وقلوبكم من الإيمان والكفر ، والإرادات الحسنة والسّيّئة ﴿أَوْ تُخْفُوهُ﴾ وتستروه من كلّ أحد ، من الإرادات والعزمات ، دون الوساوس وخطورات النّفس التي لا عقد ولا عزيمة فيها ، لعدم الوسع في دفعها ﴿يُحاسِبْكُمْ﴾
ويؤاخذكم ﴿بِهِ اللهُ﴾ يوم الحساب.
عن ابن عبّاس رضى الله عنه أنّه قال : لمّا نزلت [ هذه ] الآية جاء أبو بكر وعمر وعبد الرحمن بن عوف (١) وناس إلى النبيّ صلىاللهعليهوآله ، فقالوا : يا رسول الله ، كلّفنا من العمل ما لا نطيق ، إنّ أحدنا ليحدّث نفسه بما لا يحبّ أن يثبت في قلبه ، وأنّ له الدّنيا. فقال النبيّ صلىاللهعليهوآله : « فلعلّكم تقولون كما قال بنو إسرائيل : سمعنا وعصينا ، قولوا : سمعنا وأطعنا » . وأشتدّ ذلك عليهم ، فمكثوا في ذلك حولا ، فأنزل الله : ﴿لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها﴾(٢) فنسخت هذه الآية ، فقال النبي صلىاللهعليهوآله : « إنّ الله تجاوز عن امّتي ما حدّثوا به أنفسهم ، ما لم يعملوا ويتكلّموا به » (٣) .
في رد استدلال العامّة بآية المحاسبة على بطلان مذهب الخاصة
أقول : في الاعتراض وفي الجواب من الدّلالة على فساد ضمائر المعترضين ما لا يخفى.
قيل : إنّما قدم الإبداء على الإخفاء ؛ لأنّ المتعلّق بما في أنفسهم هو المحاسبة ، والأصل فيها الأعمال البادية (٤) .
وقال جمع من العامّة : إنّ في الآية ردّ على منكري المحاسبة بما في النّفس ، من الإمامية والمعتزلة (٥) .
وفيه : أنّه إن اريد بما في النّفس الخطورات القلبيّة وحديث النّفس ، فأصحابنا الإمامية متّفقون على عدم المحاسبة به ، وما من ذي مسكة يخالفهم في ذلك. ولا شبهة أنّ عموم الآية - بقرينة حكم العقل بقبح المؤاخذة على ما لا يطاق - مخصوص بغيره.
وإن اريد به (٦) العزم والإرادة ، فانكار المحاسبة ليس ممّا اتّفقت عليه الإمامية ، لذهاب كثير منهم إلى ثبوت المحاسبة به ، والعقاب عليه ، مستدلّين بحكم العقل ، وكثير من الرّوايات. وأمّا ذهاب كثير منهم الى المعفوّ عنه ، فلتقييدهم الآية بطائفة اخرى من الأخبار المعتبرة ، وحملهم إطلاقها على الكفر
__________________
(١) زاد في تفسير الرازي : ومعاذ.
(٢) البقرة : ٢ / ٢٨٦.
(٣) تفسير الرازي ٧ : ١٢٥.
(٤) تفسير أبي السعود ١ : ٢٧٢.
(٥) تفسير أبي السعود ١ : ٢٧٢ ، تفسير روح البيان ١ : ٤٤٤.
(٦) أي وإن أريد بما في النفس.