عزوجل فيقفوا بين يديه ليشهدوا له بالعمل الصالح المخلص لله. فيقول الله عزوجل : أنتم الحفظة على عمل عبدي ، وأنا الرّقيب على قلبه ، إنّه لم يردني بهذا العمل وأراد به غيري فعليه لعنتي. فتقول الملائكة : عليه لعنتك ولعنتنا ، فتلعنه السّماوات السّبع ومن فيهنّ » (١) .
﴿وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنا عَلى عَبْدِنا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا
شُهَداءَكُمْ مِنْ دُونِ اللهِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (٢٣) فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا
النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكافِرِينَ (٢٤)﴾
في إثبات رسالة خاتم النبيين صلىاللهعليهوآله بكتابه الذي هو من أعظم معجزاته وتحدّيه به.
ثمّ إنّه تعالى بعد الدعوة إلى توحيده واستحقاقه العبادة واقامة البرهان عليهما ، شرع في الدعوة إلى الايمان بكتابه الذي هو من أعظم الأدلّة على النبوّة بقوله : ﴿وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ﴾ وشكّ ﴿مِمَّا نَزَّلْنا﴾ نجوما وتدريجا من القرآن ﴿عَلى عَبْدِنا﴾ محمّد صلىاللهعليهوآله مع أنّه لا مجال للرّيب في أنّه حقّ ونازل من قبل الله ، لكونه في أعلى درجة الإعجاز ﴿فَأْتُوا﴾ وهاتوا أيّها الماهرون في الفصاحة والبلاغة ﴿بِسُورَةٍ﴾ ولو كانت قصيرة ، وقطعة كلام ولو كانت مختصرة كائنة ﴿مِنْ مِثْلِهِ﴾ وعلى صفة ما نزّلناه من الفصاحة والبلاغة ، أو من مثل محمّد صلىاللهعليهوآله الأمّيّ الذي لم يقرأ ولم يكتب ولم يتعلّم من أحد في مدّة عمره ، وكلّكم مطّلعون على أمره ﴿وَادْعُوا﴾ معاشر المشركين ﴿شُهَداءَكُمْ﴾ وأصنامكم الذين تعبدونها ﴿مِنْ دُونِ اللهِ﴾ وتسمية الأصنام شهداء بملاحظة أنّ مشركي العرب كانوا يعتقدون أن أصنامهم يشهدون عند الله بعبادتهم ، ويشفعون لهم ، ويغيثونهم عند الشّدائد ، وينجونهم من البلايا والشدائد.
ويحتمل أن يكون الخطاب شاملا لجميع أهل الكتاب أيضا ، ويكون شهداؤهم شياطينهم الذين كانوا يعتقدون أنّهم أنصارهم ، وعلى هذا يكون حاصل المعنى : ادعوا - أيّها المشركون ، ومعاشر أهل الكتاب - أصنامكم وشياطينكم الّذين هم أنصاركم ليعينوكم على إتيان مثله ، ويشهدوا لكم أنّكم أتيتم بعدله في حسن النّظم وفصاحة البيان والاسلوب البديع ﴿إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ﴾ في قولكم : إنّ ما أتى به محمّد قول البشر وليس من الله الأكبر ، وإنّه تقوّل في ما أتى به وبهته على الله وافتراه ﴿فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا﴾ ما أمرتكم به من المعارضة ، ولم تأتوا بمثله بعد التظاهر والسّعي والجدّ والتفكّر ﴿وَلَنْ
__________________
(١) تفسير روح البيان ١ : ٧٧.