بحار الأنوار

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي

بحار الأنوار

المؤلف:

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي


الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: مؤسسة الوفاء
الطبعة: ٢
الصفحات: ٣٨٩
  الجزء ١   الجزء ٢   الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠ الجزء ٢١ الجزء ٢٢ الجزء ٢٣ الجزء ٢٤ الجزء ٢٥ الجزء ٢٦ الجزء ٢٧ الجزء ٢٨ الجزء ٢٩ الجزء ٣٠ الجزء ٣١ الجزء ٣٥ الجزء ٣٦ الجزء ٣٧ الجزء ٣٨ الجزء ٣٩ الجزء ٤٠ الجزء ٤١ الجزء ٤٢ الجزء ٤٣ الجزء ٤٤ الجزء ٤٥ الجزء ٤٦ الجزء ٤٧ الجزء ٤٨ الجزء ٤٩ الجزء ٥٠ الجزء ٥١ الجزء ٥٢ الجزء ٥٣ الجزء ٥٤ الجزء ٥٥ الجزء ٥٦ الجزء ٥٧ الجزء ٥٨ الجزء ٥٩ الجزء ٦٠ الجزء ٦١   الجزء ٦٢ الجزء ٦٣ الجزء ٦٤ الجزء ٦٥ الجزء ٦٦ الجزء ٦٧ الجزء ٦٨ الجزء ٦٩ الجزء ٧٠ الجزء ٧١ الجزء ٧٢ الجزء ٧٣ الجزء ٧٤ الجزء ٧٥ الجزء ٧٦ الجزء ٧٧ الجزء ٧٨ الجزء ٧٩ الجزء ٨٠ الجزء ٨١ الجزء ٨٢ الجزء ٨٣ الجزء ٨٤ الجزء ٨٥ الجزء ٨٦ الجزء ٨٧ الجزء ٨٨ الجزء ٨٩ الجزء ٩٠ الجزء ٩١ الجزء ٩٢ الجزء ٩٣ الجزء ٩٤   الجزء ٩٥ الجزء ٩٦   الجزء ٩٧ الجزء ٩٨ الجزء ٩٩ الجزء ١٠٠ الجزء ١٠١ الجزء ١٠٢ الجزء ١٠٣ الجزء ١٠٤

إنه ولد ومات وقائل يكفر بقوله إن حادي عشرنا كان عقيما وقائل يمرق بقوله إنه يتعدى إلى ثالث عشر فصاعدا وقائل يعصي الله عزوجل بقوله : إن روح القائم عليه‌السلام ينطق في هيكل غيره.

وأما إبطاء نوح عليه‌السلام فانه لما استنزل العقوبة على قومه من السماء بعث الله عزوجل جبرئيل الروح الامين بسبعة نويات فقال : يانبي الله إن الله تبارك وتعالى يقول لك : إن هؤلاء خلائقي وعبادي ئلست ابيدهم بصاعقة من صواعقي إلا بعد تأكيد الدعوة وإلزام الحجة ، فعاود اجتهادك في الدعوة لقومك فاني مثيبك عليه واغرس هذه النوى فان لك في نباتها وبلوغها وإدراكها إذا أثمرت الفرج والخلاص فبشر بذلك من تبعك من المؤمنين.

فلما نبتت الاشجار وتأزرت وتسوقت وتغصنت وأثمرت وزهى الثمر عليها بعد زمن طويل استنجز من الله سبحانه وتعالى العدة فأمره الله تبارك وتعالى أن يغرس من نوى تلك الاشجار ويعاود الصبر والاجتهاد ، ويؤكد الحجة على قومه فأخبر بذلك الطوائف التي آمنت به فارتد منهم ثلاث مائة رجل وقالوا : لو كان مايدعيه نوح حقا لما وقع في وعد ربه خلف.

ثم إن الله تبارك وتعال لم يزل يأمره عند كل مرة أن يغرسها تارة بعد اخرى إلى أن غرسها سبع مرات فما زالت تلك الطوائف من المؤمنين ترتد منهم طائفة إلى أن عاد إلى نيف وسبعين رجلا فأوحى الله عزوجل عند ذلك إليه وقال : يا نوح الآن أسفر الصبح عن الليل لعينك حين صرح الحق عن محضه وصفى [الامر للايمان] من الكدر بارتداد كل من كانت طينته خبيثة.

فلو أني أهلكت الكفار وأبقيت من قد ارتد من الطوائف التي كانت آمنت بك لما كنت صدقت وعدي السابق للمؤمنين الذين أخلصوا التوحيد من قومك ، و اعتصموا بحبل نبوتك بأن أستخلفهم في الارض وامكن لهم دينهم وابدل خوفهم بالامن لكي تخلص العبادة لي بذهاب الشك من قلوبهم.

وكيف يكون الاستخلاف والتمكين وبدل الخوف بالامن مني لهم مع ما

٢٢١

كنت أعلم من ضعف يقين الذين ارتدوا وخبث طينتهم ، وسوء سرائرهم التي كانت نتائج النفاق وسنوح الضلالة ، فلو أنهم تسنموا ( مني ) من الملك الذي اوتي المؤمنين وقت الاستخلاف إذا أهلكت أعداءهم لنشقوا روائح صفاته ولاستحكمت سرائر نفاقهم وتأبد حبال ضلالة قلوبهم وكاشفوا إخوانهم بالعداوة وحاربوهم على طلب الرئاسة والتفرد بالامر والنهي وكيف يكون التمكين في الدين وانتشار الامر في المؤمنين مع إثارة الفتن وإيقاع الحروب كلا « فاصنع الفلك بأعيننا ووحينا ».

قال الصادق عليه‌السلام وكذلك القائم عليه‌السلام تمتد أيام غيبته ليصرح الحق عن محضه ، ويصفو الايمان من الكدر بارتداد كل من كانت طينته خبيثة من الشيعة الذين يخشى عليهم النفاق إذا أحسوا بالاستخلاف والتمكين والامن المنتشر في عهد القائم عليه‌السلام.

قال المفضل : فقلت : يابن رسول الله إن النواصب تزعم أن هذه الآية نزلت في أبي بكر وعمر وعثمان وعلي قال : لا يهد الله قلوب الناصبة متى كان الدين الذي ارتضاه الله ورسوله متمكنا بانتشار الامن في الامة وذهاب الخوف من قلوبها ، وارتفاع الشك من صدورها في عهد أحد من هؤلاء وفي عهد علي عليه‌السلام مع ارتداد المسلمين والفتن التي كانت تثور في أيامهم والحروب التي كانت تنشب بين الكفار وبينهم ثم تلا الصادق عليه‌السلام « حتى إذا استيأس الرسل وظنوا أنهم قد كذبوا جاءهم نصرنا ».

وأما العبد الصالح الخضر عليه‌السلام فان الله تبارك وتعالى ما طول عمره لنبوة قدرها له ولا لكتاب ينزله عليه ، ولا لشريعة ينسخ بها شريعة من كان قبلها من الانبياء ، ولا لامامة يلزم عباده الاقتداء بها ، ولا لطاعة يفرضها له ، بلى إن الله تبارك وتعالى لما كان في سابق علمه أن يقدر من عمر القائم عليه‌السلام في أيام غيبته مايقدر وعلم مايكون من إنكاره عباده بمقدار ذلك العمر في الطول ، طول عمر العبد الصالح من غير سبب أوجب ذلك إلا لعلة الاستدلال به على عمر القائم عليه‌السلام ، وليقطع بذلك

٢٢٢

حجة المعاندين لئلا يكون للناس على الله حجة.

غط : جماعة ، عن أبي المفضل ، عن محمد بن بحر الشيباني ، عن علي بن الحارث مثله.

بيان : قال الفيروزآبادي : المحجر كمجلس ومنبر من العين ومادار بها وبدا من البرقع قوله عليه‌السلام : « وفقد » لعله معطوف على الفجائع أو على الابد أي أو صلت مصابي بما أصابني قبل ذلك من فقد واحد بعد واحد بسبب فناء الجمع والعدد. وفي بعض النسخ « يغني » فالجملة معترضة أو حالية.

قوله عليه‌السلام : « يفتر » أي يخرج بضعف وفتور وفي غط يفشأ على البناء للمفعول أي ينتشر و « دوارج الرزايا » مواضيها.

و « العواير » المصائب الكثيرة التي تعور العين لكثرتها من قولهم عنده من المال عائرة عين أي يحار فيه البصر من كثرته أو من العائر وهو الرمد والقذى في العين وتعدية التمثيل بعن لتضمين معنى الكشف والتراقي جمع الترقوة أي يمثل لي أشخاص مصائب أنظر إلى ترقوتها (١) وقوله : « أعظمها » على صيغة أفعل التفضيل فيكون بدلا عن العوائر أو صيغة المتكلم أي أعدها عظيمة فيكون صفة و الاحتمالان جاريان في الثلاثة الاخر وحاصل الكلام أني كلما أنظر إلى دمعة أو أسمع مني أنينا للمصائب التي نزلت بنا في سالف الزمان أنظر بعين اليقين إلى مصائب جليلة مستقبلة أعدها عظيمة فظيعة.

و « الغائل » المهلك والغوائل الدواهي قوله « سمة » أي علامة وقد سبق تفسير سائر أجزاء الخبر في كتاب النبوة.

١٠ ـ ك : المظفر العلوي ، عن ابن العياشي ، عن أبيه ، عن علي بن محمد بن

____________________

(١) ويحتمل أن يكون العوائر والتراقى ، الغوابر بالغين المعجمة والباء الموحدة من الغابر خلاف الماضى ، والتراقى : البواقى ، بالباء الموحدة والواو ، فالغواير و البواقي في المستثنى بحذاء الدوارج والسوالف في المستثنى منه ، اذ الدوارج بمعنى المواضى من درج أى مضى كما لا يخفى على المتأمل فتأمل. كذا قيل.

٢٢٣

شجاع ، عن محمد بن عيسى ، عن يونس ، عن علي بن أبي حمزة ، عن أبي بصير قال : قال أبوعبدالله عليه‌السلام : إن في صاحب هذا الامر سننا من الانبياء : سنة من موسى ابن عمران ، وسنة من عيسى ، وسنة من يوسف ، وسنة من محمد صلى الله عليه وعليهم.

فأما سنته من موسى فخائف يترقب. وأما سنته من عيسى فيقال فيه ماقيل في عيسى. وأما سنته من يوسف فالستر جعل الله بينه وبين الخلق حجابا يرونه ولا يعرفونه وأما سنته من محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله فيهتدي بهداه ويسير بسيرته.

١١ ـ ك : محمد بن علي بن بشار ، عن المظفر بن أحمد ، عن الاسدي ، عن البرمكي ، عن الحسن بن محمد بن صالح البزاز قال : سمعت الحسن بن علي العسكري عليه‌السلام يقول : إن ابني هو القائم من بعدي وهو الذي يجري فيه سنن الانبياء عليهم‌السلام بالتعمير والغيبة حتى تقسو القلوب لطول الامد ولا يثبت على القول به إلا من كتب الله عزوجل في قلبه الايمان وأيده بروح منه.

١٢ ـ غط : روى أبوبصير ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : في القائم شبه من يوسف قلت : وماهو؟ قال : الحيرة والغيبة.

١٣ ـ غط : وأما ماروي من الاخبار التي تتضمن أن صاحب الزمان يموت ثم يعيش أو يقتل ثم يعيش نحو مارواه الفضل بن شاذان ، عن موسى بن سعدان ، عن عبدالله بن القاسم الحضرمي ، عن أبي سعيد الخراساني قال : قلت لابي عبدالله عليه‌السلام : لاي شئ سمي القائم؟ قال : لانه يقوم بعدما يموت إنه يقوم بأمر عظيم ، يقوم بأمر الله.

وروى محمد بن عبدالله بن جعفر الحميري ، عن أبيه ، عن يعقوب بن يزيد عن علي بن الحكم ، عن حماد بن عثمان ، عن أبي بصير قال : سمعت أبا جعفر عليه‌السلام يقول : مثل أمرنا في كتاب الله تعالى مثل صاحب الحمار أماته الله مأة عام ثم بعثه.

وعنه ، عن أبيه ، عن جعفر بن محمد الكوفي ، عن إسحاق بن محمد ، عن القاسم ابن الربيع ، عن علي بن الخطاب ، عن مؤذن مسجد الاحمر قال : سألت أبا عبدالله عليه‌السلام هل في كتاب الله مثل للقائم؟ فقال : نعم ، آية صاحب الحمار أماته الله



٢٢٤

مائة عام ثم بعثه.

وروى الفضل بن شاذان ، عن ابن أبي نجران ، عن محمد بن الفضيل ، عن حماد ابن عبدالكريم قال : قال أبوعبدالله عليه‌السلام : إن القائم إذا قام قال الناس : أنى يكون هذا وقد بليت عظامه منذ دهر طويل.

فالوجه في هذه الاخبار وما شاكلها أن نقول : يموت ذكره ويعتقد أكثر الناس أنه بلي عظامه ثم يظهره الله كما أظهر صاحب الحمار بعد موته الحقيقي وهذا وجه قريب في تأويل هذه الاخبار على أنه لا يرجع بأخبار آحاد لا يوجب علما عما دلت العقول عليه وساق الاعتبار الصحيح إليه ، وعضده الاخبار المتواترة التي قدمناها بل الواجب التوقف في هذه والتمسك بما هو معلوم وإنما تأولناها بعد تسليم صحتها على مايفعل في نظائرها ويعارض هذه الاخبار ما ينافيها.

١٤

* ( باب ) *

* ( ذكر أخبار المعمرين لرفع استبعاد المخالفين ) *

* ( عن طول غيبة مولانا القائم صلوات الله عليه ) *

* ( وعلى آبائه الطاهرين ) *

ولنبدأ بذكر ماذكره الصدوق رحمه‌الله في كتاب إكمال الدين قال :

١ ـ حدثنا عبدالله بن محمد بن عبدالوهاب الشجري ، عن محمد بن القاسم الرقي وعلي ابن الحسن بن جنكاء اللائكي قال : لقينا بمكة رجلا من أهل المغرب فدخلنا عليه مع جماعة من أصحاب الحديث ممن كان حضر الموسم في تلك السنة وهي سنة تسع وثلاث مائة فرأينا رجلا أسود الرأس واللحية كأنه شن بال وحوله جماعة من أولاده وأولاد أولاده ومشايخ من أهل بلده ذكروا أنهم من أقصى بلاد المغرب بقرب باهرة العليا وشهدوا هؤلاء المشايخ أنهم سمعوا آباءهم حكوا عن آبائهم وأجدادهم أنهم عهدوا هذا الشيخ المعروف بأبي الدنيا معمر واسمه علي بن عثمان

٢٢٥

ابن خطار بن مرة بن مؤيد (١) وذكر أنه همداني وأن أصله من صعد اليمن فقلنا له : أنت رأيت علي بن أبي طالب؟ فقال بيده ففتح عينيه وقد كان وقع حاجباه على عينيه ففتحهما كأنهما سراجان فقال : رأيته بعيني هاتين وكنت خادما له وكنت معه في وقعة صفين وهذه الشجة من دابة علي عليه‌السلام وأرانا أثرها على حاجبه الايمن وشهد الجماعة الذين كانوا حوله من المشايخ ومن حفدته وأسباطه بطول العمر وأنهم منذ ولدوا عهده على هذه الحالة وكذا سمعنا من آبائنا وأجدادنا.

ثم إنا فاتحناه وسألناه عن قصته وحاله وسبب طول عمره فوجدناه ثابت العقل يفهم ما يقال له ، ويجيب عنه بلب وعقل ، فذكر أنه كان له والد قد نظر في كتب الاوائل وقرأها وقد كان وجد فيها ذكر نهر الحيوان وأنها تجري في الظلمات وأنه من شرب منها طال عمره ، فحمله الحرص على دخول الظلمات فتزود وحمل حسب ماقدر أنه يكتفي به في مسيره وأخرجني معه وأخرج معنا خادمين بازلين وعدة جمال لبون وروايا وزادا وأنا يومئذ ابن ثلاث عشرة سنة فسار بنا إلى أن وافينا طرف الظلمات ثم دخلنا الظلمات ، فسرنا فيها نحو ستة أيام بلياليها وكنا نميز بين الليل والنهار بأن النهار كان أضوء قليلا وأقل ظلمة من الليل.

فنزلنا بين جبال وأودية وركوات وقد كان والدي ره يطوف في تلك البقعة في طلب النهر لانه وجد في الكتب التي قرأها أن مجرى نهر الحيوان في ذلك الموضع فأقمنا في تلك البقعة أياما حتى فني الماء الذي كان معنا وأسقيناه جمالنا ولولا أن جمالنا كانت لبونا لهلكنا وتلفنا عطشا وكان والدي يطوف في تلك البقعة في طلب النهر ويأمرنا أن نوقد نارا ليهتدي بضوئها إذا أراد الرجوع إلينا.

فمكثنا في تلك البقعة نحو خمسة أيام ووالدي يطلب النهر فلا يجده وبعد الاياس عزم على الانصراف حذرا من التلف لفناء الزاد والماء والخدم الذين كانوا معنا فأوجسوا في أنفسهم خيفة من الطلب فألحوا على والدي بالخروج من الظلمات فقمت يوما من الرحل لحاجتي فتباعدت من الرحل قدر رمية سهم ، فعثرت بنهر ماء أبيض

____________________

(١) في نسخة كمال الدين المطبوعة ج ٢ ص ٢٢٠ : « مرة بن يزيد » وهكذا فيما يأتى.

٢٢٦

اللون عذب لذيذ لا بالصغير من الانهار ولا بالكبير يجري جريا لينا فدنوت منه وغرفت منه بيدي غرفتين أو ثلاثا فوجدته عذبا باردا لذيذا ، فبادرت مسرعا إلى الرحل فبشرت لخدم بأني قد وجدت الماء فحملوا ماكان معنا من القرب والاداوى لنملاها ولم أعلم أن والدي في طلب ذلك النهر وكان سروري بوجود الماء لما كنا فيه من عدم الماء وكان والدي في ذلك الوقت غائبا عن الرحل مشغولا بالطلب فجهدنا وطفنا ساعة هوية في طلب النهر فلم نهتد إليه حتى أن الخدم كذبوني وقالوا لي لم تصدق.

فلما انصرفت إلى الرحل وانصرف والدي أخبرته بالقصة فقال لي : يا بني! الذي أخرجني إلى ذلك المكان وتحمل الخطر كان لذلك النهر ، ولم ارزق أنا وأنت رزقته وسوف يطول عمرك حتى تمل الحياة ، ورحلنا منصرفين وعدنا إلى أوطاننا وبلدنا وعاش والدي بعد ذلك سنيات ثم مات رحمه‌الله.

فلما بلغ سني قريبا من ثلاثين سنة وكان قد اتصل بنا وفات النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ووفات الخليفتين بعده خرجت حاجا فلحقت آخر أيام عثمان.

فمال قلبي من بين جماعة أصحاب النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله إلى علي بن أبي طالب عليه‌السلام فأقمت معه أخدمه وشهدت معه وقائع وفي وقعة صفين أصابتني هذه الشجة من دابته فما زلت مقيما معه إلى أن مضى لسبيله عليه‌السلام فألح علي أولاده وحرمه أن اقيم عندهم فلم اقم ، وانصرفت إلى بلدي وخرجت أيام بني مروان حاجا وانصرفت مع أهل بلدي إلى هذه الغاية ، ماخرجت في سفر إلا ما كان الملوك في بلاد المغرب يبلغهم خبري وطول عمري فيشخصوني إلى حضرتهم ليروني ويسألوني عن سبب طول عمري وعما شاهدت وكنت أتمنى وأشتهي أن أحج حجة اخرى فحملني هؤلاء حفدتي وأسباطي الذين ترونهم حولي وذكر أنه قد سقطت أسنانه مرتين أو ثلاثة.

فسألناه أن يحدثنا بما سمع من أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه‌السلام فذكر أنه لم يكن له حرص ولا همة في طلب العلم وقت صحبته لعلي بن أبي طالب عليه‌السلام

٢٢٧

والصحابة أيضا كانوا متوافرين فمن فرط ميلي إلى علي عليه‌السلام ومحبتي له لم أشتغل بشئ سوى خدمته وصحبته والذي كنت أتذكره مما كنت سمعته منه قد سمعه مني عالم كثير من الناس ببلاد المغرب ومصر والحجاز وقد انقرضوا وتفانوا وهؤلاء أهل بلدي وحفدتي قد دونوه فأخرجوا إلينا النسخة وأخذ يملئ علينا من خطه : حدثنا أبوالحسن علي بن عثمان بن خطاب بن مرة بن مؤيد الهمداني المعروف بأبي الدنيا معمر المغربي رضي‌الله‌عنه حيا وميتا قال : حدثنا علي بن أبي طالب عليه‌السلام قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : من أحب أهل اليمن فقد أحبني ومن أبغض أهل اليمن فقد أبغضني.

وحدثنا أبو الدنيا معمر قال : حدثني علي بن أبي طالب عليه‌السلام قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : من أعان ملهوفا كتب الله له عشر حسنات ومحى عنه عشر سيئات ورفع له عشر درجات ثم قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : من سعى في حاجة أخيه المسلم لله فيها رضى الله فيها صلاح فكأنما خدم الله ألف سنة ولم يقع في معصيته طرفة عين.

حدثنا أبوالدنيا معمر المغربي قال : سمعت علي بن أبي طالب عليه‌السلام يقول : أصاب النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله جوع شديد وهو في منزل فاطمة قال علي فقال لي النبي : يا علي هات المائدة فقدمت المائدة فاذا عليها خبز ولحم مشوي.

حدثنا أبوالدنيا معمر قال : سمعت أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه‌السلام يقول : جرحت في وقعة خيبر خمسا وعشرين جراحة فجئت إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فلما رأى مابى بكى وأخذ من دموع عينيه فجعلها على الجراحات فاسترحت من ساعتي.

وحدثنا أبوالدنيا قال : حدثني علي بن أبي طالب عليه‌السلام قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : من قرأ قل هو الله أحد مرة فكأنما قرأ ثلث القرآن ومن قرأها مرتين فكأنما قرأ ثلثي القرآن ومن قرأها ثلاث مرات فكأنما قرأ القرآن كله.

وحدثنا أبوالدنيا قال : سمعت علي بن أبي طالب عليه‌السلام يقول : قال

٢٢٨

رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : كنت أرعى الغنم فاذا أنا بذئب على قارعة الطريق فقلت له : ما تصنع ههنا؟ فقال لي : وأنت ماتصنع ههنا؟ قلت أرعى الغنم قال مر أو قال ذا الطريق قال : فسقت الغنم فلما توسط الذئب الغنم إذا أنا به قد شد على شاة فقتلها قال : فجئت حتى أخذت بقفاه فذبحته وجعلته على يدي وجعلت أسوق الغنم.

فلما سرت غير بعيد وإذا أنا بثلاثة أملاك جبرئيل وميكائيل وملك الموت صلوات الله عليهم أجمعين ، فلما رأوني قالوا هذا محمد بارك الله فيه فاحتملوني وأضجعوني وشقوا جوفي بسكين كان معهم وأخرجوا قلبي من موضعه وغسلوا جوفي بماء بادر كان معهم في قارورة حتى نقي من الدم ثم ردوا قلبي إلى موضعه وأمروا أيديهم على جوفي فالتحم الشق باذن الله تعالى فما أحسست بسكين ولا وجع ، قال : وخرجت أغدو إلى امي يعني حليمة داية النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فقال لي : أين الغنم فخبرتها بالخبر فقالت : سوف تكون لك في الجنة منزلة عظيمة.

وحدثنا أبو سعيد عبدالله بن محمد بن عبدالوهاب قال : ذكر أبوبكر محمد بن الفتح المركني وأبوالحسن علي بن الحسن اللائكي أن السلطان بمكة لما بلغه خبر أبي الدنيا تعرض له ، وقال : لابد أن اخرجك إلى بغداد إلى حضرة أمير المؤمنين المقتدر فاني أخشى أن يعتب علي إن لم اخرجك معي فسأله الحاج من أهل المغرب وأهل مصر والشام أن يعفيه من ذلك ولا يشخصه فانه شيخ ضعيف ولا يؤمن مايحدث عليه ، فأعفاه. قال أبوسعيد : ولو أني أحضر الموسم تلك السنة لشاهدته وخبره كان شائعا مستفيضا في الامصار وكتب عنه هذه الاحاديث المصريون والشاميون والبغداديون ، ومن سائر الامصار من حضر الموسم وبلغه خبر هذا الشيخ وأحب أن يلقاه ويكتب عنه نفعهم الله وإيانا بها.

٢ ـ وأخبرني أبومحمد الحسن بن محمد بن يحيى بن الحسن بن جعفر بن عبدالله بن الحسن بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم‌السلام فيما أجازه لي مما صح عندي من حديثه وصح عندي هذا الحديث برواية الشريف أبي عبدالله محمد بن الحسن بن إسحاق بن الحسين بن إسحاق بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين

٢٢٩

ابن علي بن أبي طالب عليه‌السلام عنه أنه قال : حججت في سنة ثلاث عشر وثلاث مائة وفيها حج نصر القشوري صاحب المقتدر بالله ومعه عبدالرحمن بن عمران المكني بأبي الهيجاء فدخلت مدينة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله في ذي القعدة فأصبت قافلة المصريين وبها أبوبكر محمد بن علي المادرائي ومعه رجل من أهل المغرب وذكر أنه رأى أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فاجتمع عليه الناس وازدحموا وجعلوا يمسحون به وكادوا يأتون على نفسه فأمر عمي أبوالقاسم طاهر بن يحيى فتيانه وغلمانه فقال : افرجوا عنه الناس ففعلوا وأخذوا وأدخلوه دار أبي سهل الطفي وكان عمي نازلها فادخل وأذن للناس فدخلوا وكان معه خمسة نفر ذكر أنهم أولاده أولاده فيهم شيخ له نيف وثمانون سنة فسألناه عنه فقال : هذا ابن ابني وآخر له سبعون سنة فقال : هذا ابن ابني واثنان لهما ستون سنة أو خمسون أو نحوها وآخر له سبعة عشر سنة فقال : هذا ابن ابن ابني ولم يكن معه فيهم أصغر منه وكان إذا رأيته قلت : ابن ثلاثين أو أربعين سنة. أسود الرأس واللحية ضعيف الجسم آدم ربع من الرجال خفيف العارضين إلى قصر أقرب.

قال أبومحمد العلوي : فحدثنا هذا الرجل واسمه علي بن عثمان بن الخطاب ابن مرة بن مؤيد بجميع ماكتبناه عنه وسمعناه من لفظه وما رأينا من بياض عنفقته (١) بعد اسودادها ورجوع سوادها بعد بياضها عند شبعه من الطعام.

قال أبومحمد العلوي : ولولا أنه حدث جماعة من أهل المدينة من الاشراف والحاج من أهل مدينة السلام وغيرهم من جميع الآفاق ماحدثت عنه بما سمعت وسماعي منه بالمدينة ومكة في دار السهميين في الدار المعروفة بالمكتوبة وهي دار علي بن عيسى الجراح وسمعت منه في مضرب القشوري ومضرب المادرائي ومضرب أبي الهيجاء ، وسمعت منه بمنى وبعد منصرفه من الحج بمكة في دار المادرائي عند باب الصفا.

____________________

(١) العنفقة شعيرات بين الشفة السفلى والذقن ، قيل لها ذلك لخفتها وقلتها وربما اطلقت العنفقة على موضع تلك الشعيرات.

٢٣٠

وأراد القشوري حمله وولده إلى بغداد إلى المقتدر فجاءه فقهاء أهل مكة فقالوا : أيد الله الاستاذ ، إنا روينا في الاخبار المأثورة عن السلف أن المعمر المغربي إذا دخل مدينة السلام افتتنت وخربت وزال الملك فلا تحمله ورده إلى المغرب فسألنا مشايخ أهل المغرب ومصر فقالوا : لم نزل نسمع من آبائنا ومشايخنا يذكرون اسم هذا الرجل واسم البلد الذي هو مقيم فيه طنجة وذكروا أنه كان يحدثهم بأحاديث قد ذكرنا بعضها في كتابنا هذا.

قال أبومحمد العلوي : فحدثنا هذا الشيخ أعني علي بن عثمان المغربي بدو خروجه من بلده من حضرموت وذكر أن أباه خرج هو وعمه وأخرجا به معهما يريدون الحج وزيارة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فخرجوا من بلادهم من حضرموت وسارو أياما ثم أخطاؤا الطريق وتاهوا عن المحجة فأقاموا تائهين ثلاثة أيام وثلاثة ليال على غير محجة فبينا هم كذلك إذ وقعوا في جبال رمل يقال له : رمل عالج يتصل برمل إرم ذات العماد فبينا نحن كذلك إذ نظرنا إلى أثر قدم طويل فجعلنا نسير على أثرها فأشرفنا على واد وإذا برجلين قاعدين على بئر أو على عين.

قال : فلما نظر إلينا قام أحدهما فأخذ دلوا فأدلاه فاستقى فيه من تلك العين أو البئر واستقبلنا فجاء إلى أبي فناوله الدلو ، فقال أبي : قد أمسينا ننيخ على هذا الماء ونفطر إنشاء الله فصار إلى عمي فقال : اشرب فرد عليه كما رد عليه أبي فناولني فقال لي : اشرب فشربت ، فقال لي : هنيئا لك فانك ستلقى علي بن أبي طالب عليه‌السلام فأخبره أيها الغلام بخبرنا وقل له الخضر وإلياس يقرئانك [السلام] وستعمر حتى تلقى المهدي وعيسى بن مريم عليهما‌السلام فاذا لقيتهما فأقرئهما السلام ثم قالا : ما يكون هذا منك فقلت : أبي وعمي فقالا : أما عمك فلا يبلغ مكة وأما أنت وأبوك فستبلغان ويموت أبوك فتعمر أنت ولستم تلحقون النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله لانه قد قرب أجله ثم مثلا (١).

فوالله ما أدري أين مرا أفي السماء أو في الارض فنظرنا وإذا لا أثر ولا عين

____________________

(١) أي قاما وذهبا. وفي نسخة كمال الدين المطبوعة « مرا ». راجع ج ٢ ص ٢٢٩.

٢٣١

ولا ماء ، فسرنا متعجبين من ذلك إلى أن رجعنا إلى نجران فاعتل عمي ومات بها وأتممت أنا وأبي حجنا ووصلنا إلى المدينة فاعتل بها أبي ومات وأوصى إلى علي ابن أبي طالب عليه‌السلام فأخذني وكنت معه أيام أبي بكر وعمر وعثمان وخلافته حتى قتله ابن ملجم لعنه الله. وذكر أنه لما حوصر عثمان بن عفان في داره دعاني فدفع إلي كتابا ونجيبا وأمرني بالخروج إلى علي بن أبي طالب عليه‌السلام وكان غائبا بينبع في ماله وضياعه فأخذت الكتاب وصرت إلى موضع يقال له جدار أبي عباية. سمعت قرآنا فاذا علي بن أبي طالب عليه‌السلام يسير مقبلا من ينبع وهو يقول : « أفحسبتم أنما خلقناكم عبثا وأنكم إلينا لاترجعون ».

فلما نظر إلي قال : أبا الدنيا ماوراك؟ قلت : هذا كتاب أمير المؤمنين فأخذه فقرأه فاذا فيه :

فان كنت مأكولا فكن أنت آكلي

وإلا فأدركني ولما امزق

فلما قرأه قال : سر ، فدخل إلى المدينة ساعة قتل عثمان بن عفان فمال إلى حديقة بني النجار وعلم الناس بمكانه فجاؤا إليه ركضا وقد كانوا عازمين على ان يبايعوا طلحة بن عبيد الله فلما نظروا إليه ارفضوا إليه ارفضاض الغنم شد عليها أالسبع فبايعه طلحة ثم الزبير ثم بايع المهاجرون والانصار.

فأقمت معه أخدمه فحضرت معه الجمل وصفين وكنت بين الصفين واقفا عن يمينه إذ سقط سوطه من يده فأكببت آخذه وأرفعه إليه وكان لجام دابته حديدا مزججا فرفع الفرس رأسه فشجني هذه الشجة التي في صدغي فدعاني أمير المؤمنين فتفل فيها وأخذ حفنة من تراب فتركه عليها فوالله ماوجدت لها ألما ولا وجعا ثم أقمت معه حتى قتل صلوات الله عليه وصحبت الحسن بن علي عليه‌السلام حتى ضرب بساباط المدائن ثم بقيت معه بالمدينة أخدمه وأخدم الحسين عليه‌السلام حتى مات الحسن عليه‌السلام مسموما سمته جعدة بنت الاشعث بن قيس الكندي لعنها الله دسا من معاوية ثم خرجت مع الحسين بن علي عليه‌السلام حتى حضر كربلاء وقتل عليه‌السلام وخرجت هاربا من بني امية وأنا مقيم بالمغرب أنتظر خروج المهدي وعيسى بن مريم عليهما‌السلام.

٢٣٢

قال أبومحمد العلوي رضي‌الله‌عنه : ومن عجيب مارأيت من هذا الشيخ علي ابن عثمان وهو في دار عمي طاهر بن يحيى رضي‌الله‌عنه وهو يحدث بهذه الاعاجيب وبدو خروجه فنظرت إلى عنفقته وقد احمرت ثم ابيضت فجعلت أنظر إلى ذلك لانه لم يكن في لحيته ولا في رأسه ولا في عنفقته بياض البتة.

قال : فنظر إلى نظري إلى لحيته وعنفقته فقال : ماترون؟ إن هذا يصيبني إذا جعت فإذا شبعت رجعت إلى سوادها فدعا عمي بطعام وأخرج من داره ثلاث موائد فوضعت واحدة بين يدي الشيخ وكنت أنا أحد من جلس عليها فأكلت معه ووضعت المائدتان في وسط الدار وقال عمي للجماعة : بحقي عليكم إلا أكلتم و تحرمتم بطعامنا فأكل قوم وامتنع قوم وجلس عمي على يمين الشيخ يأكل و يلقي بين يديه فأكل أكل شاب وعمي يخلف عليه وأنا أنظر إلى عنفقته وهي تسود حتى إذا عادت إلى سوادها [حين] شبع.

فحدثنا علي بن عثمان بن خطاب قال : حدثني علي بن أبي طالب عليه‌السلام قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : من أحب أهل اليمن فقد أحبني ومن أبغضهم فقد أبغضني.

حديث عبيد بن شريد الجرهمى :

٣ ـ حدثنا أبوسعيد بن عبدالله بن محمد بن عبدالوهاب الشجري قال : وجدت في كتاب لاخي أبي الحسن بخطه يقول : سمعت بعض أهل العلم ممن قرأ الكتب و سمع الاخبار أن عبيد بن شريد الجرهمي وهو معروف عاش ثلاثمائة سنة وخمسين سنة فأدرك النبي وحسن إسلامه وعمر بعد ماقبض النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله حتى قدم على معاوية في أيام تغلبه وملكه فقال له معاوية : أخبرني ياعبيد عما رأيت وسمعت ومن أدركت وكيف رأيت الدهر؟ قال : أما الدهر فرأيت ليلا يشبه ليلا ونهارا يشبه نهارا ومولودا يولد وميتا يموت ولم أدرك أهل زمان إلا وهم يذمون زمانهم.

وأدركت من قد عاش ألف سنة فحدثني عمن قد كان قبله قد عاش ألفي سنة وأما ما سمعت فانه حدثني ملك من ملوك حمير أن بعض ملوك النابغة ممن دانت له البلاد كان يقال له ذو سرح ، كان اعطي الملك في عنفوان شبابه وكان حسن

٢٣٣

السيرة في أهل مملكته سخيا فيهم مطاعا فملكهم سبعمائة سنة وكان كثيرا مايخرج في خاصته إلى الصيد والنزهة.

فخرج يوما إلى بعض متنزهه فأتى إلى حيتين أحدهما بيضاء كأنها سبيكة فضة والاخرى سوداء كأنهما حممة وهما يقتتلان وقد غلبت السوداء البيضاء وكادت تأتي على نفسها فأمر الملك بالسوداء فقتلت وأمر بالبيضاء فاحتملت حتى انتهى بها إلى عين من ماء بقي عليها شجرة فأمر فصب عليها من الماء وسقيت حتى رجع إليها نفسها فأفاقت فخلى سبيلها فانسابت الحية ومضبت لسبيلها ومكث الملك يومئذ في متصيده ونزهته.

فلما أمسى ورجع إلى منزله وجلس على سريره في موضع لا يصل إليه حاجب ولا أحد فبينا هو كذلك إذا رأى شابا آخذا بعضادتي الباب ، وبه من الثياب و الجمال شئ لا يوصف فسلم على الملك فذعر منه الملك وقال له : من أنت ومن أدخلك وأذن لك في الدخول علي في هذا الموضع الذي لا يصل فيه حاجب ولا غيره؟ فقال له الفتى : لاترع أيها الملك إني لست بإنسي ولكني فتى من الجن أتيتك لاجازيك على بلائك الحسن الجميل عندي قال الملك : وما بلائي عندك؟ قال : أنا الحية التي أحييتني في يومك هذا والاسود الذي قتلته وخلصتني منه كان غلاما لنا [تمرد علينا] وقد قتل من أهل بيتي عدة كان إذا خلا بواحد منا قتله ، فقتلت عندوي و أحييتني فجئت لاكافيك ببلائك عندي ونحن أيها الملك الجن لا الجن فقال له : الملك وما الفرق بين الجن والجن.

ثم انقطع الحديث الذى كتب أخي فلم يكن هناك تمامه.

حديث الربيع بن الضبع الفزارى :

٤ ـ حدثنا أحمد بن يحيى المكتب قال : حدثنا أبوالطيب أحمد بن محمد الوراق قال : حدثنا محمد بن الحسن بن دريد الازدي العماني بجميع أخباره وكتبه التي صنفها ووجدنا في أخباره أنه قال : لما وفد الناس على عبدالملك بن مروان قدم فيمن قدم عليه الربيع بن الضبع الفزاري وكان أحد المعمرين ومعه ابن ابنه

٢٣٤

وهب بن عبدالله بن الربيع شيخا فانيا قد سقط حاجباه على عينيه وقد عصبهما فلما رآه الآذن وكانوا يأذنون للناس على أسنانهم قال له : ادخل أيها الشيخ فدخل يدب على العصاء يقيم بها صلبه ولحيته على ركبتيه.

قال : فلما رآه عبدالملك رق له وقال له : اجلس أيها الشيخ فقال : يا أمير المؤمنين أيجلس الشيخ وجده على الباب فقال : أنت إذا من ولد الربيع بن ضبع قال : نعم ، أنا وهب بن عبدالله بن الربيع. قال للآذن : ارجع فأدخل الربيع فخرج الآذن فلم يعرفه حتى نادى أين الربيع قال : ها أنا ذا فقام يهرول في مشيته فلما دخل على عبدالملك سلم فقال عبدالملك : وأبيكم إنه لاشب الرجلين ياربيع أخبرني عما أدركت من العمر والمدى ورأيت من الخطوب الماضية قال أنا الذي أقول :

ها أنا ذا آمل الخلود وقد

أدرك عمري ومولدي حجرا

أما امرء القيس قد سمعت به

هيهات هيهات طال ذا عمرا

قال عبدالملك : قد رويت هذا من شعرك وأنا صبي قال وأنا القائل :

إذا عاش الفتى مأتين عاما فقد ذهب اللذاذة والغناء قال عبدالملك : وقد رويت هذا من شعرك أيضا وأنا غلام وأبيك يا ربيع لقد طلبك جد غير عاثر ففصل لي عمرك؟

فقال : عشت مأتي سنة في الفترة بين عيسى ومحمد صلى‌الله‌عليه‌وآله وعشرين ومأة سنة في الجاهلية وستين سنة في الاسلام.

قال : أخبرني عن الفتية من قريش المتواطئ الاسماء قال : سل عن أيهم شئت قال : أخبرني عن عبدالله بن عباس قال : فهم وعلم وعطاء وحلم ومقرى ضخم قال : فأخبرني عن عبدالله بن عمر قال : حلم وعلم وطول وكظم وبعد من الظلم.

قال : فأخبرني ، عن عبدالله بن جعفر قال : ريحانة طيب ريحها لين مسها قليل على المسلمين ضررها.

قال : فأخبرني عن عبدالله بن الزبير ، قال : جبل وعر ينحدر منه الصخر

٢٣٥

قال : لله درك ما أخبرك بهم ، قال : قرب جواري وكثر استخباري.

حديث شق الكاهن :

٥ ـ حدثنا أحمد بن يحيى المكتب قال : حدثنا أبوالطيب أحمد بن محمد الوراق قال : حدثنا محمد بن الحسن بن دريد الازدي العماني قال : حدثنا أحمد عيسى أبوبشير العقيلي ، عن أبي حاتم ، عن أبي قبيصة ، عن ابن الكلبي ، عن أبيه قال : سمعت : شيوخا من بجيلة مارأيت على سروهم وحسن هيئتهم يخبرون أنه عاش [شق] الكاهن ثلاثمائة سنة فلما حضرته الوفاة اجتمع إليه قومه وقالوا له : أوصنا فقد آن أن يفوتنا بك الدهر. فقال : تواصلوا ولا تقاطعوا ، وتقاتلوا ولا تدابروا وأوصلوا الارحام ، واحفظوا الذمام ، وسودوا الحكيم ، وأجلوا الكريم ، ووقروا ذا الشيبة ، وأذلوا الليئم ، وتجنبوا الهزل في مواضع الجد ، ولا تكدروا الانعام بالمن ، واعفوا إذا قدرتم ، وهادنوا إذا هجرتم ، وأحسنوا إذا كوبدتم ، واسمعوا من مشايخكم ، واستبقوا دواعي الصلاح عند أواخر العداوة ، فان بلوغ الغاية في الندامة جرح بطئ الاندمال.

وإياكم والطعن في الانساب ولاتفحصوا عن مساويكم ، ولا تودعوا عقايلكم غير مساويكم ، فانها وصمة قادحة ، وقضاءة فاضحة ، الرفق الرفق لا الخرق فان الخرق مندمة في العواقب مكسبة للعوايب ، الصبر أنفذ عتاب ، والقناعة خير مال الناس أتباع الطمع ، وقرائن الهلع ، ومطايا الجزع ، وروح الذل التخاذل تزالون ناظرين بعيون نائمة ما اتصل الرجاء بأموالكم ، والخوف بمحالكم.

ثم قال : يالها نصيحة زلت عن عذبة فصيحة ، إن كان وعاؤها وكيعا ومعدنها منيعا ثم مات.

قال الصدوق رضي‌الله‌عنه : إن مخالفينا يروون مثل هذه الاحاديث و يصدقون بها ويروون حديث شداد بن عاد بن إرم ذات العماد وأنه عمر تسعمائة سنة ، ويروون صفة جنته وأنها مغيبة عن الناس فلا ترى وأنها في الارض. ولا يصدقون بقائم آل محمد صلوات الله عليه وعليهم ويكذبون بالاخبار التي وردت فيه

٢٣٦

جحودا للحق وعنادا لاهله.

بيان : قوله مزججا أي مرققا ممددا قوله « لقد طلبك جد غير عاثر » الجد بالفتح الحظ والبخت والغناء أي طلبك بخت عظيم لم يعثر حتى وصل إليك أو لم يعثر بك بل نعشك في كل الاحوال و « السرو » السخاء في مروءة.

و « العقايل » جمع العقيلة وهي كريمة الحي أي لاتزوجوا بناتكم إلا ممن يساويكم في الشرف. و « الوصمة » العيب والعار و « الفادحة » الثقيلة ويقال : فيه « قضاءة » ويضم : عيب وفساد وتقضؤوا منه أن يزوجوه استحسنوا حسبه ، ووعاء وكيع شديد متين.

اقول : ثم ذكر الصدوق رحمه‌الله قصة شداد بن عاد كما نقلنا عنه في كتاب النبوة ثم قال :

وعاش أوس بن ربيعة بن كعب بن امية مأتي وأربع عشرة سنة فقال في ذلك :

لقد عمرت حتى مل أهلي

ثواي عندهم وسئمت عمري

وحق لمن أتى مأتان عام

عليه وأربع من بعد عشر

يمل من الثواء وصبح ليل

يغاديه وليل بعد يسري

فأبلى شلوتي وتركت شلوي

وباح بما اجن ضمير صدري

وعاش أبوزبيد واسمه المنذر بن حرملة الطائي وكان نصرانيا خمسين و مائة سنة.

وعاش نضر بن دهمان بن سليمان بن أشجع بن زيد بن غطفان مائة وتسعين سنة حتى سقطت أسنانه وخرف عقله وابيض رأسه فحرب قومه أمر فاحتاجوا فيه إلى رأيه فدعوا الله أن يرد عليه عقل وشبابه فعاد إليه شبابه واسود شعره ، فقال فيه سلمة بن الحريش ويقال عباس بن مرداس السلمي :

لنضر بن دهمان الهنيدة عاشها

وتسعين حولا ثم قوم فانصاتا

وعاد سواد الرأس بعد بياضه

وعاوده شرخ الشباب الذي فاتا

وراجع عقلا بعد مافات عقله

ولكنه من بعد ذا كله ماتا

٢٣٧

وعاش ثوب بن صداق العبدي مأتي سنة.

وعاش خثعم بن عوف بن جذيمة دهرا طويلا فقال :

حتى متى خثعم في الاحياء

ليس بذي أيدي ولا غناء

هيهات ما للموت من دواء

وعاش ثعلبة بن كعب بن عبد الاشهل بن الاشوس مأتي سنة فقال :

لقد صاحبت أقواما فأمسوا

خفاتا لا يجاب لهم دعاء

مضوا قصد السبيل وخلفوني

فطال علي بعدهم الثواء

فأصبحت الغداة رهين شئ

وأخلفني من الموت الرجاء

وعاش رداءة بن كعب بن ذهل بن قيس النخعي ثلاث مائة سنة فقال :

لم يبق يا خذيه من لداتي

أبوبنين لا ولا بنات

ولا عقيم غير ذي سبات

إلا يعد اليوم في الاموات

هل مشتر أبيعه حياتي؟

وعاش عدي بن حاتم طيئ عشرين ومائة سنة.

وعاش اما باة بن قيس بن الحرملة بن سنان الكندي ستين ومائة سنة.

وعاش عمير بن هاجر بن عمير بن عبدالعزى بن قيس الخزاعي سبعين و مأة سنة فقال :

بليت وأفناني الزمان وأصبحت

هنيدة قد ابقيت من بعدها عشرا

وأصبحت مثل الفرخ لا أنا ميت

فابكى ولا حي فاصدر لي أمرا

وقد عشت دهرا ماتجن عشيرتي

لها ميتا حتى تخط له قبرا

وعاش العوام بن المنذر بن زيد بن قيس بن حارثة بن لام دهرا طويلا في الجاهلية وأدرك عمر بن عبدالعزيز فادخل عليه وقد اختلف ترقوتاه وسقط حاجباه فقيل له ما أدركت؟ فقال :

فو الله ما أدرئ أدركت امة

على عهد ذي القرنين ام كنت أقدما

متى يخلعوا عنى القميص تبينوا

جناجن لم يكسين لحما ولا دما



٢٣٨

وعاش سيف بن وهب بن جذيمة الطائي مائي سنة فقال :

ألا إنني كاهب ذاهب

فلا تحسبوا أنني كاذب

لبست شبابي فأفنيته

وأدركني القدر الغالب

وخصم دفعت ومولى نفعت

حتى يثوب له ثائب

وعاش أرطاة بن دشهبة المزني عشرين ومائة سنة وكان يكني أبا الوليد فقال له عبدالملك : مابقي من شعرك يا أرطاة؟ فقال : يا أمير المؤمنين [إني] ما أشرب ولا أطرب ولا أغضب ، ولا يجيئني الشعر إلا على إحدى هذه الخصال على أني أقول :

رأيت المرء تأكله الليالي

كأكل الارض ساقطة الحديد

وما تبقي المنية حين تأتي

على نفس ابن آدم من مزيد

وأعلم أنها ستكر حتى

توفي نذرها بأبي الوليد

فارتاع عبدالملك فقال أرطاة : يا أمير المؤمنين إني اكنى أبا الوليد.

وعاش عبيد بن الابرص ثلاثمائة سنة فقال :

فنيت وأفناني الزمان وأصبحت

لداتي بنوا نعش وزهر الفراقد

حواست جمع كن

حواست جمع كن

ثم أخذه النعمان بن منذر يوم بؤسه فقتله.

وعاش شريح بن هانئ عشرين ومائة سنة حتى قتل في نفرة الحجاج بن يوسف فقال في كبره وضعفه :

أصبحت ذابث اقاصي الكبرا

قد عشت بين المشركين أعصرا

ثمت أدركت النبي المنذرا

وبعده صديقه وعمرا

ويوم مهران ويوم تسترا

والجمع في صفينهم والنهرا

هيهات ما أطول هذا عمرا

وعاش رجل من بني ضبة يقال له : المسجاح بن سباع دهرا طويلا فقال :

لقد طوفت في الآفاق حتى

بليت وقد [دنا] لي أن أبيد

وأفناني ولا يفنى نهار

وليل كلما يمضي يعود



٢٣٩

وشهر مستهل بعد شهر

وحول بعده حول جديد

وعاش لقمان العادي الكبير خمسمائة سنة وستين سنة وعاش عمر سبعة أنسر كل نسر منها ثمانين عاما وكان من بقية عاد الاولى.

وروي أنه عاش ثلاثة آلاف سنة وخمسمائة سنة وكان من ولد عاد الذين بعثهم قومهم إلى الحرم ليستسقوا لهم وكان اعطي عمر سبعة أنسر فكان يأخذ فرخ النسر الذكر فيجعله في الجبل الذي هو في أصله فيعيش النسر فيها ما عاش فاذا مات أخذ آخر فرباه حتى كان آخرها لبد ، وكان أطولها عمرا فقيل فيه « طال الامد على لبد » وقد قيل فيه أشعار معروفة واعطي من السمع والبصر والقوة على قدر ذلك وله أحاديث كثيرة.

وعاش زهير بن عباب بن هبل بن عبدالله بن بكر بن عوف بن عذرة بن زيد ابن عبدالله بن وهدة بن ثور بن كليب الكلبي ثلاثمائة سنة.

وعاش مزيقيا واسمه عمرو بن عامر وعامر هو ماء السماء وإنما سمي ماء السماء لانه كان حياة أينما نزل كمثل ماء السماء وإنما سمي مزيقيا لانه عاش ثمانمائة سنة أربعمائة سوقة ، وأربعمائة ملكا ، فكان يلبس في كل يوم حلتين ثم يأمر بهما فيمزقان حتى لايلبسهما أحد غيره.

وعاش ابن هبل بن عبدالله بن كنانة ستمائة سنة.

وعاش أبوالطمحان القيسي مائة وخمسين سنة.

وعاش المستوعر بن ربيعة بن كعب بن زيد مناة بن تميم ثلاثمائة وثلاثين سنة ثم أدرك الاسلام فلم يسلم وله شعر معروف.

وعاش دريد بن زيد بن نهد أربعمائة سنة وخمسين سنة فقال في ذلك :

ألقى علي الدهر رجلا ويدا

والدهر مايصلح يوما أفسدا

يصلحه اليوم ويفسده غدا

وجمع بنيه حين حضرته الوفاة فقال : يابني اوصيكم بالناس شرا لاتقبلوا لهم معذرة ولا تقبلوا لهم عثرة.

٢٤٠