بحار الأنوار

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي

بحار الأنوار

المؤلف:

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي


الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: مؤسسة الوفاء
الطبعة: ٢
الصفحات: ٤٤٧
  الجزء ١   الجزء ٢   الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠ الجزء ٢١ الجزء ٢٢ الجزء ٢٣ الجزء ٢٤ الجزء ٢٥ الجزء ٢٦ الجزء ٢٧ الجزء ٢٨ الجزء ٢٩ الجزء ٣٠ الجزء ٣١ الجزء ٣٥ الجزء ٣٦ الجزء ٣٧ الجزء ٣٨ الجزء ٣٩ الجزء ٤٠ الجزء ٤١ الجزء ٤٢ الجزء ٤٣ الجزء ٤٤ الجزء ٤٥ الجزء ٤٦ الجزء ٤٧ الجزء ٤٨ الجزء ٤٩ الجزء ٥٠ الجزء ٥١ الجزء ٥٢ الجزء ٥٣ الجزء ٥٤ الجزء ٥٥ الجزء ٥٦ الجزء ٥٧ الجزء ٥٨ الجزء ٥٩ الجزء ٦٠ الجزء ٦١   الجزء ٦٢ الجزء ٦٣ الجزء ٦٤ الجزء ٦٥ الجزء ٦٦ الجزء ٦٧ الجزء ٦٨ الجزء ٦٩ الجزء ٧٠ الجزء ٧١ الجزء ٧٢ الجزء ٧٣ الجزء ٧٤ الجزء ٧٥ الجزء ٧٦ الجزء ٧٧ الجزء ٧٨ الجزء ٧٩ الجزء ٨٠ الجزء ٨١ الجزء ٨٢ الجزء ٨٣ الجزء ٨٤ الجزء ٨٥ الجزء ٨٦ الجزء ٨٧ الجزء ٨٨ الجزء ٨٩ الجزء ٩٠ الجزء ٩١ الجزء ٩٢ الجزء ٩٣ الجزء ٩٤   الجزء ٩٥ الجزء ٩٦   الجزء ٩٧ الجزء ٩٨ الجزء ٩٩ الجزء ١٠٠ الجزء ١٠١ الجزء ١٠٢ الجزء ١٠٣ الجزء ١٠٤

خسر هنالك المبطلون ، شهد على ذلك العقل إذا خرج من أسر الهوى ، ونظر بعين الزوال لاهل الدنيا ، وسمع منادي أهل الزهد ينادي في عرصاتها ما أبين الحق لذي عينين ، إن الرحيل أحد اليومين ، تزودوا من صالح الاعمال وقربوا الامال بالاجال فقد دنا الراحلة والزوال.

بيان : قوله عليه‌السلام (١).

١٣

* ( باب) *

* « تفسيره عليه‌السلام كلام الناقوس » *

أقول : قد مضى بعض أخبار هذا الباب في كتاب العلم في باب غرائب العلوم وفي كتاب قصص الانبياء في باب أحوال عيسى عليه‌السلام يعني أخبار هذا الباب فتذكر.

١ ـ قب : (٢) وروى أنه عليه‌السلام يعني أمير المؤمنين قد فسر صوت الناقوس ذكره صاحب مصباح الواعظ وجمهور أصحابنا عن الحارث الاعور ، وزيد وصعصعة ابنا صوحان والبراء بن مسيرة (٣) والاصبغ بن نباتة ، وجابر بن شرجيل ، ومحمود ابن الكوا أنه قال عليه‌السلام يقول :

سبحان الله حقا حقا ، إن المولى صمد يبقى ، يحلم عنا رفقا رفقا ، لولا عمله كنا نشقى ، حقا حقا صدقا صدقا ، إن المولى يسائلنا ويواقفنا ويحاسبنا ، يا مولينا لا تهلكنا وتداركنا واستخدمنا واستخلصنا ، حلمك عنا قدجر أنا يا مولينا عفوك عنا ، إن الدنيا قد غرتنا وشغلتنا واستهوتنا واستلهتنا واستغوتنا ، يا ابن الدنيا جمعا جمعا يا ابن الدنيا مهلا مهلا يا ابن الدنيا دقا دقا ، وزنا وزنا ، تفني الدنيا قرنا قرنا ، ما من يوم يمضي عنا إلا يهوى منا ركنا ، قد ضيعنا دارا تبقى ،

____________________

(١) هنا بياض مقدار نصف صفحة.

(٢) مناقب آل أبي طالب لابن شهر آشوب باب مسابقته بالعلم.

(٣) كذا.

٢٨١

واستوطنا دارا تفنى الدنيا قرنا قرنا كلا موتا كلا موتا ، كلا موتا ، كلا دفنا ، كلا فيها موتا (١) نقلا نقلا دفنا دفنا ، يا ابن الدنيا مهلا مهلا ، وزن ما يأتي وزنا وزنا ، لولا جهلي ما إن كانت عندي الدنيا إلا سجنا ، خيرا خيرا شرا شرا شيئا شيئا حزنا حزنا ، ماذا من ذاكم ذا أم ذا ، هذا أسنا ترجو تنجو تخشى تردى ، عجل قبل الموت الوزنا ، ما من يوم يمضي عنا إلا أوهن منا ركنا إن المولى قد أنذرنا ، إنا نحشر غرلا بهما.

قال : ثم انقطع صوت الناقوس فسمع الديراني ذلك وأسلم وقال : إني وجدت في الكتاب إن في آخر الانبياء من يفسر ما يقول الناقوس (٢).

١٤

*( باب )*

* « خطبه صلوات الله عليه المعروفة » *

١ ـ ف (٣) خطبة الوسيلة : (٤)

الحمدلله الذي أعدم الاوهام أن تنال إلى وجوده (٥) وحجب العقول أن تختال (٦) ذاته لا متناعها من الشبه والتشاكل ، بل هو الذي لا تتفاوت ذاته ، ولا تتبعض بتجزية العدد في كماله. فارق الاشياء لاباختلاف الاماكن ، ويكون فيها

____________________

(١) كذا.

(٢) هنا بياض مقدار صفحة.

(٣) التحف ص ٩٢.

(٤) هذه الخطبة قد أخرجها الكلينى ـ رحمه‌الله ـ في كتاب الروضة بتمامها مع اختلاف كثير ولذلك تعرضنا لتلك الاختلافات في الهامش. والحرانى رحمة الله عليه اختارمنها ما اقتضاه كتابه (تحف العقول) وقد صرح به.

(٥) أعدم فلانا منه أى منع وفى الروضة « منع الاوهام ».

(٦) في الروضة « أن يتخيل ».

٢٨٢

لا على الممازجة. وعلمها لا بأداة ، لا يكون العلم إلا بها. وليس بينه وبين معلومه علم غيره (١) كان عالما لمعلومه. إن قيل كان فعلي تأويل أزلية الوجود. وإن قيل : لم يزل فعلى تأويل نفي العدم (٢) فسبحانه وتعالى عن قول من عبد سواه ، فاتخد إلها غيره علوا كبيرا ، نحمده بالحمد الذي ارتضاه من خلقه وأوجب قبوله على نفسه.

أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له. وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.

شهادتان ترفعال القول وتضعان العمل (٣) خف ميزان ترفعان منه ، وثقل ميزان توضعان فيه ، وبهما الفوز بالجنة والنجاة من النار والجواز على الصراط وبالشهادة تدخلون الجنة وبالصلاة تنالون الرحمة ، فأكثروا من الصلاة على نبيكم « إن الله وملا ئكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما ».

أيها الناس إنه لا شرف أعلى من الاسلام ، ولا كرم أعز من التقوى ، ولا معقل أحرز من الورع. ولا شفيع أنجح من التوبة. ولا لباس أجل من العافية. ولا وقاية أمنع من السلامة. ولا مال أذهب بالفاقة من الرضي والقنوع. ومن اقتصر على بلغة الكفاف فقد انتظم الراحة. والرغبة مفتاح التعب والاحتكار مطيه النصب.

والحسد آفة الدين. والحرص داع إلى التقحم في الذنوب ، وهو داع إلى الحرمان (٤) والبغي سائق إلى الحين. والشرة جامع لمساوى العيوب (٥). رب طمع خائب. و

____________________

(١) يحتمل الافاضة والتوصيف فعلى الاول فالمراد أنه لا يتوسط بينه وبين معلومه علم غيره وعلى الثانى فالمراد أن ذاته المقدسه كافية للعلم ولا يحتاج إلى علم أى صورة علمية غير ذاته تعالى ، بهذه الصورة العلمية وبار تسامها كان عالما بمعلومه كما في الممكنات.

(٢) أى ليس كونه موجودا في الازل عبارة عن مقارنته للزمان أزلا لحدوث الزمان بل بمعنى أن ليس لوجوده ابتداء أو أنه تعالى ليس بزمانى و « كان » يدل على الزمانية فتأويله أن معنى كونه أزلا أن وجوده يمتنع عليه العدم ولعل المعنى الاخير في الفقرة الثانية متعين.

(٣) تضعان خلاف ترفعان أى تثقلان. وفى الروضة « وتضاعفان العمل ».

(٤) قد مضى هذه الكلمات مع اختلاف يسير في وصيته لابنه الحسين عليهما‌السلام.

(٥) الحين ـ بفتح المهملة والمثناة التحتانية ـ : الهلاك والمحنة والشرة غلبة الحرص والغضب والطيش والحدة والنشاط. وفى بعض النسخ « الشره » وهو الحرص أيضا.

٢٨٣

أمل كاذب ورجاء يؤدي إلى الحرمان ، وتجارة تؤول إلى الخسران. ألا ومن تورط في الامور غير ناظر في العواقب فقد تعرض لمفضحات النوائب. وبئست القلادة الدين للمؤمن (١).

أيها الناس إنه لاكنز أنفع من العلم. ولا عز أنفع من الحلم. ولا حسب أبلغ من الادب. ولا نصب (٢) أوجع من الغضب. ولا جمال أحسن من العقل. ولا قرين شر من الجهل. ولا سوأة أسوء من الكذب (٣) ولا حافظ أحفظ من الصمت.

ولا غائب أقرب من الموت.

أيها الناس إنه من نظر في عيب نفسه شغل عن عيب غيره. ومن رضي برزق الله لم يأسف على مافي يدغيره. ومن سل سيف البغي قتل به. ومن حفر لا خيه بئرا وقع فيها. ومن هتك حجاب غيره انكشفت عورات بيته. ومن نسي زلته (٤) استعظم زلل غيره. ومن أعجب برأيه ضل. ومن استغنى بعقله زل. ومن تكبر على الناس ذل. ومن سفه على الناس شتم. ومن خالط العلماء وقر. ومن خالط الانذال حقر.

ومن حمل ما لا يطيق عجز.

أيها الناس إنه لا مال [ هو ] أعود من العقل (٥). ولا فقر هو أشد من الجهل ولا واعظ هو أبلغ من النصح (٦) ولا عقل كالتدبير. وعبادة كالتفكر. ولا مظاهرة أوثق من المشاورة (٧). ولا وحدة أوحش من العجب. ولا ورع كالكف (٨) ولا حلم

____________________

(١) وفى الروضة « وبئست القلادة قلادة الذنب للمؤمن ».

(٢) النصب : التعب والمشقة الذي يتفرع على الغضب وهو من أخس المتاعب اذلا ثمرة له ولا داعى اليه الاعدم تملك النفس وفى بعض نسخ الروضة « ولا نسب أوضع من الغضب ».

(٣) السوأة : الخلة القبيحة والجمع سوءات.

(٤) الزلة : السقطة والخطيئة. وفى بعض النسخ والروضة « ومن نسى زلله ».

(٥) الاعود : الانفع.

(٦) النصح : الخلوص.

(٧) المظاهرة : المعاونة. والعجب : الكبر واعجاب المرء بنفسه وبفضائله وأعماله.

(٨) وفى الروضة « كالكف عن المحارم » وفى بعض نسخ الروضة « ولا حكم كالصبر والصمت ». أى ولا حكمة.

٢٨٤

كالصبر والصمت.

أيها الناس إن في الانسان عشر خصال يظهرها لسانه : شاهد يخبر عن الضمير وحاكم يفصل بين الخطاب ، وناطق يرد به الجواب. وشافع تدرك به الحاجة وواصف تعرف به الاشياء وأمير يأمر بالحسن وواعظ ينهى عن القبيح ومعز تسكن به الاحزان وحامد تجلى به الضغائن ، ومؤنق يلهى الاسماع (١).

أيها الناس [ إنه ] لا خير في الصمت عن الحكم كما أنه لاخير في القول بالجهل (٢).

اعلموا أيها الناس أنه من لم يملك لسانه يندم. ومن لا يتعلم يجهل. ومن لا يتحلم لا يحلم (٣). ومن لا يرتدع لا يعقل. ومن لا يعقل يهن ، ومن يهن لا يوقر و من يتق ينج (٤). ومن يكسب مالا من غير حقه يصرفه في غير أجره (٥).

ومن لا يدع وهو محمود يدع وهو مذموم (٦). ومن لم يعط قاعدا منع قائما (٧).

ومن يطلب العز بغير حق يذل. ومن عاند الحق لزمه الوهن. ومن تفقه وقر.

وتكبر حقر. ومن لا يحسن لا يحمد.

____________________

(١) المعز من التعزية بمعنى التسلية ، والضغائن جمع الضغينة بمعنى الحقد ، وفى الروضة وحاضر تجلى به الضغائن ». والمونق : العجب. وفى الروضة » ومونق يتلذذبه ».

(٢) الحكم ـ بالضم ـ : الحكمة.

(٣) أى لا يحصل ملكة الحلم الا بالتحلم وهو تكلف الحلم.

(٤) الردع : الرد والكف. » ومن لا يرتدع « أى من لا ينزجز عن القبائح بنصح الناصحين لا يكون عاقلا ولا يكمل عقله ولا يعقل قبح القبائح. وفى الروضة « ومن لا يوقر يتوبخ ».

(٥) أى فيما لا يوجر عليه في الدنيا والاخرة.

(٦) أى من لايتراك الشروما ينبغى على اختيار يدعه على اضطرار ولا يحمد بهذا الترك.

(٧) أى من لم يعط المحتاجين حال كونه قاعدا يقوم عنده الناس ويسألونه؟ يبتلى بان يفتقر إلى سؤال غيره فيقوم بين يديه ويسأله ولا يعطيه.

٢٨٥

أيها الناس إن المنية قبل الدنية. والتجلد قبل التبلد (١) والحساب قبل العقاب. والقبر خير من الفقر. وعمي البصر خير من كثير من النظر. والدهر يوم لك ويوم عليك (٢) فاصبر فبكليهما تمتحن.

أيها الناس أعجب ما في الانسان قلبه (٣). وله مواد من الحكمة وأضداد من خلافها. فإن سنح له الرجاء أذله الطمع (٤). وإن هاج به الطمع أهلكه الحرص وإن ملكه اليأس قتله الاسف. وإن عرض له الغضب اشتد به الغيظ. وإن أسعد بالرضى نسي التحفظ (٥). وإن ناله الخوف شغله الحزن (٦). وإن اتسع بالامن استلبته الغرة وإن جددت له نعمة أخذته العزة (٧). وإن أفاد مالا أطغاه الغنى وإن عضته فاقة (٨) شغله البلاء. وإن أصابته مصيبة فضحه الجزع. وإن أجهده الجوع قعد به الضعف. وإن أفرط في الشبع كظته البطنة (٩) ، فكل تقصيز به

____________________

(١) المنية : الموت. والدنية : الذلة يعنى أن الموت خير من الذلة ، فالمراد بالقبلية القبلية بالشرف. وفى النهج « المنية ولا الدنية والتعلل ولا التوسل » وهو أوضح. والتجلد : تكلف الشدة والقوة. والتبلد ضده.

(٢) زاد في الروضة « فاذا كان لك فلا تبطر واذا كان عليك ـ الخ » ولعله سقط من قلم النساخ.

(٣) في النهج « ولقد علق بنياط هذا الانسان بضعة هى أعجب ما فيه وذلك القلب ».

(٤) سنح له : بدا وظهر.

(٥) التحفظ : التوقى والتحرز من المضرات.

(٦) وفى الروضة والنهج « شغله الحذر ».

(٧) الغرة ـ بالكسر ـ : الاغترار والغفلة. واستلبته أى سلبته عن رشده ويمكن أن تكون « العزة » بالاهمال والزاى.

(٨) « أفاد مالا » أى أعطاه اياه. وعضته أى اشتد عليه الفاقة والفقر.

(٩) وفى الروضة والنهج « وان جهده الجوع قعدبه الضعف ». والكظة ـ بالكسر ـ : ما يعترى الانسان عند الامتلائه من الطعام ، يقال : كظ الطعام فلانا أى ملاءه حتى لا يطيق التنفس. والبطنة بالكسر : الامتلاء المفرط من الاكل.

٢٨٦

مضر وكل أفراط له مفسد.

أيها الناس من قل ذل. ومن جاد ساد. ومن كثر ماله رأس (١). ومن كثر حلمه نبل (٢). ومن فكر في ذات الله تزندق (٣). ومن أكثر من شئ عرف به.

ومن كثر مزاحه استخف به. ومن كثر ضحكه ذهبت هيبته. فسد حسب [ من ] ليس له أدب ، إن أفضل الفعال صيانة العرض بالمال. ليس من جالس الجاهل بذي معقول. من جالس الجاهل فليستعد لقيل وقال (٤). لن ينجو من الموت غني بماله. ولا فقير لاقلاله.

أيها الناس إن للقلوب شواهد تجري الانفس عن مدرجة أهل التفريط (٥).

فطنة الفهم للمواعظ مما يدعو النفس إلى الحذر من الخطأ (٦). وللنفوس خواطر للهوى والعقول تزجر وتنهى (٧). وفي التجارب علم مستأنف. والاعتبار يقود إلى الرشاد. وكفاك أدبا لنفسك ما تكرهه من غيرك (٨). عليك لاخيك المؤمن مثل

____________________

(١) رأس بفتح الهمزة أى هو رئيس للقوم ويحتمل أن يكون من رأس يرؤس أى مشى متبخترا أو أكل كثيرا.

(٢) النبل : الفضل والشرف والنجابة.

(٣) تزندق أى اتصف بالزندقة.

(٤) في اللغة : يستعمل « القول » في الخير. « والقال والقيل والقالة » في الشر. والقول مصدر والقال والقيل اسمان له. والقال الابتداء والقيل الجواب. والاقلال : قلة المال.

(٥) المدرج والمدرجة : المذهب والمسلك يعنى أن للقلوب شواهد تعرج الانفس عن مسالك أهل التقصير إلى درجات المقربين.

(٦) الفطنة : الحذق والفهم وهى مبدأ وخبره قوله : « مما يدعو » يعنى أن الفطنة هى مما يدعو النفس إلى الحذر من المخاطرات.

(٧) الخواطر ، جمع خاطر : ما يخطر بالقلب والنفس من أمر أو تدبير والعقول تزجر وتنهى عنها.

(٨) وفى الروضة « وعليك ».

٢٨٧

الذي لك عليه. لقد خاطر من استغنى برأيه (١).

[ و ] التدبير قبل العمل يؤمنك من الندم. ومن استقبل وجوه الآراء عرف مواقف الخطاء (٢). ومن أمسك عن الفضول عدلت رأيه العقول (٣). ومن حصر شهوته فقد صان قدره. ومن أمسك لسانه أمنه قومه ونال حاجته (٤). وفي تقلب الاحوال علم جواهر الرجال. والايام توضح لك السرائر الكامنة. وليس في البرق الخاطف مستمتع لمن يخوض في الظلمة (٥). ومن عرف بالحكمة لحظته العيون بالوقار والهيبة. وأشرف الغنى ترك المنى. والصبر جنة من الفاقة. والحرص علامة الفقر. والبخل جلباب المسكنة. والمودة قرابة مستفادة. ووصول معدم خير من جاف مكثر (٦).

والموعظة كهف لمن وعاها. ومن أطلق طرفه كثر أسفه (٧). ومن ضاق خلقه

____________________

(١) يقال : خاطر بنفسه عرضها للخطر أى أشرف نفسه للهلاك.

(٢) أى استشار الناس واقبل نحو آرائهم ولا حظها واحدا واحدا وتفكر فيها فمن طلب الاراء من وجوهها الصحيحة انكشف له مواقع الخطاء واحترس منه.

(٣) أى حكم القول بعد الة رأيه وصوابه.

(٤) أمنه ـ بالفتح ـ أى أمن قومه من شره ، ويحتمل بالمد من باب الافعال أى آمن من شر قومه أوعد قومه أمينا ونال الحاجة التى توهم حصولها في اطلاق اللسان.

(٥) يقال : خطف البرق البصر : استلبه بسرعة وذهب به. والمستمتع : المنتفع و المتلذذ ، يعنى لا ينفعك ما يبصر وما يسمع كالبرق الخاطف بل ينبغى أن تواظب وتستضئ دائما بانوار الحكم لتخرجك من ظلمات الجهل ، ويحتمل أن يكون المراد لا ينفع ما يبصر وما يسمع من الايات والمواعظ مع الانغماس في ظلمات المعاصى والذنوب.

(٦) قد مضى هذه العبارة وبيان ما فيها في وصيته عليه‌السلام لابنه الحسين سلام الله عليه ويحتمل أيضا أن يكون المراد أن الفقير المتودد خير من الغنى المتجافى. قوله : « وعاها » أى حفظها وجمعها.

(٧) الطرف ـ بسكون الراء : العين. و ـ بالتحريك : اللسان أى ومن اطلق عينه ونظره كثر أسفه. وفى الروضة بعد هذا الكلام هكذا « وقد أوجب الدهر شكره على من نال سؤله وقل ما ينصفك اللسان في نشر قبيح أو احسان ».

٢٨٨

مله أهله. ومن نال استطال (١). قل ما تصد قك الامنية. التواضع يكسوك المهابة. وفي سعة الاخلاق كنوز الارزاق (٢). من كساه الحياء ثوبه خفي على الناس عيبه. تحرى القصد من القول فإنه من تحرى القصد خفت عليه المؤن (٣) في خلاف النفس رشدها. من عرف الايام لم يغفل عن الاستعداد. ألا وإن مع كل جرعة شرقا وفي كل اكلة غصصا. لا تنال نعمة إلا بزوال اخرى. لكل ذي رمق قوت. ولكل حبة آكل. وأنت قوت الموت (٤).

اعلموا أيها الناس أنه من مشى على وجه الارض فإنه يصير إلى بطنها.

والليل والنهار يتسارعان في هدم الاعمار.

أيها الناس كفر النعمة لؤم (٥). وصحبته الجاهل شؤم. من الكرم لين الكلام. إياك والخديعة فانها من خلق اللئام. ليس كل طالب يصيب. ولا كل غائب يؤوب. لا ترغب فيمن زهد فيك. رب بعيد هو أقرب من قريب. سل عن الرفيق قبل الطريق وعن الجار قبل الدار. استر عورة أخيك لما تعلمه فيك (٦). اغتفر زلة

____________________

(١) النيل : اصابة الشئ. يقال : نال من عدوه أى بلغ منه مقصوده يعنى من أصاب شيئا من اسباب الشرف كالمال والعلم يتفضل ويترفع غالبا ويمكن أن يكون هذا نظير قوله : « من جاد ساد » فالمراد أن الجود والكرم غالبا يوجبان الفخر والاستطالة. والامنية : البغية وما يتمنى الانسان ، يعنى في الغالب امنيتك كاذبة.

(٢) وفى الروضة بعد هذا الكلام كذا « كم من عاكف على ذنبه في آخر أيام عمره ».

(٣) أى أقصد الوسط العدل من القول وجانب التعدى والافراط والتفريط ليخف عليك المؤونة.

(٤) قد مضى هذه الكلمات في وصاياه عليه‌السلام أيضا.

(٥) اللوم ـ بالفتح غير مهموز ـ : الملامة ومهموزا : ضد الكرم. واللئام : جع لئيم و ـ بالضم ـ : الدنى وقد لؤم الرجل ـ بالضم ـ لؤمات.

(٦) في الروضة بعد هذه الجملة هكذا « ألا ومن أسرع في المسير أدركه المقيل ، استر عورة أخيك كما يعلمها فيك ». وفى بعض النسخ « لما يعلمها ».

٢٨٩

صديقك ليوم يركبك عدوك. من غضب على من لا يقدر أن يضره طال حزنه وعذب نفسه. من خاف ربه كف ظلمه. ومن لم يعرف الخير من الشر فهو بمنزلة البهيمة. إن من الفساد إضاعة الزاد. ما أصغر المصيبة مع عظم الفاقة غدا. وما منا كرتم إلا لما فيكم من المعاصي والذنوب (١). ما أقرب الراحة من التعب. والبؤس من التغيير (٢).

ما شر بشر بعده الجنة. وما خير بخير بعده النار. وكل نعيم دون الجنة محقور وكل بلاء دون النار عافية. عند تصحيح الضمائر تبدو الكبائر (٣). تصفية العمل أشد من العمل. وتخليص النية عن الفساد أشد على العاملين من طول الجهاد. هيهات لولا التقى كنت أدهى العرب (٤). عليكم بتقوى الله في الغيب والشهادة (٥) ، و كلمة الحق في الرضى والغضب ، والقصد في الغنى والفقر ، وبالعدل على العدو و الصديق ، وبالعمل في النشاط والكسل ، والرضى عن الله في الشدة والرخاء. ومن كثر كلامه كثر خطاؤه ، ومن كثر خطاؤه قل حياؤه ، ومن قل حياؤه قل ورعه.

ومن قل ورعه مات قلبه ، ومن مات قلبه دخل النار. من تفكر اعتبر. ومن اعتبر

____________________

(١) في الروضة « هيهات هيهات وما تنا كرتم الابما فيكم من المعاصى والذنوب » أى ليس تناكرتم الا لذنوبكم وعيوبكم.

(٢) وفى الروضة وبعض النسخ « من النعيم » والمراد بالتغيير سرعة تقلب أحوال الدنيا.

(٣) أى اذا أراد الانسان تصحيح ضميره عن النياب الفاسدة والاخلاق الذميمة تظهر له العيوب الكبيرة الكامنة في النفس والاخلاق الذمية التى خفيت عليه تحت أستار الغفلات.

(٤) الدهاء جودة الرأى ، والحذق وبمعنى المكرو الاحتيال وهو المراد ههنا. وفى الروضة « لولا التقى لكنت أدهى العرب » ومن كلام له عليه‌السلام « والله ما معاوية بأدهى منى ولكنه يغدر ويفجر. ولولا كراهية الغدر لكنت من أدهى الناس ، ولكن كل غدرة فجرة وكل فجرة كفرة. ولكل غادر لواء يعرف به يوم القيامة. والله ما استغفل بالميكدة ولا استغمز بالتشديدة ».

(٥) قد مضى هذا الكلام إلى آخر الخطبة في وصيته صلوات الله عليه لابنه الحسين عليه‌السلام ولم يذكر في الروضة وفيها بعد هذا الكلام « أيها الناس ان الله عزوجل وعد نبيه محمدا صلى‌الله‌عليه‌وآله الوسيلة ووعد الحق » إلى آخر ما خطبه عليه‌السلام.

٢٩٠

اعتزل. ومن اعتزل سلم. ومن ترك الشهوات كان حرا. ومن ترك الحسد كانت له المحبة عند الناس. عز المؤمن غناه عن الناس. القناعة مال لا ينفد. ومن أكثر ذكر الموت رضي من الدنيا باليسير. ومن علم أن كلامه من عمله قل كلامه إلا فيما ينفعه. العجب ممن يخاف العقاب فلا يكف ، ويرجو الثواب ولا يتوب ويعمل.

الفكر تورث نورا. والغفلة ظلمة. والجهالة ضلالة. [ و ] السعيد من وعظ بغيره.

والادب خير ميراث. حسن الخلق خير قرين. ليس مع قطيعة الرحم نماء. ولا مع الفجور غنى. العافية عشرة أجزاء تسعة منها في الصمت إلا بذكر الله [ وحده ] وواحد في ترك مجالسة السفهاء. رأس العلم الرفق وآفته الخرق. ومن كنوز الايمان الصبر على المصائب. والعفاف زينة الفقر. والشكر زينة الغنى. كثرة الزيارة تورث الملالة : والطمأنينة قبل الخبرة ضد الحزم. إعجاب المرء بنفسه يدل على ضعف عقله. لا تؤيس مذنبا ، فكم من عاكف على ذنبه ختم له بخير. وكم من مقبل على عمله مفسد في آخر عمره ، صائر إلى النار. بئس الزاد إلى المعاد العدوان على العباد.

طوبى لمن أخلص لله عمله وعمله وحبه وبغضه وأخذه وتركه وكلامه وصمته وفعله وقوله. لا يكون المسلم مسلما حتى يكون ورعا ، ولن يكون ورعا حتى يكون زاهدا ولن يكون زاهدا حتى يكون حازما ، ولن يكون حازما حتى يكون عاقلا ، وما العاقل إلا من عقل عن الله وعمل للدار الاخرة. وصلى الله على محمد النبي وعلى أهل بيته الطاهرين.

٢ ـ ف (١) : خطبته عليه‌السلام المعروفة بالديباج :

الحمد لله فاطر الخلق وخالق الاصباح ومنشر الموتى وباعث من في القبور وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمد أعبده ورسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله.

عبادالله! إن أفضل ما توسل به المتوسلون إلى الله جل ذكره الايمان بالله

____________________

(١) التحف : ١٤٩.

٢٩١

وبرسله وماجاءت به من عند الله والجهاد في سبيله ، فانه ذروة الاسلام (١) وكلمة الاخلاص ، فإنها الفطرة. وإقامة الصلاة فانها الملة. وإيتاء الزكاة فانها فريضة. وصوم شهر رمضان ، فإنه جنة حصينة. وحج البيت والعمرة ، فإنهما ينفيان الفقر ويكفران الذنب ويوجبان الجنة. وصلة الرحم ، فانها ثروة في المال (٢) و منسأة في الاجل وتكثير للعدد. والصدقة في السر فإنها تكفر الخطأ وتطفئ غضب الرب تبارك وتعالى. والصدقة في العلانية ، فإنها تدفع ميته السوء. وصنايع المعروف فإنها تقي مصارع السوء.

وأفيضوا في ذكر الله جل ذكره (٣) فإنه أحسن الذكر وهو أمان من النفاق وبراءة من النار وتذكير لصاحبه عند كل خير يقسمه الله عزوجل وله دوي تحت العرش (٤). وارغبوا فيما وعد المتقون ، فإن وعد الله أصدق الوعد وكل ما وعد فهو آت كما وعد ، واقتدوا بهدي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله (٥) فإنه أفضل الهدى. واستنوا بسنته ، فإنها أشرف السنن. وتعلموا كتاب الله تبارك وتعالى ، فإنه أحسن الحديث وأبلغ الموعظة ، وتفقهوا فيه ، فإنه ربيع القلوب واستشفوا بنوره فإنه شفاء لما في الصدور. وأحسنوا تلاوته ، فإنه أحسن القصص ، « وإذا قرئ ( عليكم ) القرآن فاستمعوا له وأنصتوا لعلكم ترحمون (٦) » وإذا هديتم لعلمه فاعملوا بما علمتم منه لعلكم تفلحون ، فاعلموا عبادالله أن العالم العامل بغير علمه كالجاهل الحائر الذي لا يستفيق من جهله (٧) بل الحجة عليه أعظم وهو عند الله ألوم ، الحسرة

____________________

(١) الذروة ـ بالكسر والضم ـ : من كل شئ أعلاه.

(٢) الثروة : الكثرة. وفى النهج « مثراة ». المنسأة من النسأ ـ : التأخير.

(٣) أفيضوا : أسرعوا واندفعوا.

(٤) الدوى : الصوت.

(٥) الهدى بالفتح : الطريقة والسيرة ، وبالضم الرشاد.

(٦) سورة الاعراف : ٢٠٣.

(٧) أى كالجاهل المتحير الذى لا أفاق من جهله.

٢٩٢

أدوم على هذا العالم المنسلخ من علمه مثل ما على هذا الجاهل المتحير في جهله و كلاهما حائر بائر مضل مفتون ، مبتور ما هم فيه (١) وباطل ما كانوا يعملون.

عبادالله! لا ترتابوا فتشكوا. ولا تشكوا فتكفروا. ولا تكفروا فتندموا ولا ترخصوا لانفسكم فتد هنوا (٢) وتذهب بكم الرخص مذاهب الظلمة فتهلكوا. ولا تداهنوا في الحق إذا ورد عليكم وعرفتموه فتخسروا خسرانا مبينا.

عبادالله! إن من الحزم أن تتقوا الله. وإن من العصمة ألا تغتروا بالله.

عباد الله! إن أنصح الناس لنفسه أطوعهم لربه وأغشهم لنفسه أعصاهم له.

عبادالله! إنه من يطع الله يأمن ويستبشر ومن يعصه يخب ويندم ولا يسلم.

عبادالله! سلوا الله اليقين ، فان اليقين رأس الدين وارغبوا إليه في العافية ، فان أعظم النعمة العافية ، فاغتنموها للدنيا والاخرة وارغبوا إليه في التوفيق ، فإنه اس وثيق (٣) واعلموا أن خير ما لزم القلب اليقين ، وأحسن اليقين التقى ، وأفضل امور الحق عزائمها ، وشرها محدثاتها ، وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة ، وبالبداع هدم السنن. المغبون من غبن دينه. والمغبوط من سلم له دينه وحسن يقينه. والسعيد من وعظ بغيره. والشقي من انخدع لهواه.

عبادالله! اعلموا أن يسير الرياء شرك. وأن إخلاص العمل اليقين. والهوى يقود إلى النار. ومجالسة أهل اللهو ينسي القرآن ويحضر الشيطان. والنسئ زيادة في الفكر (٤) وأعمال العصاة تدعوا إلى سخط الرحمن. وسخط الرحمن يدعو إلى النار. ومحادثة النساء تدعو إلى البلاء ويزيع القلوب. والرمق لهن يخطف

____________________

(١) البائر : الفاسد ، الهالك ، الذى لا خير فيه وفى المثل « حائر بائر » أى لا يطيع مرشدا ولا يتجه لشئ. والمبتور : المقطوع.

(٢) لا ترخصوا أى لا تجعله رخيصا والرخصة ـ بالضم : التسهيل والتخفيف.

والادهان : المصانعة كالمداهنة أى المساهلة.

(٣) الاس ـ بالتثليث : الاساس.

(٤) النسيئ التأخير.

٢٩٣

نور أبصار القلوب (١) ولمح العيون. مصائد الشيطان ومجالسة السلطان يهيج النيران.

عبادالله! اصدقوا ، فإن الله مع الصادقين. وجانبوا الكذب ، فإنه مجانب للايمان وإن الصادق على شرف منجاة وكرامة (٢) والكاذب على شفا مهواة وهلكة وقولوا الحق تعرفوا به. واعلموا به تكونوا من أهله. وأدوا الامانة إلى من أئتمنكم عليها. وصلوا أرحام من قطعكم. وعودوا بالفضل على من حرمكم. وإذا عاقدتم فأوفوا. وإذا حكمتم فاعدلوا. وإذا ظلمتم فاصبروا. وإذا اسئ إليكم فاعفوا واصفحوا كما تحبون أن يعفى عنكم. ولا تفاخروا بالاباء « ولا تنابزوا بالالقاب بئس الاسم الفسوق بعد الايمان » ولا تمازحوا ولا تغاضبوا ولا تباذخوا (٣) « ولا يغتب بعضكم بعضا أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا (٤) » ولا تحاسدوا فان الحسد يأكل الايمان كما تأكل النار الحطب ولا تباغضوا فإنها الحالقة (٥) وأفشوا السلام في العالم ورد والتحية على أهلها بأحسن منها. وارحموا الارملة (٦) واليتيم وأعينوا الضعيف والمظلوم والغارمين في سبيل الله وابن السبيل والسائلين وفي الرقاب والمكاتب والمساكين ، وانصروا المظلوم وأعطوا الفروض (٧) وجاهدوا أنفسكم

____________________

(١) الرمق : طول النظر إلى الشئ وفعله من باب قتل واللمحة ـ بالفتح ـ : النظرة بالعجلة والنظرة الخفيفة أى ونظر العيون اليهن بنظر خفيف من حبائل الشيطان ومكائده.

(٢) الشرف ـ بالتحريك ـ : العلو والمكان العالى. والمنجاة ـ بالفتح ـ : الباعث على النجاة ويقال : الصدق منجاة أى منج. وشفا كل شئ طرفه وجانبه. والمهواة : ما بين الجبلين ونحوه.

(٣) التمازح : التداعب والتلاعب ، والتباذخ : التفاخر.

(٤) سورة الحجرات : ١٢.

(٥) الحالقة : الخصلة السيئة التى تحلق أى تهلك كل خصلة حسنة.

(٦) الارملة : الضعفاء. ويطلق أيضا على المسكين ومن لا أهل له ومن ماتت زوجها.

(٧) في بعض النسخ « القروض ».

٢٩٤

في الله حق جهاده. فانه شديد العقاب وجاهدوا في سبيل الله. واقروا الضيف (١).

وأحسنوا الوضوء. وحافظوا على الصلوات الخمس في أوقاتها فإنها من الله عزوجل بمكان « ومن تطوع خيرا ( فهو خيرله ) فإن الله شاكر عليم (٢) » وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الاثم والعدوان (٣) ». و « اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون (٤) ».

واعلموا عبادالله! أن الامل يذهب العقل ويكذب الوعد ويحث على الغفلة ويورث الحسرة فاكذبوا الامل فإنه غرور وإن صاحبه مأزور (٥) فاعملوا في الرغبة والرهبة فإن نزلت بكم رغبة فاشكروا وأجمعوا معها رغبة فإن الله قد تأذن للمسلمين بالحسنى (٦) ولمن شكر بالزيادة فإني لم أر مثل الجنة نام طالبها ولا كالنار نام هاربها ، ولا أكثر مكتسبا ممن كسبه ليوم تذخرفيه الذخائر وتبلى فيه السرائر.

وإن من لا ينفعه الحق يضره الباطل ومن لا يستقيم به الهدى (٧) تضره الضلالة ومن لا ينفعه اليقين يضره الشك. وإنكم قد أمرتم بالظعن (٨) ودللتم على الزاد ، ألا إن أخوف ما أتخوف عليكم اثنان طول الامل واتباع الهوى. ألا وإن الدنيا قد أدبرت وآذنت بانقلاع (٩) ألا وإن الاخرة قد أقبلت وآذنت باطلاع.

____________________

(١) قرى الضيف. أضافه.

(٢) سورة البقرة : ١٥٣. وقوله : « تطوع » أى تبرع.

(٣) سورة المائدة : ٥.

(٤) سورة آل عمران : ٩٧.

(٥) المأزور : الاثم ـ من وزر وقياسه موزور.

(٦) الحسنى : العاقبة الحسنة.

(٧) لانه ليس بين الهدى والضلالة شئ فان وراء الهدى ضلال كله. وفى النهج « ومن لم يستقم به الهدى يجربه الضلال إلى الردى ».

(٨) الظعن : الرحيل والامر تكوينى والمراد بالزاد عمل الصالحات وترك السيئات.

(٩) آذنت أى أعلمت واعلامها هوما أودع في طبيعتها من التقلب والتحول ومن نظر

٢٩٥

ألا وإن المضمار اليوم والسباق غدا ، ألا وإن السبقة الجنة والغاية النار. ألا وإنكم في أيام مهل من ورائه أجل (١) يحثه [ ال ] عجل. فمن أخلص لله عمله في أيامه قبل حضور أجله نفعه عمله ، ولم يضره أجله. ومن لم يعمل في أيام مهلمه ضره أمله ، ولم ينفعه عمله.

عبادالله! افزعوا إلى قوام دينكم (٢) بإقام الصلاة لوقتها. وإيتاء الزكاة في حينها والتضرع والخشوع. وصلة الرحم ، وخوف المعاد. وإعطاء السائل ، وإكرام الضعفة [ والضعيف ] (٣) وتعلم القرآن والعمل به ، وصدق الحديث ، والوفاء بالعهد وأداء الامانة إذا ائتمنتم ، وارغبوا في ثواب الله وارهبوا عذابه ، وجاهدوا في سبيل الله بأموالكم وأنفسكم. وتزودوا من الدنيا ما تحرزون به أنفسكم. واعملوا بالخير تجزوا بالخير يوم يفوز بالخير من قدم الخير. أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم.

٣ ـ من مناقب ابن الجوزي (٤) الخطبة المنبرية :

____________________

اليها يحصل له اليقين بفنائها. والطلاع من أطلاع من أطلع على فلان أى أشرف وأتاه ويفهم منه الاتيان بفجأة. وفى النهج « ان الدنيا قد آذنت بوداع والاخرة قد أشرفت باطلاع ألا وان اليوم المضمار وغدا السباق » والمضمار : الموضع الذى تضمر فيه الخيل. وتضميره أن تربط ويكثر علفها وماؤها حتى تسمن ثم يقلل علفها وماؤها وتجرى في الميدان حتى تهزل وذلك في مدة أربعين يوما وهذه المدة أيضا تسمى المضمار. والسباق : المسابقة واجراء الخيل في مضمار فتسابق فيه. والسبقة ـ بفتح فسكون ـ : المرة من السبق ـ وبفتحتين ـ : الغاية المحبوبة التى يحب السابق أن يصل اليها. و ـ بضم فسكون ـ : ما يترا هن عليه المتسابقون وهذا الكلام على سبيل الاستعارة أى العمل في الدنيا للاستباق في الاخرة.

(١) المهل ـ بالفتح ـ : المهلة. وأيضا. الرفق. وفى النهج « أمل ». أى الامل في البقاء واستمرار الحياة.

(٢) الافزاع : الاخافة ، الاغاثة وازالة الفزع « ضد ».

(٣) في بعض النسخ « الضعيفة والضعيف ».

(٤) المصدر ص ٧٠.

٢٩٦

روى مجاهد ، عن ابن عباس قال : خطب أمير المؤمنين عليه‌السلام يوما على منبر الكوفة فقال : الحمدلله وأحمده وأومن به وأستعينه وأستهديه ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأن محمدا عبده ورسوله أرسله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون ، ثم قال : أيتها النفوس المختلفة ، والقلوب المتشتته ، الشاهدة أبدانهم ، الغائبة عقولهم ، كم أدلكم على الحق رأنتم تنفرون نفور المعزى من وعوعة الاسد ، هيهات أن أطلع بكم ذروة العدل أو اقيم اعوجاج الحق اللهم إنك تعلم أنه لم يكن مني منافسة في سلطان ، ولا التماس فضول الحطام ، ولكن لارد المعالم من دينك ، وأظهر الصلاح في بلادك فيأمن المظلومون من عبادك ، وتقام المعطلة من حدودك. اللهم إنك تعلم أني أول من أناب ، وسمع فأجاب لم يسبقني إلا رسولك.

اللهم لاينبغي أن يكون الوالي على الدماء والفروج والمغانم والاحكام ومعالم الحلال والحرام ، وإمامة المسلمين [ وامور المؤمنين ] البخيل لان تهمته في جميع الاموال ، ولا الجاهل فيدلهم بجهلة على الضلال ، ولا الجافي فينفر هم بجفائه ، ولا الخائف فيتخذ قوما دون قوم ، ولا المرتشي في الحكم فيذهب بالحقوق ولا المعطل للسنن فيؤدي ذلك إلى الفجور ، ولا الباغي فيد حض الحق ، ولا الفاسق فيشين الشرع.

فقام إليه رجل فقال : يا أمير المؤمنين ما تقول في رجل مات وترك امرأة وابنتين وأبوين فقال : لكل واحد من الابوين السدس وللا بنتين الثلثان ، قال : فالمرأة قال : صار ثمنها تسعا وهذا من أبلغ الاجوبة.

٤ ـ خطبة : (١) ويعرف بالبالغة :

روى بن أبي ذئب عن أبي صالح العجلي قال : شهدت أمير المؤمنين كرم الله وجهه وهو يخطب فقال : بعد أن حمدالله تعالى وصلى على محمد رسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : أيها ـ

____________________

(١) في المصدر ص ٧٢ وسنده هكذا « القرشى » عن على بن الحسين (ع) عن عبدالله ابن صالح العجلى عن رجل من بنى شيبان قال. ».

٢٩٧

الناس إن الله أرسل إليكم رسولا ليزيح به علتكم ، ويوقظ به غفلتكم ، وإن أخوف ما أخاف عليكم اتباع الهوى وطول الامل ، أما اتباع الهوى فيصد كم (١) عن الحق ، وأما طول الامل فينسيكم الآخرة. ألا وإن الدنيا قدتر حلت مدبرة وإن الاخرة قد أقبلت مقبلة ، ولكل واحد منهما بنون فكونوا من أبناء الاخرة ولا تكونوا من أبناء الدنيا فان اليوم عمل ولا حساب ، وغدا حساب ولا عمل ، و اعلموا أنكم ميتون ومبعوثون من بعد الموت ، ومحاسبون علي أعمالكم ومجازون بها فلا تغرنكم الحياة الدنيا ولا يغرنكم بالله الغرور ، فانها دار بالبلاء محفوفة وبالعناء والغدر موصوفة وكل ما فيها إلى زوال وهي بين أهلها دول وسجال (٢) لاتدوم أحوالها ، ولا يسلم من شرها نزالها ، بينا أهلها منها في رخاء وسرور إذا هم في بلاء وغرور ، العيش فيها مذموم ، والرخاء فيها لا يدوم ، أهلها فيها أهداف وأغراض مستهدفة (٣) وكل فيها حتفه مقدور وحظه من نوائبها موفور ، وأنتم عبدالله على محجة من قد مضى ، وسبيل من كان ثم انقضى (٤) ممن كان أطول منكم أعمارا ، و أشد بطشا وأعمر ديارا ، أصبحت أجسادهم بالية ، وديارهم خالية وآثارهم عافية فاستبدلوا بالقصور المشيدة ، والنمارق الموسدة (٥) بطون اللحود ومجاورة اللدود في دار ساكنها مغترب ، ومحلها مقترب. بين قوم مستوحشين متجاورين غير متزاورين لا يستأنسون بالعمران ، ولا يتواصلون تواصل الجيران. على ما بينهم من قرب الجوار ودنو الدار ، وكيف يكون بينهم تواصل ، وقد طحنتهم البلى ، وأظلتهم الجنادل و

____________________

(١) في المصدر « فيضلكم ».

(٢) أى تارة لهم وتارة عليهم.

(٣) زاد في المصدر « وأسبابها مختلفة ».

(٤) في المصدر « واعملوا عبادالله أنكم وما أنتم فيه من زهرة الدنيا على سبيل من قد مضى ـ الخ » وجعل ما في المتن نسخة.

(٥) في المصدر « والنمارق الموسدة الصخور والاحجار في القبور التى خرب فناؤها وتهدم بناؤها فمحلها مقترب وساكنها مغترب الخ ». والمغترب : الظاعن.

٢٩٨

الثرى. فأصبحوا بعد الحياة أمواتا ، وبعد غضارة العيش رفاتا. قدفجع بهم الاحباب وسكنوا التراب ، وظعنوا فليس لهم إياب ، وتمنوا الرجوع فحيل بينهم وبين ما يشتهو « كلا إنها كلمة هو قائلها ومن ورائهم برزخ إلى يوم يبعثون » (١).

وقد أخرج أبونعيم طرفا من هذه الخطبة في كتابه المعروف بالحية.

٥ ـ خطبة : (٢) في مدح رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله :

ذكرها الحسن بن عرفة ، عن سعيد بن عمير قال : خطب أمير المؤمنين عليه‌السلام فقال : الحمد لله داحي المدحوات (٣) وداعم المسموكات ، وجابل القلوب على فطرتها شقيها ، وسعيدها وغويها ورشيدها ، اللهم واجعل شرائف صلواتك ونوامي بركاتك على سيدنا محمد عبدك ورسولك وحبيبك الخاتم لما سبق ، والفاتح لما انغلق ، المعلن بالحق ، الناطق بالصداق ، الدافع جيشات الاباطيل (٤) والدامغ هيشات الاضاليل

____________________

(١) زاد في المصدر بعد قوله « يبعثون » « وكأن قد صرتم إلى ما صاروا اليه وقدمتم على ما قدموا عليه فكيف بكم اذا تناهت الامور وبعثرما في القبور وحصل ما في الصدور ان ربهم بهم يومئذ لخبير ، وكأنى والله بكم وقد وقفتم للتحصيل بين يدى الملك الجليل فطارت القلوب لا شفاقها من سالف الذنوب وهبطت عنكم الحجب والاستار وظهرت العيوب والاسرار ، وزال الشك والارتياب هنالك تجزى كل نفس بما كسبت ان الله سريع الحساب جعلنا الله واياكم عاملين بكتابه متبعين لسنة رسوله ، حتى يحلنا دار المقامة من فضله ، انه حميد مجيد برحمته وكرمه ».

(٢) المصدر ص ٧٤ و ٧٥ وسنده هكذا « عبدالله بن ابى المجد ، عن عبدالوهاب ابن المبارك ، عن أحمد بن محمد بن حداد ، عن ابى بكر بن أحمد بن على بن ابراهيم ابن منحويه ، عن محمد بن أحمد بن اسحاق ، عن عبدالله بن سليمان ، عن الحسن بن عرفة عن عبادبن الحبيب ، عن مجالد ، عن سعيد بن عمير ».

(٣) أى باسط المبسوطات. وقوله « داعم المسموكات » أى مقيمها وحافظها. وقوله « جابل القلوب » أى خالقها.

(٤) يأتى معنى الجيشاب والهيشات بعد تمام الخطبة.

٢٩٩

فاضطلع قائما بأمرك (١) مستوفزا في مرضاتك ، غيرنا كل عن قدم (٢) ولا واه في عزم مراعيا لعهدك. محافظا لودك ، حتى أوري قبس القابس وأضاء الطريق للخابط (٣) وهدى به الناس بعد خوض الفتن والاثام ، والخبط في عشو الظلام ، فأنارت نيرات الاحكام بارتفاع الاعلام ، فهو أمينك المأمون ، وخازن علمك المخزون ، وشهيد يوم الدين وحجتك على العالمين ، وبعيثك بالحق ورسولك الصدق إلى الخلق اللهم فافسح له مفسحا في ظلك. واجزه بمضاعفات الخير من فضلك ، اللهم اجمع بيننا وبينه في بردالعيش ، وقرار النعمة ، ومنتهى الرغبة ، ومستقر اللذة ، ومنتهى الطمأنينة ، وأرجاء الدعة وأفناء الكرامة.

القدم (٤) بتسكين الدال التقدم ، والجيشات من جاشت القدر تجيش إذا غلت.

والهيشات الجماعات وهاشوا إذا تحركوا.

٦ ـ خطبة : (٥) اخرى في مدح رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله والائمة عليهم‌السلام.

رواها أحمد بن عبدالله الهاشمي ، عن الحسن بن علي بن محمد بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي عليهم‌السلام قال الحسين عليه‌السلام خطب أمير المؤمنين خطبة بليغة في مدح رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فقال بعد حمد الله والصلاة على نبيه : لما أراد الله أن ينشئ المخلوقات [ ويبدع الموجودات ] أقام الخلائق في صورة

____________________

(١) فاضطلع أى نهض قويا والضلاعة : القوة. والمستوفز : المسارع المستعجل.

(٢) الناكل : الناكص والمتأخر. أى غير جبان يتأخر عند وجوب الاقدام. والواهى : الضعيف.

(٣) ورى الزند ـ كوعى ـ وورى ـ كولى ـ : خرجت ناره ، واوريته ووريته واستوريته. والقبس شعلة من النار والقابس الذى يطلب النار. والكلام تمثيل لنجاح طالب الحق ببلوغ طلبتهم منه واشراق النفوس المستعدة لقبوله بما سطع من أنواره. والخابط : الذى يسير ليلا على غير الجادة.

(٤) هذا من كلام صاحب المناقب.

(٥) في المصدر المطبوع ص ٧٦ بزيادات واختلاف.

٣٠٠