الناس أنفسهم عليها ، ويسكنوا إلى أمر الله ونهيه [ فيها ] ، وكان ذلك من [ فعل الله عزوجل على وجه ] التدبير فيهم أصوب وأقرب لهم إلى الأخذ بها ، وأقلّ لنفارهم منها » (١) .
أقول : ولعلّه إلى جميع الوجوه المذكورة أشار سبحانه وتعالى بقوله : ﴿وَنَزَّلْناهُ تَنْزِيلاً﴾(٢) .
روي عن ابن عبّاس رضى الله عنه قال : أخذ موسى الألواح بعد ما سكن (٣) عنه الغضب ، فأمرهم بالذي أمر الله أن يبلّغهم من الوظائف ، فثقلت عليهم وأبوا أن يقرّوا بها حتّى نتق الله عليهم الجبل كأنّه ظلّة ، ودنا منهم حتّى خافوا أن يقع عليهم ، فأقرّوا بها (٤) .
أقول : لعلّه من الآصار التي كانت على بني إسرائيل أنّه نزلت التوراة على موسى دفعة ، وحمل عليهم جميع التكاليف بدوا ، فصار ثقيلا عليهم ، فأبوا عن قبولها.
الطرفة الخامسة
في أنّ جمع القرآن كان
في عصر النبي صلىاللهعليهوآله وبأمره
الحقّ الذي لا ينبغي أن يعرض عنه ، هو أنّ جمع القرآن كان في عصر النبيّ صلىاللهعليهوآله وبأمره لشهادة الآثار ، وحكم العقل ، ومساعدة الاعتبار.
[ أولا ] : أمّا الآثار فقد روي عن ابن عبّاس ، قال : قلت لعثمان : ما حملكم [ على ] أن عمدتم إلى الأنفال وهي من المثاني ، وإلى براءة وهي من المئين ، فقرنتم بينهما ولم تكتبوا بينهما سطر ( بسم الله الرحمن الرحيم ) ووضعتموهما في السبع الطوال (٥) ؟
فقال عثمان : كان رسول الله صلىاللهعليهوآله تنزل عليه [ السور ] ذوات العدد ، فكان إذا نزل عليه الشيء دعا بعض من كان يكتب فيقول : ضعوا هذه الآيات في السورة التي يذكر فيها كذا وكذا ، وكانت الأنفال من أوائل ما نزل بالمدينة ، وكانت براءة من آخر القرآن نزولا ، وكانت قصّتها شبيهة بقصّتها ، فظننت أنّها منها ، فقبض رسول الله صلىاللهعليهوآله ولم يبيّن لنا أنّها منها ، فمن أجل ذلك قرنت بينهما ولم أكتب بينهما سطر
__________________
(١) الكافي ٦ : ٤٠٧ / ٢.
(٢) الاسراء : ١٧ / ١٠٦.
(٣) في الاتقان : سكت.
(٤) الإتقان في علوم القرآن ١ : ١٥٤.
(٥) قيل : السبع الطوال هي السبع الأول بعد الفاتحة ، والمئين من سوره الإسراء إلى سبع سور ، سميت بذلك لأنّ كلّ منها على نحو مائة آية ، والمثاني بقية السور. تفسير الصافي ١ : ١٨ ، وراجع : الطرفة (١٣) .