لمقدار منها مستقرّا على الإيمان ، وترسخا لليقين في قلوبهم.
قيل : إنّ العلائق الدّنيويّة تعلّق القلب بين الدنيا والآخرة وبين الإيمان والكفر ، فما لم يقطع المؤمن جميع العلائق الدّنيويّة من قلبه لا يستقرّ قلبه على الإيمان ويتمحّض للآخرة ، ولا شكّ أنّ من العلائق حبّ المال ، ومنها حبّ الحياة ، ومنها حبّ الأهل والأولاد ، فكلّما قطع علاقة منها حصل له بعض الثّبات ، أو حصل لبعض نفسه الاستقرار على الإيمان ، ولبعض قلبه التّوجّه إلى الحقّ.
أقول : لا ريب أنّ المواظبة على العبادات والرّياضات النّفسانيّة تورث القلب نورا وضياء تزول به ظلمة الشّكوك والشّبهات ن ويزداد به اليقين فيها حتى تكون المعارف والعقائد الحقّة راسخة فيها فتكون كلّ عبادة من العبادات موجبا لزيادة مرتبة من اليقين ، وثبات بعض القلب على الإيمان.
فالإنفاق لهذين الغرضين يكون مثله في كثرة النّفع والثّواب ﴿كَمَثَلِ جَنَّةٍ﴾ واقعة ﴿بِرَبْوَةٍ﴾ ونظير بستان كائن في مكان مرتفع مصون من أن يفسده البرد للطافة الهواء وهبوب الرّياح.
قيل : إنّ الأشجار الواقعة في الرّبوة تكون أحسن منظرا وأزكى ثمرا ، وأمّا الأراضي المنخفضة فقلّما تسلم ثمارها من البرد ، لكثافة هوائها بركود الرّياح (١) .
وقيل : إنّ المراد من الربوة الأرض اللّيّنة الجيّدة ، بحيث إذا نزل عليها المطر انتفخت ونمت ، فإذا كانت الأرض كذلك يكثر ريعها ، وتكمل ثمارها وأشجارها (٢) ، بخلاف الأراضي المرتفعة ، فإنّها يقل انتفاعها من الأنهار ، وتكثر فيها الرّياح المضرّة.
وعلى أي تقدير يفرض أنّ تلك الجنّة العالية ﴿أَصابَها﴾ ونزل عليها ﴿وابِلٌ﴾ مطر نافع عظيم القطر ﴿فَآتَتْ﴾ تلك الجنّة صاحبها حينئذ ﴿أُكُلَها﴾ وثمارها ﴿ضِعْفَيْنِ﴾ قيل : يعني مثلي ما كان يعهد من هذا البستان من الثّمر (٣) .
عن ابن عبّاس : حملت في سنة من الرّيع ما يحمل غيرها في سنتين. وقيل : الضّعف : مثلي الشيء ، وضعفيه : أربعة أمثاله (٤) .
﴿فَإِنْ لَمْ يُصِبْها وابِلٌ فَطَلٌ﴾ ومطر صغير القطر ، يكفيها لمضاعفة ثمرها ، لكرامة منبتها ، وجودة
__________________
(١) تفسير روح البيان ١ : ٤٢٥.
(٢) وكذا.
(٣) تفسير روح البيان ١ : ٤٢٥.
(٤) تفسير روح البيان ١ : ٤٢٥.