الله صلىاللهعليهوآله جالسا وفاطمة عليهاالسلام تصلّي ، وبينهما شيء مغطّى ، فلمّا فرغت اجترّت (١) ذلك [ الشيء ] ، فإذا جفنة من خبز ولحم ، قال : يا فاطمة ، أنّى لك هذا ؟ قالت : ﴿هُوَ مِنْ عِنْدِ اللهِ إِنَّ اللهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ﴾ فقال رسول الله صلىاللهعليهوآله : ألا احدّثك بمثلك ومثلها ؟ قال : بلى ، قال : مثل زكريّا إذ دخل على مريم المحراب فوجد عندها رزقا ﴿قالَ يا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هذا قالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللهِ إِنَّ اللهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ﴾ فأكلوا منها شهرا ، وهي الجفنة التي يأكل منها القائم ، وهي عندنا » (٢) .
﴿هُنالِكَ دَعا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قالَ رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعاءِ (٣٨)
فَنادَتْهُ الْمَلائِكَةُ وَهُوَ قائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرابِ أَنَّ اللهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيى
مُصَدِّقاً بِكَلِمَةٍ مِنَ اللهِ وَسَيِّداً وَحَصُوراً وَنَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ (٣٩)﴾
ثمّ لمّا رأى زكريّا كرامة مريم عند الله ، ومنزلتها لديه ، تمنّى أن يكون له من أيشاع زوجته ولد مثل ولد حنّة في الجلالة والكرامة ، وهو عند مريم ﴿هُنالِكَ﴾ وفي مكانه ذلك ﴿دَعا زَكَرِيَّا رَبَّهُ﴾ وكان دعاؤه أن ﴿قالَ رَبِّ هَبْ لِي﴾ وأعطني ﴿مِنْ لَدُنْكَ﴾ ومن محض قدرتك ﴿ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً﴾ وولدا صالحا مباركا تقيّا مرضيّا ، تستطاب أخلاقه وأفعاله ، كما وهبت لحنّة ﴿إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعاءِ﴾ ومجيبه ﴿فَنادَتْهُ الْمَلائِكَةُ وَهُوَ قائِمٌ يُصَلِّي﴾ لربّه ﴿فِي الْمِحْرابِ﴾ الذي كان مكان مريم في المسجد : ﴿أَنَّ اللهَ يُبَشِّرُكَ﴾ يا زكريّا بولد ذكر يكون مسمّى ﴿بِيَحْيى﴾
قيل : إنّه سمّي به ؛ لأنّه يحيا به رحم امّه ، حيث كانت عجوزا عاقرا ، أو تحيا [ به ] القلوب ويحيا به أهل الجنّة والنّار في الآخرة ؛ لإنّه هو الذي يذبح الموت حين يجاء به بصورة الكبش الأملح في المحشر.
في أن يحيى أول من صدّق بنبوة عيسى عليهالسلام
ومن كمالات ذلك الولد أنّه يكون ﴿مُصَدِّقاً﴾ برسالة عيسى الملقّب ﴿بِكَلِمَةٍ مِنَ اللهِ﴾
روي أنّه كان أوّل تصديق يحيى بعيسى أنّه كان لا يصعد إلى مريم في صومعتها غير زكريّا ، وهو يصعد إليها بسلّم ، فإذا نزل أقفل عليها ، ثمّ فتح لها من فوق الباب كوّة صغيرة يدخل عليها منها الرّيح ، فلمّا وجد مريم وقد حبلت ، ساءه ذلك وقال في نفسه : ما كان يصعد إلى هذه أحد غيري
__________________
(١) في تفسير الصافي : اختبرت ، واجترّته : أي جذبته نحوها.
(٢) تفسير العياشي ١ : ٣٠٣ / ٦٨١ ، تفسير الصافي ١ : ٣٠٨.