بحار الأنوار

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي

بحار الأنوار

المؤلف:

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي


الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: مؤسسة الوفاء
الطبعة: ٢
الصفحات: ٣٨٩
  الجزء ١   الجزء ٢   الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠ الجزء ٢١ الجزء ٢٢ الجزء ٢٣ الجزء ٢٤ الجزء ٢٥ الجزء ٢٦ الجزء ٢٧ الجزء ٢٨ الجزء ٢٩ الجزء ٣٠ الجزء ٣١ الجزء ٣٥ الجزء ٣٦ الجزء ٣٧ الجزء ٣٨ الجزء ٣٩ الجزء ٤٠ الجزء ٤١ الجزء ٤٢ الجزء ٤٣ الجزء ٤٤ الجزء ٤٥ الجزء ٤٦ الجزء ٤٧ الجزء ٤٨ الجزء ٤٩ الجزء ٥٠ الجزء ٥١ الجزء ٥٢ الجزء ٥٣ الجزء ٥٤ الجزء ٥٥ الجزء ٥٦ الجزء ٥٧ الجزء ٥٨ الجزء ٥٩ الجزء ٦٠ الجزء ٦١   الجزء ٦٢ الجزء ٦٣ الجزء ٦٤ الجزء ٦٥ الجزء ٦٦ الجزء ٦٧ الجزء ٦٨ الجزء ٦٩ الجزء ٧٠ الجزء ٧١ الجزء ٧٢ الجزء ٧٣ الجزء ٧٤ الجزء ٧٥ الجزء ٧٦ الجزء ٧٧ الجزء ٧٨ الجزء ٧٩ الجزء ٨٠ الجزء ٨١ الجزء ٨٢ الجزء ٨٣ الجزء ٨٤ الجزء ٨٥ الجزء ٨٦ الجزء ٨٧ الجزء ٨٨ الجزء ٨٩ الجزء ٩٠ الجزء ٩١ الجزء ٩٢ الجزء ٩٣ الجزء ٩٤   الجزء ٩٥ الجزء ٩٦   الجزء ٩٧ الجزء ٩٨ الجزء ٩٩ الجزء ١٠٠ الجزء ١٠١ الجزء ١٠٢ الجزء ١٠٣ الجزء ١٠٤

وعاش تيم الله بن [ثعلبة بن] عكابه مائتي سنة.

وعاش الربيع بن ضبع بن وهب بن بعيض بن مالك بن سعدى بن عدي بن فزارة مائتي وأربعين سنة وأدرك الاسلام فلم يسلم.

وعاش معدي كرب الحميري من آل ذي رعين مائتي وخمسين سنة.

وعاش ثرية بن عبدالله الجعفي ثلاثمائة سنة فقدم على عمر بن الخطاب المدينة فقال : لقد رأيت هذا الوادي الذي أنتم به وما به قطرة ولا هضبة ولا شجرة ولقد أدركت اخريات قوم يشهدون بشهادتكم هذه يعني لا إله إلا الله ، ومعه ابن له يتهادى قد خرف فقال : ياثرية هذا ابنك قد خرف وبك بقية فقال : ماتزوجت أمة حتى أتت علي سبعون سنة ولكني تزوجتها عفيفة ستيرة إن رضيت رأيت ما تقر به عيني وإن سخطت أتتني حتى أرضى وإن ابني هذا تزوج امرأة بذية فاحشة إن رأى ماتقر به عينه تعرضت له حتى يسخط وإن سخط تلقته حتى يهلك (١).

وعاش عوف بن كنانة الكلبي ثلاثمائة سنة فلما حضرته الوفاة جمع بنيه فأوصاهم وهو عوف بن كنانة بن عوف بن عذرة بن زيد بن ثور بن كلب فقال : يابني احفظوا وصيتي فانكم إن حفظتموها سدتم قومكم بعدي ، إلهكم فاتقوه ولا تخونوا ولا تحزنوا ، ولا تثيروا السباع من مرابضها ، وجاوروا الناس بالكف عن مساويهم تسلموا وتصلحوا ، وعفوا عن الطلب إليهم لئلا تستثقلوا ، والزموا الصمت إلا من حق تحمدوا ، وابذلوا لهم المحبة تسلم لكم الصدور ، ولا تحرموهم المنافع فيظهروا الشكاة ، وكونوا منهم في ستر ينعم بالكم ، ولا تكثروا مجالستهم فيستخف بكم ، و إذا نزلت بكم معضلة فاصبروا لها ، والبسوا للدهر أثوابه ، فان لسان الصدق مع النكبة خير من سوء الذكر مع المسرة.

ووطنوا أنفسكم على الذلة لمن ذل لكم فان أقرب المسائل المودة وإن أبعد النسب البغضة وعليكم بالوفاء وتنكبوا الغدر يأمن سربكم وأحيوا الحسب

____________________

(١) في المصدر المطبوع هناك تقديم وتأخير راجع ج ٢ ص ٢٥٥.

٢٤١

بترك الكذب فان آفة المروءة الكذب والخلف ، لاتعلموا الناس إقتاركم فتهونوا وتخملوا ، وإياكم والغربة فانها ذلة ولا تضعوا الكرائم إلا عند الاكفاء ، وابتعوا بأنفسكم المعالي ، ولا يحتلجنكم جمال النساء عن الصحة ، فان نكاح الكرائم مدارج الشرف ، واخضعوا لقومكم ولا تبغوا عليهم لتنالوا المنافس ، ولا تخالفوهم فيما اجتمعوا عليه ، فان الخلاف يزري بالرجل المطاع ، وليكن معروفكم لغير قومكم بعدهم ، ولا توحشوا أفنيتكم من أهلها فإن إيحاشها إخماد النار و دفع الحقوق ، وارفضوا النمائم بينكم تكونوا أعوانا عند الملمات تغلبوا ، واحذروا النجعة إلا في منفعة لاتصابوا ، وأكرموا الجار يخصب جنابكم ، وآثروا حق الضيف على أنفسكم ، والزموا مع السفهاء الحلم تقل همومكم.

وإياكم والفرقة فانها ذلة ولا تكلفوا أنفسكم فوق طاقتها إلا المضطر فانكم إن تلاموا عند إيضاح العذر وبكم قوة خير من أن تعانوا في الاضطرار منكم إليهم بالمعذرة ، وجدوا ولا تفرطوا فان الجد مانعة الضيم ، ولتكن كلمتكم واحدة تعزوا ويرهف حدكم ، ولا تبذلوا الوجوه لغير مكرمة فتخلقوها ، ولا تجشموا أهل الدناءة فتقصروا بها ، ولا تحاسدوا فتبوروا ، واجتنبوا البخل فانه داء وابنوا المعالي بالجود والادب ، ومصافات أهل الفضل والحياء ، وابتاعوا المحبة بالبذل ، ووقروا أهل الفضيلة ، وخذوا من أهل التجارب ، ولايمنعنكم من معروف صغره فان له ثوابا ، ولا تحقروا الرجال فتزدروها فانما المرء بأصغريه ذكاء قلبه ولسان يعبر عنه.

فاذا خوفتم داهية فاللبث قبل العجلة ، والتمسوا بالتودد المنزلة عند الملوك فانهم من وضعوه اتضع ، ومن رفعوه ارتفع ، وتبسلوا بالفعال تسم إليكم الابصار وتواضعوا بالوفاء وليحبكم ربكم. ثم قال :

وما كل ذي لب بمؤتيك نصحه

ولا كل موف نصحه بلبيب

ولكن إذا ما استجمعا عند واحد

فحق له من طاعة بنصيب

وحدثنا عبدالله بن محمد بن عبدالوهاب ، عن أحمد بن محمد بن عبدالله بن

٢٤٢

يزيد الشعراني من ولد عمار بن ياسر رضي‌الله‌عنه يقول : حكى أبوالقاسم محمد بن القاسم البصري أن أبا الحسن (١) حمارويه بن أحمد بن طولون كان قد فتح عليه من كنوز مصر مالم يرزق أحد قبله فاغري بالهرمين فأشار عليه ثقاته وحاشيته و بطانته أن لايتعرض لهدم الاهرام فانه ما تعرض أحد لها فطال عمره فلج في ذلك وأمر ألفا من الفعلة أن يطلبوا الباب وكانوا يعملون سنة حواليه حتى ضجروا وكلوا.

فلما هموا بالانصراف بعد الاياس منه ، وترك العمل ، وجدوا سربا فقدروا أنه الباب الذي يطلبونه ، فلما بلغوا آخره وجدوا بلاطة قائمة من مر مر فقد روا أنها الباب فاحتالوا فيها إلى أن قلعوها وأخرجوها ، فاذا عليها كتابة يونانية فجمعوا حكماء مصر وعلماءها فلم يهتدوا لها وكان في القوم رجل يعرف بأبي عبدالله المديني أحد حفاظ الدنيا وعلمائها فقال لابي الحسن حمارويه بن أحمد : أعرف في بلد الحبشة اسقفا قد عمر وأتى عليه ثلاث مائة وستون سنة يعرف هذا الخط وقد كان عزم على أن يعلمنيه فلحرصي على علم العرب لم اقم عليه وهو باق.

فكتب أبوالحسن إلى ملك الحبشة يسأله أن يحمل هذا الاسقف إليه فأجابه أن هذا قد طعن في السن وحطمه الزمان وإنما يحفظه هذا الهواء ويخاف عليه إن نقل إلى هواء آخر وإقليم آخر ولحقته حركة وتعب ومشقة السفر أن يتلف وفي بقائه لنا شرف وفرج وسكينة ، فان كان لكم شئ يقرأه ويفسره ومسألة تسألونه فاكتب بذلك فحملت البلاطة في قارب إلى بلد اسوان من الصعيد الاعلى وحملت من اسوان على العجلة إلى بلاد الحبشة وهي قريبة من اسوان فلما وصلت قرأها الاسقف وفسر مافيها بالحبشية ثم نقلت إلى العربية فاذا فيها مكتوب : أنا الريان بن دومغ فسئل أبوعبدالله عن الريان من كان هو قال : هو والد العزيز ملك يوسف عليه‌السلام واسمه الريان بن دومغ وقد كان عمر العزيز سبعمائة سنة وعمر الريان والده ألفا وسبعمائة وعمر دومغ ثلاثة آلف سنة.

____________________

(١) في المصدر المطبوع : « أبا الجيش حمارويه » راجع ج ٢ ص ٢٤٧ وهكذا في سائر المواضع.

٢٤٣

فاذا فيها أنا الريان بن دومغ خرجت في طلب علم النيل لاعلم فيضه ومنبعه إذا كنت (١) أرى مفيضه فخرجت ومعي ممن صحبت أربعة آلاف ألف رجل فسرت ثمانين سنة إلى أن انتهيت إلى الظلمات والبحر المحيط بالدنيا ، فرأيت النيل يقطع البحر المحيط ويعبر فيه ولم يكن لي منفذ وتماوت أصحابي وبقيت في أربعة آلاف رجل فخشيت على ملكي فرجعت إلى مصر وبنيت الاهرام والبراني وبنيت الهرمين وأودعتهما كنوزي وذخائري وقلت في ذلك شعرا :

وأدرك علمي بعض ماهو كائن

ولا علم لي بالغيب والله أعلم

وأتقنت ما حاولت إتقان صنعة

وأحكمته والله أقوى وأحكم

وحاولت علم النيل من بدء فيضه

فأعجزني والمرء بالعجز ملجم

ثمانين شاهورا قطعت مسايحا

وحولي بنو حجر وجيش عرمرم

إلى أن قطعت الجن والانس كلهم

وعارضني لج من البحر مظلم

فأتقنت أن لامنفذا بعد منزلي

لذي همة بعدي ولا متقدم

فابت إلى ملكي وأرسيت ناديا

بمصر وللايام بؤس وأنعم

أنا صاحب الاهرام في مصر كلها

وباني برانيها بها والمقدم

تركت بها آثار كفي وحكمتي

على الدهر لاتبلى ولا تتهدم

وفيها كنوز جمة وعجائب

وللدهر إمر مرة وتهجم

سيفتح أقفالي ويبدي عجائبي

ولي لربي آخر الدهر ينجم

بأكناف بيت الله تبدو اموره

ولابد أن يعلو ويسمو به السم

ثمان وتسع واثنتان وأربع

وتسعون اخرى من قتيل وملجم

ومن بعد هذا كر تسعون تسعة

وتلك البراني تستخر وتهدم

وتبدى كنوزي كلها غير أنني

أرى كل هذا أن يفرقها الدم

رمزت مقالي في صخور قطعتها

ستبقى وأفنى بعدها ثم اعدم (٢)

____________________

(١) لست خ ل.

(٢) في المصدر المطبوع : « زبرت مقالي » راجع ج ٢ ص ٢٥٠.

٢٤٤

فحينئذ قال أبوالحسن حمارويه بن أحمد : هذا شئ ليس لاحد فيها حيلة إلا للقائم من آل محمد عليهم‌السلام وردت البلاطة كما كانت مكانها.

ثم إن أبا الحسن بعد ذلك بسنة قتله طاهر الخادم [ذبحه] على فراشه وهو سكران ومن ذلك الوقت عرف خبر الهرمين ومن بناهما فهذا أصح مايقال في خبر النيل والهرمين.

وعاش صبيرة بن سعد بن سهم القرشي مائة وثمانين سنة وأدرك الاسلام فهلك فجاءة بلا سبب.

وعاش لبيد بن ربيعة الجعفري مائة وأربعين سنة وأدرك الاسلام فأسلم فلما بلغ سبعين من عمره أنشأ يقول :

كأني وقد جاوزت سبعين حجة

خلعت بها عن منكبي ردائيا

فلما بلغ سبعا وسبعين سنة أنشأ يقول :

باتت تشكي إلي النفش مجهشة

وقد حملتك سبعا بعد سبعين

فان تزادي ثلاثا تبلغي أملا

وفي الثلاث وفاء للثمانين

فلما بلغ تسعين سنة أنشأ يقول :

كأني وقد جاوزت تسعين حجة

خلعت بها عني عذار لثامي

رمتني بنات الدهر من حيث لا أرى

فكيف بمن يرمي وليس برام

فلو أنني ارمي بنبل رأيتها

ولكنني ارمى بغير سهام

فلما بلغ مائة وعشر سنين أنشأ يقول :

وليس في مائة قد عاشها رجل

وفي تكامل عشر بعدها عمر

فلما بلغ مائة وعشرين سنة أنشأ يقول :

قد عشت دهرا قبل مجرى داحس

لو كان في النفس اللجوج خلود

فلما بلغ مائة وأربعين سنة أنشأ يقول :

ولقد سئمت من الحياة وطولها

وسؤال هذا الناس كيف لبيد



٢٤٥

غلب الرجال فكان غير مغلب

دهر طويل دائم ممدود

يوم إذا يأتي علي وليلة

وكلاهما بعد المضي يعود

فلما حضرته الوفاة قال لابنه : يابني إن أباك لم يمت ولكنه فني فإذا قبض أبوك فأغمضه وأقبل به إلى القبلة وسجه بثوبه ، ولا أعلمن ماصرخت عليه صارخة أو بكت عليه باكية ، وانظر جفنتي التي كنت اضيف بها فأجد صنعتها ثم احملها إلى مسجدك ومن كان يغشاني عليها فاذا قال الامام : « سلام عليكم » فقدمها إليهم يأكلون منها فإذا فرغوا فقل : احضروا جنازة أخيكم لبيد بن ربيعة فقد قبضه الله عزوجل ثم أنشأ يقول :

وإذا دفنت أباك فاجعل فوقه خشبا وطينا وصفائحا صما رواسيها تشدد والغصونا

ليقين حر الوجه سفساف التراب ولن يقينا

وقد روي في حديث لبيد بن ربيعة في أمر الجفنة غير هذا : ذكروا أن لبيد ابن ربيعة جعل على نفسه أن كلما هبت الشمال أن ينحر جزورا فيملا الجفنة التي حكوا عنها في أول حديثه فلما ولى الوليد بن عقبة بن أبي معيط الكوفة خطب الناس فحمد الله وأثنى عليه وصلى على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ثم قال : أيها الناس قد علمتم حال لبيد بن ربيعة الجعفري وشرفه ومروءته وما جعل على نفسه كلما هبت الشمال أن ينحر جزورا فأعينوا أبا عقيل على مروءته ثم نزل وبعث إليه بخمسة من الجزر وأبيات شعر يقول فيها :

أرى الجزار يشحذ شفرتيه

إذا هبت رياح أبي عقيل

طويل الباع أبلج جعفري

كريم الجد كالسيف الصقيل

وفى ابن الجعفي بما لديه

على العلات والمال القليل

وقد ذكر أن الجزر كانت عشرين فلما أتته قال : جزى الله الامير خيرا قد عرفت الامير أني لا أقول الشعر ولكن اخرجي يا بنية فخرجت إليه بنية له خماسية فقال لها : أجيبي الامير فأقبلت وأدبرت ثم قالت : نعم ، فأنشأت تقول :

إذا هبت رياح أبي عقيل

دعونا عند هبتها الوليدا

٢٤٦

طويل الباع أبلج عبشميا

أعان على مروءته لبيدا

بأمثال الهضاب كأن ركبا

عليها من بني حام قعودا

أبا وهب جزاك الله خيرا

نحرناها وأطعمنا التريدا

فعد إن الكريم له معاد

وعهدي بابن أروى أن يعودا

فقال لبيد : أحسن يابنية لولا أنك سألت. قالت : إن الملوك لايستحيى من مسئلتهم قال : وأنت في هذا يابنية أشعر.

وعاش ذو الاصبع العدواني واسمه حرثان بن الحارث بن محرث بن ربيعة بن هبيرة بن ثعلبة بن ظرب بن عثمان بن عباد ثلاثمائة سنة.

وعاش جعفر بن قبط ثلاث مائة سنة وأدرك الاسلام.

وعاش عامر بن ظرب العدواني ثلاث مائة سنة.

وعاش محصن بن غسان بن ظالم بن عمرو بن قطيعة بن الحارث بن سلمة بن مازن الزبيدي مأتي وخمسين سنة فقال في ذلك :

ألا يا سلم إني لست منكم

ولكني امرء قوتي سغوب

دعاني الداعيان فقلت هيا

فقالا كل من يدعى يجيب

ألا يا سلم أعياني قيامي

وأعيتني المكاسب والركوب

وصرت رديئة في البيت كلا

تأذى بي الاباعد والقريب

كذاك الدهر والايام خون

لها في كل سائمة نصيب

وعاش صيفي بن رباح أبوأكثم أحد بني أسد بن عمرو بن تميم مأتي سنة وسبعين سنة وكان يقول : لك على أخيك سلطان في كل حال إلا في القتال فاذا أخذ الرجال السلاح فلا سلطان عليه ، كفى بالمشرفية واعظا ، وترك الفخر أبقى لك ، وأسرع الحزم عقوبة البغي ، وشر النصرة التعدي ، وألام الاخلاق أضيقها ومن الاذى كثرة العتاب ، واقرع الارض بالعصا فذهبت مثلا :

لذي الحلم قبل اليوم ماتقرع العصا

وما علم الانسان إلا ليعلم

٢٤٧

وعاش عاد بن شداد اليربوعي مائة وخمسين سنة.

وعاش أكثم بن صيفي أحد بني أسد بن عمرو بن تميم ثلاث مائة سنة وقال بعضهم : مائة وتسعين سنة وأدرك الاسلام واختلف في إسلامه إلا أن أكثرهم لايشك في أنه لم يسلم فقال في ذلك :

وإن امرءا قد عاش تسعين حجة

إلى مائة لم يسأم العيش جاهل

خلت مائتان غير ست وأربع

وذلك من عد الليالي قلائل

وقال محمد بن سلمة : أقبل أكثم يريد الاسلام فقتله ابنه عطشا فسمعت أن هذه الآية نزلت فيه « ومن يخرج من بيته مهاجرا إلى الله ورسوله ثم يدركه الموت فقد وقع أجره على الله » (١) ولم تكن العرب تقدم عليه أحدا في الحكمة وأنه لما سمع برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بعث إليه ابنه حبيشا فقال : يابني إني أعظك بكلمات فخذهن من حين تخرج من عندي إلى أن ترجع إلي ، ائت نصيبك في شهر رجب فلا تستحله فيستحل منك فان الحرام ليس يحرم نفسه وإنما يحرمه أهله ولا تمرن بقوم إلا تنزل عند أعزهم وأحدث عقدا مع شريفهم وإياك والذليل فانه هو أذل نفسه ولو أعزها لاعزه قومه.

فإذا قدمت على هذا الرجل فاني قد عرفته وعرفت نسبه وفي في بيت قريش وهي [أعز] العرب وهو أحد رجلين إما ذو نفس أراد ملكا فخرج للملك بعزه فوقره وشرفه وقم بين يديه ولا تجلس إلا بإذنه حيث يأمرك ويشير إليك فانه إن كان ذلك كان أدفع لشره عنك ، وأقرب لخيره منك ، وإن كان نبيا فان الله لايحب من يسوؤهم ، ولايبطر فيحتشم ، وإنما يأخذ الخيرة حيث يعلم لا يخطي فيستعتب إنما أمره على ماتحب وإن كان فستجد أمره كله صالحا ، وخبره كله صادقا ، وستجده متواضعا في نفسه متذللا لربه ، فذل له ولا تحدثن أمرا دوني فان الرسول إذا أحدث الامر من عنده خرج من يدي الذي أرسله ، واحفظ ما يقول لك إذا ردك إلي فانك ولو توهمت أو نسيت حتمتني رسولا غيرك.

____________________

(١) النساء : ٩٩.

٢٤٨

وكتب معه : باسمك اللهم من العبد إلى العبد أما بعد فانا بلغنا ما بلغك فقد أتانا عنك خبر لاندري ما أصله ، فان كنت اريت فأرنا ، وإن كنت علمت فعلمنا وأشركنا في كنزك والسلام.

فكتب إليه رسول الله فيما ذكروا : من محمد رسول الله إلى أكثم بن صيفي احمد الله إليك إن الله أمرني أن أقول لا إله إلا الله أقولها وآمر الناس بها والخلق خلق الله والامر كله لله ، خلقهم وأماتهم ، وهو ينشرهم وإليه المصير ، أدبتكم بآداب المرسلين ولتسئلن عن النبأ العظيم ، ولتعلمن نبأه بعد حين.

فلما جاء كتاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال لابنه : يابني ماذا رأيت؟ قال : رأيته يأمر بمكارم الاخلاق وينهى عن ملائمها ، فجمع أكثم بن صيفي إليه بني تميم ثم قال : يابني تميم لاتحضروني سفيها فان من يسمع يخل ولكل إنسان رأي في نفسه ، وإن السفيه واهن الرأي ، وإن كان قوي البدن ، ولا خير فيمن لا عقل له ، يابني تميم كبرت سني ودخلتني ذلة الكبر ، فاذا رأيتم مني حسنا فائتوه وإذا أنكرتم شيئا فقولوا لي الحق (١) أستقم إن ابني قد جاءني وقد شافه هذا الرجل فرآه يأمر بمكارم الاخلاق وينهى عن ملائمها ، ويدعو إلى أن يعبد الله وحده و تخلع الاوثان ، ويترك الحلف بالنيران ، ويذكر أنه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وأن قبله رسلا لهم كتب ، وقد علمت رسولا قبله كان يأمر بعبادة الله وحده ، وإن أحق الناس بمعاونة محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله ومساعدته على أمره أنتم ، فان يكن الذي يدعو إليه حقا فهو لكم ، وإن يكن باطلا كنتم أحق من كف عنه وستر عليه.

وقد كان اسقف نجران يحدث بصفته ولقد كان سفيان بن مجاشع قبله يحدث به وسمى ابنه محمدا ، وقد علم ذوو الرأي منكم أن الفضل فيما يدعو إليه ويأمر به فكونوا في أمره أولا ولا تكونوا أخيرا ، اتبعوه تشرفوا ، وتكونوا سنام العرب وائتوه طائعين قبل أن تأتوه كارهين ، فاني أرى أمرا ماهو بالهوينا لايترك مصعدا إلا صعده ، ولا منصوبا إلا بلغه.

____________________

(١) في المصدر المطبوع ج ٢ ص ٢٥٩ : « فقوموني للحق ».

٢٤٩

إن هذا الذي يدعول إليه لو لم يكن دينا لكان في الاخلاق حسنا أطيعوني واتبعوا أمري أسأل لكم مالا ينزع منكم أبدا ، إنكم أصبحتم أكثر العرب عددا وأوسعهم بلدا وإني أرى أمرا لايتبعه ذليل إلا عز ولا يتركه عزيز إلا ذل اتبعوه مع عزكم تزدادوا عزا ، ولا يكن أحد مثلكم.

إن الاول لم يدع للاخير شيئا وإن هذا أمر هو لما بعده ، من سبق إليه فهو الباقي ، ومن اقتدي به الثاني ، فاصرموا أمركم ، فان الصريمة قوة والاحتياط عجز.

فقال مالك بن نويرة : خرف شيخكم فقال أكثم : ويل للشجي من الخلي أراكم سكوتا وآفة الموعطة الاعراض عنها ، ويلك يا مالك إنك هالك ، إن؟ إذا قام رفع القائم معه ، وجعل الصرعى قياما ، فاياك أن تكون منهم ، أما إذ سبقتموني بأمركم فقربوا بعيري أركبه.

فدعا براحلته فركبها فتبعه بنوه وبنو أخيه فقال : لهفي على أمر إن أدركه ولم يسبقني وكتبت طيئ إلى أكثم وكانوا أخواله ، وقال آخرون كتبت بنو مرة وكانوا أخواله أن أحدث إلينا مانعيش به.

فكتب أما بعد فاني موصيكم بتقوى الله ، وصلة الرحم ، فانها ثبت أصلها ونبت فرعها ، وأنهاكم عن معصية الله وقطيعة الرحم فانها لايثبت لها أصل و لاينبت لها فرع وإياكم ونكاح الحمقاء فان مباضعتها قذر ، وولدها ضياع.

وعليكم بالابل فأكرموها ، فانها حصون العرب ، ولاتضعوا رقابها إلا في حقها فان فيها مهر الكريمة ورقوء الدم ، وبألبانها يتحف الكبير ويغذى الصغير ولو كلفت الابل الطحن لطحنت ، ولن يهلك امرء عرف قدره ، والعدم عدم العقل والمرء الصالح لايعدم المال ، ورب رجل خير من مائة ورب فئة أحب إلي من فئتين ، ومن عتب على الزمان طالت معتبته ، ومن رضي بالقسم طابت معيشته ، آفة الرأي الهوى ، والعادة أملك بالادب ، والحاجة مع المحبة خير من الغنى مع البغضة والدنيا دول فما كان منها لك أتاك على ضعفك ، وإن قصرت في طلبه ، وما كان منها

٢٥٠

عليك لم تدفعه بقوتك ، وسوء حمل الريبة تضع الشرف ، والحسد داء ليس له دواء ، والشماتة تعقب ومن بر قوما بر به والندامة (١) مع السفاهة ، ودعامة العقل الحلم ، وجماع الامر الصبر ، وخير الامور مغبة العفو ، وأبقى المودة حسن التعاهد ومن يز رغبا يزدد حبا.

وصية أكثم بن صيفى عند موته :

جمع أكثم بنيه عند موته فقال : يابني! إنه قد أتى علي دهر طويل وأنا مزودكم من نفسي قبل الممات ، اوصيكم [الله] بتقوى الله ، وصلة الرحم وعليكم بالبر فانه ينمى عليه العدد ، ولا يبيد عليه أصل ولا فرع وأنهاكم عن معصية الله ، وقطيعة الرحم ، فانه لايثبت عليها أصل ولا ينبت عليها فرع كفوا ألسنتكم فان مقتل الرجل بين فكيه ، إن قول الحق لم يدع لي صديقا.

انظروا أعناق الابل فلا تضعوها إلا في حقها فان فيها مهر الكريمة ، ورقوء الدم ، وإياكم ونكاح الحمقاء ، فان نكاحها قذر ، وولد ضياع ، الاقتصاد في السفر أبقى للجمام ، من لم يأس على مافاته أودع بدنه ، من قنع بما هو فيه قرت عينه ، التقدم قبل الندم ، أصبح عند رأس الامر أحب إلي من أن أصبح عند ذنبه (٢) لم يهلك من عرف قدره ، العجز عند البلاء آفة المتحمل ، لن يهلك من مالك ما وعظك ، ويل لعالم أمن من جاهل ، الوحشة ذهاب الاعلام ، يتشابه الامر إذا أقبل فاذا أدبر عرفه الكيس والاحمق ، والبطر عند الرخاء حمق ، وفي طلب المعالي يكون القرب ، لاتغضبوا من اليسير فانه يجتني الكثير ، لاتجيبوا عما لاتسألوه ولاتضحكوا مما لايضحك منه.

تباروا في الدنيا ولاتباغضوا ، الحسد في القرب فانه من يجتمع يتقعقع عمده لينفرد بعضهم من بعض في المودة ، لاتتكلموا على القرابة فتقاطعوا ، فان القريب

____________________

(١) في المصدر ج ٢ ص ٢٦٢ « واللؤمة ».

(٢) في المصدر ج ٢ ص ٢٦٢ : « من أصبح عند رأس الامر ، أحب إلى ممن أصبح عند ذنبه ».

٢٥١

من قرب نفسه ، وعليكم بالمال فأصلحوه فانه لايصلح الاموال إلا باصلاحكم ولا يتكلن أحدكم على مال أخيه يرى فيه قضاء حاجته ، فانه من فعل ذلك كان كالقابض على الماء ، ومن استغنى كرم على أهله ، وأكرموا الخيل ، نعم لهو الحرة المغزل ، وحيلة من لاحيلة له ، الصبر.

وعاش فروة بن ثعلبة بن نفاية السلولي مائة وثلاثين سنة في الجاهلية ثم أدرك الاسلم فأسلم.

وعاش مضاد بن حبابة بن مرارة من بني عمرو بن يربوع بن حنظلة بن زيد مناة أربعين ومائة سنة.

وعاش قس بن ساعدة ستمائة سنة وهو الذي يقول :

هل الغيث يعطي الامر عند نزوله

بحال مسيئ في الامور ومحسن

ومن قد تولى وهو قد فات ذاهب

فهل ينفعني ليتني ولو أنني

وكذلك يقول لبيد :

وأخلف قسا ليتني ولو أنني

وأعيا على لقمان حكم التدبر

وعاش الحارث بن كعب المذحجي ستين ومائة سنة.

قال الصدوق رحمه‌الله : هذه الاخبار التي ذكرتها في المعمرين قد رواها مخالفونا أيضا من طريق محمد بن السائب الكلبي ، ومحمد بن إسحاق بن يسار ، وعوانة ابن الحكم ، وعيسى بن يزيد بن رئاب والهيثم بن عدي الطائي ، وقد روي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أنه قال : كلما كان في الامم السالفة فيكون في هذه الامة مثله حذو النعل بالنعل والقذة بالقذة وقد صح هذا التعمير فيمن تقدم وصحت الغيبات الواقعة بحجج الله عليهم‌السلام فيما مضى من القرون ، فكيف السبيل إلى إنكار القائم عليه‌السلام لغيبته وطول عمره ، مع الاخبار الواردة فيه عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وعن الائمة عليهم‌السلام وهي التي قد ذكرناها في هذا الكتاب بأسانيدها.

حدثنا علي بن أحمد الدقاق قال : حدثنا محمد بن أبي عبدالله الكوفي ، عن

٢٥٢

موسى بن عمران النخعي ، عن عمه الحسين بن يزيد النوفلي ، عن غياث بن إبراهيم عن الصادق جعفر بن محمد عليه‌السلام ، عن أبيه ، عن آبائه عليهم‌السلام قال : قال رسول الله (ص) : كل ما كان في الامم السالفة فانه يكون في هذه الامة مثله حذو النعل بالنعل و القذة بالقذة.

ل : علي بن عبدالله الاسواري ، عن مكي بن أحمد قال : سمعت إسحاق ابن إبراهيم الطوسي يقول : وكان قد أتى عليه سبعة وتسعون سنة على باب يحيى بن منصور قال : رأيت سر بايك ملك الهند في بلد تسمى صوح فسألناه كم أتى عليك من السنين قال : تسعمائة سنة وخمس وعشرون سنة وهو مسلم فزعم أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أنفذ إليه عشرة من أصحابه منهم حذيفة بن يمان وعمرو بن العاص واسامة بن زيد وأبو موسى الاشعري وصهيب الرومي وسفينة وغيرهم يدعونه إلى الاسلام فأجاب وأسلم وقبل كتاب النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقلت له : كيف تصلي مع هذا الضعف؟ فقال لي : قال الله عزوجل : « والذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم » (١) الآية فقلت له : ماطعامك؟ فقال لي : آكل ماء اللحم والكراث وسألت هل يخرج منك شئ؟ فقال : في كل اسبوع مرة شئ يسير وسألته عن أسنانه فقال : أبدلتها عشرين مرة.

ورأيت له في اسطبله شيئا من الدواب أكبر من الفيل يقال له : زند فيل فقلت له : ماتصنع بهذا؟ قال : يحمل ثياب الخدم إلى القصار ، ومملكته مسيرة أربع سنين في مثلها ، ومدينته طولها خمسون فرسخا في مثلها ، وعلى كل باب منها عسكر مائة ألف وعشرين ألفا إذا وقع في أحد الابواب حدث ، خرجت تلك الفرقة إلى الحرب لاتستعين بغيرها ، وهو في وسط المدينة وسمعته تقول : دخلت المغرب فبلغت إلى الرمل : رمل عالج ، وصرت إلى قوم موسى عليه‌السلام فرأيت سطوح بيوتهم مستوية ، وبيدر الطعام خارج القرية يأخذون منه القوت والباقي يتركونه هناك وقبورهم في دورهم ، وبساتينهم من المدينة على فرسخين ، ليس فيهم شيخ ولا شيخة

____________________

(١) آل عمران : ١٩١.

٢٥٣

ولم أر فيهم علة ولايعتلون إلى أن يموتوا ، ولهم أسواق إذا أراد الانسان منهم شراء شئ صار إلى السوق فوزن لنفسه وأخذ مايصيبه وصاحبه غير حاضر وإذا أرادوا الصلاة حضروا فصلوا وانصرفوا لايكون بينهم خصومة ولا كلام يكره إلا ذكر الله عزوجل ، والصلاة وذكر الموت.

قال الصدوق رحمه‌الله : إذا كان عند مخالفينا مثل هذه الحال لسربايك ملك الهند فينبغي أن لايحيلوا مثل ذلك في حجة الله من التعمير ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

بيان : (١) « وصبح ليل » عطف على الثواء قوله : « يغاديه » أي يأتيه غدوة قوله : « وليل بعد يسري » أي بعد ذلك الصبح يسير ليلا « والشلو » بالكسر العضو و « السلو » الصبر وقال الجوهري : الهنيدة المائة من الابل وغيرها وقال أبوعبيدة : هي اسم لكل مائة وأنشد :

ونصر بن دهمان الهنيدة عاشها

وتسعين عاما ثم قوم فانصاتا

وقال في الصاد والتاء : وقد انصات الرجل إذا استوت قامته بعد الانحناء ثم ذكر هذا البيت والذي بعده وقال : شرخ الشباب أوله.

قوله : « رهين شئ » أي كل شئ احتاج إليه وفي بعض النسخ بالسين المهملة وهو اللبن يكون في أطراف الاخلاف قبل نزول الدرة.

و « لدة الرجل » تربه والجمع لدات « والسبات بالضم » النوم والراحة قوله : « حتى تخط له قبرا » لعله إشارة إلى إدراك ماقبل الجاهلية « والكهب » الجاموس المسن و « الكهبة » بالضم بياض علته كدورة أو الدهمة أو غبرة مشربة سوادا.

وثاب الرجل يثوب ثوبا رجع بعد ذهابه أي نفعت مولى حتى يعود إلي نفعه وجزاؤه و « البث » الحزن « والكبر » كعنب الشيخوخة أو هو كصرد جمع الكبرى أي المصائب الكبر « ويوم مهران ويوم تستر » إشارتان إلى غزوتان مشهورتان في الاسلام كانتا في زمن عمر « وقدني » أي حسبي « أن أبيد » أي أهلك وفي بعض النسخ

____________________

(١) ابتدأ رحمه‌الله بشرح الاشعار مما يتعلق بالصفحة ٢٣٧.

٢٥٤

« وقد لي » أي وقد حان لي (١).

وقال الجوهري : و « لبد » آخر نسور لقمان هو الذي بعثته عاد في وفدها إلى الحرم يستسقي لها فلما اهلكوا خير لقمان بين بقاء سبع بقرات (٢) سمر من أظب عفر ، في جبل وعر ، لايمسها القطر ، وبين بقاء سبعة أنسر كلما هلك نسر خلف بعده نسر ، فاختار النسور فكان آخر نسوره يسمى لبدا.

وقال : « مزيقياء » لقب عمرو بن عامر ملك من ملوك اليمن زعموا أنه كان يلبس كل يوم حلتين فيمزقهما بالعشي ويكره أن يعود فيهما ويأنف أن يلبسهما أحد غيره.

وقال : جاء فلان يهادي بين اثنين إذا كان يمشي بينهما معتمدا عليهما من ضعفه وتمايله.

و « إخماد النار » كناية عن خمول الذكر أو ذهاب البركة قوله : « فانكم لاتلاموا » الحاصل أنكم إن بذلتم على قدر وسعكم فسيعذركم الناس ولا يلومونكم ويبقى لكم قوة على البذل بعد ذلك ، وذلك خير من أن تسرفوا وتبذلوا جميع ما في أيديكم وتحتاجوا إليه ويعانوكم « بالمعذرة » أي بقليل يعتذرون إليكم في ذلك ، أو مع كونكم معذورين في السؤال لاضطراركم ، وفي بعض النسخ « من أن تضاموا » أي من أن يظلموكم بأن يعتذروا إليكم مع قدرتهم على البذل وعلى التقادير الاظهر « فانكم إن تلاموا ».

« ولاتجشموا » أي لاتكلفوا « أهل الدناءة » أي البخلاء والذين لم ينشأوا في الخير « فتقصروا بها » أي تجعلوهم مقصرين عاجزين عما طلبتم منهم والضمير راجع إلى أهل الدناءة بتأويل الجماعة قوله : « فتبوروا » أي فتهلكوا « والازدراء » التحقير وقوله : « ذكاء قلبه » تفسير للاصغرين « والتبسل » إظهار البسالة وهي الشجاعة وفي بعض النسخ « وتبتلوا » والتبتل الانقطاع عن الدنيا إلى الله وقوله : « تسم إليكم

____________________

(١) لكن على هذه النسخة لايستقيم وزن الشعر وقد أضفنا اليه ما كان يحتمل نقصانه راجع ص ٢٣٩.

(٢) في القاموس : « بعرات « قيل وهو الصحيح.

٢٥٥

الابصار » من قولهم سما بصره أي علا و « القارب » السفينة الصغيرة « والشاهور » لعله لغة في الشهر « والعرمرم » الجيش الكثير.

قوله : « وللدهر أمر مرة » أي قد يجعل الرجل أميرا وقد يجعله متهجما عليه أو للدهر امور غريبة وتهجمات والاظهر أنه بالكسر بمعنى الشدة والامر العجيب قوله : « ينجم » بضم الجيم أي يطلع ويظهر قوله « ويسمو به السم » السم بالضم والكسر الاسم أي يعلو به اسم الله وكلمة التوحيد.

وقوله : « ثمان » إلى آخر البيت لعله إشارة إلى الطوائف التي يقتلهم القائم عليه‌السلام أو يطيعونه وقوله : « ومن بعد هذا كر تسعون » إشارة إلى من يعود في الرجعة قوله : « أن يفرقها الدم » لعل المعنى أن كلها يصرف في الجهاد أو أن دم القتلى حولها يهدمها إما حقيقة أو مجازا.

وقال الجوهري : الداحس اسم فرس مشهور لقيس بن زهير بن جذيمة العبسي ومنه حرب داحس ، وذلك أن قيسا وحذيفة بن بدر تراهنا على خطر عشرين بعيرا وجعلا الغاية مائة غلوة والمضمار أربعين ليلة والمجرى من ذات الآصاد فأجرى قيس داحسا والغبراء ، وأجرى حذيفة الخطار والحنفاء ، فوضعت بنو فزارة رهط حذيفة كمينا على الطريق فردوا الغبراء ولطموها ، وكانت سابقة ، فهاجت الحرب بين عبس وذبيان أربعين سنة.

قوله : « على العلات » أي على كل حال و « الردء » الفاسد وبنو حام : السودان شبهت الجزر في عظمها وعظم سنامها بجبال صغار عليها بنو حام قعودا ، وأروى ام عثمان وكان الوليد أخاه لامه.

قوله : « واقرع الارض بالعصا » أي نبه الغافل بأدنى تنبيه ليعقل ، ولا تؤذه ولاتفضحه ، قال الجوهري قال الشاعر :

وزعمت أنا لا حلوم لنا

إن العصا قرعت لذي الحلم

أي إن الحليم إذا نبه انتبه وأصله أن حكما من حكام العرب ، عاش حتى اهتر فقال لابنته : إذا أنكرت شيئا من فهمي عند الحكم فاقرعي لي المجن بالعصا



٢٥٦

لارتدع قال المتلمس : لذي الحلم البيت انتهى وعلى ماذكره يحتمل المراد تنبيهه عند الغفلة.

قوله : « فان من يسمع يخل » هو من الخيال أي إذا أحضرتم سفيها فهو يتكلم على سفاهته ، وكل من يسمع منه ، يقع في خياله شئ ويؤثر فيه.

وقال الزمخشري في مستقصى الامثال : « من يسمع يخل » أي يظن ويتهم بقوله إذا بلغ شيئا عن رجل فاتهمه وقيل : إن من يسمع أخبار الناس ومعايبهم يقع في نفسه المكروه عليهم أي إن المجانبة للناس أسلم ومفعولا « يخل » محذوفان انتهى.

« والصريمة » العزيمة في الشئ « والصرم » القطع « والخلي » الخالي من الهم والحزن خلاف الشجي والمثل معروف والمعنى أني في هم عظيم لهذا الامر الذي أدعوكم إليه وأنتم فارغون غافلون فويل لي منكم.

قوله : « وقع القائم معه » (١) أي يصير العزيز بعد ظهور الحق ذليلا والذليل عزيزا لان الحق يظهر عند غلبة الباطل وأهله قوله : « أن أدركه » بالفتح أي أن أتلهف على إدراك هذا الامر فاني آئس منه أو بالكسر فيكون الجزاء محذوفا أي على أمر إن أدركته فزت أو لهفي عليكم إن أدركته وفات عنكم.

قوله : « والعادة أملك بالادب » أي الآداب الحسنة إنما تملك باعتيادها لتصير ملكة ، أو متابعة عادات القوم وما هو معروف بينهم أملك بالآداب والاول أظهر. قوله : « ورقوء الدم » قال الجزري : فيه « لاتسبوا الابل فان فيها رقوء الدم » يقال : رقا الدمع والدم والعرق يرقأ رقوءا بالضم إذا سكن وانقطع ، والاسم الرفوء بالفتح أي إنها تعطى في الديات بدلا من القود ويسكن بها الدم.

____________________

(١) هذا على نسخة المصنف رحمه‌الله ، ولايخفى عدم المناسبة بين اللفط والمعنى والصحيح ما أثبتناه ( ص ٢٥٠ ) طبقا للمصدر المطبوع والمعنى أن الحق اذا قام رفع من قام معه وأعلاه واستنهض الصرعى حتى يجعلهم قياما والمحصل أنه اذا قام الحق صير القاعد قائما والقائم مترفعا.

٢٥٧

قوله : « التقدم قبل الندم » أي ينبغي أن يتقدم في الامور قبل أن يفوت ولا يبقى إلا الندم ، قوله : « الوحشة ذهاب الاعلام » أي إنما يكون الوحشة في الطرق عند ذهاب الاعلام المنصوبة فيها ، فكذا الوحشة بين الناس إنما يكون بذهاب العلماء والهداة الذين هم أعلام طرق الحق.

قوله : « يكون القرب » أي من الناس أو من الله وقال الجوهري : « تقعقعت عمدهم » أي ارتحلوا وفي المثل « من يجتمع يتقعقع عمده » كما يقال : إذا تم أمردنا نقصه.

غو : بالاسناد إلى أحمد بن فهد عن بهاء الدين علي بن عبدالحميد ، عن يحيى ابن النجل الكوفي ، عن صالح بن عبدالله اليمني كان قدم الكوفة ، قال يحيى : ورأيته بها سنة أربع وثلاثين وسبعمائة ، عن أبيه عبدالله اليمني وأنه كان من المعمرين وأدرك سلمان الفارسي وأنه روى عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أنه قال : حب الدنيا رأس كل خطيئة ورأس العبادة حسن الظن بالله.

غو : حدثني المولى العالم الواعظ عبدالله بن فتح الله بن عبدالملك ، عن تاج الدين حسن السرايشنوي ، عن الشيخ جمال الدين حسن بن يوسف بن المطهر قال : رويت عن مولانا شرف الدين إسحاق بن محمود اليماني القاضي بقم ، عن خاله مولانا عماد الدين محمد بن محمد بن فتحان القمي ، عن الشيخ صدر الدين الساوي قال : دخلت على الشيخ بابارتن وقد سقط حاجباه على عينيه من الكبر ، فرفعهما عن عينيه ، فنظر إلي وقال : ترى عيني هاتين طالما نظرتا إلى وجه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وقد رأيته يوم حفر الخندق ، وكان يحمل على ظهره التراب مع الناس ، وسمعته صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول في ذلك اليوم : أللهم إني أسألك عيشة هنيئة ، وميتة سوية ، ومردا غير مخزو لافاضح.

اقول : وروى السيد علي بن عبدالحميد في كتاب الانوار المطيئة قال : روى الجد السعيد عبدالحميد يرفعه إلى الرئيس أبي الحسن الكاتب البصري وكان من الادباء قال : في سنة اثنين وتسعين وثلاثمائة أسنت البر سنين عدة وبعثت السماء درها في أكناف البصرة ، فتسامع العرب بذلك فوردوها من الاقطار البعيدة على

٢٥٨

اختلاف لغاتهم ، فخرجت مع جماعة نتصفح أحوالهم ونلتمسن فائدة ربما وجدناها عند أحدهم ، فارتفع لنا بيت عال فقصدناه فوجدنا في كسره شيخا جالسا قد سقط حاجباه على عينيه كبرا وحوله جماعة من عبيده وأصحابه فسلمنا عليه فرد التحية وأحسن التلقية ، فقال له رجل منا : هذا السيد وأشار إلي هو الناظر في معاملة الدرب وهو من الفصحاء وأولاد العرب وكذلك الجماعة ما منهم إلا من ينسب إلى قبيلة ويختص بسداد وفصاحة ، وقد خرج وخرجنا معه حين وردتم نلتمس الفائدة المستطرفة من أحدكم وحين شاهدناك رجونا مانبغيه عندك لعلو سنك.

فقال الشيخ : والله يا بني أخي حياكم الله إن الدنيا شغلتنا عما تبغونه مني ، فان أردتم الفائدة فاطلبوها عند أبي ، وهابيته ، وأشار إلى خباء كبير بازائه فقصدنا البيت فوجدنا فيه شيخا متضجعا وحوله من الخدم والامر أو في مما شاهدناه أولا فسلمنا عليه وأخبرناه بخبر ابنه فقال : يابني أخي حياكم الله إن الذي شغل ابني عما التمستموه منه هو الذي شغلني عما هذه سبيله ولكن الفائدة تجدونها عند والدي وها هو بيته ، وأشار إلى بيت منيف ، فقلنا فيما بيننا حسبنا من الفوائد مشاهدة والد هذا الشيخ الفاني فان كانت منه فائدة فهي ربح لم نحتسب.

فقصدنا ذلك الخباء فوجدنا حوله عددا كثيرا من الاماء والعبيد فحين رأونا تسرعوا إلينا وبدؤا بالسلام علينا وقالوا : ماتبغون حياكم الله؟ فقلنا نبغي السلام على سيدكم وطلب الفائدة من عنده ، فقالوا : الفوائد كلها عند سيدنا ودخل منهم من يستأذن ثم خرج بالاذن لنا ، فدخلنا فاذا سرير في صدر البيت وعليه مخاد من جانبيه ، ووسادة في أوله ، وعلى الوسادة رأس شيخ قد بلي وطار شعره ، فجهرنا بالسلام فأحسن الرد وقال قائلنا مثل ما قال لولده ، وأعلمناه أنه أرشدنا إليك و بشرنا بالفائدة منك.

ففتح الشيخ عينين قد غارتا في ام رأسه وقال للخدم : أجلسوني ثم قال لنا : يابني أخي لاحدثنكم بخبر تحفظونه عني كان والدي لايعيش له ولد ويحب أن تكون له عاقبة ، فولدت له على كبر ، ففرح بي وابتهج بموردي ثم قضى ولي

٢٥٩

سبع سنين فكفلني عمي بعده وكان مثله في الحذر علي فدخل بي يوما على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فقال له : يارسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إن هذا ابن أخي وقد مضى أبوه لسبيله وأنا كفيل بتربيته وإنني أنفس به على الموت ، فعلمني عوذة أعوذه بها ليسلم ببركتها.

فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله : أين أنت عن ذات القلاقل؟ فقال : يارسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وما ذات القلاقل قال : أن تعوذه فتقرأ عليه سورة الجحد ، وسورة الاخلاص ، وسورة الفلق وسورة الناس ، وأنا إلى اليوم أتعوذ بها كل غداة فما اصبت ، ولا اصيب لي مال ولا مرضت ، ولا افتقرت ، وقد انتهى بي السن إلى ماترون ، فحافظوا عليها واستكثروا من التعوذ بها ثم انصرفنا من عنده انتهى.

مجالس الشيخ : عن المفيد ، عن إبراهيم بن الحسن بن جمهور قال : حدثني أبوبكر المفيد الجرجرائي في شهر رمضان سنة ست وسبعين وثلاثمائة قال : اجتمعت مع أبي عمرو عثمان بن الخطاب بن عبدالله بن العوام بمصر في سنة ست عشر و ثلاث مائة وقد ازدحم الناس عليه حتى رقي به إلى سطح دار كبيرة كان فيها ومضيت إلى مكة ولم أزل أتبعه إلى مكة إلى أن كتبت عنه خمسة عشر حديثا و ذكر أنه ولد في خلافة أبي بكر عتيق بن أبي قحافة وأنه لما كان في زمن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه‌السلام خرجت ووالدي معي اريد لقاءه فلما صرنا قريبا من الكوفة أو الارض التي كان بها عطشنا عطشا شديدا في طريقنا وأشرفنا على التلف وكان والدي شيخا كبيرا فقلت له : اجلس حتى أدور الصحراء أو البرية فلعلي أقدر على ماء أو من يدلني عليه أو ماء مطر.

فقصدت أطلب ذلك فلم ألبث عنه غير بعيد إذ لاح لي ماء فصرت إليه فإذا أنا ببئر شبه الركية أو الوادي فنزعت ثيباي واغتسلت من ذلك الماء وشربت حتى رويت وقلت : أمضي وأجئ بأبي فانه قريب مني فجئت إليه فقلت : قم فقد فرج الله عزوجل عنا وهذه عين ماء قريب منا فقام فلم نر شيئا ولم نقف على الماء و جلس وجلست معه ولم يضطرب إلى أن مات واجتهدت إلى أن واريته وجئت إلى مولانا أمير المؤمنين صلوات الله عليه ولقيته وهو خارج إلى صفين وقد اخرجت له

٢٦٠