في تفسير سورة آل عمران
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
﴿الم (١) اللهُ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ (٢)﴾
وجه إرداف البقرة بآل عمران
ثمّ أنّه تعالى لمّا ختم السورة المباركة بالدعاء بالنصرة على الكافرين بالسيف والحجّة ، وكان ربعها أو أزيد تقريبا في المحاجّة مع اليهود ، اقتضى حسن النّظم إردافها بسورة آل عمران ، المتضمّنة لإجابة ذلك الدّعاء ، من جهة دلالتها على غلبة النبيّ والمسلمين ؛ بنصرته تعالى ، على النّصارى ، بالحجّة والمباهلة ، وبشارة المؤمنين بغلبتهم على الكفّار ، ونصرته لهم بقوله : ﴿قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ﴾(١) ، واشتمالها على خذلان الكفّار في غزوة احد ، وكونها إلى بضع وثمانين آية في المحاجّة مع النّصارى.
قصة وفد نصارى نجران
روي أنّه قدم على رسول الله صلىاللهعليهوآله وفد نجران ، وكانوا ستّين راكبا ، فيهم أربعة عشر رجلا من أشرافهم ؛ ثلاثة منهم أكابر ، إليهم يؤول أمرهم ، أحدهم أميرهم وصاحب مشورتهم العاقب ، واسمه عبد المسيح ، وثانيهم وزيرهم ومشيرهم السيّد ، واسمه الأيهم ، وثالثهم حبرهم واسقفّهم وصاحب مدارسهم يقال له أبو حارثة بن علقمة أحد بني بكر بن وائل ، وقد كان ملوك الرّوم شرّفوه وموّلوه وأكرموه لما بلغهم من علمه واجتهاده في دينهم ، وبنوا له كنائس ، فلمّا خرجوا من نجران ركب أبو حارثة بغلته ، وكان أخوه كرز بن علقمة إلى جنبه ، فبينا بغلة أبي حارثة تسير إذ عثرت ، فقال كرز تعسا للأبعد - يريد به رسول الله صلىاللهعليهوآله - فقال له أبو حارثة : بل تعست امّك ، فقال كرز : ولم يا أخي ؟ [ فقال أبو حارثة : ] إنّه والله النبيّ الذي كنّا ننتظره.
فقال أخوه كرز : فما يمنعك عنه ، وأنت تعلم هذا ؟ ! قال : لأن هؤلاء الملوك أعطونا أموالا كثيرة
__________________
(١) آل عمران : ٣ / ١٢.