قريش فقالوا : كيف يسع النّاس إله واحد ؟ فنزل ﴿إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ﴾(١) .
وروي أنّ المشركين كان لهم حول البيت ثلاثمائة وستّون صنما ، فلمّا سمعوا آية ﴿إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ﴾ . قالوا : إن كنت صادقا فأت بآية نعرف بها صدقك ، فنزل ﴿إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ *﴾ الآية (٢) .
وروي عن سعيد (٣) بن مسروق ، قال سألت قريش اليهود ، فقالوا : حدّثونا بما جاءكم [به] موسى من الآيات فحدّثوهم بالعصا وباليد البيضاء ، وسألوا النّصارى عن ذلك فحدّثوهم بإبراء الأكمه والأبرص وإحياء الموتى.
فقالت قريش عند ذلك للنّبيّ صلىاللهعليهوآله : ادعوا الله أن يجعل لنا الصّفا ذهبا فنزداد يقينا وقوّة على عدوّنا فسأل ربّه ذلك ، فأوحى الله تعالى إليه أن يعطيهم ، ولكن إن كذّبوك بعد ذلك لاعذّبنّهم عذابا لا اعذّبه أحدا من العالمين !
فقال صلىاللهعليهوآله « ذرني وقومي أدعوهم يوما فيوما » ، فأنزل الله تعالى هذه الآية مبينا لهم أنّهم إنّ كانوا يريدون أن أجعل لهم الصّفا ذهبا ليزدادوا يقينا ، فخلق السّماوات والأرض وسائر ما ذكر في الآية أعظم (٤) .
أقول : ظاهر الرّواية أنّ قريش الذين اقترحوا على رسول الله صلىاللهعليهوآله أن يجعل لهم الصّفا ذهبا ، كانوا من المؤمنين به ، حيث قالوا : فنزداد يقينا وقوّة على عدوّنا ، والظاهر أنّه لم يكن في المؤمنين منهم أجسر من صنميهم.
﴿إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي
تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِما يَنْفَعُ النَّاسَ وَما أَنْزَلَ اللهُ مِنَ السَّماءِ مِنْ ماءٍ فَأَحْيا بِهِ
الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها وَبَثَّ فِيها مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّياحِ وَالسَّحابِ
الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (١٦٤)﴾
__________________
(١) تفسير الرازي ٤ : ١٧٩ ، والآية من سورة البقرة : ٢ / ١٦٤.
(٢) تفسير أبي الفتوح ١ : ١٨٤ ، تفسير روح البيان ١ : ٢٦٧.
(٣) في النسخة : شعبة ، وهو سعيد بن مسروق الثوري ، راجع : تهذيب الكمال ١١ : ٦٠.
(٤) تفسير الرازي ٤ : ١٧٩.