بحار الأنوار

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي

بحار الأنوار

المؤلف:

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي


الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: مؤسسة الوفاء
الطبعة: ٢
الصفحات: ٣٨٩
  الجزء ١   الجزء ٢   الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠ الجزء ٢١ الجزء ٢٢ الجزء ٢٣ الجزء ٢٤ الجزء ٢٥ الجزء ٢٦ الجزء ٢٧ الجزء ٢٨ الجزء ٢٩ الجزء ٣٠ الجزء ٣١ الجزء ٣٥ الجزء ٣٦ الجزء ٣٧ الجزء ٣٨ الجزء ٣٩ الجزء ٤٠ الجزء ٤١ الجزء ٤٢ الجزء ٤٣ الجزء ٤٤ الجزء ٤٥ الجزء ٤٦ الجزء ٤٧ الجزء ٤٨ الجزء ٤٩ الجزء ٥٠ الجزء ٥١ الجزء ٥٢ الجزء ٥٣ الجزء ٥٤ الجزء ٥٥ الجزء ٥٦ الجزء ٥٧ الجزء ٥٨ الجزء ٥٩ الجزء ٦٠ الجزء ٦١   الجزء ٦٢ الجزء ٦٣ الجزء ٦٤ الجزء ٦٥ الجزء ٦٦ الجزء ٦٧ الجزء ٦٨ الجزء ٦٩ الجزء ٧٠ الجزء ٧١ الجزء ٧٢ الجزء ٧٣ الجزء ٧٤ الجزء ٧٥ الجزء ٧٦ الجزء ٧٧ الجزء ٧٨ الجزء ٧٩ الجزء ٨٠ الجزء ٨١ الجزء ٨٢ الجزء ٨٣ الجزء ٨٤ الجزء ٨٥ الجزء ٨٦ الجزء ٨٧ الجزء ٨٨ الجزء ٨٩ الجزء ٩٠ الجزء ٩١ الجزء ٩٢ الجزء ٩٣ الجزء ٩٤   الجزء ٩٥ الجزء ٩٦   الجزء ٩٧ الجزء ٩٨ الجزء ٩٩ الجزء ١٠٠ الجزء ١٠١ الجزء ١٠٢ الجزء ١٠٣ الجزء ١٠٤

حتى بلغ وكان من أمره ما كان ، وما كان من قصة موسى عليه‌السلام وأن امه ألقته في البحر خوفا عليه وإشفاقا من فرعون عليه وذلك مشهور نطق به القرآن ومثل ذلك قصة صاحب الزمان سواء فكيف يقال إن هذا خارج عن العادات.

ومن الناس من يكون له ولد من جارية يستترها من زوجته برهة من الزمان حتى إذا حضرته الوفاة أقر به وفي الناس من يستتر أمر ولده خوفا من أهله أن يقتلوه طمعا في ميراثه ، قد جرت العادات بذلك فلا ينبغي أن يتعجب من مثله في صاحب الزمان وقد شاهدنا من هذا الجنس كثيرا وسمعنا منه غير قليل فلا نطول بذكره لانه معلوم بالعادات وكم وجدنا من ثبت نسبه بعد موت أبيه بدهر طويل ولم يكن أحد يعرفه إذا شهد بنسبه رجلان مسلمان ويكون أشهدهما على نفسه سرا عن أهله وخوفا من زوجته وأهله فوصى به فشهدا بعد موته أو شهدا بعقده على امرأة عقدا صحيحا فجاءت بولد يمكن أن يكون منه فوجب بحكم الشرع إلحاقه به والخبر بولادة ابن الحسن وارد من جهات أكثر مما يثبت الانساب في الشرع ونحن نذكر طرفا من ذلك فيما بعد إنشاء الله تعالى.

وأما إنكار جعفر بن علي عم صاحب الزمان شهادة الامامية بولد لاخيه الحسن بن علي ولد في حياته ، ودفعه بذلك وجوده بعده وأخذه تركته وحوزه ميراثه وما كان منه في حمله سلطان الوقت على حبس جواري الحسن واستبذالهن بالاستبراء من الحمل ليتأكد نفيه لولد أخيه وإباحته دماء شيعته بدعواهم خلفا له بعده كان أحق بمقامه ، فليس لشبهة يعتمد على مثلها أحد من المحصلين لاتفاق الكل على أن جعفرا لم يكن له عصمة كعصمة الانبياء فيمتنع عليه لذلك إنكار حق ودعوى باطل ، بل الخطاء جائز عليه ، والغلط غير ممتنع منه ، وقد نطق القرآن بما كان من ولد يعقوب مع أخيهم يوسف وطرحهم إياه في الجب وبيعهم إياه بالثمن البخس وهم أولاد الانبياء. وفي الناس من يقول : كانوا أنبياء ، فإذا جاز منهم مثل ذلك مع عظم الخطاء فيه فلم لايجوز مثله من جعفر بن علي مع ابن أخيه ، وأن يفعل معه من الجحد طمعا

٢٠١

في الدنيا ونيلها ، وهل يمنع من ذلك أحد إلا مكابر معاند.

فان قيل : كيف يجوز أن يكون للحسن بن علي ولد مع إسناده وصيته في مرضه الذي توفي فيه إلى والدته المسماة بحديث المكناة بام الحسن بوقوفه وصدقاته وأسند النظر إليها في ذلك ولو كان له ولد لذكره في الوصية.

قيل : إنما فعل ذلك قصدا إلى تمام ما كان غرضه في إخفاء ولادته ، وستر حاله عن سلطان الوقت ، ولو ذكر ولده أو أسند وصيته إليه لناقض غرضه خاصة ووهو احتاج إلى الاشهاد عليها وجوه الدولة وأسباب السلطان ، وشهود القضاة ليتحرس بذلك وقوفه ويتحفظ صدقاته ويتم به الستر على ولده باهمال ذكره وحراسة مهجته بترك التنبيه على وجوده.

ومن ظن أن ذلك دليل على بطلان دعوى الامامية في وجود ولد للحسن عليه‌السلام كان بعيدا من معرفة العادات وقد فعل نظير ذلك الصادق جعفر بن محمد عليه‌السلام حين أسند وصيته إلى خمسة نفر أولهم المنصور إذ كان سلطان الوقت ، و لم يفرد ابنه موسى عليه‌السلام بها إبقاء عليه ، وأشهد معه الربيع وقاضي الوقت وجاريته ام ولده حميدة البربرية وختمهم بذكر ابنه موسى بن جعفر عليه‌السلام لستر أمره و حراسة نفسه ولم يذكر مع ولده موسى أحدا من أولاده الباقين لعله كان فيهم من يدعي مقامه بعده ، ويتعلق بادخاله في وصيته ، ولو لم يكن موسى ظاهرا مشهورا في أولاده معروف المكان منه ، وصحة نسبه واشتهار فضله وعلمه ، وكان مستورا لما ذكره في وصيته ، ولاقتصر على ذكر غيره ، كما فعل الحسن بن علي والد صاحب الزمان.

فان قيل : قولكم أنه منذ ولد صاحب الزمان إلى وقتنا هذا مع طول المدة لايعرف أحد مكانه ، ولا يعلم مستقره ولا يأتي بخبره من يوثق بقوله ، خارج عن العادة ، لان كل من اتفق له الاستتار عن ظالم لخوف منه على نفسه أو لغير ذلك من الاغراض يكون مدة استتاره قريبة ولا يبلغ عشرين سنة ولا يخفى أيضا عن الكل في مدة استتاره مكانه ، ولابد من أن يعرف فيه بعض أوليائه وأهله

٢٠٢

مكانه أو يخبره بلقائه وقولكم بخلاف ذلك.

قلنا : ليس الامر على ماقلتم لان الامامية تقول : إن جماعة من أصحاب أبي محمد الحسن بن علي عليه‌السلام قد شاهدوا وجوده في حياته وكانوا أصحابه وخاصته بعد وفاته ، والوسائط بينه وبين شيعته ، معروفون بما ذكرناهم فيما بعد ، ينقلون إلى شيعته معالم الدين ، ويخرجون إليهم أجوبته في مسائلهم فيه ، ويقبضون منهم حقوقه وهم جماعة كان الحسن بن علي عليه‌السلام عدلهم في حياته ، واختصهم امناء له في وقته ، وجعل إليهم النظر في أملاكه والقيام باموره بأسمائهم وأنسابهم وأعيانهم كأبي عمرو عثمان بن سعيد السمان ، وابنه أبي جعفر محمد بن عثمان بن سعيد ، و غيرهم ممن سنذكر أخبارهم فيما بعد إنشاء الله ، وكانوا أهل عقل وأمانة ، وثقة ظاهرة ، ودراية ، وفهم ، وتحصيل ، ونباهة كانوا معظمين عند سلطان الوقت لعظم أقدارهم وجلالة محلهم مكرمين لظاهر أمانتهم واشتهار عدالتهم حتى أنه يدفع عنهم مايضيفه إليهم خصومهم ، وهذا يسقط قولكم إن صاحبكم لم يره أحد ودعواهم خلافه.

فأما بعد انقراض أصحاب أبيه فقد كان مدة من الزمان أخباره واصلة من جهة السفراء الذين بينه وبين شيعته ويوثق بقولهم ويرجع إليهم لدينهم وأمانتهم و ما اختصوا به من الدين والنزاهة ، وربما ذكرنا طرفا من أخبارهم فيما بعد.

وقد سبق الخبر عن آبائه عليهم‌السلام بأن القائم له غيبتان اخراهما أطول من الاولى ، فالاولى يعرف فيها خبره ، والاخرى لايعرف فيها خبره ، فجاء ذلك موافقا لهذه الاخبار ، فكان ذلك دليلا ينضاف إلى ماذكرناه ، وسنوضح عن هذه الطريقة فيما بعد إنشاء الله تعالى.

فأما خروج ذلك عن العادات فليس الامر على ماقالوه ولو صح لجاز أن ينقض الله تعالى العادة في ستر شخص ويخفي أمره لضرب من المصلحة وحسن التدبير لما يعرض من المانع من ظهوره.

وهذا الخضر عليه‌السلام موجود قبل زماننا من عهد موسى عليه‌السلام عند أكثر الامة

٢٠٣

وإلى وقتنا هذا باتفاق أهل السير ، لايعرف مستقره ولا يعرف أحد له أصحابا إلا ما جاء به القرآن من قصته مع موسى وما يذكره بعض الناس أنه يظهر أحيانا ويظن من يراه أنه بعض الزهاد ، فإذا فارق مكانه توهمه المسمى بالخضر ولم يكن عرفه بعينه في الحال ولاظنه فيها ، بل اعتقد أنه بعض أهل الزمان.

وقد كان من غيبة موسى بن عمران عن وطنه وهربه من فرعون ورهطه مانطق به القرآن ولم يظفر به أحد مدة من الزمان ولا عرفه بعينه ، حتى بعثه الله نبيا و دعا إلى فعرفه الولي والعدو.

وكان من قصة يوسف بن يعقوب ماجاء به سورة في القرآن وتضمنت استتار خبره عن أبيه وهو نبي الله يأتيه الوحي صباحا ومساء يخفى عليه خبر ولده ، وعن ولده أيضا حتى أنهم كانوا يدخلون عليه ويعاملونه ولا يعرفونه وحتى مضت على ذلك السنون والازمان ثم كشف الله أمره وظهره خبره وجمع بينه وبين أبيه وإخوته وإن لم يكن ذلك في عادتنا اليوم ولا سمعنا بمثله.

وكان من قصة يونس بن متى نبي الله مع قومه وفراره منهم حين تطاول خلافهم له واستخفافهم بجفوته وغيبته عنهم وعن كل أحد حتى لم يعلم أحد من الخلق مستقره وستره الله في جوف السمكة وأمسك عليه رمقه لضرب من المصلحة إلى أن انقضت تلك المدة ورده الله إلى قومه. وجمع بينهم وبينه ، وهذا أيضا خارج عن عادتنا وبعيد من تعارفنا وقد نطق به القرآن وأجمع عليه أهل الاسلام.

ومثل ماحكيناه أيضا قصة أصحاب الكهف وقد نطق بها القرآن وتضمن شرح حالهم واستتارهم عن قومهم فرارا بدينهم ولولا مانطق القرآن به لكان مخالفونا يجحدونه دفعا لغيبة صاحب الزمان ، وإلحاقهم به ، لكن أخبر الله تعالى أنهم بقوا ثلاثمائة سنة مثل ذلك مستترين خائفين ثم أحياهم الله فعادوا إلى قومهم وقصتهم مشهورة في ذلك.

وقد كان من أمر صاحب الحمار الذي نزل بقصته القرآن وأهل الكتاب يزعمون أنه كان نبيا فأماته الله مائة عام ثم بعثه وبقى طعامه وشرابه لم يتغير وكان

٢٠٤

ذلك خارقا للعادة وإذا كان ماذكرناه معروفا كائنا كيف يمكن مع ذلك إنكار غيبة صاحب الزمان.

اللهم إلا أن يكون المخالف دهريا معطلا ينكر جميع ذلك ويحيله فلا نكلم معه في الغيبة بل ينتقل معه إلى الكلام في أصل التوحيد وأن ذلك مقدور وإنما نكلم في ذلك من أقر بالاسلام ، وجوز ذلك مقدورا لله ، فنبين لهم نظائره في العادات.

وأمثال ماقلناه كثيرة مما رواه أصحاب السير والتواريخ من ملوك فرس و غيبتهم عن أصحابهم مدة لايعرفون خبره ثم عودهم وظهورهم لضرب من التدبير و إن لم ينطق به القرآن فهو مذكور في التواريخ وكذلك جماعة من حكماء الروم والهند قد كانت لهم غيبات وأحوال خارجة عن العادات لانذكرها لان المخالف ربما جحدها على عادتهم جحد الاخبار وهو مذكور في التواريخ.

فان قيل : ادعاؤكم طول عمر صاحبكم أمر خارق للعادات مع بقائه على قولكم كامل العقل تام القوة والشباب لانه على قولكم له في هذا الوقت الذي هو سنة سبع وأربعين وأربعمائة مائة وإحدى وتسعون سنة لان مولده على قولكم سنة ست وخمسين ومائتين ولم تجر العادة بأن يبقى أحد من البشر هذه المدة فكيف انتقضت العادة فيه ، ولا يجوز انتقاضها إلا على يد الانبياء.

قلنا : الجواب عن ذلك من وجهين أحدهما أن لا نسلم أن ذلك خارق لجميع العادات ، بل العادات فيما تقدم قد جرت بمثلها وأكثر من ذلك ، وقد ذكرنا بعضها كقصة الخضر عليه‌السلام وقصة أصحاب الكهف وغير ذلك ، وقد أخبر الله عن نوح عليه‌السلام أنه لبث في قومه ألف سنة إلا خمسين عاما وأصحاب السير يقولون أنه عاش أكثر من ذلك ، وإنما دعا قومه إلى الله هذه المدة المذكورة بعد أن مضت عليه ستون من عمره ، وروى أصحاب الاخبار أن سلمان الفارسي لقي عيسى ابن مريم وبقي إلى زمان نبينا صلى‌الله‌عليه‌وآله وخبره مشهور وأخبار المعمرين من العجم و العرب معروفة مذكورة في الكتب والتواريخ وروى أصحاب الحديث أن الدجال

٢٠٥

موجود وأنه كان في عصر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وأنه باق إلى الوقت الذي يخرج فيه وهو عدو الله فاذا جاز ذلك في عدو الله لضرب من المصلحة فكيف لايجوز مثله في ولي الله إن هذا من العناد.

اقول : ثم ذكر ره أخبار المعمرين على ماسنذكره ثم قال : إن كان المخالف لنا في ذلك من يحيل ذلك من المنجمين وأصحاب الطبايع فالكلام لهم في أصل هذه المسالة فان العالم مصنوع وله صانع أجرى العادة بقصر الاعمار وطولا ، وأنه قادر على إطالتها وعلى إفنائها فاذا بين ذلك سهل الكلام.

وإن كان المخالف في ذلك من يسلم ذلك غير أنه يقول : هذا خارج عن العادات ، فقد بينا أنه ليس بخارج عن جميع العادات ، ومتى قالوا خارج عن عاداتنا قلنا وما المانع منه.

فان قيل : ذلك لايجوز إلا في زمن الانبياء قلنا نحن ننازع في ذلك وعندنا يجوز خرق العادات على يد الانبياء والائمة والصالحين وأكثر أصحاب الحديث يجوزون ذلك وكثير من المعتزلة والحشوية ، وإن سموا ذلك كرامات كان ذلك خلافا في عبارة ، وقد دللنا على جواز ذلك في كتبنا ، وبينا أن المعجز إنما يدل على صدق من يظهر على يده ثم نعلمه نبيا أو إماما أو صالحا بقوله ، وكلما يذكرونه من شبههم قد بينا الوجه فيه في كتبنا لا نطول بذكره ههنا.

فأما ما يعرض من الهرم بامتداد الزمان ، وعلو السن ، وتناقض بنية الانسان فليس مما لابد منه وإنما أجرى الله العادة بأن يفعل ذلك عند تطاول الزمان و لا إيجاب هناك ، وهو تعالى قادر أن لايفعل ما أجرى العادة بفعله ، وإذا ثبتت هذه الجملة ثبت أن تطاول الاعمار ممكن غير مستحيل ، وقد ذكرنا فيما تقدم عن جماعة أنهم لم يتغيروا مع تطاول أعمارهم وعلو سنهم ، وكيف ينكر ذلك من يقر بأن الله تعالى يخلد المؤمنين في الجنة شبانا لايبلون ، وإنما يمكن أن ينازع في ذلك من يجحد ذلك ويسنده إلى الطبيعة وتأثير الكواكب الذي قد دل الدليل على بطلان قولهم باتفاق منا ومن خالفنا في هذه المسألة من أهل الشرع ، فسقطت

٢٠٦

الشبهة من كل وجه.

دليل آخر : ومما يدل على إمامة صاحب الزمان وصحة غيبته ، مارواه الطائفتان المختلفان ، والفرقتان المتباينتان العامة والامامية أن الائمة بعد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله اثنا عشر لايزيدون ولا ينقصون ، وإذا ثبت ذلك فكل من قال بذلك قطع على الائمة الاثني عشر الذين نذهب إلى إمامتهم ، وعلى وجود ابن الحسن وصحة غيبته ، لان من خالفهم في شئ من ذلك لايقصر الامامة على هذا العدد بل يجوز الزيادة عليها ، وإذا ثبت بالاخبار التي نذكرها هذا العدد المخصوص ثبت ما أردناه.

اقول : ثم أورد ره من طرق الفريقين بعض ما أوردناه في باب النصوص على الاثني عشر عليهم‌السلام.

ثم قال رحمه‌الله :

فان قيل : دلوا أولا على صحة هذه الاخبار فانها أخبار آحاد لايعول عليها فيم طريقه العلم ، وهذه مسألة علمية ثم دلوا على أن المعني بها من تذهبون إلى إمامته فان الاخبار التي رويتموها عن مخالفيكم وأكثر مارويتموها من جهة الخاصة إذا سلمت فليس فيها صحة ماتذهبون إليه ، لانها تتضمن غير ذلك فمن أين لكم أن أئمتكم هم المرادون بها دون غيرهم.

قلنا : أما الذي يدل على صحتها فإن الشيعة الامامية يروونها على وجه التواتر خلفا عن سلف وطريقة تصحيح ذلك موجود في كتب الامامية في النصوص على أمير المؤمنين عليه‌السلام والطريقة واحدة.

وأيضا فان نقل الطائفتين المختلفتين المتباينتين في الاعتقاد يدل على صحة ماقد اتفقوا على نقله ، لان العادة جارية أن كل من اعتقد مذهبا وكان الطريق إلى صحة ذلك النقل فان دواعيه تتوفر إلى نقله ، وتتوفر دواعي من خالفه إلى إبطال مانقله أو الطعن عليه ، والانكار لروايته ، بذلك جرت العادات في مدائح الرجال وذمهم ، وتعظيمهم والنقص منهم ، ومتى رأينا الفرقة المخالفة لهذه الفرقة قد نقلت مثل نقلها ، ولم يتعرض للطعن على نقله ، ول ينكر متضمن الخبر ، دل

٢٠٧

ذلك على أن الله تعالى قد تولى نقله وسخرهم لروايته ، وذلك دليل على صحة ماتضمنه الخبر.

وأما الدليل على أن المراد بالاخبار والمعني بها أئمتنا عليهم‌السلام فهو أنه إذا ثبت بهذه الاخبار أن الائمة محصورة في الاثني عشر إماما وأنهم لايزيدون ولا ينقصون ، ثبت ماذهبنا إليه ، لان الامة بين قائلين : قائل يعتبر العدد الذي ذكرناه فهو يقول إن المراد بها من نذهب إلى إمامته ، ومن خالف في إمامتهم لايعتبر هذا العدد ، فالقول مع اعتبار العدد أن المراد غيرهم ، خروج عن الاجماع وما أدى إلى ذلك وجب القول بفساده.

ويدل أيضا على إمامة ابن الحسن عليه‌السلام وصحة غيبته ماظهر وانتشر من الاخبار الشائعة الذائعة عن آبائه عليهم‌السلام قبل هذه الاوقات بزمان طويل من أن لصاحب هذا الامر غيبة ، وصفة غيبته ، وما يجري فيها من الاختلاف ، ويحدث فيها من الحوادث ، وأنه يكون له غيبتان إحداهما أطول من الاخرى وأن الاولى يعرف فيها أخباره والثانية لا يعرف فيها أخباره فوافق ذلك على ماتضمنته الاخبار ولولا صحتها وصحة إمامته لما وافق ذلك ، لان ذلك لايكون إلا باعلام الله على لسان نبيه ، وهذه أيضا طريقة اعتمدها الشيوخ قديما.

ونحن نذكر من الاخبار التي تضمن ذلك طرفا ليعلم صحة ماقلناه لان استيفاء جميع ماروي في هذا المعنى يطول ، وهو موجود في كتب الاخبار من أراده وقف عليه من هناك.

اقول : ثم نقل الاخبار التي نقلنا عنه رحمه‌الله في الابواب السابقة واللاحقة ثم قال :

فان قيل : هذه كلها أخبار آحاد لا يعول على مثلها في هذه المسألة لانها مسألة علمية. قلنا : موضع الاستدلال من هذه الاخبار ماتضمنه الخبر بالشئ قبل كونه فكان كما تضمنه فكان ذلك دلالة على صحة ماذهبنا إليه من إمامة ابن الحسن لان العلم بما يكون لا يحصل إلا من جهة علام الغيوب ، فلو لم يرد إلا خبر واحد

٢٠٨

ووافق مخبره ماتضمنه الخبر ، لكان ذلك كافيا ، ولذلك كان ما تضمنه القرآن من الخبر بالشئ قبل كونه دليلا على صدق النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وأن القرآن من قبل الله تعالى ، وإن كان المواضع التي تضمن ذلك محصورة ، ومع ذلك مسموعة من مخبر واحد ، لكن دل على صدقه من الجهة التي قلناها ، على أن الاخبار متواتر بها لفظا ومعنى.

فأما اللفط فان الشيعة تواترت بكل خبر منه ، والمعنى أن كثيرة الاخبار واختلاف جهاتها وتباين طرقها ، وتباعد رواتها ، تدل على صحتها ، لانه لايجوز أن يكون كلها باطلة ولذلك يستدل في مواضع كثيرة على معجزات النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله التي هي سوى القرآن وامور كثيرة في الشرع يتواتر ، وإن كان كل لفظ منه منقولا من جهة الآحاد وذلك معتمد عند من خالفنا في هذه المسألة ، فلا ينبغي أن يتركوه وينسوه إذا جئنا إلى الكلام في الامامة ، والعصبية لاينبغي أن ينتهي بالانسان إلى حد يجحد الامور المعلومة.

وهذا الذي ذكرناه معتبر في مدائح الرجال وفضائلهم ولذلك استدل على سخاء حاتم وشجاعة عمرو وغير ذلك بمثل ذلك وإن كان كل واحد مما يروى من عطاء حاتم ووقوف عمرو في موقف من المواقف ، من جهة الآحاد وهذا واضح.

ومما يدل أيضا على إمامة ابن الحسن زائدا على ما مضى أنه لا خلاف بين الامة أنه سيخرج في هذه الامة مهدي يملا الارض قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وجورا وإذا بينا أن ذلك المهدي من ولد الحسين وأفسدنا قول من يدعي ذلك من ولد الحسين سوى ابن الحسن ثبت أن المراد به هو عليه‌السلام.

اقول : ثم أورد ما نقلنا عنه سابقا من أخبار الخاصة والعامة في المهدي عليه‌السلام ثم قال :

وأما الذي يدل على أنه يكون من ولد الحسين عليه‌السلام فالاخبار التي أوردناها في أن الائمة اثنا عشر وذكر تفاصيلهم فهي متضمنة لذلك ، ولان كل من اعتبر العدد الذي ذكرناها قال : المهدي من ولد الحسين عليه‌السلام. وهو من أشرنا إليه.

٢٠٩

ثم أورد رحمه‌الله الاخبار في ذلك على ماروينا عنه ثم قال : فان قيل : أليس قد خالف جماعة فيهم من قال : المهدي من ولد علي عليه‌السلام فقالوا : هو محمد بن الحنفية وفيهم من قال من السبائية هو علي عليه‌السلام لم يمت وفيهم من قال : جعفر بن محمد لم يمت ، وفيهم من قال : موسى بن جعفر لم يمت ، وفيهم من قال : الحسن بن علي العسكري عليهما‌السلام لم يمت ، وفيهم من قال : المهدي هو أخوه محمد بن علي وهو حي باق لم يمت ، ما الذي يفسد قول هؤلاء؟.

قلت : هذه الاقوال كلها قد أفسدناها بما دللنا عليه من موت من ذهبوا إلى حياته وبما بينا أن الائمة اثنا عشر وبما دللنا على صحة إمامة ابن الحسن من الاعتبار ، وبما سنذكره من صحة ولادته وثبوت معجزاته الدالة على إمامته.

فأما من خالف في موت أمير المؤمنين وذكر أنه حي باق فهو مكابر فان العلم بموته وقتله أظهر وأشهر من قتل كل أحد وموت كل إنسان والشك في ذلك يؤدي إلى الشك في موت النبي وجميع أصحابه ثم ما ظهر من وصيته وأخبار النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله إياه أنك تقتل وتخضب لحيتك من رأسك يفسد ذلك أيضا وذلك أشهر من أن يحتاج أن يروى فيه الاخبار.

وأما وفات محمد بن علي ، ابن الحنيفة وبطلان قول من ذهب إلى إمامته فقد بينا فيما مضى من الكتاب وعلى هذه الطريقة إذا بينا أن المهدي من ولد الحسين عليه‌السلام بطل قول المخالف في إمامته عليه‌السلام.

وأما الناووسية الذين وقفوا على جعفر بن محمد عليه‌السلام فقد بينا أيضا فساد قولهم بما علمناه من موته ، واشتهار الامر فيه ، وبصحة إمامة ابنه موسى بن جعفر عليهما‌السلام ، وبما ثبت من إمامة الاثني عشر عليهم‌السلام ويؤكد ذلك ماثبت من صحة وصيته إلى من أوصى إليه ، وظهور الحال في ذلك.

وأما الواقفة الذين وقفوا على موسى بن جعفر وقالوا هو المهدي فقد أفسدنا أقوالهم بما دللنا عليه من موته ، واشتهار الامر فيه ، وثبوت إمامة ابنه الرضا عليه‌السلام وفي ذلك كفاية لمن أنصف.

٢١٠

وأما المحمدية الذين قالوا بامامة محمد بن علي العسكري وأنه حي لم يمت ، فقولهم باطل لما دللنا به على إمامة أخيه الحسن بن علي أبي القائم عليهما‌السلام وأيضا فقد مات محمد في حياة أبيه عليه‌السلام موتا ظاهرا كما مات أبوه وجده فالمخالف في ذلك مخالف في الضرورة.

وأما القائلون بأن الحسن بن علي لم يمت وهو حي باق وهو المهدي فقولهم باطل بما علمنا موته كما علمنا موت من تقدم من آبائه ، والطريقة واحدة ، والكلام عليهم واحد ، هذا مع انقراض القائلين به واندراسهم ، ولو كانوا محقين لما انقرضوا.

اقول : وقد أورد لكل ماذكر أحبارا كثيرة أوردناها مع غيرها في المجلدات السابقة في الابواب التي هي أنسب بها ثم قال :

وأما من قال : إن الحسن بن علي عليه‌السلام يعيش بعد موته وأنه القائم بالامر وتعلقهم بما روي عن أبي عبدالله عليه‌السلام أنه قال : « إنما سمي القائم لانه يقوم بعدما يموت » فقوله باطل بما دللنا عليه من موته وادعاؤهم أنه يعيش يحتاج إلى دليل ولو جاز لهم ذلك لجاز أن تقول الواقفة إن موسى بن جعفر يعيش بعد موته ، على أن هذا يؤدي إلى خلو الزمان من إمام بعد موت الحسن إلى حين يحيى وقد دللنا بأدلة عقلية على فساد ذلك.

ويدل على فساد ذلك الاخبار التي مضت في أنه لو بقيت الارض بغير إمام ساعة لساخت.

وقول أمير المؤمنين صلوات الله عليه اللهم إنك لاتخلي الارض بغير حجة إما ظاهرا مشهورا أو خائفا مغمورا يدل على ذلك على أن قوله « يقوم بعدما يموت » لو صح الخبر احتمل أن يكون أراد « يقوم بعدما يموت ذكره » ويخمل ولا يعرف ، وهذا جائز في اللغة وما دللنا به على أن الائمة اثنا عشر يبطل هذا المقال لانه عليه‌السلام هو الحادي عشر ، على أن القائلين بذلك قد انقرضوا ولله الحمد ولو كان حقا لما انقرض القائلون به.

٢١١

وأما من ذهب إلى الفترة بعد الحسن بن علي وخلو الزمان من إمام فقولهم باطل بما دللنا عليه من أن الزمان لا يخلو من إمام في حال من الاحوال بأدلة عقلية وشرعية وتعلقهم بالفترات بين الرسل باطل لان الفترة عبارة عن خلو الزمان من نبي ونحن لا نوجب النبوة في كل حال ، وليس في ذلك دلالة على خلو الزمان من إمام ، على أن القائلين بذلك قد انقرضوا ولله الحمد ، فسقط هذا القول أيضا.

وأما القائلون بإمامة جعفر بن علي بعد أخيه ، فقولهم باطل بما دللنا عليه من أنه يجب أن يكون الامام معصوما ، لايجوز عليه الخطاء ، وأنه يجب أن يكون أعلم الامة بالاحكام وجعفر لم يكن معصوما بلا خلاف ، وماظهر من أفعاله التي تنافي العصمة أكثر من أن تحصى لا نطول بذكرها الكتاب ، وإن عرض فيما بعد مايقتضي ذكر بعضها ذكرناه ، وأما كونه عالما فانه كان خاليا منه ، فكيف تثبت إمامته ، على أن القائلين بهذه المقالة قد انقرضوا أيضا ولله الحمد والمنة.

وأما من قال : لا ولد لابي محمد عليه‌السلام فقوله يبطل بما دللنا عليه من إمامة الاثني عشر وسياقة الامر فيهم.

وأما من زعم أن الامر قد اشتبه عليه ، فلا يدري هل لابي محمد عليه‌السلام ولد أم لا إلا أنهم متمسكون بالاول حتى يصح لهم الآخر فقوله باطل بما دللنا عليه من صحة إمامة ابن الحسن ، وبما بينا من أن الائمة اثنا عشر ، ومع ذلك لا ينبغي التوقف بل يجب القطع على إمامة ولده ، وما قدمناه أيضا من أنه لا يمضي إمام حي حتى يولد له ويرى عقبه ، ومادللنا عليه من أن الزمان لايخلو من إمام عقلا وشرعا يفسد هذا القول أيضا.

فأما تمسكهم بما روي « تمسكوا بالاول حتى يصح لكم الآخر » فهو خبر واحد ومع هذا فقد تأوله سعد بن عبدالله بتأويل قريب قال قوله « تمسكوا بالاول حتى يظهر لكم الآخر » هو دليل على إيجاب الخلف لانه يقتضي وجوب التمسك بالاول ولا يبحث عن أحوال الآخر إذا كان مستورا غائبا في تقية حتى

٢١٢

يأذن الله في ظهوره ، ويكون ( هو ) الذي يظهر أمره ويشهر نفسه ، على أن القائلين بذلك قد انقرضوا والحمد لله.

وأما من قال بإمامة الحسن وقالوا : انقطعت الامامة كما انقطعت النبوة فقولهم باطل بما دللنا عليه من أن الزمان لايخلو من إمام عقلا وشرعا وبما بينا من أن الائمة اثنا عشر وسنبين صحة ولادة القائم بعده ، فسقط قولهم من كل وجه على أن هؤلاء قد انقرضوا بحمد الله.

وقد بينا فساد قول الذاهبين إلى إمامة جعفر بن علي من الفطحية الذين قالوا بامامة عبدالله بن جعفر لما مات الصادق عليه‌السلام فلما مات عبدالله ولم يخلف ولدا رجعوا إلى القول بإمامة موسى بن جعفر ومن بعده إلى الحسن بن علي فلما مات الحسن قالوا بامامة جعفر وقول هؤلاء يبطل بوجوه أفسدناها ولانه لا خلاف بين الامامية أن الامامة لاتجتمع في أخوين بعد الحسن والحسين وقد أوردنا في ذلك أخبارا كثيرة.

ومنها أنه لا خلاف أنه لم يكن معصوما وقد بينا أن من شرط الامام أن يكون معصوما وماظهر من أفعاله ينافي العصمة وقد روي أنه لما ولد لابي الحسن جعفر هنؤه به فلم يروا به سرورا ، فقيل له في ذلك فقال : هون عليك أمره سيضل خلقا كثيرا ، وما روي فيه وله من الافعال والاقوال الشنيعة أكثر من أن تحصى ننزه كتابنا عن ذلك.

فأما من قال إن للخلف ولدا وأن الائمة ثلاثة عشر فقولهم يفسد بما دللنا عليه من أن الائمة عليهم‌السلام اثنا عشر ، فهذا القول يجب إطراحه على أن هذه الفرق كلها قد انقرضت بحمد الله ولم يبق قائل بقولها ، وذلك دليل على بطلان هذه الاقاويل انتهى كلامه قدس الله روحه.

واقول : تحقيقاته ره في هذا المبحث يحتاج إلى تفصيل وتبيين وإتمام ونقض وإبرام ليس كتابنا محل تحقيق أمثال ذلك وإنما أوردنا كلامه ره لانه كان داخلا فيما اشتمل عليه اصولنا التي أخذنا منها ومحل تحقيق تلك المباحث

٢١٣

من جهة الدلائل العقلية الكتب الكلامية وأما ما يتعلق بكتابنا من الاخبار المتعلقة بها فقد وفينا حقها على وجه لايبقى لمنصف بل معاند مجال الشك فيها ولنتكلم فيما التزمه ره في ضمن أجوبة اعتراضات المخالف من كون كل من خفي عليه الامام من الشيعة في زمان الغيبة فهم مقصرون مذنبون فنقول :

يلزم عليه أن لا يكون أحد من الفرقة المحقة الناجية في زمان الغيبة موصوفا بالعدالة ، لان هذا الذنب الذي صار مانعا لظهوره عليه‌السلام من جهتهم إما كبيرة أو صغيرة أصروا عليها ، وعلى التقديرين ينافي العدالة فكيف كان يحكم بعدالة الرواة والائمة في الجماعات ، وكيف كان يقبل قولهم في الشهادات ، مع أنا نعلم ضرورة أن كل عصر من الاعصار مشتمل على جماعة من الاخيار لايتوقفون مع خروجه عليه‌السلام وظهور أدنى معجز منه في الاقرار بامامته وطاعته ، وأيضا فلا شك في أن في كثير من الاعصار الماضية كان الانبياء والاوصياء محبوسين ممنوعين عن وصول الخلق إليهم ، وكان معلوما من حال المقرين أنهم لم يكونوا مقصرين في ذلك بل نقول : لما اختفى الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله في الغار كان ظهوره لامير المؤمنين صلوات الله عليه وكونه معه لطفا له ، ولا يمكن إسناد التقصير إليه فالحق في الجواب أن اللطف إنما يكون شرطا للتكليف إذا لم يكن مشتملا على مفسدة فإنا نعلم أنه تعالى إذا أظهر علامة مشيته عند ارتكاب المعاصي على المذنبين كأن يسود وجوههم مثلا ، فهو أقرب إلى طاعتهم وأبعد عن معصيتهم ، لكن لاشتماله على كثير من المفاسد لم يفعله ، فيمكن أن يكون ظهوره عليه‌السلام مشتملا على مفسدة عظيمة للمقرين يوجب استئصالهم واجتياحهم ، فظهوره عليه‌السلام مع تلك الحال ليس لطفا لهم وما ذكره رحمه‌الله من أن التكليف مع فقد اللطف كالتكليف مع فقد الآلة فمع تسليمه إنما يتم إذا كان [لطفا و] ارتفعت المفاسد المانعة عن كونه لطفا.

وحاصل الكلام أن بعد ماثبت من الحسن والقبح العقليين وأن العقل يحكم بأن اللطف على الله تعالى واجب ، وأن وجود الامام لطف باتفاق جميع العقلاء على أن المصلحة في وجود رئيس يدعو إلى الصلاح ، ويمنع عن الفساد ، و

٢١٤

أن وجوده أصلح للعباد وأقرب إلى طاعتهم وأنه لابد أن يكون معصوما وأن العصمة لاتعلم إلا من جهته تعالى وأن الاجماع واقع على عدم عصمة غير صاحب الزمان عليه‌السلام يثبت وجوده.

وأما غيبته عن المخالفين ، فظاهر أنه مستند إلى تقصيرهم وأما عن المقرين فيمكن أن يكون بعضهم مقصرين وبعضهم مع عدم تقصيرهم ممنوعين من بعض الفوائد التي تترتب على ظهوره عليه‌السلام لمفسدة لهم في ذلك ينشأ من المخالفين أو لمصلحة لهم في غيبته بأن يؤمنوا به مع خفاء الامر وظهور الشبه ، وشدة المشقة فيكونوا أعظم ثوابا مع أن إيصال الامام فوائده وهداياته لايتوقف على ظهوره بحيث يعرفونه ، فيمكن أن يصل منه عليه‌السلام إلى أكثر الشيعة ألطاف كثيرة لايعرفونه كما سيأتي عنه عليه‌السلام أنه في غيبته كالشمس تحت السحاب. على أن في غيبات الانبياء دليلا بينا على أن في هذا النوع من وجود الحجة مصلحة وإلا لم يصدر منه تعالى.

وأما الاعتراضات الموردة على كل من تلك المقدمات وأجوبتها فموكول إلى مظانه.

١٣

* ( باب ) *

* ( مافيه عليه‌السلام من سنن الانبياء والاستدلال ) *

« بغيباتهم على غيبته صلوات الله عليهم »

١ ـ ك : ابن الوليد ، عن الصفار ، عن صعد والحميري معا ، عن ابن أبي الخطاب ، عن ابن أسباط ، عن ابن عميرة ، عن زيد الشحام ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : إن صالحا عليه‌السلام غاب عن قومه زمانا وكان يوم غاب عنهم كهلا مبدح البطن ، حسن الجسم ، وافر اللحية ، خميص البطن ، خفيف العارضين ، مجتمعا ربعة من الرجال ، فلما رجع إلى قومه لم يعرفوه بصورته فرجع إليهم وهم على

٢١٥

ثلاث طبقات : طبقة جاحدة لاترجع أبدا واخرى شاكة فيه واخرى على يقين فبدأ عليه‌السلام حيث رجع بطبقة الشكاك ، فقال لهم : أنا صالح فكذبوه وشتموه و زجروه ، وقالوا برئ الله منك إن صالحا كان في غير صورتك ، قال : فأتى الجحاد فلم يسمعوا منه القول ونفروا منه أشد النفور ثم انطلق إلى الطبقة الثالثة وهم أهل اليقين فقال لهم : أنا صالح فقالوا : أخبرنا خبرا لانشك فيك معه أنك صالح فانا لانمتري أن الله تبارك وتعالى الخالق ينقل ويحول في أي الصور شاء وقد اخبرنا وتدارسنا فيما بيننا بعلامات القائم إذا جاء ، وإنما صح عندنا إذا أتى الخبر من السماء فقال لهم صالح : أنا صالح الذي أتيتكم بالناقة فقالوا صدقت وهي التي نتدارس فما علاماتها فقال : لها شرب ولكم شرب يوم معلوم قالوا : آمنا بالله وبما جئتنا به فعند ذلك قال الله تبارك وتعالى : إن صالحا مرسل من ربه ، قال أهل اليقين : إنا بما ارسل به مؤمنون وقال الذين استكبروا وهم الشكاك والجحاد إنا بالذي آمنتم به كافرون.

قلت : هل كان فيهم ذلك اليوم عالم؟ قال : الله تعالى أعدل من أن يترك الارض بغير عالم يدل على الله تبارك وتعالى ولقد مكث القوم بعد خروج صالح سبعة أيام على فترة لايعرفون إماما غير أنهم على ما في أيديهم من دين الله عزوجل كلمتهم واحدة ، فلما ظهر صالح عليه‌السلام اجتمعوا عليه ، وإنما مثل [علي و] القائم مثل صالح عليه‌السلام.

٢ ـ ك : أبي ، عن سعد ، عن المعلى بن محمد ، عن محمد بن جمهور وغيره ، عن ابن أبي عمير ، عن عبدالله بن سنان ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : سمعته يقول : في القائم سنة من موسى بن عمران عليه‌السلام فقلت : وما سنة موسى بن عمران؟ قال : خفاء مولده وغيبته عن قومه ، فقلت : وكم غاب موسى عن أهله وقومه؟ قال : ثماني وعشرين سنة.

٣ ـ ك : أبي وابن الوليد معا ، عن الحميري ، عن محمد بن عيسى ، عن سليمان بن داود ، عن أبي بصير قال : سمعت أبا جعفر عليه‌السلام يقول : في صاحب هذا

٢١٦

الامر أربع سنين من أربعة أنبياء : سنة من موسى وسنة من عيسى وسنة من يوسف وسنة من محمد صلوات الله عليهم فأما من موسى فخائف يترقب وأما من يوسف فالسجن وأما من عيسى فيقال : إنه مات ولم يمت ، وأما من محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله فالسيف.

غط : محمد الحميري ، عن أبيه مثله.

كتاب الامامة والتبصرة لعلي بن بابويه ، عن عبدالله بن جعفر الحميري مثله.

٤ ـ ك : علي بن موسى بن أحمد العلوي ، عن محمد بن همام ، عن أحمد ابن محمد النوفلي ، عن أحمد بن هلال ، عن عثمان بن عيسى ، عن خالد بن نجيح عن حمزة بن حمران ، عن أبيه ، عن سعيد بن جبير قال : سمعت سيد العابدين علي بن الحسين عليه‌السلام يقول في القائم منا سنن من سنن الانبياء عليهم‌السلام سنة من آدم وسنة من نوح وسنة من إبراهيم وسنة من موسى وسنة من عيسى وسنة من أيوب وسنة من محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله فأما من آدم ومن نوح فطول العمر ، وأما من إبراهيم فخفاء الولادة واعتزال الناس وأما من موسى فالخوف والغيبة وأما من عيسى فاختلاف الناس فيه وأما من أيوب فالفرج بعد البلوى ، وأما من محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله فالخروج بالسيف.

٥ ـ ك : ابن بشار ، عن المظفر بن أحمد ، عن الاسدي ، عن النخعي ، عن النوفلي ، عن حمزة بن حمران ، عن أبيه ، عن سعيد بن جبير قال : سمعت سيد العابدين علي بن الحسين عليه‌السلام يقول : في القائم سنة من نوح وهو طول العمر.

ك : الدقاق والشيباني معا ، عن الاسدي ، عن النخعي ، عن النوفلي ، عن حمزة بن حمران مثله.

٦ ـ ك : الهمداني ، عن علي بن إبراهيم ، عن محمد بن عيسى ، عن سليمان بن داود ، عن أبي بصير ، وحدثنا ابن عصام ، عن الكليني ، عن القاسم بن العلا ، عن إسماعيل بن علي ، عن علي بن إسماعيل ، عن عاصم بن حميد ، عن محمد بن مسلم قال : دخلت على أبي جعفر عليه‌السلام وأنا اريد أن أسأله عن القائم من آل محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله فقال لي مبتدئا : يامحمد بن مسلم إن في القائم من آل محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله شبها من خمسة



٢١٧

من الرسل : يونس بن متى ، ويوسف بن يعقوب ، وموسى ، وعيسى ، ومحمد صلوات الله عليهم ، فأما شبهه من يونس فرجوعه من غيبته وهو شاب بعد كبر السن وأما شبهه من يوسف بن يعقوب فالغيبة من خاصته وعامته ، واختفاؤه من إخوته وإشكال أمره على أبيه يعقوب عليه‌السلام مع قرب المسافة بينه وبين أبيه وأهله وشيعته ، وأما شبهه من موسى فدوام خوفه وطول غيبته وخفاء ولادته وتعب شيعته من بعده بما لقوا من الاذى والهوان إلى أن أذن الله عزوجل في ظهوره ونصره وأيده على عدوه وأما شبهه من عيسى فاختلاف من اختلف فيه حتى قالت طائفة منهم ما ولد وقالت طائفة مات وقالت طائفة قتل وصلب.

وأما شبهه من جده المصطفى صلى‌الله‌عليه‌وآله فخروجه بالسيف وقتله أعداء الله وأعداء رسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله والجبارين والطواغيت وأنه ينصر بالسيف والرعب وأنه لاترد له رأية وأن من علامات خروجه خروج السفياني من الشام وخروج اليماني وصيحة من السماء في شهر رمضان ومناد ينادي باسمه واسم أبيه.

٧ ـ ك : علي بن موسى ، عن الاسدي ، عن النخعي ، عن النوفلي ، عن الحسن ابن علي بن أبي حمزة ، عن أبي بصير قال : سمعت أبا جعفر عليه‌السلام يقول : في صاحب الامر سنة من موسى وسنة من عيسى وسنة من يوسف وسنة من محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله فأما من موسى فخائف يترقب ، وأما من عيسى فيقال فيه ماقيل في عيسى ، وأما من يوسف فالسجن والتقية ، وأما من محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله فالقيام بسيرته وتبيين آثاره ثم يضع سيفه على عاتقه ثمانية أشهر ولا يزال يقتل أعداء الله حتى يرضى الله قلت : وكيف يعلم أن الله عزوجل قد رضي قال : يلقي الله عزوجل في قلبه الرحمة.

٨ ـ ك : عبد الواحد بن محمد ، عن أبي عمير الليثي ، عن محمد بن مسعود ، عن محمد بن علي القمي ، عن محمد بن يحيى ، عن إبراهيم بن هاشم ، عن أبي أحمد الازدي ، عن ضريس الكناسي قال : سمعت أبا جعفر عليه‌السلام يقول : إن صاحب هذا الامر فيه سنة من يوسف : ابن أمة سوداء يصلح الله أمره في ليلة واحدة.

٢١٨

نى : ابن عقدة ، عن محمد بن المفضل وسعدان بن إسحاق وأحمد بن الحسن جميعا ، عن ابن محبوب ، عن هشام بن سالم ، عن الكناسي مثله.

بيان : قوله عليه‌السلام : « ابن أمة سوداء » (١) يخالف كثيرا من الاخبار التي وردت في وصف امه عليه‌السلام ظاهرا إلا أن يحمل على الام بالواسطة أو المربية.

٩ ـ ك : محمد بن علي بن حاتم ، عن أحمد بن عيسى الوشاء البغدادي ، عن أحمد بن طاهر ، عن محمد بن يحيى بن سهل ، عن علي بن الحارث ، عن سعد بن منصور الجواشني ، عن أحمد بن علي البديلي ، عن أبيه ، عن سدير الصيرفي قال : دخلت أنا والمفضل بن عمر وأبوبصير وأبان بن تغلب ، على مولانا أبي عبدالله جعفر ابن محمد عليه‌السلام فرأيناه جالسا على التراب وعليه مسح خيبري مطوق بلا جيب مقصر الكمين (٢) وهو يبكي بكاء الواله الثكلى ، ذات الكبد الحرى ، قد نال الحزن من وجنتيه وشاع التغير في عارضيه وأبلى الدموع محجريه ، وهو يقول : سيدي! غيبتك نفت رقادي وضيقت علي مهادي وأسرت مني راحة فؤادي سيدي غيبتك أوصلت مصابي بفجائع الابد وفقد الواحد بعد الواحد يفني الجمع والعدد ، فما احس بدمعة ترقى من عيني ، وأنين يفتر من صدري عن دوارج الرزايا وسوالف البلايا إلا مثل لعيني عن عواير أعظمها وأفظعها وتراقي أشدها وأنكرها ونوايب مخلوطة بغضبك ، ونوازل معجونة بسخطك.

قال سدير : فاستطارت عقولنا ولها وتصدعت قلوبنا جزعا من ذلك الخطب الهائل والحادث الغائل ، وظننا أنه سمة لمكروهة قارعة أو حلت به من الدهر بائقة فقلنا لا أبكى الله يابن خير الورى عينيك ، من أي حادثة تستنزف دمعتك ، و تستمطر عبرتك ، وأية حالة حتمت عليك هذا المأتم.

قال : فزفر الصادق عليه‌السلام زفرة انتفخ منها جوفه ، واشتد منها خوفه ، وقال :

____________________

(١) هذه الجملة موجودة في غيبة النعماني ص ٨٤ ، ساقطة من كمال الدين راجع ج ١ ص ٤٤٥.

(٢) المسح بالكسر : الكساء من شعر كثوب الرهبان وكأن الراوى يصف جبة من شعر وكيف كان ، الحديث منكر السند والمتن قد مر في كتاب النبوة ج ١٢ من طبعته الجديدة.

٢١٩

ويكم إني نظرت في كتاب الجفر صبيحة هذا اليوم وهو الكتاب المشتمل على علم المنايا والبلايا والرزايا وعلم ما كان وما يكون إلى يوم القيامة الذي خص الله تقدس اسمه به محمدا والائمة من بعده عليه وعليهم‌السلام ، وتأملت فيه مولد قائمنا وغيبته وإبطاؤه وطول عمره وبلوى المؤمنين ( به من بعده ) في ذلك الزمان وتولد الشكوك في قلوبهم من طول غيبته ، وارتداد أكثرهم عن دينهم ، وخلعهم ربقة الاسلام من أعناقهم ، التي قال الله تقدس ذكره : « وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه » يعني الولاية ، فأخذتني الرقة ، واستولت علي الاحزان.

فقلنا : يابن رسول الله كرمنا وشرفنا باشراكك إيانا في بعض ما أنت تعلمه من علم قال : إن الله تبارك وتعالى أدار في القائم منا ثلاثة أدارها في ثلاثة من الرسل قدر مولده تقدير مولد موسى عليه‌السلام ، وقدر غيبته غيبة عيسى عليه‌السلام ، و قدر إبطاؤه تقدير إبطاء نوح عليه‌السلام وجعل من بعد ذلك عمر العبد الصالح أعني الخضر دليلا على عمره فقلت : اكشف لنا يابن رسول الله عن وجوه هذه المعاني.

قال : أما مولد موسى فإن فرعون لما وقف على أن زوال ملكه على يده أمر باحضار الكهنة ، فدلوه على نسبه وأنه يكون من بني إسرائيل ولم يزل يأمر أصحابه بشق بطون الحوامل من [النساء] بني إسرائيل حتى قتل في طلبه نيفا وعشرين ألف مولود وتعذر عليه الوصول إلى قتل موسى لحفظ الله تبارك وتعالى إياه.

كذلك بنو امية وبنو العباس لما وقفوا على أن زوال ملكهم والامراء والجبابرة منهم على يد القائم منا ، ناصبونا العداوة ، ووضعوا سيوفهم في قتل آل بيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وإبادة نسله طمعا منهم في الوصول إلى قتل القائم عليه‌السلام ويأبى الله أن يكشف أمره لواحد من الظلمة إلى أن يتم نوره ولو كره المشركون.

وأما غيبة عيسى عليه‌السلام فان اليهود والنصارى اتفقت على أنه قتل وكذبهم الله عزوجل بقوله : « وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبه لهم » كذلك غيبة القائم عليه‌السلام فان الامة تنكرها [لطولها] فمن قائل بغير هدى بأنه لم يولد وقائل يقول :

٢٢٠