وهو من أهل الجنّة ، ومن خان في شيء منها ، أو تعدّى ما أمر الله فيها ، لقي الله ناقص الإيمان » (١) .
ونقل أنّ جماعة من المسلمين كأبي أمامة ، وسعد بن زرارة ، وبراء بن عازب ، وبراء بن معرور وغيرهم ، ماتوا على القبلة الاولى ، فتوهّم عشائرهم أنّ الصّلاة التي أتوا بها على القبلة الاولى كانت ضائعة ، لتوهّم أنّ الحكم الأوّل كان باطلا. فقالوا : يا رسول الله ، توفّي إخواننا على القبلة الاولى ، فكيف حالهم وحال صلواتهم ؟ فنزلت (٢) .
فحاصل مفاد الآية والله أعلم : أنّ التّكليف الأوّل كالتّكليف الثاني ، كلاهما عن مصلحة تامّة في وقتهما ، والمتمسّك بكلّ تكليف في وقته متمسّك بدين الله فيوفّيه أجره ، إنّه لا يضيع أجر المحسنين.
ثمّ علّل سبحانه تغيير القبلة وعدم الإضاعة بقوله : ﴿إِنَّ اللهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُفٌ﴾ فلا يرضى بضياع أعمالهم ﴿رَحِيمٌ﴾ مفضّل عليهم بنقلهم من صلاح إلى ما هو أصلح ، ومن نافع إلى ما وهو أنفع لهم في الدّين والدنيا. والمراد أنّه تعالى يعطيهم زيادة على أجر أعمالهم من رحمته وفضله ما لا يتصوّر ولا يحصى.
﴿قَدْ نَرى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّماءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضاها فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ
الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَحَيْثُ ما كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا
الْكِتابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَمَا اللهُ بِغافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ (١٤٤)﴾
ثمّ أنّه روي عن العسكريّ عليهالسلام « أنّه بعد حكاية مقالات اليهود في اتّباع النبيّ صلىاللهعليهوآله قبلتهم ، قال : فاشتدّ ذلك على رسول الله صلىاللهعليهوآله لما اتّصل به منهم ، وكره قبلتهم ، وأحبّ الكعبة فجاءه جبرئيل ، فقال له رسول الله صلىاللهعليهوآله : يا جبرئيل ، لوددت لو صرفني الله عزوجل عن بيت المقدس إلى الكعبة ، فلقد تأذّيت بما اتّصل بي من قبل اليهود. فقال جبرئيل عليهالسلام : فسل ربّك أن يحوّلك إليها ، فإنّه لا يردّك عن طلبتك ، ولا يخيّبك عن بغيتك. فلما استتمّ دعاءه صعد جبرئيل عليهالسلام ثمّ عاد من ساعته ، فقال : اقرأ يا محمّد ﴿قَدْ نَرى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّماءِ﴾(٣) ونشاهد تردّده في جهتها إلحاحا في الدّعاء وتطلّعا
__________________
(١) تفسير العياشي ١ : ١٦١ / ٢٢٠.
(٢) تفسير الرازي ٤ : ١٠٦.
(٣) التفسير المنسوب إلى الإمام العسكري عليهالسلام : ٤٩٢ / ٣١٢.