﴿لا إِكْراهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللهِ
فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقى لا انْفِصامَ لَها وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (٢٥٦)﴾
ثمّ أنّه بعد ما بيّن الله تعالى اصول المعارف الحقّة - من تفرّده بذاته وتعاليه بالشؤون الجليلة الجميلة التي تحكم بها العقول السّليمة ، وجملة من الأحكام التي توافق العادات والحكم الكاملة ، وكان فيها الدّلالة الواضحة على صحّة دين الإسلام ، بحيث لم يكن لأحد مجال الشّكّ والتّرديد فيه - بيّن أنّه لا عذر في الإقامة على الشّرك وعدم قبول الإسلام بقوله : ﴿لا إِكْراهَ فِي﴾ قبول ﴿الدِّينِ﴾ القويم الذي جاء به محمّد صلىاللهعليهوآله ، ولا مصداق لمفهومه ، حيث إنّه بالأدلّة العقليّة والآيات الباهرة ﴿قَدْ تَبَيَّنَ﴾ واتّضح ﴿الرُّشْدُ﴾ وسبيل الحقّ ، وهو ملّة التّوحيد ودين الإسلام ، وتميّز ﴿مِنَ الْغَيِ﴾ وطريق الضّلال ، وهو مذهب الوثنيّة ، وسائر الأديان الباطلة.
إن قيل : في تشريع الجهاد إكراه الكفّار ، فكيف ينفى مصداقه ؟
قلنا : ليس الإكراه إلزام الغير بما لا يرى فيه صلاحا وخيرا ، وبعد وضوح الحقّ يكون الامتناع عن قبوله عنادا ولجاجا ، فيكون قتل المعاند الجاحد عقوبة له كسائر الحدود المشروحة لا إكراها على قبول الدّين ، فالإسلام للكافر توبة من تلك المعصية.
قيل : إنّ الآية نزلت في المجوس ، وأهل الكتاب فإنّهم لا يكرهون على الإسلام ، بل تقبل منهم الجزية.
وفيه : أنّه لا يندفع به الإشكال ، لوضوح صدق الإكراه عند الإلزام بأحد الأمرين تخييرا ، مع أنّ الإكراه على الإسلام يتحقّق بتوعّد المكره وتخييره بين القتل وبذل المال مع الصّغار.
روي أنّه كان لأنصاري من بني سالم بن عوف ابنان ، قد تنصّرا قبل مبعثه صلىاللهعليهوآله ، ثمّ قدما المدينة فألزمهما أبوهما ، وقال : والله لا أدعكما حتى تسلما ، فأبيا ، فاختصموا إلى رسول الله صلىاللهعليهوآله ، فنزلت ، فخلّاهما (١) .
أقول : هذا محمول على ما قبل تشريع الجزية على أهل الكتاب ، ويمكن أن يراد بالدّين التّشيّع والولاية.
__________________
(١) تفسير أبي السعود ١ : ٢٤٩.