البحث والتفتيش حتّى يعلموا صحّة ما قالوه فيعملوا به ، وقد استوفينا الكلام في ذلك في كتاب أُصول الفقه لا نطوّل بذكره هنا (١). انتهى كلامه قدسسره ورفع مقامه.
نعم يمكن أن يقال : إنّا نقطع بأنّ الآية الشريفة أجنبية عن جعل الاحتياط ، فإنّه إن كان المدار فيه على مجرّد الاحتمال كان ذكره عقيب الإنذار لغواً إلاّباعتبار كونه أحد مثيرات الاحتمال ، وهو بعيد جدّاً لا يناسب سوق الآية الشريفة ، بل يمكن القول إنّ جعل الاحتياط الشرعي بعيد عن الذوق في آيات الأحكام والتشريع. وأمّا وجوب الفحص والنظر في المعجزة ونحو ذلك ممّا استشهد به قدسسره ، فالظاهر أنّه أجنبي عن سوق الآية الشريفة ، فتأمّل. وكأنّه لأجل هذه الجهات تسالموا على الظاهر على أنّ المراد بالحذر في الآية الشريفة هو العمل على طبق الإنذار على أنّه الواقع.
قوله : ولا فرق في الفتوى والرواية في أنّ كلاً منهما يشتمل على التخويف ضمناً ، فإنّ الإخبار بالوجوب يتضمّن الإخبار بما يستتبع مخالفته من العقاب ... الخ (٢).
وحينئذ تكون الآية شاملة لكلّ من الفتوى والرواية ، ولكن قرينة التفقّه لعلّها توجب الاختصاص بالفتوى. وقد تصدّى قدسسره لدفع هذه الشبهة في الدورة الأخيرة بما حاصله : أنّ التفقّه والاجتهاد في الصدر الأوّل لا يحتاج إلاّإلى إثبات الصدور ، وإعمال الأُصول العقلائية المشخّصة للظواهر ونحوها ممّا يسهل أمره ، وهذا نصّ ما حرّرته عنه قدسسره : وهو أنّ التفقّه عبارة عن تعلّم أحكام الدين ، وهو كما يتأتّى في حقّ المجتهد بإعمال قواعد السند والأُصول الجهتية ، فكذلك يتأتّى من
__________________
(١) التبيان ٥ : ٣٢٢ ـ ٣٢٣.
(٢) فوائد الأُصول ٣ : ١٨٨ ـ ١٨٩.