ثمّ بيّن سبحانه مراتب رجحان الصّدقات من حيث الإعلان والإسرار ، وتفاوتهما في الأجر بقوله : ﴿إِنْ تُبْدُوا﴾ وتظهروا ﴿الصَّدَقاتِ﴾ المفروضة والمندوبة ، كما هو ظاهر عموم اللّفظ ﴿فَنِعِمَّا هِيَ﴾ أي شيء ممدوح ، ذلك الإبداء عند الله إن سلم من السّمعة والرّياء.
﴿وَإِنْ تُخْفُوها﴾ من النّاس ﴿وَتُؤْتُوهَا﴾ الذين علمتموهم ﴿الْفُقَراءَ﴾ وغير المالكين مؤنة سنتهم ﴿فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ﴾ وأحسن وأفضل عند الله من الإبداء ، حيث إنّ الإعطاء في الخفاء أبعد من الرّياء ، وأحفظ لعرض الفقراء.
قيل : وجه التّصريح عند الإخفاء بالإيتاء للفقراء - مع أنّه واجب في الإبداء أيضا - أنّ الإخفاء مظنّة الالتباس ، فإنّ الغنيّ ربّما يدّعي الفقر ويقبل الصّدقة سرّا ، ولا يفعل ذلك عند النّاس (١) .
﴿وَيُكَفِّرُ﴾ الله ويستر ﴿عَنْكُمْ﴾ بعفوه بعضا ﴿مِنْ سَيِّئاتِكُمْ﴾ وشيئا من ذنوبكم ، وقيل : إنّ ( من ) زائدة ، والمعنى : يمحو عنكم جميع ذنوبكم (٢) . فجعل الله ستر الذّنوب جزاء لستر الصّدقات.
﴿وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ﴾ من الصّدقات وسائر العبادات ، ولو كان في السّرّ والخفية ﴿خَبِيرٌ﴾ ومطّلع ، فمن يطلب بها مرضاة الله يحصل مطلوبه بإتيانها في السّرّ ، إذ لا تخفى على الله خافية.
عن النبيّ صلىاللهعليهوآله : « صدقة السّرّ تطفئ غضب الرّبّ ، وتدفع (٣) الخطيئة ، كما يطفئ الماء النّار ، وتدفع سبعين بابا من البلاء » (٤) .
وعنه صلىاللهعليهوآله : « سبعة يظلّهم الله بظلّة يوم لا ظلّ إلّا ظلّه - إلى أن قال - : ورجل تصدّق بصدقة فأخفاها ، حتى لا تعلم يمينه ما أنفق بشماله » (٥) .
وعن الباقر عليهالسلام ، في قوله عزوجل : ﴿إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقاتِ فَنِعِمَّا هِيَ﴾ قال : « يعني الزّكاة المفروضة » قال : قلت : ﴿وَإِنْ تُخْفُوها وَتُؤْتُوهَا الْفُقَراءَ﴾ قال : « يعني النّافلة » (٦) .
وعن الصادق عليهالسلام ، في قوله : ﴿تُخْفُوها﴾ قال : « هي سوى الزّكاة ، إنّ الزّكاة علانيّة خير له » (٧) .
وعنه عليهالسلام : « فإنّ كلّ ما فرض الله عليك فإعلانه أفضل من إسراره [ وكلّ ما كان تطوّعا فإسراره أفضل من إعلانه ] ولو أنّ رجلا حمل زكاته على عاتقه ، فقسّمها علانيّة ، كان ذلك حسنا جميلا » (٨) .
__________________
(١) تفسير روح البيان ١ : ٤٣٢ و٤٣٣.
(٢) تفسير الرازي ٧ : ٧٦. (٣) في مجمع البيان : وتطفئ.
(٤) مجمع البيان ٢ : ٣٨٥. طبعة شركة المعارف الإسلامية.
(٥) مجمع البيان ٢ : ٦٦٣. (٦) الكافي ٤ : ٦٠ / ١.
(٧) الكافي ٣ : ٥٠٢ / ١٧ ، وفيه : علانية غير سرّ.
(٨) الكافي ٣ : ٥٠١ / ١٦.