بحار الأنوار

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي

بحار الأنوار

المؤلف:

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي


الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: مؤسسة الوفاء
الطبعة: ٢
الصفحات: ٤٤٧
  الجزء ١   الجزء ٢   الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠ الجزء ٢١ الجزء ٢٢ الجزء ٢٣ الجزء ٢٤ الجزء ٢٥ الجزء ٢٦ الجزء ٢٧ الجزء ٢٨ الجزء ٢٩ الجزء ٣٠ الجزء ٣١ الجزء ٣٥ الجزء ٣٦ الجزء ٣٧ الجزء ٣٨ الجزء ٣٩ الجزء ٤٠ الجزء ٤١ الجزء ٤٢ الجزء ٤٣ الجزء ٤٤ الجزء ٤٥ الجزء ٤٦ الجزء ٤٧ الجزء ٤٨ الجزء ٤٩ الجزء ٥٠ الجزء ٥١ الجزء ٥٢ الجزء ٥٣ الجزء ٥٤ الجزء ٥٥ الجزء ٥٦ الجزء ٥٧ الجزء ٥٨ الجزء ٥٩ الجزء ٦٠ الجزء ٦١   الجزء ٦٢ الجزء ٦٣ الجزء ٦٤ الجزء ٦٥ الجزء ٦٦ الجزء ٦٧ الجزء ٦٨ الجزء ٦٩ الجزء ٧٠ الجزء ٧١ الجزء ٧٢ الجزء ٧٣ الجزء ٧٤ الجزء ٧٥ الجزء ٧٦ الجزء ٧٧ الجزء ٧٨ الجزء ٧٩ الجزء ٨٠ الجزء ٨١ الجزء ٨٢ الجزء ٨٣ الجزء ٨٤ الجزء ٨٥ الجزء ٨٦ الجزء ٨٧ الجزء ٨٨ الجزء ٨٩ الجزء ٩٠ الجزء ٩١ الجزء ٩٢ الجزء ٩٣ الجزء ٩٤   الجزء ٩٥ الجزء ٩٦   الجزء ٩٧ الجزء ٩٨ الجزء ٩٩ الجزء ١٠٠ الجزء ١٠١ الجزء ١٠٢ الجزء ١٠٣ الجزء ١٠٤

والانف (١) يبسط الله عليك أكناف رحمته (٢) ويوجب لك ثواب أهل طاعته ، فأعط ما أعطيت هنيئا (٣) وامنع في إجمال وإعذار وتواضع هناك ، فان الله يحب المتواظعين وليكن أكرم أعوانك عليك ألينهم جانبا ، وأحسنهم مراجعة ، وألطفهم بالضعفاء ، إن شاءالله.

ثم إن امورا من امورك لا بد لك من مباشرتها ، منها إحابة عمالك ما يعيى عنه كتابك (٤) ، ومنها إصدار حاجات الناس في قصصهم ، ومنها معرفة ما يصل إلى الكتاب والخزان مما تحت أيديهم ، فلا تتوان فيما هنالك ولا تغتنم تأخيره واجعل لكل أمر منها من يناظر فيه ولاته بتفريح لقلبك وهمك ، فكلما أمضيت أمرا فأمضه بعد التروية (٥) ومراجعة نفسك ومشاورة ولي ذلك ، بغير احتشام ولا رأي (٦) يكسب به عليك نقيضه.

ثم أمض لكل يوم علمه فان لكل يوم ما فيه ، واجعل لنفسك فيما بينك وبين الله أفضل تلك المواقيت ، وأجزل تلك الاقسام (٧) وإن كانت كلها لله إذا صحت فيها النية (٨) وسلمت منها الرعية ، وليكن في خاص ما تخلص لله به دينك إقامة فرائضه التي هي له خاصة ، فأعط الله من بدنك في ليلك ونهارك ما يجب ، فان الله جعل النافلة لنبيه خاصة دون خلقه فقال : « ومن الليل فتهجد به نافلة لك عسى

____________________

(١) المراد بالضيق : ضيق الصدر من هم أوسوء خلق. والانف ـ بالتحريك ـ : الاستكبار والترفع. أى بعد عن نفسك هذا وذلك.

(٢) الاكناف : الاطراف.

(٣) هنيئا : سهلا لينا أى لا تخشنه واذا منعت فامنع بلطف وعذر.

(٤) أى يعجز عنه.

(٥) التروية : النظر في الامر والتفكر فيه.

(٦) الاحتشام من الحشمة ـ بالكسر ـ : الاستحياء والانقباض والغضب.

(٧) أجزل : أعظم.

(٨) في النهج « اذا صلحت ».

٢٦١

أن يبعثك ربك مقاما محمودا » (١) فذلك أمر اختص الله به نبيه وأكرمه به ليس لاحد سواه وهو لمن سواه تطوع فإنه يقول : « ومن تطوع خيرا فان الله شاكر عليم (٢) » فوفر ما تقربت به إلى الله وكرمه أد فرائضه إلى الله كاملا غير مثلوب ولا منقوص (٣) بالغا ذلك من بدنك ما بلغ. فإذا قمت في صلاتك بالناس فلا تطو لن ولا تكونن منفرا ولا مضيعا (٤) فان في الناس من به العلة وله الحاجة ، وقد سألت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله حين وجهني إلى اليمن : كيف اصلي بهم؟ فقال : « صل بهم كصلاة أضعفهم وكن بالمؤمنين رحيما ».

وبعد هذا (٥) فلا تطولن احتجابك عن رعيتك. فإن احتجاب الولاة عن الرعية شعبة من الضيق ، وقلة علم بالامور. والاحتجاب يقطع عنهم علم ما احتجبوا دونه فيصغر عندهم الكبير ، ويعظم الصغير ، ويقبح الحسن ، ويحسن القبيح ، ويشاب الحق بالباطل (٦) وإنما الوالي بشر لا يعرف ما توارى عنه الناس به من الامور و ليست على القول سمات (٧) يعرف بها الصدق من الكذب ، فتحصن من الادخال في الحقوق بلين الحجاب (٨) فإنما أنت أحد رجلين : إما امرء سخت نفسك بالبذل في الحق ففيم احتجابك ، من واجب حق تعطيه؟ أو خلق كريم تسديه؟ وإما مبتلى

____________________

(١) سورة الاسراء : ٨١.

(٢) سورة البقرة : ١٥٣. وفى النهج [ ووف ما تقربت ].

(٣) المثلوب : المعيوب. وفى النهج « المثلوم » أى المخدوش. وبالغا أى وان بلغ من اتعاب بدنك أى مبلغ.

(٤) أى بالتطول والتنقص. والمطلوب المتوسط.

(٥) وفى النهج « وأما بعد ».

(٦) يشاب : يخلط.

(٧) سمات : جمع سمة ـ بكسر السين ـ : العلامة. وفى النهج « وليست على الحق سمات تعرف بها ضروب الصدق من الكذب ».

(٨) الادخال في الحقوق : الافساد فيها. ومن المحتمل « الادغال في الحقوق ».

٢٦٢

بالمنع فما أسرع كف الناس عن مسألتك إذا أيسوا من بذلك مع أن أكثر حاجات الناس إليك مالا مؤونة عليك فيه من شكاية مظلمة أوطلب إنصاف. فانتفع بما وصفت لك واقتصرفيه على حظلك ورشدك إن شاءالله.

ثم إن للمولك خاصة وبطانة فيهم استئثار وتطاول وقلة إنصاف (١) فاحسم مادة أولئك بقطع أسباب تلك الاشياء ، ولا تقطعن لاحد من حشمك ولا حامتك قطيعة (٢) ولا تعتمدن في اعتقاد عقدة تضر بمن يليها من الناس في شرب أو عمل مشترك يحملون مؤونتهم على غير هم فيكون مهنأ ذلك لهم دونك وعيبه عليك في الدنيا والآخرة (٣) عليك بالعدل في حكمك إذا انتهت الامور وألزم الحق من لزمه من القريب والبعيد ، وكن في ذلك صابرا محتسبا ، وافعل ذلك بقرابتك حيث وقع وابتغ عاقبته بما يثقل عليه منه (٤) فان مغبة ذلك محمودة.

وإن ظنت الرعية بك حيفا فأصحرلهم بعذرك (٥) واعدل عنك ظنونهم

____________________

(١) الاستئثار : تقديم النفس على الغير. والتطاول : الترفع والتكبر.

(٢) الحسم : القطع. والحشم ـ محركة ـ : الخدم. وفى النهج « حاشيتك ». والحامة الخاصة. والقطيعة ـ من الاقطاع ـ : المنحة من الارض.

(٣) العقدة : الولاية على البلد ، وما يمسك الشئ ويوثقه ، وموضع العقد وهو ما عقد عليه والضيعة ، والعقار الذى اعتقده صاحبه ملكا ، والبيعة المعقودة لهم ، والمكان الكثير الشجر أو النخل والكلاء الكافى للابل. وفى النهج هكذا « ولا تقطعن لاحد من حاشيتك و حامتك قطيعة ولا يطمعن منك في اعتقاد عقدة تضر بمن يليها من الناس ». والمهنأ ، ما يأتيك بلامشقة والمنفعة الهنيئة.

(٤) في النهج « واقعا ذلك من قرابتك وخاصتك حيث وقع وابتغ عاقبته بما يثقل عليك منه ». والمغبة : العاقبة.

(٥) الحيف : الظلم. والاصحار : الابراز والاظهار. أى اذا فعلت فعلا وظنت الرعية أنه ظلم فأبرزلهم عذرك وبينه. وعدل عته : نحاه عنه.

٢٦٣

بإصحارك ، فان تلك رياضة منك لنفسك ، ورفق منك برعيتك ، وإعذار تبلغ فيه حاجتك من تقويمهم على الحق في خفض وإجمال (١). لا تدفعن صلحا دعاك إليه عدوك فيه رضى (٢) فان في الصلح دعة لجنودك وراحة من همومك وأمنا لبلادك ، ولكن الحذر كل الحذر (٣) من مقاربة عدوك في طلب الصلح فان العدو ربما قارب ليتغفل ، فخذ بالحزم وتحصن كل مخوف تؤتي منه. وبالله الثقة في جميع الامور. وإن لجت بينك (٤) وبين عدوك قضية عقدت له بها صلحا أو ألبسته منك ذمة فحط عهدك بالوفاء وارع ذمتك بالامانة واجعل نفسك جنة دونه (٥) فانه ليس شئ من فرائض الله عزوجل الناس أشد عليه اجتماعا في تفريق أهوائهم ، وتشتيت أديانهم من تعظيم الوفاء بالعهود (٦) وقد لزم ذلك المشركون فيما بينهم دون المسلمين لما استوبلوا (٧) من الغدر والختر ، فلا تغدرن بذمتك ولا تخفر بعهدك (٨) ولا تختلن عدوك ، فانه لا يجترى ء على الله إلا جاهل ، قد جعل الله عهده وذمته أمنا أفضاه بين العباد برحمته (٩) وحريما يسكنون إلى منعته ، ويستفيضون به

____________________

(١) الخفض : السكون والدعة.

(٢) في النهج « ولله فيه رضى ».

(٣) في النهج « ولكن الحذر كل الحذر من عدوك بعد صلحه ».

(٤) اللجاج : العناد والخصومة. لج في الامر : لازمه وأبى أن ينصرف عنه.

(٥) أى دون ما أعطيت ، كما في النهج.

(٦) الناس مبتدأ وخبره أشد والجملة خبر ليس ، يعنى ان الناس مع تفرق أهوائهم وتشتت آرائهم لم يجتمعوا على فريضة أشد اهتماما من اجتماعهم على تعظيم الوفاء بالعهود حتى أن المشركين التزموا به مع أنهم ليسوا من المسلمين.

(٧) استوبلوا : استو خموا من عواقب الغدر والختر وهو الغدر أيضا.

(٨) فلا تخفر أى فلا تنقض بعهدك وفى النهج « ولا تخيسن » من خاس بعهده أى خانه ونقضه.

(٩) الافضاء أصله الاتساع وهنا محار ويراد به الافشاء والانتشار. والحريم : ما حرم أن يمس. والمنعة : القوة التى تمنع من يريد باحد سوءا.

٢٦٤

إلى جواره ن فلا خداع ، ولا مدالسة ، ولا إذعال فيه (١).

فلا يدعونك ضيق أمر لزمك فيه عهد الله على طلب انفساخه ، فان صبرك على ضيق ترجو انفراجه وفضل عاقبته خير من غدر تخاف تبعته (٢) وأن تحيط بك من الله طلبة [ فيه ] ، ولا تستقيل فيها دنياك ولا آخرتك.

وإياك والدماء وسفكها بغير حلها فانه ليس شئ أدعى لنقمة ، ولا أعظم لتبعة ولا أحرى لزوال نعمة ، وانقطاع مدة من سفك الدماء بغير الحق. والله مبتدء بالحكم بين العباد فيما يتسافكون من الدماء ، فلا تصونن سلطانك (٣) بسفك دم حرام ، فان ذلك يخلقه ويزيله ، فإياك والتعرض لسخط الله فان الله قد جعل لولي من قتل مظلوما سلطانا قال الله : « ومن قتل مظلوما ففد جعلنا لوليه سلطانا فلا يسرف في القتل إنه كان منصورا (٤) » ولا عذر لك عند الله ولا عندي في قتل العمد لان فيه قود البدن (٥). فان ابتليت بخطأ وفرط عليه سوطك أويدك لعقوبة فان في الوكزة فما قوقها مقتلة فلا تطمحن بك نخوة سلطانك عن أن تؤدي إلى أهل المقتول حقهم دية مسلمة يتقرب بها إلى الله زلفى (٦).

إياك والاعجاب بنفسك والثقة بما يعجبك منها وحب الاطراء ، فإن

____________________

(١) المداسة : الخيانة. والادغال : الافساد.

(٢) التبعة : ما يترتب على الفعل من الخير أو الشر واستعماله في الشر أكثر. و « أن تحيط » عطف على تبعة. والطلبة اسم من المطالبة أى وتخاف أن تتوجه عليك من الله مطالبة بحقه في الوفاء الذى غدرته ولا يمكن أن تسأل الله أن يقيلك من هذه المطالبة بعفوه عنك.

(٣) في النهج « ولا تقوين سلطانك ».

(٤) سورة الاسرى : ٤٣.

(٥) القود ـ بالتحريك ـ : القصاص.

(٦) « فرط عليه » عجل بمالم تكن تريده أى أردت تاديبا فاعقب قتلا. والوكزة : الضربة بجمع الكف. وهى تعليل : لقوله « وفرط عليه ». قوله : « فلا تطمحن » جواب الشرط أى لا يرتفعن بك كبرياء السلطان عن تأدية الدية إلى أهل المقتول في القتل الخطاء.

٢٦٥

ذلك من أوثق فرص الشيطان في نفسه (١) ليمحق ما يكون من إحسان المحسن.

وإياك والمن على رعيتك بإحسان أو التزيد فيما كان من فعلك (٢) أوتعدهم فتتبع موعدك بخلفك أو التسرع إلى الرعية بلسانك (٣) فان المن يبطل الاحسان (٤) والخلف يوجب المقت ، وقد قال الله جل ثناؤه : كبر مقتا عند الله أن تقولوا مالا تفعلون » (٥).

إياك والعجلة بالامور قبل أوانها ، والتساقط فيها عند زمانها (٦) واللجاجة فيها إذا تنكرت (٧) والوهن فيها إذا أوضحت ، فضع كل أمر موضعه ، وأوقع كل عمل موقعه.

وإياك والاستئثار بما للناس فيه يعينك ، والتغابي عما يعنى به (٨) مما قد وضح لعيون الناظرين ، فانه مأخوذ لغيرك ، وعما قليل تكشف عنك أغطية الامور ، ويبرز الجبار بعظمته ، فينتصف المظلومون من الظالمين.

ثم أملك حمية أنفك (٩) وسورة حدتك ، وسطوة يدك ، وغرب لسانك ، و

____________________

(١) الاطراء : المبالغة في المدح والثناء. الفرص : جمع الفرصة ـ بالضم ـ : الوقت المناسب للوصول إلى المقصد.

(٢) التزيد ـ كالتقيد ـ : اظهار الزيادة وتكلفها في الاعمال عن الواقع منها.

(٣) التسرع : المبادرة والتعجيل.

(٤) في النهج بعد هذه العبارة « والتزيد يذهب بنور الحق ». والمقت : السخط والبغض.

(٥) سورة الصف : ٤.

(٦) التساقط : تتابع السقوط والمراد به هنا التهاون وقيل : من ساقط الفرس اذا جاء مسترخيا وفى النهج « التساقط فيها عند امكانها والوهن عنها اذا استوضحت ».

(٧) أى لم يعرف وجه الصواب فيها. والوهن. الضعف.

(٨) التغابى : التغافل عما يهتمم به و « يعنى » على صيغة المفعول.

(٩) الحمية : الانفة والنخوة وفلان حمى الانف : اذا كان ابيا يأنف الضيم. والسورة بفتح فسكون ـ : السطوة. والحدة ـ بالفتح ـ من الانسان : بأسه وما يعتريه من الغضب. والغرب : الحدة والنشاط وأيضا بمعنى الحد.

٢٦٦

احترس كل ذلك بكف البادرة (١) وتأخير السطوة ، وارفع بصرك إلى السماء عند ما يحضرك منه حتى يسكن غضبك فتملك الاختيار ، ولن تحكم ذلك من نفسك حتى تكثر همومك بذكر المعاد (٢).

ثم اعلم أنه قد جمع ما في هذا العهد من صنوف ما لم آلك فيه رشدا إن أحب الله إرشادك وتوفيقك أن تتذكر ما كان من كل ما شاهدت منا فتكون ولا يتك هذه من حكومة عادلة ، أوسنة فاضلة ، أو أثر عن نبيك صلى‌الله‌عليه‌وآله ، أو فريضة في كتاب الله فتقتدي بما شاهدت مما عملنا به منها. وتجتهد نفسك في اتباع ما عهدت إليك في عهدي و استوثقت من الحجة لنفسي ، لكيلا تكون لك علة عند تسرع نفسك إلى هواها ، فليس يعصم من السوء ، ولا يوفق للخير إلا الله جل ثناؤه. وقد كان مما عهد إلي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في وصايته تحضيضا على الصلاة والزكوة وما ملكت أيمانكم ، فبذلك أختم لك ما عهدت ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

وأنا أسأل الله سعة رحمته وعظيم مواهبه وقدرته على إعطاء كل رغبة (٣) أن يوفقني وإياك لما فيه رضاه من الاقامة على العذر الواضح إليه وإلى خلقه (٤) مع حسن الثناء في العباد وحسن الاثر في البلاد وتمام النعمة وتضعيف الكرامة (٥) و أن يختم لي ولك بالسعادة والشهادة وإنا إليه راغبون والسلام على رسول الله وعلى آله الطيبين الطاهرين وسلم كثيرا.

جش : (٦) الاصبغ بن نباتة كان من خاصة أمير المؤمنين عليه‌السلام وعمر بعده

____________________

(١) البادرة : الحدة أوما يبدر من اللسان عند الغضب من السب ونحوه.

(٢) في النهج « بذكر المعاد إلى ربك ».

(٣) اى اعطاه كل سائل ماسأله ، كانه قال : القادر على اعطاء كل سؤال.

(٤) المراد من العذر الحجة الواضحة العادلة ، يعنى فانه حجة لك عند من قضيت عليه وعذر عند الله فيمن اجريت عليه عقوبة او حرمته من منفعة.

(٥) اى زيادة الكرامة اضعافا.

(٦) الرجال ص ٧.

٢٦٧

روى عنه عهد الاشتر ووصيته إلى محمد ابنه أخبرنا ابن الجندي ، عن علي بن همام عن الحميري ، عن هارون بن مسلم ، عن الحسين بن علوان ، عن سعد بن طريف ، عن الاصبغ بالعهد.

ايضاح : قوله عليه‌السلام (١).

١١

* ( باب ) *

* « ( وصيته عليه‌السلام لكميل بن زياد النخعى ) » *

١ ـ بشا : (٢) أخبرنا الشيخ أبوالبقاء إبراهيم بن الحسين بن إبراهيم البصري بقرأتي عليه في المحرم سنة ست عشر وخمسمائة بمشهد مولينا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه‌السلام ، عن أبي طالب محمد بن الحسن بن عتبة ، عن أبي الحسن محمد بن الحسين ابن أحمد ، عن محمد بن وهبان الدبيلي ، عن علي بن أحمد بن كثير العسكري ، عن أحمد بن أبي سلمة محمد بن كثير (٣) عن أحمد بن أحمد بن الفضل الاصفهاني ، عن أبي راشد بن علي بن وائل القرشي ، عن عبدالله بن حفص المدني ، عن أبي (٤) محمد بن إسحاق ، عن سعيد بن زيد بن أرطاة قال : لقيت كميل بن زياد وسألته عن فضل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه‌السلام فقال : ألا اخبرك بوصية أوصاني بها يوما هي خير لك من الدنيا بما فيها؟ فقلت : بلى فقال : أوصاني يوما فقال لي : يا كميل ابن زياد سم كل يوم باسم الله ولا حول ولا قوة إلا بالله وتوكل على الله ، واذكرنا

____________________

(١) كان هنا بياض مقدار ورق. وذلك لان عمر المؤلف ـ رضوان الله عليه ـ لم يف بترصيف بعض مجلدات الكتاب وبيان مشكله وتوضيح معضله ومنها هذا المجلد.

(٢) بشارة المصطفى ص ٢٩ الطبعة الاولى.

(٣) في المصدر عن على بن أحمد بن كثير العسكرى ، عن أحمد بن المفضل أبى سلمة الاصفهانى قال أخبرنى أحمد بن راشد بن على بن وائل القرشى.

(٤) في المصدر « عن محمد بن اسحاق ».

٢٦٨

وسم بأسمائنا ، وصل علينا واستعذ بالله ربنا وادرأ بذلك عن نفسك (١) وما تحوطه عنايتك (٢) تكف شر ذلك اليوم إن شاء الله.

يا كميل إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أد به الله عزوجل وهو أدبني وأنا اؤدب المؤمنين واورث الادب المكرمين.

يا كميل ما من علم إلا وأنا أفتحه وما من سر إلا والقائم عليه‌السلام يختمه.

يا كميل ذرية بعضها من بعض والله سميع عليهم.

يا كميل لا تأخذ إلا عنا تكن منا.

يا كميل ما من حركة إلا وأنت محتاج فيها إلى معرفة (٣).

يا كميل إذا أكلت الطعام فسم باسم الله الذي لا يضر مع اسمه داء وهو الشفاء من جميع الادواء (٤).

يا كميل إذا أكلت الطعام فواكل به ، ولا تبخل به فإنك لم ترزق الناس شيئا ، والله يجزل لك الثواب بذلك.

يا كميل أحسن خلقك وأبسط جليسك (٥) ولا تنهرن خادمك يا كميل إذا أنت أكلت فطول أكلك ليستوفى من معك ويرزق منه غيرك.

يا كميل اذا استوفيت طعامك فاحمد الله على ما رزقك ، وارفع بذلك صوتك ليحمده سواك ، فيعظم بذلك أجرك.

يا كميل لا توقرن معدتك طعاما ودع فيها للماء موضعا وللريح مجالا (٦).

____________________

(١) في التحف وفى بعض النسخ من الكتاب « أدر بذلك على نفسك » وأدرامن درى بالشئ أن توصل إلى عمله.

(٢) تحوطه : تحفظه ، وتعهده عنايتك.

(٣) في بعض النسخ « إلى معونة ».

(٤) في بعض النسخ « جميع الاسواء ».

(٥) بسط الرجل ـ : سره. وفى المصدر « إلى جليسك » وفى بعض النسخ « لا تتهم خادمك ».

(٦) « لا توقرن » أى لا تثقلن معدتك من الطعام. وفى بعض النسخ « لا توفرن » بالفاء.

٢٦٩

يا كميل لا تنقد طعامك فان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لا ينقده.

يا كميل لا ترفعن يدك من الطعام إلا وأنت تشتهيه فاذا فعلت ذلك فأنت تستمرئه (١).

يا كميل صحة الجسم من قلة الطعام وقلة الماء.

يا كميل البركة في المال من إيتاء الزكاة ومواساة المؤمنين ، وصلة الاقربين وهم الاقربون [ لنا ].

يا كميل زد قرابتك المؤمن على ما تعطي سواه من المؤمنين وكن بهم أرأف و عليهم أعطف ، وتصدق على المساكين.

ياكميل لا تردن سائلا ولو بشق تمرة أومن شطر عنب.

يا كميل الصدقة تنمى عندالله.

يا كميل حسن خلق المؤمن من التواضع ، وجماله التعفف ، وشرفه الشفقة وعزة ترك القال والقيل (٢).

يا كميل إياك والمراء فانك تغري بنفسك السفهاء إذا فعلت وتفسد الاخاء.

يا كميل إذا جادلت في الله تعالى فلا تخاطب إلا من يشبه العقلاء وهذا [ قول ] ضرورة. يا كميل هم على كل حال سفهاء كما قال الله تعالى « ألا إنهم هم السفهاء ولكن لا يعلمون » (٣).

يا كميل في كل صنف قوم أرفع من قوم ، وإياك ومناظرة الخسيس منهم ، و إن أسمعوك فاحتمل وكن من الذين وصفهم الله تعالى بقوله « وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما » (٤).

____________________

(١) استمرأ الطعام : استطيبه ووجده مرئيا.

(٢) القال والقيل ـ مصدران ـ : ما يقوله الناس. وقيل : القال الابتداء والسؤال والقيل الجواب.

(٣) البقرة : ١٣.

(٤) الفرقان : ٦٤.

٢٧٠

يا كميل قل الحق على كل حال ، ووازر المتقين ، واهجر الفاسقين.

يا كميل جانب المنافقين ، ولاتصاحب الخائنين.

يا كميل إياك إياك والتطرق إلى أبواب الظالمين والا ختلاط بهم والاكتساب منهم وإياك أن تطيعهم وأن تشهد في مجالسهم بما يسخط الله عليك.

يا كميل إذا اضطررت إلى حضور هم فداوم ذكر الله تعالى والتوكل عليه و استعذ بالله من شرهم ، واطرق عنهم (١) وأنكر بقلبك فعلهم ، واجهر بتعظيم الله تعالى لتسمعهم فانهم يها بوك وتكفي شرهم.

ياكميل إن أحب ما امتثله العباد إلى الله بعد الاقرار به وبأوليائه عليهم‌السلام التجمل والتعفف والا صطبار.

يا كميل لا بأس بأن لا يعلم سرك.

يا كميل لا ترين الناس افتقارك واضطرارك ، واصطبر عليه احتسابا بعز وتستر.

يا كميل لابأس بأن تعلم أخاك سرك.

يا كميل ومن أخوك؟ أخوك الذي لا يخذلك عند الشدة ولا يغفل عنك عند الجريرة (٢) ولا يخدعك حين تسأله ولا يتركك وأمرك حتى تعلمه فإن كان مميلا أصلحه (٣).

يا كميل المؤمن مرآة المؤمن [ لانه ] يتأمله ، ويسد فاقته ، ويجمل حالته.

يا كميل المؤمنون إخوة ، ولا شئ آثر عند كل أخ من أخيه (٤).

يا كميل إذا لم تحب أخاك فلست أخاه.

يا كميل إنما المؤمن من قال بقولنا ، فمن تخلف عنا قصر عنا ، ومن قصر عنا

____________________

(١) أطرق الرجل : سكت ولم يتكلم وارخى عينه ينظر إلى الارض.

(٢) الجريرة : الجناية ، لانها تجر العقوبة إلى الجانى.

(٣) المميل ـ اسم فاعل من أمال ـ : صاحب ثروة ومال كثير.

(٤) آثر أى أقدم واكرم.

٢٧١

لم يلحق بنا ، ومن لم يكن معنا ففي الدرك الاسفل من النار.

يا كميل كل مصدور ينفث فمن نفث إليك منا بأمر أمرك بستره فإياك أن تبديه (١) فليس لك من إبدائه توبة فاذا لم تكن توبة فالمصير إلى لظى (٢).

يا كميل إذاعة سر آل محمد عليهم‌السلام لا يقبل الله تعالى منها ولا يحتمل أحدا عليها.

يا كميل وما قالوه لك مطلقا فلا تعلمه إلا مؤمنا موفقا (٣).

يا كميل لا تعلموا الكافرين من أخبارنا فيزيدوا عليها فيبدو كم بها [ إلى ] يوم يعاقبون عليها.

يا كميل لا بد لما ضيكم من أوبة (٤) ولابد لنا فيكم من غلبة.

يا كميل سيجمع الله تعالى لكم خير البدء والعاقبة.

يا كميل أتتم ممتعون بأعدائكم ، تطربون بطربهم ، وتشربون بشربهم ، و تأكلون بأكلهم ، وتدخلون مداخلهم ، وربما غلبتم على نعمتهم إي والله على إكراه منهم لذلك ، ولكن الله عزوجل ناصر كم وخاذلهم ، فاذا كان والله يومكم ، وظهر صاحبكم لم يأكلوا والله معكم ، ولم يردوا موارد كم ، ولم يقرعوا أبوابكم ، ولم ينالوا نعمتكم أذلة خاسئين أينما ثقفوا اخذوا وقتلوا تقتيلا.

يا كميل احمد الله تعالى والمؤمنون على ذلك وعلى كل نعمة.

يا كميل قل عند كل شدة لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم تكفها. و قل عند كل نعمة الحمدلله تزد منها ، وإذا ابطأت الارزاق عليك فاستغفر الله يوسع عليك فيها.

____________________

(١) المصدور : الذى يشتكى من صدره. وينفث المصدر أى رمى بالنفاثة. المراد ان من ملا صدره من مجبتنا وأمرنا لا يمكن له أن يقيها ولا يبرزها ، فاذا أبرزها وأمر بسترها فاسترها. وفى بعض النسخ « فمن نفث اليك منا بأمر فاستره ».

(٢) اللظى : النار ولهبها.

(٣) في المصدر « فلا يعلمه الا مؤمنا موفقا ».

(٤) الاوب : الرجوع ، آب يؤوب من سفر رجع.

٢٧٢

ياكميل إذا وسوس الشيطان في صدرك فقل : أعوذ بالله القوي من الشيطان الغوي وأعوذ بمحمد الرضي من شر ما قدر وقضى ، وأعوذ بإله الناس من شر الجنة و الناس أجمعين وسلم تكفي مؤونة إبليس والشياطين معه ولو أنهم كلهم أبالسه مثله.

يا كميل إن لهم خدعا وشقاشق (١) وزخازف ووساوس وخيلاء على كل أحد قدر منزلته في الطاعة والمعصية ، فبحسب ذلك يستولون عليه بالغلبة.

ياكميل لا عدو أعدى منهم ولا ضار أضر بك منهم ، امنيتهم أن تكون معهم غدا إذا اجتثوا في العذاب [ الاليم ] (٢) لا يفتر عنهم بشرره ، ولا يقصر عنهم خالدين فيها أبدا.

يا كميل سخط الله تعالى محيط بمن لم يحترزمنهم باسمه ونبيه وجميع عزائمه وعوذه عزوجل وصلى الله على نبيه وآله وسلم.

يا كميل إنهم يخدعونك بأنفسهم ، فاذا لم تجبهم مكروا بك وبنفسك بتحسينهم إليك شهواتك (٣) وإعطائك أمانيك وإرادتك ويسولون لك ، وينسونك ، وينهونك ويأمرونك ، ويحسنون ظنك بالله عزوجل حتى ترجوه فتغتر بذلك فتعصيه وجزاء العاصي لظى.

يا كميل احفظ قول الله عزوجل « الشيطان سول لهم وأملى لهم » (٤) و المسول الشيطان والمملي الله تعالى.

يا كميل اذكر قول الله تعالى لا بليس لعنه الله « وأجلب عليهم بخيلك ورجلك وشاركهم في الاموال والاولاد وعدهم وما يعدهم الشيطان إلا غرورا » (٥).

يا كميل إن إبليس لا يعد عن نفسه ، وإنما يعد عن ربه ليحملهم على معصيته فيورطهم.

____________________

(١) الشقاشق : جمع شقشقة وهى شئ يخرجه البعير من فيه اذا هاج.

(٢) اجتثوا أى اقتلعوا ، وفى بعض النسخ « جثوا في العذاب ».

(٣) في بعض النسخ « بتحبيبهم اليك ».

(٤) محمد «ص» : ٢٧.

(٥) الاسراء : ٦٦.

٢٧٣

يا كميل إنه يأتي لك بلطف كيده فيأمرك يعلم أنك قد ألفته من طاعة لا تدعها فتحسب أن ذلك ملك كريم ، وإنما هو شيطان رجيم ، فاذا سكنت إليه واطمأننت حملك على العظائم المهلكة التي لانجاة معها.

يا كميل إن له فخاخا ينصبها فاحذر أن يوقعك فيها (١).

يا كميل إن الارض مملوة من فخاخهم فلن ينجومنها إلا من تشبث بنا وقد أعلمك الله أنه لن ينجومنها إلا عباده وعباده أولياؤنا.

يا كميل وهو قول الله عزوجل « إن عبادي ليس لك عليهم سلطان » وقوله عزوجل « إنما سلطانه على الذين يتولونه والذينهم به مشركون » (٢).

يا كميل انج بولايتنا من أن يشركك في مالك وولدك كما امر.

يا كميل لا تغتر بأقوام يصلون فيطيلون ، ويصومون فيداومون ، ويتصدقون فيحسبون أنهم موقوفون (٣).

ياكميل اقسم بالله لسمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول : إن الشيطان إذا حمل قوما على الفواحش مثل الزنى ، وشرب الخمر ، والربا ، وما أشبه ذلك من الخنى (٤) والمأثم حبب إليهم العبادة الشديدة ، والخشوع ، والركوع ، والخضوع والسجود ثم حملهم على ولاية الاثمة الذين يدعون إلى النار ويوم القيامة لا ينصرون.

يا كميل إنه مستقر ومستودع (٥) واحذر أن تكون من المستودعين.

يا كميل إنما تستحق أن تكون مستقرا إذا لزمت الجادة الواضحة التي لاتخرجك إلى عوج ولا تزيلك عن منهج ما حملناك عليه و [ ما ] هديناك إليه.

____________________

(١) الفخاخ جمع فخ وهو آلة الصيد.

(٢) النحل : ١٠٢.

(٣) أى موقوفون ومسئولون عنها فحسب دون ولاية الائمة.

(٤) الخنى : الفحش ، والمأثم : الخطيئة.

(٥) يعنى به الايمان فانه مستقر ومستودع.

٢٧٤

ياكميل لا رخصة في فرض ولا شدة في نافلة.

يا كميل إن الله عزوجل لا يسألك إلا عما فرض وإنما قد منا عمل النوافل بين أيدينا للاهوال العظام والطامة يوم القيامة.

يا كميل إن الواجب لله أعظم من أن تزيله الفرائض والنوافل وجميع الاعمال وصالح الاموال (١) ولكن من تطوع خيرا فهو خيرله.

يا كميل إن ذنوبك أكثر من حسناتك ، وغفلتك أكثر من ذكرك ، ونعم الله عليك أكثر من كل عملك.

يا كميل إنه لا تخلو من نعمة الله عزوجل عندك وعافيته فلا تخل من تحميده وتمجيده ، وتسبيحه ، وتقديسه ، وشكره ، وذكره على كل حال.

يا كميل لا تكونن من الذين قال الله عزوجل « نسوا الله فأنسيهم أنفسهم » (٢) ونسيهم إلى الفسق « اولئك هم الفاسقون ».

يا كميل ليس الشأن أن تصلي وتصوم وتتصدق إنما الشأن أن تكون الصلاة فعلت بقلب نقي وعمل عند الله مرضي وخشوع سوي ، إبقاء للجد فيها.

يا كميل عند الركوع والسجود وما بينهما تبتلت العروق والمفاصل حتى تستوفى [ ولاء ] إلى ماتأتي به من جميع صلواتك.

يا كميل انظر فيم تصلي ، وعلى ما تصلي ، إن لم تكن من وجهه وحله فلا قبول.

يا كميل إن اللسان يبوح من القلب (٣) والقلب يقوم بالغذاء ، فانظر فيما تغذي قلبك وجسمك ، فإن لم يكن ذلك حلالا لم يقبل الله تعالى تسبيحك ولا شكرك.

يا كميل افهم واعلم أنا لا ترختص في ترك أداء الامانات لاحد من الخلق فمن روى عني في ذلك رخصة فقد أبطل وأثم وجزاؤه النار بما كذب ، اقسم لسمعت رسول الله صلى الله عيله وآله يقول لي قبل وفاته بساعة مرارا ثلاثا : يا أبا الحسن أد الامانة إلى البر والفاجر فيما قل وجل حتى في الخيط والمخيط.

____________________

(١) كذا. ولعل معناه حقوق الله لايؤدى بهذه الامور فحسب. (٢) سورة الحشر : ١٩.

(٣) باح اليه بالسر. أظهره. وفى بعض النسخ « ينزح ».

٢٧٥

يا كميل لا غزو إلا مع إمام عادل ، ولا نفل (١) إلا مع إمام فاضل.

يا كميل أرأيت لولم يظهر نبي (٢) وكان في الارض مؤمن تقي أكان في دعائه إلى الله مخطئا أو مصيبا بلى والله مخطئا حتى ينصبه الله عزوجل [ لذلك ] ويؤهله له.

يا كميل الدين لله فلا تغترن بأقوال المخدوعة التي قد ضلت بعد ما اهتدت ، وأنكرت وجحدت بعد ما قبلت.

يا كميل الدين لله تعالى فلا يقبل الله تعالى من أحد القيام به إلا رسولا أو نبيا أو وصيا.

يا كميل هي نبوة ورسالة وإمامة ولا بعد ذلك إلا متولين ، ومتغلبين ، و ضالين ، ومعتدين.

يا كميل إن النصارى لم تعطل الله تعالى ، ولا اليهود ، ولا جحدت موسى ولا عيسى ، ولكنهم زادوا ونقصوا وحرفوا وألحدوا فلعنوا ومقتوا ولم يتوبوا ولم يقبلوا.

يا كميل « إنما يتقبل الله من المتقين ».

ياكميل إن أبانا آدم لم يلد يهوديا ولا نصرانيا ولا كان ابنه إلا حنيفا مسلما ، فلم يقم بالواجب عليه فأداه ذلك إلى أن لم يقبل الله قربانه بل قبل من أخيه فحسده وقتله وهو من المسجونين في الفلق الذين عدتهم اثنا عشر : ستة من الاولين ، وستة من الاخرين ، والفلق الاسفل من النار (٣) ، ومن بخاره حرجنهم ، وحسبك فيما حرجهنم من بخاره.

يا كميل نحن والله الذين اتقوا والذينهم محسنون.

يا كميل إن الله عزوجل كريم حليم عظيم رحيم دلنا على أخلاقه ،

____________________

(١) النفل ـ محركة ـ الغنيمة.

(٢) في المصدر « لو أن الله لم يظهر نبيا ».

(٣) الفلق ـ محركة ـ عود يربط حبل من أحد طرفيه إلى الاخر وتجعل رجل المجرم داخل ذلك الحبل وتشدا فيضرب عليهما.

٢٧٦

وأمرنا بالاخذ بها ، وحمل الناس عليها فقد أديناها غير مختلفين ، وأرسلناها غير منافقين ، وصدقناها غير مكذبين ، قبلناها غير مرتابين ، لم يكن لنا والله شياطين نوحي إليها ، وتوحي إلينا كما وصف الله تعالى قودا ذكر هم الله عزوجل بأسمائهم في كتابه لو قرء كما أنزل « شياطين الانس والجن يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا » (١).

يا كميل الويل لهم فسوف يلقون غيا.

يا كميل لست والله متملقا حتى اطاع ولا ممنا حتى اعصى (٢) ولا مهانا لطعام الاعراب حتى أنتحل إمرة المؤمنين (٣) أو أدعي بها.

يا كميل نحن الثقل الاصغر والقرآن الثقل الاكبر ، وقد أسمعهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وقد جمعهم فنادى الصلاة جامعة يوم كذا وكذا ، وأيام سبعة وقت كذا وكذا ، فلم يتخلف أحد فصعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال : معاشر الناس إني مؤد عن ربي عزوجل ولا مخبر عن نفسي فمن صدقني فقد صدق الله ، ومن صدق الله أثا به الجنان ، ومن كذبني كذب الله عزوجل ، وكذب الله أعقبه النيران ثم ناداني فصعدت فأقامني دونه ورأسي إلى صدره والحسن والحسين عن يمينه و شماله ، ثم قال : معاشر الناس أمرني جبرئيل عن الله عزوجل أنه ربي وربكم أن أعلمكم أن القرآن هو الثقل الاكبر ، وأن وصيي هذا وابناي من خلفهم من أصلابهم حاملا وصاياي هم الثقل الاصغر ، يشهد الثقل الاكبر للثقل الاصغر ويشهد الثقل الاصغر للثقل الاكبر كل واحد منهما ملازم لصاحبه غير مفارق له حتى يردا إلى الله فيحكم بينهما وبين العباد.

يا كميل فإذا كنا كذلك فعلام يتقدمنا من تقدم وتأخر عنا من تأخر؟.

يا كميل قد أبلغهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله رسالة ربه ونصح لهم ، ولكن لا يحبون الناصحين.

____________________

(١) الانعام : ١١٢.

(٢) كذا وفى التحف « ولا ممنيا حتى لا اعصى ».

(٣) انتحل الشعر أو القول ادعاه لنفسه. وانتحل مذهب كذا انتسب اليه.

٢٧٧

يا كميل قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لي قولا والمهاجرين والانصار متوافرون يوما بعد العصر يوم النصف من شهر رمضان قائم على قدميه فوق منبره : علي [ مني ] وابناي منه والطيبون مني وأنا منهم وهم الطيبون بعد امهم ، وهم سفينة من ركبها نجى ومن تخلف عنها هوى الناجي في الجنة والهاوي في لظى.

يا كميل على م يحسدوننا والله أنشأنا قبل أن يعرفونا فتراهم بحسدهم إيانا عن ربنا يزيلونا.

ياكميل من لا يسكن الجنة فبشره بعذاب أليم وخزي مقيم وأكبال ومقامع وسلاسل طوال ، ومقطعات النيران ومقارنة كل شيطان. الشراب صديد ، واللباس حديد ، والخزنة فظظة (١) والنار ملتهبة والابواب موثقة مطبقة ينادون فلا يجابون ويستغيثون فلاير حمون ، نداهم يا مالك ليقض علينا ربك قال : إنكم ما كثون لقد جئناكم بالحق ولكن أكثر كم للحق كارهون.

يا كميل نحن والله الحق الذي قال الله عزوجل : « ولو اتبع الحق أهوائهم لفسدت السموات والارض ومن فيهن ».

يا كميل ثم ينادون الله تقد ست أسماؤه بعد أن يمكثوا أحقابا اجعلنا على الرخاء فيجيبهم « اخسؤا فيها ولا تكلمون ».

يا كميل فعندها ييئسون من الكره ، واشتدت الحسرة ، وأيقنوا بالهلكة والمكث جزاء بما كسبوا عذبوا.

يا كميل قل الحمدلله الذي نجانا من القوم الظالمين.

يا كميل أنا أحمد الله على توفيقه إياي ، والمؤمنين على كل حال.

يا كميل إنما حظي من حظي بدينا زائلة مدبرة ، فافهم وتحظى بآخرة باقية ثابتة.

____________________

(١) الفظ : الغليظ ، السئ الخلق.

٢٧٨

يا كميل كل يصير إلى الاخرة والذي يرغب فيه منها ثواب الله عزوجل والدرجات العلى من الجنة التي لا يورثها إلا من كان تقيا.

يا كميل إن شئت فقم.

أقول : وسيجئ في باب مواعظ أمير المؤمنين عليه‌السلام وخطبه وحكمه عين هذه الوصية منه عليه‌السلام لكميل بن زياد هذا من كتاب تحف العقول أيضا لكن أخصر من هذه الوصيته ، وسيأتي في باب ما جمع من جوامع كلم أمير المؤمنين عليه‌السلام وفي غيره أيضا ما يناسب هذا الباب إن شاء الله تعالى (٣).

١٢

* ( باب ) *

* « ( كتاب كتبه عليه‌السلام لدار شريح ) » *

١ ـ لى (٣) عن صالح بن عيسى العجلي ، عن محمد بن علي ، عن محمد بن الفرج ، عن عبدالله بن محمد العجلي ، عن عبدالعظيم الحسني ، عن أبيه ، عن أبان مولى زيد ابن علي ، عن عاصم بن بهدلة قال : قال لي شريح القاضي : اشتريت دارا بثمانين دينارا وكتبت كتابا ، وأشهدت عدولا فبلغ ذلك أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه‌السلام فبعث إلي مولاه قنبرا فأتيته فلما أن دخلت عليه قال : ياشريح اشتريت داراو

____________________

(١) المصدر ص ١٧١.

(٢) هنا بياض مقدار ورق.

(٣) المجلس الحادى والخمسون ص ١٨٧. وشريح القاضى هو الذى استعمله عمر ابن الخطاب على القضاء بالكوفة فلم يزل قاضيا ستين سنة الاثلاث سنين في فتنة ابن الزبير وقيل فلم يزل بالكوفة قاضيا من عهد عمرالى مدة ٧٥ سنة ولم يعطل فيها غير عامين اوأربعة استعفى الحجاج بن يوسف في فتنة ابن الزبير فاعفاه ومات سنة ٨٧ وعمره مائة وثمان سنين وأدراك الجاهلية ولا يعد من الصحابة بل كان من التابعين ، وقيل عزله على عليه‌السلام عن القضاء مدة عشرين يوما ثم نصبه.

٢٧٩

كتبت كتابا وأشهدت عدولا ووزنت مالا؟ قال : قلت : نعم قال : يا شريح اتق الله فانه سيأتيك من لا ينظر في كتابك ، ولا يسئل عن بينتك ، حتى يخرجك من دارك شاخصا (١) ويسلمك إلى قبرك خالصا ، فانظر أن لاتكون اشتريت هذه الدار من غير مالكها ، ووزنت مالا من غير حله ، فإذا أنت قد خسرت الدارين جميعا الدنياو الاخرة ، ثم قال عليه‌السلام : يا شريح فلو كنت عند ما اشتريت هذه الدار أتيتني فكتبت لك كتابا على هذه النسخة إذا لم تشترها بدر همين.

قال : قلت : وما كنت تكتب يا أمير المؤمنين قال : كنت أكتب لك هذا الكتاب : بسم الله الرحمن الرحيم هذا ما اشترى عبد ذليل من ميت ازعج بالرحيل (٢) اشترى منه دارا في دار الغرور ، من جانب الفانين إلى عسكر الها لكين ، وتجمع هذه الدار حدودا أربعة فالحد الاول منها ينتهي إلى دواعي الافات ، والحد الثاني منها ينتهى إلى دواعي العاهات ، والحد الثالث منها ينتهي إلى دواعي المصيبات ، والحد الرابع منها ينتهي إلى الهوى المردي والشيطان المغوي ، وفيه يشرع باب هذه الدار (٣) ، اشترى هذا المفتون بالامل ، من هذا المزعج بالاجل ، جميع هذه الدار بالخروج من عز القنوع والدخول في ذل الطلب فما أدرك هذا المشتري [ فيما اشتري منه ] من درك فعلى مبلي أجسام الملوك (٤) ، وسالب نفوس الجبابرة مثل كسرى وقيصر وتبع وحمير (٥) ومن جمع المال إلى المال فأكثر ، وبنى فشيد ، ونجد فزخرف (٦) وادخر بزعمه للولد ، إشخاصهم جميعا إلى موقف العرض والحساب لفصل القضاء ، و

____________________

(١) شاخصا أى ذاهبا مبعدا.

(٢) ازعج على صيغة المجهول : أى اقلع.

(٣) يشرع أى يفتح في الحد الرابع.

(٤) كذا وفى بعض النسخ « مبلبل اجسام الملوك ». أى مهيج داء اتها ، المهلكة لها.

(٥) تبع : ملوك اليمن. حمير أبوقبيلة من اليمن.

(٦) شيد أى رفع. ونجد بشد الجيم أى زين.

٢٨٠