بحار الأنوار

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي

بحار الأنوار

المؤلف:

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي


الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: مؤسسة الوفاء
الطبعة: ٢
الصفحات: ٤٤٧
  الجزء ١   الجزء ٢   الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠ الجزء ٢١ الجزء ٢٢ الجزء ٢٣ الجزء ٢٤ الجزء ٢٥ الجزء ٢٦ الجزء ٢٧ الجزء ٢٨ الجزء ٢٩ الجزء ٣٠ الجزء ٣١ الجزء ٣٥ الجزء ٣٦ الجزء ٣٧ الجزء ٣٨ الجزء ٣٩ الجزء ٤٠ الجزء ٤١ الجزء ٤٢ الجزء ٤٣ الجزء ٤٤ الجزء ٤٥ الجزء ٤٦ الجزء ٤٧ الجزء ٤٨ الجزء ٤٩ الجزء ٥٠ الجزء ٥١ الجزء ٥٢ الجزء ٥٣ الجزء ٥٤ الجزء ٥٥ الجزء ٥٦ الجزء ٥٧ الجزء ٥٨ الجزء ٥٩ الجزء ٦٠ الجزء ٦١   الجزء ٦٢ الجزء ٦٣ الجزء ٦٤ الجزء ٦٥ الجزء ٦٦ الجزء ٦٧ الجزء ٦٨ الجزء ٦٩ الجزء ٧٠ الجزء ٧١ الجزء ٧٢ الجزء ٧٣ الجزء ٧٤ الجزء ٧٥ الجزء ٧٦ الجزء ٧٧ الجزء ٧٨ الجزء ٧٩ الجزء ٨٠ الجزء ٨١ الجزء ٨٢ الجزء ٨٣ الجزء ٨٤ الجزء ٨٥ الجزء ٨٦ الجزء ٨٧ الجزء ٨٨ الجزء ٨٩ الجزء ٩٠ الجزء ٩١ الجزء ٩٢ الجزء ٩٣ الجزء ٩٤   الجزء ٩٥ الجزء ٩٦   الجزء ٩٧ الجزء ٩٨ الجزء ٩٩ الجزء ١٠٠ الجزء ١٠١ الجزء ١٠٢ الجزء ١٠٣ الجزء ١٠٤

الحادى عشر : عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : يرى جزاء ما قدم وقلة غنا ما خلف (١) ولعله من حق منعه ومن باطل جمعه.

الثانى عشر : عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : أيها الناس إن الرزق مقسوم لن يعدو امرء ما قسم له ، فأجملوا في الطلب وإن العمر محدود لن يتجاوز أحد ما قدر له فبادروا قبل نفاد الاجل ، والاعمال المحصية.

الثالث عشر : عن أنس بن مالك قال : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول في بعض خطبه ومواعظه : أما رأيتم المأخوذين على العزة والمز عجين بعد الطمأنينة الذين أقاموا على الشبهات ، وجنحوا إلى الشهوات. حتى أتتهم رسل ربهم فلا ما كانوا أملوا أدركوا ولا إلى ما فاتهم رجعوا ، قدموا على ما عملوا ، وندموا على ما خلفوا ، ولن يغني الندم وقد جف القلم ، فرحم الله امرءا قدم خيرا وأنفق قصدا ، وقال صدقا ، وملك دواعي شهوته ولم تملكه ، وعصى أمر نفسه فلم تملكه.

الرابع عشر : عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : أيها الناس لا تعطوا الحكمة غير أهلها فتظلموها ، ولا تمنعوها أهلها فتظلموهم ، ولا تعاقبوا ظالما فيبطل فضلكم ، ولا تراؤوا الناس فيحبط عملكم ، ولا تمنعوا الموجود فيقل خيركم ، أيها الناس إن الاشياء ثلاثة : أمر استبان رشده فاتبعوه ، وأمر استبان غيه فاجتنبوه ، و أمر اختلف عليكم فردوه إلى الله ، أيها الناس ألا انبئكم بأمرين خفيف مؤونتهما عظيم أجرهما لم يلق الله بمثلها : طول الصمت ، وحسن الخلق.

الخامس عشر : عن ابن عمر قال : خطبنا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله خطبة ذرفت منها العيون ووجلت منها القلوب (٢) فكان مما ضبطت منها : أيها الناس إن أفضل الناس عبدا من تواضع عن رفعة ، وزهد عن رغبة ، وأنصف عن قوة ، وحلم عن قدرة.

ألا وإن أفضل الناس عبد أخذ في الدنيا الكفاف ، وصاحب فيها العفاف ، وتزود للرحيل ، وتأهب للمسير ، ألا وإن أعقل الناس عبد عرف ربه فأطاعه ، وعرف عدوه فعصاه ، وعرف دار إقامته فأصلحها ، وعرف سرعة رحيله فتزو دلها. ألا وإن

____________________

(١) كذا. (٢) ذرفت أى سالت. ووجلت أى خافت.

١٨١

خير الزاد ما صحبه التقوى ، وخير العمل ما تقدمته النية ، وأعلى الناس منزلة عند الله أخوفهم منه.

السادس عشر : عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : إنما يؤتي الناس يوم القيامة عن إحدى من ثلاث : إما من شبهة في الدين ارتكبوها ، أو شهوة للذة آثروها ، أو عصبية لحمة اعملوها ، فإذا لا حت (١) لكم شبهة في الدين فاجلوها باليقين ، وإذا عرضت لكم شهوة فاقمعوها بالزهد ، وإذا عنت لكم غضبة لكم غضبة فأدوها بالعفو ، إنه ينادي مناد يوم القيامة من كان له على الله أجرا فليقم ، فلا يقوم إلا العافون ألم تسمعوا قوله تعالى « فمن عفا وأصلح فأجره على الله » (٢).

السابع عشر : قال عبدالله بن مسعود قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : قال الله تعالى : يا ابن آدم تؤتى كل يوم برزقك وأنت تحزن ، وينقص كل يوم من عمرك وأنت تفرح ، أنت فيما يكفيك وتطلب ما يطغيك لا بقليل تقنع ولا من كثير تشبع.

الثامن عشر : عن أبي هريرة قال : بينا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله جالس إذا رأيناه ضاحكا حتى بدت ثناياه ، فقلنا : يا رسول الله مما ضحكت؟ فقال : رجلان من امتي جيئا بين يدي ربي فقال أحدهما : يا رب خذلي بمظلتي من آخر ، فقال الله تعالى أعط أخاك مظلمته ، فقال : يارب لم يبق من حسناتي شئ ، فقال : يا رب فليحمل من أوزاري ، ثم فاضت عينا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وقال : إن ذلك اليوم ليوم تحتاج الناس فيه إلى من يحمل عنهم أوزارهم ، ثم قال الله تعالى للطالب بحقه : ارفع بصرك إلى الجنة فانظر ما ذا ترى ، فرفع رأسه فرأى ما أعجبه من الخير والنعمة ، فقال : يا رب لمن هذا؟ فقال : لمن أعطاني ثمنه ، فقال : يا رب ومن يملك ثمن ذلك؟ فقال : أنت ، فقال : كيف بذلك؟ فقال : بعفوك عن أخيك ، فقال : قد عفوت فقال الله تعالى : فخذ بيد أخيك فادخلا الجنة ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : « فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم ».

____________________

(١) أى ظهرت وبدت.

(٢) الشورى : ٤٠.

١٨٢

التاسع عشر : عن أنس بن مالك قال : قالوا : يا رسول الله من أولياء الله الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون؟ فقال : الذين نظروا إلى باطن الدنيا حين نظر الناس إلى ظاهرها ، فاهتموا بآجلها حين اهتم الناس بعاجلها ، فأماتوا منها ما خشوا أن يميتهم ، وتركوا منها ما علموا أن سيتركهم ، فما عرض لهم منها عارض إلا رفضوه ، ولا خادعهم من رفعتها خادع إلا وضعوه ، خلقت الدنيا عند هم فما يجد دونها ، وخربت بينها فما يعمرونها ، وماتت في صدورهم فما يحبونها ، بل يهدمونها فيبنون بها آخرتهم ، ويبيعونها فيشترون بها ما يبقى لهم ، نظروا إلى أهلها صرعى قد حلت بهم المثلات ، فما يرون أمانا دون ما يرجون ، ولا خوفا دون ما يحذرون.

العشرون : عن أبي هريرة قال : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول : إنما أنتم خلف ما ضين وبقية متقدمين كانوا أكبر منكم بسطة ، وأعظم سطوة ، فازعجوا عنها أسكن ما كانوا إليها [ وغدرت بهم ] واخرجوا منها أوثق ما كانوا بها ، فلم يمنعهم قوة عشيرة ، ولا قبل منهم بذل فدية ، فارحلوا أنفسكم بزاد مبلغ قبل أن تأخذوا على فجأة ، وقد غفلتم عن الاستعداد.

الحادى والعشرون : عن سالم بن عبدالله ، عن ابن عمر قال : قال لي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : كن في الدنيا كانك غريب وعابر سبيل ، واعدد نفسك في الموتى ، وإذا أصبحت فلا تحدث نفسك بالمساء ، وإذا أمسيت فلا تحدث نفسك بالصباح ، وخذ من صحتك لسقمك ، ومن شبابك لهرمك ، ومن حياتك لو فاتك. فانك لا تدري ما اسمك غدا.

الثانى والعشرون : عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في بعض خطبه أومواعظه : أيها الناس لا يشغلنكم ديناكم عن آخرتكم ، فلا تؤثروا هوا كم على طاعة ربكم ، ولا تجعلوا إيمانكم ذريعة إلى معاصيكم ، وحاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا ومهدوا لها قبل أن تعذبوا وتزو دوا للرحيل قبل أن تزعجوا فانها موقف عدل واقتضاء حق ، وسؤال عن واجب ، وقد أبلغ في الاعذار من تقدم بالا نذار.

١٨٣

الثالث والعشرون : عن أبي سعيد الخدري قال : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول عند منصرفه من احد والناس يحدقون به وقد أسند ظهره إلى طلحة : أيها الناس أقبلوا على ما كلفتموه من إصلاح آخرتكم ، وأعرضوا عما ضمن لكم من دنيا كم ، ولا تستعملوا جوارحا غذيت بنعمته في التعرض لسخطه بنقمته ، واجعلوا شغلكم في التماس مغفرته ، واصرفوا همتكم بالتقرب إلى طاعته ، إنه من بد أبنصيبه من الدنيا فإنه نصيبه من الاخرة ولم يدرك منها ما يريد ، ومن بدأ بنصيبه من الاخرة وصل إليه من الدنيا.

الرابع والعشرون : عن أبي هريرة فال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : إياكم وفضول المطعم فإنه يسم القلب بالقسوة (١) ، ويبطئ بالجوارح عن الطاعة ، ويصم الهمم عن سماع الموعظة ، وإياكم وفضول النظر فإنه يبدر الهوى (٢) ويولد الغفلة وإياكم واستعشار الطمع فإنه يشوب القلب شدة الحرص ، ويختم على القلوب بطابع حب الدنيا ، وهو مفتاح كل سيئة ، ورأس كل خطيئة ، وسبب إحباط كل حسنة.

الخامس والعشرون : عن عبدالله بن عمر قال : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول : إنما هو خير يرجى أوشريتقى أو باطل عرف فاجتنب ، أوحق يتعين فطلب ، وآخرة أظل إقبالها فسعى لها ، ودنيا عرف نفادها فأعرض عنها ، وكيف يعمل للاخرة من لا ينقطع من الدنيا رغبته ، ولا تنقضي فيها شهوته ، إن العجب كل العجب لمن صدق بدار البقاء وهو يسعى لدار الفناء ، وعرف أن رضى الله في طاعته ، وهو يسعى في مخالفته.

السادس والعشرون : عن أبي أيوب الانصاري قال : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول : حلوا أنفسكم الطاعة ، وألبسوها قناع المخالفة (٣) فاجعوا آخرتكم لانفسكم وسعيكم لمستقركم ، واعلموا أنكم عن قليل راحلون ، وإلى الله صائرون ، ولا

____________________

(١) وسمه يسمه وسمة : أى كواه وأثر فيه وجعل له علامة يعرف بها.

(٢) بدر يبدر بدورا الشئ : عاجله وسبقه.

(٣) القناع : ما تغطى به المرأة رأسها.

١٨٤

يغني عنكم هنالك إلا صالح عمل قد متموه ، وحسن ثواب أحرزتموه ، فإنكم إنما تقدمون على ما قدمتم ، وتجازون على ما أسلفتم فلا تخد عنكم زخارف دنيا دنية عن مراتب جنات علية ، فكان قد انكشف القناع وارتفع الارتياب ، ولا في كل امرء مستقره ، وعرف مثواه ومنقلبه (١).

السابع والعشرون : عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في خطبته : لا تكونوا ممن خدعته العاجلة ، وغرته الامنية فاستهوته الخدعة فركن إلى دار السوء سريعة الزوال وشيكة الانتقال (٢) إنه لم يبق من دنيا كم هذه في جنب ما مضى إلا كإ ناخة راكب أوصر حالب (٣) فعلى ما تعرجون وماذا تنظرون؟ فكأنكم والله وما أصبحتم فيه من الدنيا لم يكن ، وما يصيرون إليه من الاخرة لم يزل ، فخذوا اهبة (٤) لا زوال لنقله وأعد والزاد لقرب الرحلة ، واعلموا أن كل امرء على ما قدم قادم ، وعلى ما خلف نادم.

الثامن والعشرون : عن عبدالله بن عباس قال : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول : أيها الناس بسط الامل متقدم حلول الاجل ، والمعاد مضمار العمل ، فمغتبط بما احتقب غانم ، ومتيسر بما فاته نادم (٥) أيها الناس إن الطمع فقر ، واليأس غنى ، والقناعة راحة ، والعزلة عبادة ، والعمل كنز ، والدنيا معدن ، والله ما يساوي ما مضى

____________________

(١) أى محل قراره وما انقلب اليه.

(٢) الوشيك : السريع.

(٣) أناخ فلان بالمكان : أقام به. وصر بالنافة : شد ضرعها بالصرار لئلا يرضع ولدها. والحالب هو الذى يحلب الناقة أو الشاة أى أخرج ما في ضرعها من اللبن.

(٤) الاهبة ـ بضم الهمزة وسكون الهاء والباء الموحدة ـ : العدة يقال أخذ للسفر اهبته أى عدته.

(٥) المغتبط : المسرور ، واحتقب الشئ جمعه ، وغانم فاعل من غنم يغنم. والمتيسر هو الذى يمكنه أن يفعل ما يشاء من الخيرات.

١٨٥

من دنيا كم هذه بأهداب بردي هذا (١) ، ولما بقي منها أشبه بما مضى من الماء بالماء وكل إلى بقاء وشيك وزوال قريب ، فبادروا العمل وأنتم في مهل الانفاس ، وجدة الاحلاس (٢) قبل أن تأخذوا بالكظم (٣) فلا ينفع الندم.

التاسع والعشرون عن عبدالله بن عمر قال : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول : يكون امتي في الدنيا على ثلاثة أطباق : أما الطبق الاول فلا يحبون جمع المال و ادخاره ، ولا يسعون في اقتنائه واحتكاره ، وإنما رضا هم من الدنيا سد جوعة وستر عورة ، وغنا هم فيها ما بلغ بهم الاخرة ، فاولئك الامنون الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون.

وأما الطبق الثاني فانهم يحبون جمع المال من أطيب وجوهه وأحسن سبيله ، يصلون به أرحامهم ويبرون به إخوانهم ويواسون به فقراءهم ، ولعض أحدهم على الرضيف (٤) أيسر عليه من أن يكتسب درهما من غير حله ، أو يمنعه من حقه أن يكون له خازنا إلى حين موته ، فاولئك الذين إن نوقشوا (٥) عذبوا وإن عفي عنهم سلموا.

وأما الطبق الثالث فانهم يحبون جمع المال مما حل وحرم ، ومنعه مما افترض ووجب ، إن أنفقوه أنفقوه إسرافا وبدارا (٦) ، وإن أمسكوه أمسكوه بخلا و

____________________

(١) الاهداب جمع هدب وهو خمل الثوب وطرته.

(٢) جدة الثوب ـ بكسر الجيم وشد الدال ـ كونه جديدا. والاحلاس ـ بالحاء المهملة ـ جمع حلس ـ بكسر الحاء ـ وهو ما يوضع على ظهر الدابة تحت السراج ، والرحل الذى يبسط في البيت على الارض تحت حر الثياب والمتاع.

(٣) الكظم ـ محركة ـ : مخرج النفس.

(٤) عض الشئ : أمسكه بأسنانه ، والرضيف بالراء المهملة والضاد المعجمة ـ الحجارة المحماة.

(٥) نافشه الحساب وفى الحساب : استقصى في حسابه. والمناقشة التشدد في المحاسبة.

(٦) بدارا أى سراعا.

١٨٦

احتكارا ، اولئك الذين ملكت الدنيا زمام قلوبهم حتى أوردتهم النار بذنوبهم.

الثلاثون : عن أنس بن مالك قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : إن من ضعف اليقين أن ترضى الناس بسخط الله تعالى ، وأن تحمدهم على رزق الله تعالى ، وأن تذمهم على ما لم يؤتك الله ، إن رزق الله لا يجره حرص حريص ، ولا يرده كراهة كاره إن الله تبارك اسمه بحكمته جعل الروح والفرح في الرضا واليقين ، وجعل الهم والحزن في الشك والسخط. إنك إن تدع شيئا لله إلا أتاك الله خيرا منه ، وإن تأتي شيئا تقربا إلى الله تعالى إلا أجزل الله لك الثواب عنه فاجعلوا همتكم الاخرة لا ينفد فيها ثواب المرضي عنه ، ولا ينقطع فيها عقاب المسخوط عليه.

الحادى والثلاثون : عن ابن عمر قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : ليس شئ تباعدكم من النار إلا وقد ذكرته لكم ، ولا شئ يقربكم من الجنة إلا وقد دللتكم عليه ، إن روح القدس نفث في روعي أنه لن يموت عبد منكم حتى يستكمل رزقه فأجملوا في الطلب فلا يحملنكم استبطاء الرزق على أن تطلبوا شيئا من فضل الله بمعصيته فانه لن ينال ما عند الله إلا بطاعته ، ألا وإن لكل أمرء رزقا هو يأتيه لا محالة ، فمن رضي به بورك له فيه ووسعه ، ومن لم يرض به لم يبارك له فيه ، ولم يسعه ، إن الرزق ليطلب الرجل كما يطلبه أجله.

الثانى والثلاثون : عن عيسى بن عمر ، عن معاوية قال : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ويقول في خطبة أحد العيدين : الدنيا دار بلاء ومنزل بلغة وعناء (١) قد نزعت عنها نفوس السعداء ، وانتزعت بالكرة من أيدي الاشقياء ، فأسعد الناس بها أرغبهم عنها وأشغلهم بها أرغبهم فيها ، فهي الغاشة لمن استنصحها (٢) والمغوية لمن أطاعها ، والخاترة لمن انقاد إليها (٣) ، والفائز من أعرض عنها ، والهالك من هوى فيها ، طوبى لعبد

____________________

(١) البلغة والبلاغ : ما يكفى من العيش ولا يفضل. والعناء : التعب.

(٢) الغاش فاعل من غشه يغشه ، واستنصحه اى عده نصيحا.

(٣) الخاتر : الغادر.

١٨٧

اتقى منها ربه ، وقدم توبته ، وغلب شهوته من قبل أن تلقيه الدنيا إلى الاخرة فيصبح في بطن موحشة غبراء مدلهمة ظلماء (١) لا يستطيع أن يزيد في حسنته ولا ينقص من سيئته ، ثم ينشر فيحشر إما إلى الجنة يدوم نعيمها ، أو إلى النار لا ينقد عذابها.

الثالث والثلاثون : عن أنس بن مالك قال : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول : يا معشر المسلمين شمروا فإن الامر جد ، وتأهبوا فإن الرحيل قريب ، وتزودوا فان السفر بعيد ، وخففوا أثقالكم فان وراءكم عقبة كؤودا (٢) ولا يقطعها إلا المخففون.

أيها الناس إن بين يدي الساعة امورا شدادا ، وأهوالا عظاما ، وزمانا صعبا يتملك فيه الظلمة ، ويتصدر فيه الفسقة ، ويضام فيه الامرون بالمعروف ويضطهد (٣) فيه الناهون عن المنكر ، فاعدوا لذلك الايمان ، وعضوا عليه بالنواجذ (٤) والجأوا إلى العمل الصالح ، واكرهوا عليه النفوس تفضوا إلى النعيم الدائم (٥).

الرابع والثلاثون : عن أبي سعيد الخدري ، قال : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول لرجل يعظه : ارغب فيما عند الله يحبك الله ، وازهد ما في أيدي الناس يحبك الناس إن الزاهد في الدنيا يريح ، ويريح قلبه وبدنه في الدنيا والآخرة ، والراغب فيها يتعب قلبه وبدنه في الدنيا والآخرة ، ليجيئن أقوام يوم القيامة لهم حسنات كأمثال الجبال فيأمر بهم إلى النار ، فقيل : يا بني الله أمصلون كانوا؟ قال : نعم ، كانوا يصلون ويصومون ويأخذون وهنا من الليل ، لكنهم إذا لاح لهم شئ من أمر الدنيا وثبوا عليه.

____________________

(١) ادلهم الليل أى أظلم واشتد سواده.

(٢) كؤود وكأداء : صعبة شاقة المصعد.

(٣) ضامه يضيمه ضيما قهره وظلمه. وضهده وأضهد به واضطهده : قهره وجار عليه واذاه واضطره وحبسه بسبب المذهب أو الدين.

(٤٩ النواجذ جمع الناجذ وهو أقصى الاضراس.

(٥) أفضى اليه اى وصل وانتهى به اليه.

١٨٨

الخامس والثلاثون : عن نافع عن ابن عمر قال : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول : أيها الناس هذه دار ترح لادار فرح (١) ودار التواء (٢) لا دار استواء ، فمن عرفها لم يفرح لرجاء ولم يحزن لشقاء ، ألا وإن الله خلق الدنيا دار بلوى والاخرة دار عقبى ، فجعل بلوى الدنيا لثواب الاخرة سببا ، وثواب الاخرة من بلوى الدنيا عوضا ، فيأخذ ليعطي ويبتلي ليجزي ، وإنها لسريعة الذهاب ووشيكة الانقلاب فاحذروا حلاوة رضاعها لمرارة فطامها (٣) واهجروا لذيد عاجلها لكربة آجلها ولا تسعوا في عمارة قد قضى الله خرابها ولا تواصلوها وقد أراد الله منكم اجتنابها فتكونوا لسخطه متعرضين ، ولعقوبته مستحقين.

السادس والثلاثون : عن أنس بن مالك قال : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول : أيها الناس اتقو الله حق تقاته ، واسعوا في مرضاته ، وأيقنوا من الدنيا بالفناء ومن الآخرة بالبقاء ، واعملوا لما بعد الموت فكأنكم بالدنيا لم تكن وبالاخرة لم تزل. أيها الناس إن من في الدنيا ضيف ، وما في أيديهم عارية ، وإن الضيف مرتحل ، والعارية مردودة. ألا وإن الدنيا عرض حاضر يأكل منه البر والفاجر ، والاخرة وعد صادق يحكم فيها ملك عادل قادر ، فرحم الله امرءا ينظر لنفسه ومهد لرمسه (٤) مادام رسنه مرخيا وحبله على غاربه ملقيا قبل أن ينفذ أجله وينقطع عمله.

السابع والثلاثون : عن أبي ذر رضي‌الله‌عنه قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لرجل وهو يوصيه : اقلل من الشهوات يسهل عليك الفقر ، واقلل من الذنوب يسهل عليك الموت ، وقدم مالك أمامك يسرك اللحاق به ، واقنع بما اوتيته يخف عليك الحساب ولا تتشاغل عما فرض عليك بما قد ضمن لك فإنه ليس بفائتك ما قد قسم لك ،

____________________

(١) الترح ضد الفرح.

(٢) من ـ لوى يلوى ليا ـ : الحبل فتله وثناه. والتوى التواء مطاوع لوى.

(٣) الفطام انقطاع الرضاع وفصل الولد عنه.

(٤) الرمس مصدر بمعنى القبر مستويا لا يعلو عن وجه الارض.

١٨٩

ولست بلاحق ما قد زوي عنك فلاتك جاهدا فيما أنصح نافدا (١) واسع لملك لا زوال له ، في منزل لا انتقال عنه.

الثامن والثلاثون : عن ابن عباس قال : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول : إنه ماسكن حب الدنيا قلب عبد إلا التاط (٢) فيها بثلاث : شغل لا ينفد عناؤه ، وفقر لا يدرك غناه ، وأمل لا ينال منتهاه ، ألا إن الدنيا والاخرة طالبتان ومطلوبتان فطالب الاخرة تطلبه الدنيا حتى يستكمل رزقه وطالب الدنيا تطلبه الاخرة حتى يأخذه الموت بغنة ، ألا وإن السعيد من اختار باقية يدوم نعيمها على فانية لا ينفد عذابها وقدم لما تقدم عليه مما هو في يديه قبل أن يخلفه لمن يسعد بإنفاقه وقد شقي هو بجمعه.

التاسع والثلاثون : عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : ألا إن الدنيا قد ارتحلت مدبرة والاخرة قد احتملت مقبلة ، ألا وإنكم في يوم عمل لا حساب فيه ويوشك أن تكونوا في يوم حساب ليس فيه عمل ، وإن الله يعطي الدنيا من يحب ويبغض ، ولا يعطي الاخرة إلا لمن يحب وإن للدنيا أبناء وللآخرة أبناء. فكونوا من أبناء الاخرة ، ولا تكونوا من أبناء الدنيا ، إن شر ما أتخوف عليكم اتباع الهوى وطول الامل ، فاتباع الهوى يصرف قلوبكم عن الحق ، وطول الامل يصرف هممكم إلى الدنيا ، وما بعدهما لاحد من خير يرجاه في دنيا ولا آخرة.

الاربعون : عن الزهري ، عن أنس بن مالك قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : ما من بيت إلا وملك الموت يقف على بابه كل يوم خمس مرات فإذا وجد الانسان قد نفد أجله وانقطع أكله ألقى عليه الموت فغشيته كرباته ، وغمرته غمراته ، فمن أهل بيته الناشرة شعرها ، والضاربة وجهها ، الصارخة بويلها ، الباكية بشجوها (٣)

____________________

(١) كذا. ولعله « أصبح نافدا » فصحف. والمعنى ظاهر.

(٢) التاط بقليى أى لصق به وأحببته.

(٣) أى بحزنها وغصتها وهيجانها.

١٩٠

فيقول ملك الموت : ويلكم مم الجزع؟ وفيم الفزع؟ والله ما أذهب لاحد منكم مالا ، ولا قربت له أجلا ، ولا أتيته حتى امرت ، ولا قبضت روحه حتى استأمرت وإن لي إليكم عودة ، ثم عودة ، حتى لا ابقي منكم أحدا ، ثم قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله والذي نفسي بيده لو يرون مكانه ويسمعون كلامه لذهلوا عن ميتهم وبكوا على نفوسهم حتى إذا حمل الميت على نعشه رفرف روحه فوق النعش وهو ينادي : يا أهلي وولدي لا تلعبن بكم الدنيا كما لعبت بي ، جمعته من حله ومن غير حله وخلفته لغيري ، والمهنأ له والتبعات علي ، فاحذروا ، من مثل مانزل.

١١ ـ روى الشهيد الثانى ـ قدس الله روحه ـ في كتاب الغيبة (١) بإسناده عن شيخ الطائفة ، عن المفيد ، عن ابن قولويه ، عن أبيه ، عن سعد ، عن ابن عيسى ، عن أبيه عن عبدالله بن سليمان النوفلي قال : كنت عند جعفر بن محمد الصادق عليهما‌السلام فإذا بمولى لعبد الله النجاشي قد ورد عليه فسلم وأوصل إليه كتابه ففضه وقرأه إذا أول سطرفيه : « بسم الله الرحمن الرحيم أطال الله بقاء سيدي وجعلني من كل سوء فداءه ، ولا أراني فيه مكروها ، فإنه ولي ذلك والقادر عليه. إعلم سيدي ومولاي ـ إلى أن قال ـ إني بليت بولاية الا هوازفإن رأى سيدي ومولاي أن يحد لي حدا أويمثل لي مثالا لاستدل به على ما يقر بني إلى الله عزوجل وإلى رسوله ويلخص لي في كتابه ما يرى لي العمل به وفيما أبذله وابتذله وأين أضع زكاتي وفيمن أصرفها وبمن آنس وإلى من أستريح وبمن أثق وآمن ، وألجأ إليه بسري ، فعسى أن يخلصني الله بهدايتك فإنك حجة الله على خلقه وأمينه في بلاده لا زالت نعمته عليك ».

قال عبدالله بن سليمان فأجابه أبوعبدالله عليه‌السلام : بسم الله الرحمن الرحيم جاملك الله بصنعه ، ولطف بك بمنه ، وكلاك برعايته فإنه ولي ذلك ، أما بعد فقد جاء إلي رسولك بكتابك فقرأته وفهمت جميع ما ذكرته وسألت عنه وزعمت أنك بليت بولاية الاهواز فسرني ذلك وساءني وساخبرك بما ساءني من ذلك وما سرني إن شاءالله ، فأما سروري بولايتك فقلت : عسى أن يغيث ـ

____________________

(١) المطبوع مع كشف الفوائد ص ٢٦٤.

١٩١

الله بك ملهوفا خائفا من أولياء آل محمد عليهم‌السلام ، ويعز بك ذليلهم ، ويكسوبك عاريهم ويقوي بك ضعيفهم ويطفي بك نار المخالفين عنهم ، وأما الذي ساءني من ذلك فإن أدنى ما أخاف عليك أن تعثربولي لنا فلا تشم حظيرة القدس فإني ملخص لك جميع ما سألت عنه ، إن أنت عملت به ولم تجاوزه رجوت أن تسلم إن شاءالله.

أخبرني يا عبدالله أبي عن آبائه ، عن علي بن أبي طالب عليهم‌السلام عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إنه قال : « من استشاره أخوه المسلم فلم يمحضه النصيحة سلبه الله لبه » واعلم أني سأشير عليك برأي إن أنت عملت به تخلصت مما أنت متخوفه ، واعلم أن خلاصك مما بك من حقن الدماء وكف الاذى عن أولياء الله والرفق بالرعية والتأني وحسن المعاشرة مع لين في غير ضعف ، وشدة في غير عنف ، ومداراة صاحبك ومن يرد عليك من رسله ، وارتق فتق رعيتك (١) بأن توفقهم على ما وافق الحق والعدل إن شاءالله.

إياك والسعاة وأهل النمائم فلا يلتزقن بك أحد منهم ولا يراك الله يوما ولا ليلة وأنت تقبل منهم صرفا ولا عدلا ، فيسخط الله عليك ويهتك سترك.

واحذر مكر خوز الاهواز (٢) فان أبي أخبر ني عن آبائه ، عن أمير المؤمنين عليهم‌السلام أنه قال : « الايمان لا يثبت في قلب يهودي ولا خوزي أبدا » فأما من تأنس به وتستريح إليه وتلجئ امورك إليه فذلك الرجل الممتحن المستبصر الامين الموافق لك على دينك.

وميز أعوانك (٣) وجرب الفريقين ، فإن رأيت هناك رشدا فشأنك وإياه.

وإياك أن تعطي درهما أو تخلع ثوبا أو تحمل على دابة في غير ذات الله لشاعر أو مضحك أو متمزح إلا أعطيت مثله في ذات الله ، ولتكن جوائزك وعطاياك وخلعك

____________________

(١) الرتق ضد الفتق أى أصلح ذات بينهم.

(٢) الخوز بالمعجمتين وضم أولهما جيل من الناس واسم لجميع بلاد خوزستان.

(٣) أى اجعل لهم علامة يعرفون بها وعلى هذا فمعنى « جرب الفريقين » أى جرب من تأنس واعوانك ويمكن أن يراد بتمييز الاعوان تشخيص العدو والصديق منهم فيكون التجربة متعلقة بهما.

١٩٢

للقواد والرسل والاخبار وأصحاب الرسائل وأصحاب الشرط والاخماس : وما أردت أن تصرفه في وجوه البر والنجاح والعتق والصدقة والحج والمشرب والكسوة التي تصلى فيها وتصل بها والهدية التي تهديها إلى الله عزوجل وإلى رسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله من أطيب مكسبك ومن طرق الهدايا ، يا عبدالله اجهد أن لا تكنز ذهبا ولا فضة فتكون من أهل هذه الآية « والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم * يوم يحمى عليها في نارجهنم فتكوى بها جباههم وجنوبهم وظهورهم هذا ما كنزتم لانفسكم فذ وقوا ما كنتم تكنزون » (١).

ولا تستصغرن شيئا من حلوأ من فضل طعام وتصرفه في بطون خالية فسكن بها غضب الرب تبارك وتعالى ، واعلم أني سمعت أبي يحدث عن آبائه ، عن أمير المؤمنين عليهم‌السلام أنه سمع النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول لاصحابه يوما : « ما آمن بالله واليوم الآخر من بات شبعانا وجاره جايع » فقلنا : هلكنا يا رسول الله فقال : « من فضل طعامكم ومن فضل تمركم وورقكم وخليقكم وخرقكم (٢) تطفئون بها غضب الرب » وسانبئك بهوان الدنيا وهوان زخرفها على من مضى من السلف والتابعين ـ ثم ذكر حديث زهد أمير المؤمنين عليه‌السلام في الدنيا وطلاقه لها (٣) إلى أن قال ـ :

وقد وجهت إليك بمكارم الدنيا والآخرة عن الصادق رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فإن أنت عملت بما نصحت لك في كتابي ثم كانت عليك من الذنوب والخطايا كمثل أوزان الجبال وأمواج البحار رجوت الله أن يتجافى عنك عزوجل بقدرته.

يا عبدالله إياك أنم تخيف مؤمنا فإن أبي محمد بن علي حدثني ، عن أبيه ، عن جده

____________________

(١) التوبة : ٣٥ و ٣٦.

(٢) قوله « فقلنا هلكنا » أى هلكنا بما قلت أو نحن نشبع وجيراننا يبيتون جياعا وليس عندنا ما يشبعهم فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله : « من فضل طعامكم » أى انفقوا فضل طعامكم وفضل ثيابكم وان كان خلقا باليا خرقا ، تسكن به غضب ربكم.

(٣) كما يأتى عن قريب عن كتاب الاربعين في قضاء حقوق المؤمنين.

١٩٣

علي بن أبي طالب عليهم‌السلام أنه كان يقول : « من نظر إلى مؤمن نظرة ليخيفه بها أخافه الله يوم لا ظل إلا ظله وحشره في صورة الذر لحمه وجسده ، وجميع أعضائه حتى يورده مورده ».

وحدثني أبي ، عن آبائه ، عن علي عليهم‌السلام ، عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أنه قال : « من أغاث لهفانا من المؤمنين أغاثه الله يوم لا ظل إلا ظله ، وآمنه يوم الفزع الاكبر وآمنه من سوء المنقلب ، ومن قضى لاخيه المؤمن حاجة قضى الله له حوائج كثيرة إحداها الجنة ، ومن كسى أخاه المؤمن من عرى كساه الله من سندس الجنة واستبرقها وحريرها ، ولم يزل يخوض في رضوان الله مادام على المكسو منه سلك ».

ومن أطعم أخاه من جوع أطعمه الله من طيبات الجنة ، ومن سقاه من ظمأ سقاه الله من الرحيق المختوم رية ، ومن أخدم أخاه أخدمه الله من الولدان المخلدين وأسكنه مع أوليائه الطاهرين ، ومن حمل أخاه المؤمن على راحلة حمله الله على ناقة من نوق الجنة وباهى به الملائكة المقر بين يوم القيامة ، ومن زوج أخاه المؤمن امرأة يأنس بها وتشد عضده ويستريح إليها زوجه الله من الحور العين ، وآنسه بمن أحبه من الصديقين من أهل بيته وإخوانه وآنسهم به ، ومن أعان أخاه المؤمن على سلطان جائر أعانه الله على إجازة الصراط عند زلة الاقدام ، ومن زار أخاه المؤمن إلى منزله لا حاجة منه إليه كتب من زوار الله ، وكان حقيقا على الله أن يكرم زائره.

ياعبدالله وحد ثني أبي ، عن آبائه ، عن علي عليهم‌السلام انه سمع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وهو يقول لاصحابه يوما : « معاشر الناس إنه ليس بمؤمن من آمن بلسانه ولم يؤمن بقلبه فلا تتبعوا عثرات المؤمنين فانه من اتبع عثرة مؤمن اتبع الله عثراته يوم القيامة وفضحه في جوف بيته » وحدثني أبي ، عن آبائه ، عن علي عليهم‌السلام أنه قال : « أخذ الله ميثاق المؤمن أن لا يصدق في مقالته ، ولا ينتصف من عدوه ، وعلى أن لا يشفى غيظه إلا بفضيحة نفسه لان كل مؤمن ملجم ، وذلك لغاية قصيرة وراحة طويلة ، وأخذ الله ميثاق المؤمن على

١٩٤

أشياء أيسرها عليه مؤمن مثله يقول بمقالته يبغيه ويحسده ، والشيطان يغويه ويضله ، والسلطان يقفوه أثره ، ويتبع عثراته ، وكافر بالله الذي هو مؤمن به يرى سفك دمه دينا ، وإباحة حريمه غنما فما بقاء المؤمن بعد هذا ».

يا عبدالله وحد ثني أبي ، عن آبائه ، عن علي عليهم‌السلام ، عن النبي (ص) قال : « نزل علي جبرئيل فقال : يا محمد إن الله يقرء عليك السلام ويقول : اشتققت للمؤمن اسما من أسمائي ، سميته مؤمنا ، فالمؤمن مني وأنا منه ، ومن استهان مؤمنا فقد استقبلني بالمحاربة.

يا عبدالله وحد ثني أبي ، عن آبائه ، عن علي عليهم‌السلام ، عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أنه قال يوما :« يا علي لا تناظر رجلا حتى تنظر إلى سريرته ، فان كانت سريرته حسنة فان الله عزوجل لم يكن ليخذل وليه ، وإن يكن سريرته ردية فقد يكفيه مساويه ، فلو جهدت أن تعمل به أكثر مما في معاصي الله عزوجل ما قدرت عليه ».

يا عبدالله وحد ثني أبي عن آبائه ، عن علي عليهم‌السلام ، عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أنه قال : « أدنى الكفر أن يسمع الرجل من أخيه الكلمة فيحفظها عليه يريد أن يفضحه بها اولئك لا خلاق لهم » (١).

يا عبدالله وحدثني أبي ، عن آبائه ، عن علي عليهم‌السلام قال : « من قال في مؤمن مارأت عيناه وسمعت اذناه ما يشينه ويهدم مروته فهو من الذين قال الله عزوجل : إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب أليم » (٢).

يا عبدالله وحد ثني أبي ، عن آبائه ، عن علي عليهم‌السلام قال : « من روى عن أخيه المؤمن رواية يريد بها هدم مروته وثلبه أو بقه الله بخطيئته (٣) حتى يأتي بمخرج مما قال ، ولن يأتي بالمخرج منه أبدا ، ومن أدخل على أخيه المؤمن سرورا فقد أدخل على أهل بيت

____________________

(١) أى لا نصيب لهم في الاخرة.

(٢) النور : ١٩.

(٣) ثلبه أى عابه ولا مه واغتابه أوسبه. وأوبقه أى أهلكه ، ذلله. في بعض النسخ « بخطبه » والخطب الامر العظيم المكروه.

١٩٥

رسول الله سرورا ، ومن أدخل على أهل البيت سرورا فقد أدخل على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله سرورا ، ومن أدخل على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله سرورا فقد سر الله ، ومن سرالله فحقيق على الله أن يدخله جنته ».

ثم إني اوصيك بتقوى الله وإيثار طاعته والا عتصام بحبله فانه من اعتصم بحبل الله فقد هدي إلى صراط مستقيم ، فاتق الله ولا تؤثر أحدا على رضاه وهواه فانه وصية الله عزوجل إلى خلقه لا يقبل منهم غيرها ولا يعظم سواها ، واعلم أن الخلايق لم يوكلوا بشئ أعظم من التقوى فانه وصيتنا أهل البيت ، فان استطعت أن لاتنال من الدنيا شيئا تسأل عنه غدا فافعل.

قال عبدالله بن سليمان فلما وصل كتاب الصادق عليه‌السلام إلى النجاشي نظر فيه وقال صدق والله الذي لا إله إلا هو مو لاي فما عمل أحد بما في هذا الكتاب إلا نجا ، فلم يزل عبدالله يعمل به أيام حياته.

١٢ ـ كتاب الاربعين (١) في قضاء حقوق المؤمنين لا بن أخ السيد عزالدين أبي المكارم حمزة بن علي بن زهرة الحسيني ، عن الشريف أبي الحارث محمد بن الحسن الحسيني ، عن الفقيه قطب الدين سعيد بن هبة الله الراوندي ، عن الشيخ محمد بن علي بن محسن الحلبي ، عن الشيخ الفقيه أبي الفتح محمد بن علي الكراجكي قال : وأخبرني الشيخ الفقيه أبوالفضل شاذان بن جبرئيل القمي عن الشيخين أبي محمد عبدالله بن عبدالواحد وأبي محمد عبدالله بن عمر الطرابلسي ، عن القاضي عبدالعزيز أبي كامل الطرابلسي ، عن الكراجكي ، عن الشيخ أبي عبدالله المفيد محمد بن محمد ابن النعمان ، عن جعفر بن محمد بن قولويه ، عن أبيه مثله وفيه بعد قوله « وهوان زخرفها على من مضى من السلف والتابعين ، فقد حد ثني محمد بن علي بن الحسين قال : لما تجهز الحسين عليه‌السلام إلى الكوفة فأتاه ابن عباس فنا شده الله والرحم أن يكون المقتول باللطف فقال : أنا أعرف بمصرعي منك وما كدي من الدنيا إلا فراقها ألا اخبرك يا ابن عباس بحديث أمير المؤمنين عليه‌السلام والدنيا فقال : بلى لعمري إني لا حب أن تحد ثني بأمرها

____________________

(١) مخلوط ظاهرا.

١٩٦

فقال : قال علي بن الحسين عليهما‌السلام : سمعت أبا عبدالله الحسين عليه‌السلام يقول : حدثني أميرالمؤمنين عليه‌السلام قال : إني كنت بفدك في بعض حيطانها وقد صارت لفاطمة عليهما‌السلام قال فاذا أنا بامرأة قد هجمت علي وفي يدي مسحاة وأنا أعمل بها فلما نظرت إليها طار قلبي ، مما تداخلني من جمالها فشبهتها ببثينة بنت عامر الجمحي وكانت من أجمل نساء قريش ، فقالت يا ابن أبي طالب هل لك أن تتزوج بي فأغنيك عن هذه المسحاة وأدلك على خزائن الارض فيكون لك الملك ما بقيت ولعقبك من بعدك فقال لها عليه‌السلام : من أنت حتى أخطبك من أهلك؟ قالت : أنا الدنيا قال : قلت لها : فارجعي واطلبي زوجا غيري فلست من شأني ، وأقبلت على مسحاتي وأنشأت أقول :

لقد خاب من غرته دنيا دنية

وما هي أن غرت قرونا بطائل

أتتنا على زي العزيز بثينة

وزينتها في مثل تلك الشمائل

فقلت لها غري سواي فانني

عزوف عن الدنيا ولست بجاهل

وما أنا والدنيا فإن محمدا

أحل صريعا بين تلك الجنادل (١)

وهبها أتتنا بالكنوز ودرها

وأموال قارون وملك القبائل

أليس جميعا للفناء مصيرنا

ويطلب من خزانها بالطوائل (٢)

فغري سوائي إنني غير راغب

بما فيك من عز وملك ونائل

فقد قنعت نفسي بما قد رزقته

فشأنك يا دنيا وأهل الغوائل

فإني أخاف الله يوم لقائه

وأخشى عذابا (٣) دائما غير زائل

فخرج من الدنيا وليس في عنقه تبعة لاحد حتى لقى الله محمودا غير ملوم ولا مذموم ثم اقتدت به الائمة من بعده بما قد بلغكم لم يخلطوا بشئ من بوائقها عليه‌السلام أجمعين وأحسن مثواهم.

____________________

(١) في بعض نسخ الحديث « رهين بقفربين تلك الجنادل » والجنادل : الصخور.

(٢) جمع طائلة وهى العداوة.

(٣) في بعض نسخ الحديث « عتابا ».

١٩٧

٨

* ( باب ) *

* « ( وصية أميرالمؤمنين إلى الحسن بن على عليهما‌السلام ) » *

* « ( والى محمد بن الحنفية ) » *

١ ـ قال السيد بن طاووس في كتاب الوصايا (١) :

وقد وقع في خاطري أن أختم هذا الكتاب بوصية أبيك أمير المؤمنين عليه‌السلام الذي عنده علم الكتاب صلى الله عليه إلى ولده العزيز عليه ورسالته إلى الشيعة وذكر المتقدمين عليه ورسالته في ذكر الائمة من ولده ، ورأيت أن يكون رواية الرسالة إلى ولده بطريق المخالفين والمؤالفين ، فهو أجمع على ما تضمنه من سعادة الدنيا والدين فقال أبوأحمد الحسن بن عبدالله بن سعيد العسكري في كتاب الزواجر والمواعظ في الجزء الاول منه من نسخة تأريخها ذوالقعدة سنة ثلاث وسبعين وأربعمائة ما هذا لفظه : وصية أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه‌السلام لولده ولو كان من الحكمة ما يجب أن يكتب بالذهب لكانت هذه ، وحد ثني بها جماعة ، فحد ثني علي بن الحسين بن إسماعيل قال حدثنا الحسن بن أبي عثمان الادمي قال : أخبرنا أبوحاتم المكتب يحيى بن حاتم بن عكرمة قال : حدثني يوسف بن يعقوب بأنطاكية قال : حدثني بعض أهل العلم قال : لما انصرف علي عليه‌السلام من صفين إلى قنسرين كتب به إلى ابنه الحسن بن علي عليهما‌السلام من الوالد الفاني المقر للزمان. اه.

وحدثنا أحمد بن عبدالعزيز قال : حدثنا سليمان بن الربيع النهدي قال : حدثنا كادح بن رحمة الزاهدي قال : حدثنا صباح بن يحيى المزني.

وحدثنا علي بن عبدالعزيز الكوفي الكاتب قال : حدثنا جعفر بن هارون بن زياد قال : حدثنا محمد بن علي بن موسى الرضا ، عن أبيه ، عن جده جعفر الصادق ، عن

____________________

(١) كشف المحجة لثمرة المهجة الفصل الرابع والخمسون والمائة ص ١٥٧. « ط » النجف الاشرف.

١٩٨

أبيه ، عن جده عليهم‌السلام أن عليا عليه‌السلام كتب إلى الحسن بن علي عليهما‌السلام.

وحدثنا علي بن محمد بن إبراهيم التستري قال : حدثنا جعفر بن عنبسة قال : حدثنا عبادبن زياد قال : حدثنا عمر وبن أبي المقدام ، عن أبي جعفر محمد بن علي عليها‌السلام قال : كتب أمير المؤمنين إلى الحسن بن علي عليهما‌السلام.

وحدثنا محمد بن علي بن زاهر الرازي قال : حدثنا محمد بن العباس قال : حدثنا عبدالله بن داهر ، عن أبيه ، عن جعفر بن محمد ، عن آبائه ، عن علي عليهم‌السلام قال : كتب علي عليه‌السلام إلى ابنه الحسن عليه‌السلام.

كل هؤلاء حدثونا أن أمير المؤمنين عليه‌السلام كتب بهذه الرسالة إلى الحسن عليه‌السلام وأخبرني أحمد بن عبدالرحمن بن فضال القاضي قال : حدثنا الحسن ابن محمد بن أحمد ، وأحمد بن جعفر بن محمد بن زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم‌السلام قال : حدثنا جعفر بن محمد الحسني قال : حدثنا الحسن بن عبدل قال : حدثنا الحسن بن ظريف بن ناصح ، عن الحسين بن علوان ، عن سعد بن طريف ، عن الاصبغ ابن نباتة المجاشعي قال : كتب أمير المؤمنين عليه‌السلام إلى ابنه محمد كذا.

واعلم ياولدي محمد ضاعف الله جل جلاله عنايته بك ورعايته لك أن قد روى الشيخ المتفق على ثقته وأمانته محمد بن يعقوب الكليني تغمده الله جل جلاله برحمته رسالة مولينا أمير المؤمنين عليه‌السلام إلى جدك الحسن ولده سلام الله جل جلاله عليهما.

وروى رسالة اخرى مختصرة عن مولينا علي عليه‌السلام إلى ولده محمد بن الحنفية رضوان الله جل جلاله عليه وذكر الرسالتين في كتاب الرسائل ، ووجدنا نسخة عتيقة يوشك أن يكون كتابتها في زمن حياة محمد بن يعقوب (ره) وهذا الشيخ محمد بن يعقوب (ره) كان حياته في زمن وكلاء مولينا المهدي عليه‌السلام عثمان بن سعيد العمري وولده أبي جعفر محمدوأبي القاسم الحسين بن روح وعلي بن محمد السمري وتوفي محمد بن يعقوب قبل وفاة محمد بن علي السمري لان علي بن محمد السمري توفي في شعبان سنة تسع وعشرين وثلاثمائة وهذا محمد بن يعقوب الكليني توفى ببغداد سنة ثمان وعشرين وثلاثمائة فتصانيف هذا الشيخ محمد بن يعقوب و رواياته في زمن الوكلاء المذكورين يجد طريقا إلى تحقيق منقولاته وتصديق مصنفاته ورأيت يا ولدي بين رواية حسن بن عبدالله العسكري مصنف كتاب الزواجر والمواعظ

١٩٩

الذي قدمناه وبين الشيخ محمد بن يعقوب في رسالة أبيك أمير المؤمنين عليه‌السلام إلى ولده تفاوتا فنحن نوردها برواية محمد بن يعقوب الكليني فهو أجمل وأفضل فيما قصدناه ، فذكر محمد بن يعقوب الكليني في كتاب الرسائل باسناده إلى جعفر بن عنبسة عن عبادبن زياد الاسدي عن عمرو بن أبي المقدام ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : لما أقبل أمير المؤمنين عليه‌السلام من صفين كتب إلى ابنه الحسن عليه [ وعلى جده وأبيه وامه وأخيه الصلاة و ] السلام.

بسم الله الرحمن الرحيم من الوالد الفان ، المقر للزمان (١) المدبر العمر المستسلم للدهر (٢) الذام للدنيا ، الساكن مساكن الموتى ، الظاعن عنها غدا (٣) إلى الولد المؤمل ما لا يدرك (٤) السالك سبيل من قدهلك ، غرض الاسقام ، ورهينة الايام ، ورمية المصائب (٥) وعبد الدنيا ، وتاجر الغرور ، وغريم المنايا (٦) وأسير الموت

____________________

(١) حذفت الياء ههنا للازدواج بين الفان والزمان. وقوله « المقر للزمان » أى المقر له بالغلبة والقهر ، المعترف بالعجز في يد تصرفاته كانه قدره خصما ذابأس. وقوله « المدبر العمر » لانه عليه‌السلام حين ذاك مضى من عمره ازيد من ستين سنة ولم يبق من عمره عليه‌السلام الا أقل قليل.

(٢) عبارة اخرى عن قوله « المقر للزمان » وهو آكد منه. لانه قد يقر الانسان لخصمه ولا يستسلم.

(٣) يريد عليه‌السلام قرب الرحيل ، والظاعن : الراحل.

(٤) أى يؤمل البقاء في الدنيا وهو مما لا يدر كه احد من أبناء آدم وغيره من موجودات هذا العالم.

(٥) الرهينة : المرهونة أى أنه في قبضتها وحكمها : والرمية في الاصل اسم للصيد و يجوزان يكون اسما لما يرمى وما أصابه السهم. ولهذا الحق به الهاء كالذبيحة والانسان كالهدف لافات الدنيا ولا محالة يدركه الموت.

(٦) قال ابن أبى الحديد قوله « عبدالدنيا وتاجر الغرور وغريم المنايا » لان الانسان طوع شهواته فهو عبدالدنيا ، وحركاته فيها مبنية على غرور لا أصل له ، فهو تاجر الغرور لامحالة ، ولما كانت المنايا (أى الموت والهلاك) تطالبه بالرحيل عن هذه الدار كانت غريما له يقتضيه ما لا بد له من أدائه. انتهى.

٢٠٠