وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ﴾ ولمّا كان مطابقا لاعتقادهم ، وإنّ كان مخالفا للواقع ، لم يكن كذبا منافيا لعصمتهم.
﴿قالُوا﴾ تنزيها له عن فعل مناف للحكمة أو تعجيبا من أمره بما هو خارج عن وسعهم من إنبائهم بالأسماء مع علمه بجهلهم بها : ﴿سُبْحانَكَ﴾ إنّك تعلم أنّه ﴿لا عِلْمَ لَنا﴾ بشيء ﴿إِلَّا ما عَلَّمْتَنا﴾ بإفاضتك علينا ﴿إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ﴾ المحيط بجميع المصالح والمفاسد وخفيّات الامور ﴿الْحَكِيمُ﴾ في جميع أفعالك ، لا يصدر منك إلّا ما فيه الصّلاح الأتمّ.
قيل : إنّ المؤمن بعد اطّلاعه على قول الملائكة : ﴿لا عِلْمَ لَنا﴾ لا ينبغي أن يتأنّف عن قول لا أدري ولا أعلم (١) .
﴿قالَ يا آدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمائِهِمْ فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمائِهِمْ قالَ أَ لَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ
غَيْبَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَأَعْلَمُ ما تُبْدُونَ وَما كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ (٣٣)﴾
ثمّ ﴿قالَ﴾ الله : ﴿يا آدَمُ﴾ أظهر سعة علمك للملائكة و﴿أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمائِهِمْ﴾ أي أسماء الأشباح.
﴿فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ﴾ وأخبرهم ﴿بِأَسْمائِهِمْ قالَ﴾ الله تعالى تقريرا لهم : ﴿أَ لَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ﴾ وخفيّات أسرارهما وحكم جميع ما خلقته فيها قبل خلقه ﴿وَأَعْلَمُ ما تُبْدُونَ﴾ من قولكم : ﴿أَ تَجْعَلُ فِيها﴾(٢) إلى آخره ﴿وَما كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ﴾ وتخفون في ضمائركم من هذا القول ، أو اعتقاد أنّه لم يخلق الله خلقا أكرم عليه منّا.
وقيل : إنّ المراد ما كتم إبليس من تمرّده لأمر الله بالسّجود لآدم.
وفي الآية دلالة على أفضلية العلم من جميع الكمالات النفسانيّة ، حيث احتجّ سبحانه وتعالى على كمال حكمته بظهور علم آدم ، ولو كانت صفة اخرى أفضل منه لاحتجّ بها.
في حديث أبي ذرّ رضى الله عنه : « حضور مجلس علم أفضل من صلاة ألف ركعة ، وعيادة ألف مريض ، وشهود ألف جنازة » فقيل : يا رسول الله ، ومن قراءة القرآن ؟ قال : « وهل ينفع القرآن إلّا بعلم » (٣) .
﴿وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبى وَاسْتَكْبَرَ وَكانَ مِنَ
__________________
(١) تفسير روح البيان ١ : ١٠١.
(٢) البقرة : ٢ / ٣٠.
(٣) تفسير روح البيان ١ : ١٠٢.