عين الدّين ، وكثرة الدّعاء مع العمى عن الله من علامة الخذلان ، من لم يشهد ذلّة نفسه وقلبه وسرّه تحت قدرة الله حكم على الله بالسّؤال ، وظنّ أنّ سؤاله دعاء ، والحكم على الله من الجرأة على الله » (١) .
وفي رواية : قيل له عليهالسلام : إنّ الله يقول : ﴿ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ﴾ وإنّا ندعو فلا يستجاب لنا ؟ فقال : « لأنّكم لا توفون بعهده ، وإنّ الله يقول : ﴿أَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ﴾(٢) والله لو وفيتم [ لله ] لو فى الله لكم » (٣) .
في دفع توهّم عدم الفائدة للدعاء
ثمّ اعلم أنّ بعض الجهّال قالوا : إنّ الدّعاء عديم الفائدة ؛ لأنّ المطلوب بالدّعاء إن كان معلوم الوقوع عند الله تعالى كان واجب الوقوع ، وإن كان غير معلوم الوقوع كان ممتنع الوقوع ، فلا فائدة في الدّعاء على التّقديرين.
وهو واضح الفساد ، إذ قد يكون أمر معلوم الوقوع على تقدير الدعاء حيث إنّ للدّعاء دخالة تامّة في مصلحة ذلك الأمر ، فقد لا تكون المصلحة في إيجاد المطلوب ، وبالدّعاء يوجد فيه الصّلاح ، والآيات والأخبار المتواترة ناصّة على فائدته ، بل هي من ضروريّات الدّين فمنكرها كافر.
في دفع المنافاة بين الدعاء والرضا بقضاء الله
وأمّا ما قيل من أنّه : ثبت بشواهد العقل والأخبار الصّحيحة أنّ الرّضا بقضاء الله من أجلّ مقامات الصّدّيقين وأعلاها ، والدّعاء مناف للرّضا ، حيث إنّ فيه ترجيح مراد النّفس على مراد الله ، وطلب حظوظ البشريّة.
ففيه : أنّ الدّعاء إظهار لجهة العبوديّة من الحاجة والذّلّة والمسكنة مع الرّضا بقضاء الله وقدره لعدم المنافاة بينهما ، وذلك من أعظم مقامات الأولياء ، بل الآيات والأخبار المتواترة ناصّة على كونه من أفضل العبادات ، بل في تركه مظنّة الاستكبار ، ولذا قال سبحانه : ﴿وَقالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ داخِرِينَ﴾(٤) .
﴿أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيامِ الرَّفَثُ إِلى نِسائِكُمْ هُنَّ لِباسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِباسٌ لَهُنَّ عَلِمَ
اللهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتابَ عَلَيْكُمْ وَعَفا عَنْكُمْ فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ
__________________
(١) تفسير الصافي ١ : ٢٠٤.
(٢) البقرة : ٢ / ٤٠.
(٣) تفسير القمي ١ : ٤٦ ، تفسير الصافي ١ : ٢٠٥.
(٤) غافر : ٤٠ / ٦٠.