وقيل : إنّ المراد أنّه لو اهدي إليكم الرّديء لا تأخذونه إلّا عن استحياء وإغماض.
عن الصادق عليهالسلام قال : « كان رسول الله صلىاللهعليهوآله إذا أمر بالنّخل أن يزكّى ، يجيء أقوام بألوان من التّمر هو من أردأ التّمر ، يؤدّونه من زكاتهم ، تمرة يقال لها الجعرور (١) والمعافارة ، قليلة اللّحاء ، عظيمة النّواة ، وكان بعضهم يجيء بها عن [ التمر ] الجيّد ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوآله : لا تخرصوا هاتين التّمرتين ، ولا تجيئوا منهما بشيء. وفي ذلك نزل : ﴿وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ﴾(٢) الخبر.
﴿وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ غَنِيٌ﴾ عن إنفاقكم ، وأمره به ليس لحاجة إليه ، بل إنّما هو لنفعكم وحاجتكم إليه في تكميل نفوسكم ﴿حَمِيدٌ﴾ قيل : يعني مستحقّ للحمد على نعمه عليكم ، وقيل : إنّ معناه أنّه حامد على إعطاء الجيّد ، ومثيب عليه.
وفي الأمر بالعلم إشعار بأنّ إعطاء الرّديء لا يكون إلّا لأجل الجهل بغنائه تعالى ، ولتوهّم حاجته واضطراره إلى هذا الرّديء ، فيقبله البتّة ، وأما إذا علم أنّ ما يعطيه بمنزلة البذر ، ليحصد حاصله في يوم فقره وفاقته ، فلا بدّ من أن يبالغ في جودته.
﴿الشَّيْطانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشاءِ وَاللهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلاً وَاللهُ
واسِعٌ عَلِيمٌ (٢٦٨)﴾
ثمّ لمّا رغّب سبحانه في الإنفاق بجياد المال ، وكان الشّيطان يمنع عنه بوسوسته ، ويردع عنه بتسويله ، نبّه المؤمنين به ، وبقبح طاعته بقوله : ﴿الشَّيْطانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ﴾ ويوسوس في قلوبكم أنّ عاقبة إنفاقكم عدم المال ، وصفر اليد ، والابتلاء بشدّة الحاجة ﴿وَيَأْمُرُكُمْ﴾ بتسويله ويغريكم ﴿بِالْفَحْشاءِ﴾ والقبائح العقليّة من البخل ومنع الحقوق الواجبة ﴿وَاللهُ يَعِدُكُمْ﴾ في إنفاقكم ﴿مَغْفِرَةً﴾ وسترا كائنا ﴿مِنْهُ﴾ لذنوبكم ﴿وَفَضْلاً﴾ وزيادة في المال والأجر.
عن ابن مسعود : أنّ للشّيطان لمّة (٣) ؛ وهي الإيعاد بالشّرّ ، وللملك لمّة ؛ وهي الوعد بالخير ، فمن وجد ذلك فليعلم أنّه من الله ، ومن وجد الأوّل فليتعوّذ بالله من الشّيطان الرّجيم. ثمّ قرأ هذه الآية (٤) .
﴿وَاللهُ واسِعٌ﴾ ومنبسط فضله على المنفقين في وجوه الخير ﴿عَلِيمٌ﴾ بمقدار إنفاقهم وخلوص
__________________
(١) الجعرور : ضرب من التمر صغار لا ينتفع به.
(٢) الكافي ٤ : ٤٨ / ٩ ، تفسير الصافي ١ : ٢٧٥.
(٣) لمّة الشيطان : هي همّته وخطرته في قلب الإنسان.
(٤) تفسير الرازي ٧ : ٦٤.