ثمّ اعلم أنّ الأشاعرة استدلّوا بقوله : ﴿يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ﴾ على أنّ الإيمان بخلق الله من غير تأثير لإرادة العبد وقدرته. والمعتزلة استدلّوا بقوله : ﴿يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُماتِ﴾ على أنّ الكفر والعصيان مستندان إلى الخلق استقلالا ، من غير دخل الله تعالى فيهما ، وكلاهما في غاية الفساد لوضوح استناد الإيمان والكفر إلى إرادة العبد وقدرته وانتهائهما بالتّسبيب إلى إرادة الله.
﴿أَ لَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْراهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتاهُ اللهُ الْمُلْكَ إِذْ قالَ إِبْراهِيمُ رَبِّيَ
الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ قالَ إِبْراهِيمُ فَإِنَّ اللهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ
مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِها مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ
الظَّالِمِينَ (٢٥٨) أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلى قَرْيَةٍ وَهِيَ خاوِيَةٌ عَلى عُرُوشِها قالَ أَنَّى يُحْيِي
هذِهِ اللهُ بَعْدَ مَوْتِها فَأَماتَهُ اللهُ مِائَةَ عامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ قالَ كَمْ لَبِثْتَ قالَ لَبِثْتُ يَوْماً أَوْ
بَعْضَ يَوْمٍ قالَ بَلْ لَبِثْتَ مِائَةَ عامٍ فَانْظُرْ إِلى طَعامِكَ وَشَرابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ وَانْظُرْ
إِلى حِمارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِلنَّاسِ وَانْظُرْ إِلَى الْعِظامِ كَيْفَ نُنْشِزُها ثُمَّ نَكْسُوها
لَحْماً فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (٢٥٩)﴾
ثمّ أنّه تعالى استشهد على ولايته للمؤمنين ، وولاية الطّاغوت للكافرين بقصّة محاجّة إبراهيم وملك زمانه حيث قال مخاطبا لنبيّه : ﴿أَ لَمْ تَرَ﴾ قد مرّ سابقا أنّ في هذا التّعبير إشعارا بإحاطته صلوات الله عليه في عالم الأشباح بجميع وقائع هذا العالم ، وحضوره عندها.
في محاجّة نمرود إبراهيم
وقيل : إنّ المعنى : ألم ينته علمك الذي يضاهي الرؤية والعيان ، الحاصل بسبب إخبارنا ، الموجب لكمال الإيقان ﴿إِلَى﴾ نمرود بن كنعان ﴿الَّذِي حَاجَ﴾ وجادل وخاصم ﴿إِبْراهِيمَ﴾ لادّعائه الرّبوبيّة لنفسه ﴿فِي﴾ شأن ﴿رَبِّهِ﴾ وفي التّعريض لعنوان الرّبوبيّة مع إضافته إليه عليهالسلام تشريف له ، وإيذان بتأييده بالحجّة. وكانت مخاصمة نمرود لأجل ﴿أَنْ آتاهُ اللهُ الْمُلْكَ﴾ والسّلطنة الواسعة العظيمة فاغترّ بها وبطر حتى ادّعى الرّبوبيّة.
عن مجاهد : أنّه لم يملك الدّنيا إلّا أربعة : مسلمان وكافران ، فالمسلمان : سليمان وذو القرنين ،