وقوّة سلطانه ﴿حَكِيمٌ﴾ لا ينتقم إلّا بالحقّ ، ولا يعذّب إلّا بالاستحقاق.
﴿هَلْ يَنْظُرُونَ إِلاَّ أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمامِ وَالْمَلائِكَةُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ
وَإِلَى اللهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ (٢١٠)﴾
ثمّ أنّه تعالى بعد انهماك بيان المنافقين والمشركين في العناد واللّجاج ، وثباتهم على الكفر والفساد ، أعرض عن مخاطبتهم بالالتفات إلى الغيبة كأنّه يخاطب العقلاء ويستفهم عن سبب عنادهم ، توبيخا وإنكارا عليهم ، بقوله : ﴿هَلْ يَنْظُرُونَ﴾ وينتظرون من عدم الدخول في الاستسلام والوقوف على الكفر والنفاق بعد إتمام الحجّة ، ومشاهدة ما يمكن ظهوره من الآيات والمعجزات وقطع العذر في التمرّد والمخالفة ﴿إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللهُ﴾ ببأسه وعذابه الكائن ﴿فِي ظُلَلٍ﴾ وقطع مظلّلات ﴿مِنَ الْغَمامِ﴾ والسّحاب الذي يتوقّع منه الرّحمة ، فينزل به العذاب والنّقمة ، ﴿وَ﴾ يأتيهم ﴿الْمَلائِكَةُ﴾ الذين هم وسائط العذاب. أو المراد : أو يأتيهم العذاب في جمع من الملائكة ﴿وَ﴾ الحال أنّه ﴿قُضِيَ الْأَمْرُ﴾ وتمّ إهلاكهم ، وفرغ منه ، وبدا لهم ما لم يكونوا يحتسبون ويتوقّعون ، فوضع الماضي موضع المستقبل لتحققّ الوقوع. وملخّصه أنّ الحجّة قد قامت وتمّت عليهم بحيث لم يبق له انتظار إلّا نزول عذاب الاستئصال ، ويمكن أن يكون المراد : بل ينتظرون يوم القيامة الذي تشقّق فيه الغمام ، وتنزّل الملائكة تنزيلا.
﴿وَإِلَى اللهِ﴾ في ذلك اليوم ﴿تُرْجَعُ الْأُمُورُ﴾ كلّها ، ومنها تعذيب اولئك المصرّين على الكفر. والتعبير برجوع الامور إليه باعتبار أنّه تعالى قد ملّك النّاس امورا في الدنيا امتحانا ، فإذا جاء يوم القيامة ترجع جميع الامور في الظاهر والواقع من غيره إليه وحده ، لا قدرة لغيره على شيء ولو في الظاهر.
عن ( تفسير الإمام عليهالسلام ) في تفسير الآية : « أي هل ينظر هؤلاء المكذّبون بعد إيضاحنا لهم الآيات ، وقطعنا معاذيرهم بالمعجزات إلّا أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام وتأتيهم الملائكة ، كما كانوا اقترحوا عليك اقتراحهم المحال في الدنيا ، في إتيان الله الذي لا يجوز عليه الإتيان ، واقتراحهم الباطل في إتيان الملائكة الذين لا يأتون إلّا مع زوال هذا التعبّد لأنّه (١) وقت مجيىء الأملاك بالإهلاك ، فهم
__________________
(١) في المصدر : التعبد ، وحين وقوع هلاك الظالمين بظلمهم ووقتك هذا وقت تعبّد لا.