذا يسقط معها التنوين المقتضية للشركة اللازمة للانتشار وما يقوم مقامها كالنون في المثنيّات والجموع المصحّحة لئلاّ يلزم إجتماع المتناقضين في مدلول الكلمة وقضيّة زوال الشركة عن مدلول الجمع في الإضافة على حسب ما لا يقبله المضاف إليه ظهور الجمع في متفاهم العرف نوعا في جميع ما بقي بعد الإضافة من الأفراد.

وإن شئت قلت : إنّ المضاف إليه لعدم قبوله شركة غيره معه في مدلول المضاف وهو الجمع أوجب ظهوره نوعا في إرادة جميع الأفراد المندرجة في نسبة الإضافة بحيث صار إحتمال ما دونه في غاية الضعف بل بحيث لا يلتفت إليه الذهن ، فليتدبّر.

أمّا المضاف إلى النكرة كقوله : « أكرم رجال دار » أو « أكرم علماء بلد » وما أشبه ذلك فهو أيضا ظاهر في العموم على معنى شمول الحكم لجميع ما بقي بعد الإضافة من الأفراد ، وإن كان المضاف إليه باعتبار دخول الانتشار في مدلوله لكونه نكرة يدلّ على أحد مصاديق مدلوله على البدل ويرجع مفاده في حيّز الأوامر إلى التخيير ، فيكون مفاد قوله :« أكرم رجال دار » وجوب إكرام جميع رجال دار أيّ دار كانت ، ووجوب إكرام جميع علماء بلد أيّ بلد كانت.

والوجه في ذلك الظهور أيضا ما بيّناه في المضاف إلى المعرفة من أنّ الإضافة قاطعة للشركة ، فإنّ ذلك أمر مشترك وجهة جامعة بين الإضافة إلى المعرفة والإضافة إلى النكرة ،

٧٥٦

ولا ينافيه ما في كلام النحاة : « من أنّ الإضافة المعنويّة تفيد تعريفا مع المعرفة وتخصيصا مع النكرة » نظرا إلى أنّ المراد من التخصيص هنا كما هو المصرّح به في كلماتهم تقليل الشركاء وهو عبارة اخرى لقطع الشركة ، فيكون قطع الشركة مخصوصا بالإضافة إلى النكرة ، إذ ليس معنى قولهم : « إنّها تفيد تخصيصا مع النكرة » أنّه لا تخصيص إلاّ في الإضافة إلى النكرة ، بل معنى قولهم : « إنّها تفيد تعريفا مع المعرفة » أنّه لا تعريف إلاّ في الإضافة إلى المعرفة.

فالإضافة إلى المعرفة أيضا تفيد التخصيص كالإضافة إلى النكرة وتزيد عليها في أنّها تفيد التعريف أيضا بخلافها ، كما نبّه على ذلك نجم الأئمّة عند بيان أنّ شرط الإضافة المعنويّة تجريد المضاف عن التعريف بقوله : « وإنّما يجرّد المضاف في الأغلب عن التعريف لأنّ [ الغرض ] الأهمّ من الإضافة إلى المعرفة تعريف المضاف وهو حاصل للمعرفة فيكون تحصيلا للحاصل ، والغرض من الإضافة إلى المنكر تخصيص المضاف ، وفي المضاف المعرّف التخصيص مع زيادة وهي التعيين » انتهى.

بل التخصيص وقطع الشركة في الإضافة إلى المعرفة أبلغ وأتمّ منه في الإضافة إلى النكرة ، فإنّ « غلام زيد » يقطع شركة جميع ما عدا « زيد » بخلاف « غلام رجل » فإنّه يقطع شركة المرأة ويبقى شركة جميع رجال الدنيا ، وقضيّة قطع الشركة في الإضافة إلى النكرة أيضا ظهور المضاف وهو الجمع في اعتبار جميع الأفراد المشمولة لنسبة الإضافة في متفاهم العرف نوعا.

وما ذكرناه في توجيه الظهور هنا أولى ممّا ذكره بعض الفضلاء بقوله : « إضافة الجمع إلى النكرة لا توجب التعيين من حيث ما اضيف إليه نظرا إلى إبهامها بهذا الإعتبار وإن أوجب التخصيص ، فلو لم يعتبر المضاف أعني الجمع حينئذ باعتبار الجميع بل باعتبار بعض غير معيّن إزداد فيه الإبهام المنافي لوضع الإضافة ، ولو اعتبر من حيث المجموع قلّ نظرا إلى كون الإبهام فيه حينئذ من حيث ما اضيف إليه فقط وهو أقرب بالنسبة إلى أصلها ، فتكون بحكم أقرب المجازات في وجوب الحمل عليه عند تعذّر الحقيقة » انتهى بل في كلامه مواقع للنظر كما يظهر للمتأمّل.

ومن جملتها ابتناؤه على كون وضع الإضافة للعهد والتعيين فيلزم كونها في المضاف إلى النكرة مجازا ، ولا نظنّ قولا بذلك من نحويّ ولا اصولي بل ظاهر كلماتهم يعطي الاتّفاق على كونها في كلّ من المضاف إلى المعرفة والمضاف إلى النكرة على الحقيقة.

٧٥٧

لا يقال : إنّه قدس‌سره قصد بما ذكره بيان مجازيّة الجمع المضاف في الإضافة إلى النكرة من حيث إنّه اريد منه الجميع وهو أمر متعيّن عند المتكلّم والسامع واللفظ ليس معرفة ، وكما أنّ المعرفة إذا استعملت في معنى النكرة كالعلم المؤوّل إلى النكرة كما في : « مررت بأحمدكم » و « زيدنا خير من زيدكم » وما أشبه ذلك كانت مجازا فكذلك المنكر إذا استعمل في معنى المعرفة ، وهو المراد من قوله : « فيكون بحكم أقرب المجازات في وجوب الحمل عليه عند تعذّر الحقيقة ».

لأنّه خلاف ظاهر كلامه بل صريح قوله : « ازداد فيه الإبهام المنافي لوضع الإضافة » فإنّه صريح في كون وضع الإضافة للعهد والتعيين فتكون في المضاف إلى النكرة مجازا لما لزمها من الإبهام باعتبار ما اضيف إليه ، ولذا ذكر لزوم ازدياد الإبهام لو اعتبر المضاف باعتبار بعض غير معيّن لا باعتبار الجميع ، فأقرب المجازات ملحوظ بالنسبة إلى الإضافة لقلّة الإبهام فيها على تقدير أخذ المضاف باعتبار الجميع لكونه إبهاما من جهة واحدة وهو ما يلزم باعتبار ما اضيف إليه فقط ، فإنّه أقرب إلى العهد والتعيين بخلاف ما [ له إبهام من ] جهتين باعتبار ما اضيف إليه وباعتبار المضاف.

ولو سلّم كون نظره إلى المجاز في المضاف فيتطرّق المنع إلى الملازمة أيضا ، لوضوح الفرق بين تعيين الشيء في نفسه وبين اعتبار تعيينه في لحاظ الاستعمال ، كما ذكروه في توجيه التعريف في اسم الجنس المعرّف بلام الجنس مع كون الماهيّة أمرا متعيّنا في نفسه ، والمعتبر في المعرفة اعتبار التعيّن ولا يكفي فيها التعيّن الواقعي ، فيكون الفرق بين الجمع المضاف إلى المعرفة والجمع المضاف إلى النكرة مع إرادة الجميع من كلّ منهما وهو أمر متعيّن في نفسه في كليهما في أنّ الجميع يراد من الأوّل باعتبار تعيّنه عند المتكلّم والسامع وحضوره في ذهنيهما ومن الثاني لا بهذا الاعتبار.

ولو وجّه المجازيّة في المضاف باعتبار أنّ الجميع مرتبة مخصوصة المندرجة تحت الماهيّة المقيّدة بإحدى المراتب فيكون من استعمال في الخاصّ.

لدفعه : منع الملازمة أيضا ، أمّا على القول بكون الجمع موضوعا بالوضع العامّ لخصوصيّات المراتب ـ كما قوّيناه في الجمع السالم باعتبار الأداة ـ فواضح لأنّ الجميع حينئذ نفس الموضوع له ، وأمّا على القول بعموم الوضع والموضوع له معا فيه فلجواز إرادة الجميع باعتبار القدر المشترك الصادق عليه وعلى غيره من المراتب ، بأن يراد من المضاف

٧٥٨

نفس الماهيّة المقيّدة بإحدى المراتب ولكن باعتبار تحقّقه في ضمن الجميع ويفهم الخصوصيّة من الخارج وهو الإضافة القاطعة للشركة ، فإنّها على ما وجّهناه تنهض قرينة مفهمة على القول بعموم الموضوع له كالوضع في الجمع.

الأمر الثاني

إنّ عموم الجمع المعرّف باللام أو الإضافة قد يفرض بالنسبة إلى كلّ واحد واحد من الآحاد ويقال له : « العموم الأفرادي » وقد يفرض بالنسبة إلى مجموع الآحاد من حيث المجموع ويقال : « له العموم المجموعي ».

وقد يظهر فائدة الفرق بين الاعتبارات الثلاث في مقامات الإقرار فلو قال : « للعلماء عندي درهم » فعلى العموم الأفرادي يثبت لكلّ واحد درهم فيتعدّد المقرّبه على حسب تعدّد الآحاد ، وعلى العموم الجمعي يثبت لكلّ جماعة درهم فيتعدّد على حسب تعدّد الجماعات ، وعلى العموم المجموعي يثبت درهم للمجموع فيكون المقرّبه واحدا ويوزّع على الجميع.

وقد اختلفت الأنظار في أنّ عمومه بحسب الأصل ومقتضى الوضع هل يعتبر بالنسبة إلى الأفراد إلاّ أن يثبت بالدليل كونه للجماعات أو المجموع ، أو بالنسبة إلى الجماعات إلاّ أن يثبت بالدليل كونه للأفراد أو المجموع ، أو بالنسبة إلى المجموع إلاّ أن يثبت بالدليل كونه للأفراد أو الجماعات [ على ] أقوال.

أوّلها : المعروف من مذهب الاصوليّين ونسبه التفتازاني في المطوّل إلى أكثر أئمّة الاصول والنحو.

وثانيها : ما ذهب إليه من قال من علماء المعاني وغيرهم بأنّ استغراق المفرد أشمل من استغراق المثنّى والمجموع لأنّه يتناول كلّ واحد واحد من الأفراد ، واستغراق المثنّى إنّما يتناول كلّ اثنين اثنين ولا ينافي خروج الواحد ، واستغراق الجمع إنّما يتناول كلّ جماعة جماعة ولا ينافي خروج الواحد والاثنين ، وذهب إليه بعض الأعلام ولكن على اعتبار الوضع الأصلي للجمع.

وثالثها : ما اختاره بعض الفضلاء.

حجّة القول بالعموم الجمعي : ما أشار إليه بعض الأعلام ، وملخّصه مع تحرير منّا : « أنّ الألفاظ الّتي تفيد العموم بحسب الهيئة أو باعتبار الأداة فإنّما تفيده في مصاديق ما يفهم

٧٥٩

منها بحسب المادّة ، ولمّا كان المفهوم من « الجمع » بحسب المادّة مفهوم جماعة ومصاديقه الجماعات الخارجيّة فلا جرم يكون مدلوله بحسب الهيئة أو باعتبار الأداة عموم الجماعات ، كما أنّ المفرد مدلوله بحسب المادّة الجنس الشامل للقليل والكثير ومصاديقه الأفراد فيكون مدلوله بحسب الهيئة أو باعتبار الأداة عموم الأفراد ».

وأورد عليه بوجوه :

منها : نقض الدليل بنحو : « جاءني الرجال إلاّ زيدا » و « أكرم العلماء إلاّ واحدا أو اثنين » وما أشبه ذلك ممّا استثنى فيه ما دون الجماعة ، فإنّه صحيح بلا خلاف مع أنّ المستثنى على تقدير كون عموم الجمع بالنسبة إلى الجماعات ليس من أفراد المستثنى منه ولذا يمتنع قولك : « جاءني كلّ جماعة من القوم إلاّ زيدا » بناءا على إرادة الاستثناء المتّصل ، فلو كان مفاد اللفظين واحدا لجاز ذلك في المقامين.

ودفع : بأنّه لا شكّ في جواز استثناء البعض من الكلّ على نحو الاستثناء المتّصل كما نصّ عليه المحقّقون من النحاة تقول : « رأيت زيدا إلاّ صدره » و « له عليّ عشرة إلاّ واحدا » مع عدم كون المستثنى من أفراد المستثنى منه بل من أجزائه ، فلم لا يجوز أن يكون الاستثناء فيما نحن من هذا القبيل؟

وبالجملة استثناء شيء عن شيء يقتضي كون المستثنى بعضا من المستثنى منه والبعضيّة أعمّ من الفرديّة والجزئيّة ، واستثناء الجزء صحيح كما أنّ استثناء الفرد [ صحيح ] ومن الجائز أن يكون استثناء ما دون الجماعة من الجميع من استثناء الجزء لا الفرد.

ويزيّفه : أنّ استثناء الجزء إنّما يصحّ فيما يكون مستغرقا للأجزاء كما في المثالين بخلاف ما يكون مستغرقا للجزئيّات وما بمعناها كالجماعات ، ولذا لا يصحّ قولنا : « رأيت كلّ عالم إلاّ صدره » وهو الوجه في عدم صحّة : « جاءني كلّ جماعة من العلماء إلاّ زيدا » فلا يصحّ استثناء الجزء من الجمع على تقدير كونه عامّا في الجماعات ، وقضيّة [ ذلك ] أن يكون الاستثناء في قولنا : « جاءني العلماء إلاّ زيدا » و « جاءني القوم إلاّ عمرا أو إلاّ واحدا أو إلاّ اثنين » من استثناء الفرد ولا يتمّ إلاّ على تقدير عموم الأفراد.

ومنها : أنّه لو كان كذلك لصدق قولنا : « جاءني الرجال » مع عدم مجيء رجل أو رجلين فإنّ معناه كلّ جمع من جموع الرجال ، ولا ينافي صدقه خروج الواحد والاثنين لعدم كونهما من مصاديق الجماعة ولا من جزئيّات جمع من جموع الرجال حتّى يلزم

٧٦٠