الخلاف ، وممّا كان يعلم من أمر الخلافة بعده ، فإنّ إعراض الأمّة عن وصيّه وخليفته بعد استخلافه إيّاه وتنصيصه على رؤوس الأشهاد بولايته وإمامته ووصايته ، ثمّ إقبالهم وتبعيّتهم لمن لم يكن له حظّ من العلم والنّسب والحسب ، ليس بأعجب وأفضع من اتّخاذ قوم موسى العجل إلها مع مشاهدة الآيات والمعجزات الظاهرات.
﴿ثُمَّ عَفَوْنا عَنْكُمْ﴾ أي عن أسلافكم ﴿مِنْ بَعْدِ ذلِكَ﴾ الفعل الشّنيع ، وهو عبادة العجل ﴿لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾ لنعمة العفو التي أنعمنا بها على آبائكم ، فانّها كانت نعمة عليكم ، إذ لو عجّل في عقوبتهم لم يبق لهم نسل.
﴿وَإِذْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ وَالْفُرْقانَ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (٥٣)﴾
ثمّ ذكر النعمة الرابعة بقوله ﴿وَ﴾ اذكروا ﴿إِذْ آتَيْنا﴾ وأعطينا ﴿مُوسَى الْكِتابَ﴾ وهو التّوراة ﴿وَ﴾ أعطيناه ﴿الْفُرْقانَ﴾
روي أنّه عهد الإيمان بمحمّد صلىاللهعليهوآله وأوصيائه صلوات الله عليهم أجمعين ، فمن آمن بهم بقلبه ظهر نور في جبهته (١) .
وقيل : الفرقان : هي المعجزات الباهرات الفارقة بين المحقّ والمبطل (٢) .
وقيل : الكتاب والفرقان واحد ، فإنّ التّوراة جامعة بين [ كونها كتابا ] وبين الحجّيّة والتّفريق بين الحقّ والباطل (٣) .
﴿لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ﴾ إلى الحقّ بالنّظر في الآيات والتدبّر في الكتاب.
﴿وَإِذْ قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ يا قَوْمِ إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنْفُسَكُمْ بِاتِّخاذِكُمُ الْعِجْلَ فَتُوبُوا
إِلى بارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ عِنْدَ بارِئِكُمْ فَتابَ عَلَيْكُمْ إِنَّهُ هُوَ
التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (٥٤)﴾
ثمّ ذكر النعمة الخامسة بقوله : ﴿وَ﴾ اذكروا يا بني إسرائيل ﴿إِذْ قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ﴾ الذين عبدوا العجل ، شفقة عليهم : ﴿يا قَوْمِ﴾ اعلموا ﴿إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ﴾ وأضررتم ﴿أَنْفُسَكُمْ بِاتِّخاذِكُمُ الْعِجْلَ﴾
__________________
(١ و٢) . تفسير الصافي ١ : ١١٧.
(٣) تفسير روح البيان ١ : ١٣٤.