وتستحقّون بها الجنّة ونعيمها ﴿أَنْ تُوَلُّوا﴾ وتصرفوا يا معشر اليهود والنّصارى ﴿وُجُوهَكُمْ﴾ في الصّلاة ﴿قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ﴾ وطرفهما.
عن السّجّاد عليهالسلام : « قالت اليهود : قد صلّينا إلى قبلتنا هذه الصّلاة الكثيرة ، وفينا من يحيي اللّيل صلاة إليها. وقال كلّ واحد من الفريقين : أترى ربّنا يبطل أعمالنا هذه الكثيرة وصلواتنا إلى قبلتنا لأنّا لا نتّبع محمدا على هواه في نفسه ! » (١) الخبر.
ثمّ بعد ذلك أرشدهم إلى ما هو البرّ في حكم العقل والشّرع بقوله : ﴿وَلكِنَّ الْبِرَّ﴾ والخير الّذي ينبغي أن يهتمّ به برّ ﴿مَنْ آمَنَ بِاللهِ﴾ وأقرّ بوحدانيّته.
وقيل : إنّ المراد ، ولكن ذي البرّ والبارّ من آمن بالله (٢) وعرف مبدأه ﴿وَالْيَوْمِ الْآخِرِ﴾ ومعاده ﴿وَالْمَلائِكَةِ﴾ كلّهم ، وأنّهم عباد الله لا أولاده وليسوا بذكور ولا إناث ، وهم مكرمون عنده مطيعون لأمره ﴿وَالْكِتابِ﴾ الذي أنزله الله بتوسّط رسله ، ومنه القرآن ﴿وَالنَّبِيِّينَ﴾ جميعا ذوي الشّرائع وعيرهم.
هذا من حيث العقائد ، فجمعت الآية الإيمان بالامور الخمسة : الإيمان بالمبدأ ، والمعاد ، وصحّة الشّرائع التي نزلت بتوسّط الملائكة ، والكتب السّماويّة المنزلة إلى الأنبياء [ والايمان بالأنبياء ] ، واليهود قد أخلّوا بجميعها ، حيث قالوا بالتّجسيم (٣) والبخل في المبدأ (٤) ، وأنّه ﴿لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ﴾ في الآخرة ﴿إِلَّا أَيَّاماً مَعْدُودَةً﴾(٥) وقالوا : إنّ جبرئيل عدونا ونحن نعاديه ، وأنكروا الكتب وكفروا ببعضها ، واقتصروا بالإيمان بالتّوراة ، بل كفروا بكثير ممّا فيها ، وقتلوا كثيرا من الأنبياء مع أنّ البرّ لا يكون إلّا الايمان بالامور الخمسة ، ثمّ تتميمه بالعمل.
ولمّا كانت الأعمال على قسمين : ماليّة وبدنيّة ، وكانت الأعمال الماليّة أشقّ على النّفس من الأعمال البدنيّة ؛ قدّم ذكرها بقوله : ﴿وَآتَى الْمالَ﴾ وأعطاه ﴿عَلى حُبِّهِ﴾ والشّحّ به. وقيل : على حبّ الله (٦) .
وقيل : على حبّ الإيتاء (٧) بأن يكون طيب النّفس بإعطائه ﴿ذَوِي الْقُرْبى﴾ واولي الأرحام صدقة وبرّا وصلة.
__________________
(١) التفسير المنسوب إلى الإمام العسكري عليهالسلام : ٥٨٩ / ٣٥٣.
(٢) مجمع البيان ١ : ٤٧٦.
(٣) في النسخة : بالتجسّم.
(٤) يريد قوله تعالى : ( وَقالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللهِ مَغْلُولَةٌ ) ... [ المائدة : ٥ / ٦٤ ] .
(٥) البقرة : ٢ / ٨٠.
(٦) جوامع الجامع : ٣٢.
(٧) جوامع الجامع : ٣٢.